صالون الرأي
وجع القلب ولا وجع الدماغ
By amrسبتمبر 29, 2019, 12:35 م
1533
كلما مر يوم عليه يشعر أنه لم يكن هو ذلك الرجل الذى كان بالأمس، وأصبح شخصا مختلفا تماما، وهذا لم يعد ضربا من الخيال إنما حدث بالفعل، وقد سمعت حكاية هذا الشخص من طبيب صديق، ووصف لى الطبيب صدمة الرجل إزاء شعوره من تحوله إلى شخصية غاضبة وحاقدة حتى لأقرب الناس إليه، بعد أن كان يبادل كل من حوله ودا وحبا، واضطر الرجوع إلى طبيبه الجراح الكبير الذى أجرى له عملية القلب المفتوح منذ عدة شهور، وأخبره أنه أجرى له عملية زراعة قلب لشخص توفى على إثر حادث سيارة، وأخذ الرجل عنوان الذى يحمل قلبه من المستشفى، وذهب للسؤال عنه، وإذا حاول التحدث مع أى فرد من أفراد جيرانه يشيحون فى وجهه بأيديهم، وأجمعت كلهم على إجابة واحدة لا تجعلنا نزيد من عذابه فى قبره، ولن نذكر سوى الله يرحمه، وأدرك حينها سبب صراعه الداخلي.
ولا تتعجب كثيرا.. قد اعترف الدكتور «جاك كوبلاند» بتلك التغييرات الجذرية فى شخصيات من زرعت فيهم قلوب جديدة، وكان الدكتور كوبلاند يشغل رئيس قسم جراحة الأوعية الدموية بمركز سارفر للقلب بجامعة أريزونا، وأشرف على زراعة أكثر من 700 حالة قلب، وأثبت مع فريق بحثه أن للقلب جهازا عصبيا يشبه المخ تماما، وله أيضا ذاكرة، ويزرع قلب المتبرع وهو يحمل كل ذكرياته ومواهبه ومشاعره، وتنتقل بالتبعية إلى المريض، وأذهل هذا الاكتشاف فريق البحث من جراحى المخ والأعصاب والقلب، ووجد بروفيسور القلب «أسوارتز» عام 2002 أن للقلب دورا كبيرا فى التحكم فى شخصية الإنسان وسلوكه وفى ذكرياته، ويحدد مستوى الذكاء والغباء والإيمان والكفر، وذلك بعد إجرائه 300 عملية زراعة قلب فى الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى النقيض من الحكاية السابقة، ذكر أحد العلماء حالة مشابهة لسيدة شاذة جنسيا زرع الأطباء لها قلبا من سيدة متوفاة، وفجأة أصاب رفيقاتها الدهشة من رفضها التام لممارسة السحاق، وبدأت فى الابتعاد عنهم، وغيرت عادتها من عشقها للوجبات السريعة إلى إعداد طعامها فى البيت، وتعد هذه حالة لقلب سوى وصالح، وهنا تلح علينا عدة أسئلة أولها هل يجب التحرى عن كل شخص متبرع بقلبه لمريض بين الحياة أو الموت؟ والسؤال التالى ما طرق العلاج لتصويب الذكريات والسلوكيات السلبية لقلب المتبرع؟ والسؤال الأكثر أهمية هل القلب يتماثل مع طريقة عمل الدماغ للإنسان؟ وأكد ذلك الدكتور «أندرو أرمور» أن هناك دماغا شديدة التعقيد داخل القلب، وصدق قول الله تعالي: «ويطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون».
والسمع أحد وظائف القلب ومنها مسئوليته عن حواس الإنسان، وهذا طبقا للاكتشافات الحديثة، ومن أجل التحقق من صحتها أنشأت عدة جامعات غربية مراكز بحثية تهتم بدراسة العلاقة بين القلب والدماغ، ومازال هؤلاء العلماء حائرين فى الوصول للإجابة عن تلك التساؤلات، ومن ناحية أخرى يعكف فريق ثانٍ من العلماء على إجراء أبحاث لنقل دماغ أو رأس بأكملها إلى جسد جديد، وكان من بين أفضل ما توصلوا إليه فى هذا الصدد، إجراء عملية زراعة خلايا دماغية اصطناعية فى دماغ مريض مصاب بالسكتة الدماغية، وأخيرا نجح الأطباء فى عام 2018 فى علاج إصابات النخاع الشوكى لقرود وكلاب التى كان يستحيل علاجها، ويعكفون حاليا لإجرائها على الإنسان.
وبرغم شدة التعقيد فى زراعة دماغ شخص فى جسد آخر، تواجه العلماء تحديات أخرى أخلاقية، وعلى رأسها الذكريات والعادات والمعارف المكتبة، والتى تتنافى بالطبع مع عقائد وسلوكيات الشخص الآخر، مما يشير إلى أن أبحاث علماء طب القلب والمخ لم تستطع الإجابة عن على من تقع مسئولية سلوكيات وذكريات الإنسان القلب أم الدماغ؟ وإلى هذه اللحظة فشلت كل تجارب زراعة دماغ حيوان فى جسد حيوان ثان، وحتى الأدمغة التى نجحوا فى زرعها لدى بعض الحيوانات، دائما ما كانت تموت بعد فترة قصيرة، وإذا طرحنا فرضية نجاح عملية زراعة دماغ جديدة فى جسم إنسان رغم استحالتها، سنرى مباشرة تبرؤه من أسرته وواقعه، وسوف يبحث عن أفراد أسرة المتبرع بالدماغ للعيش معهم، اعتقادا منه أنهم عائلته الحقيقية، ولن يقتصر على ذلك بل سيقحم نفسه فى ممارسة وظيفة أو تجارة المتبرع.
مأساة إنسانية كبرى قد يرتكبها العلماء حال نجاحهم مستقبلا فى زراعة دماغ بشرية، تزامنا مع إمكانية فشلهم فى الوصول إلى علاج للوجع النفسى لأصحاب زراعة القلوب، ولكن إذا سلمنا بتلك النتيجة النهائية لأبحاث هؤلاء العلماء لرسوبهم فى إجراء عمليات زراعة الدماغ، واقتصار نجاحهم على زراعة القلب، فليس لدينا سوى التصديق على قول «وجع القلب ولا وجع الدماغ».
والحديث عن زراعة الأعضاء لن ينتهي، وما كان حلما بعيد المنال فى الماضي، صار واقعا ملموسا أنقذ آلاف البشر من الموت، وعلى سبيل المثال الأحلام التى رأت النور منذ وقت قريب زراعة الرحم، حيث اخترعوا رحم اصطناعى يشبه الكيس البلاستيك فى عام 2017، ووضعوا فيه جنين لماعز قبل اكتمال نموه، ومن طرائف زراعة الأعضاء يحكى أن طبيبا أمريكيا اسمه «جون برميكلي» فى أحد المقاطعات الريفية عاش فى القرن الماضي، نجح فى علاج رجل كان يعانى من الضعف الجنسى وإجراء عملية فى خصيته، وذلك بعد إلحاح من الرجل لعلاجه، وكان ذلك قبل اختراع الفياجرا، ثم أعلن الدكتور جون عن اكتشافه الطبى العبقري، وحينها شككت فى اكتشافه الأوساط الصحية فى أمريكا، ومع ذلك تمكن من علاج مئات الرجال من الضعف الجنسي، وذلك بخداعهم بأنه زرع فى خصية الرجال الغدة التناسلية لحيوان التيس، وفى النهاية يبدو أن الإنسان والحيوان معا سيبقا دائما ضحية تجارب العلماء.