في الرابع عشر من أكتوبر الحالي قال الرئيس الصيني شي جين بينغ «إن أي محاولة لتقسيم البلاد، قد ينتج عنها تحطيم أجساد وطحن عظام لتصبح مسحوقًا» وذلك وفق بيان الخارجية الصينية، والذي جاء تعليقًا على استمرار التظاهرات في هونج كونج (كانت حركة الاحتجاج قد بدأت في يونيو الماضي ضد مشروع قانون يسمح بتسليم مدانين للسلطات المركزية في بكين، وتم التخلي عن المشروع في بداية سبتمبر، لكن في هذه الأثناء رفع المحتجون سقف مطالبهم).
هدَّد الرئيس الصيني القوى الخارجية التي أتهمها بالوقوف خلف التظاهرات، قائلًا: «أي قوى خارجية تدعم تقسيم الصين لايمكن للشعب الصيني إلا أن يراها واهمة».
تشكل تلك التصريحات جزءًا من مشهد تحدثت عنه في حلقات سابقة خلال مخطط تفكيك الدول من أجل تنفيذ الاستراتيجية الأمريكية الكبرى التي تستهدف استمرار الهيمنة بتفتيت الخصوم أو أي قوي مناهضة وتدميرهم.
نستأنف فى السطور التالية كشف تفاصيل المخطط بعد أن توقفنا فى العدد الماضى مع أحداث عام 2010، وكيف تم تجهيز العناصر لنشر الفوضى فى المنطقة لتنفيذ أجندة أُعدَّت بإتقان شديد على أيدى خبراء وأجهزة استخبارات ومراكز بحثية تابعة لتلك الأجهزة.
وقع الاختيار على تونس لتكون أيقونة الأحداث بعد إعداد المنصات الإعلامية للتأثير فى العقل الجمعى للشعوب، واستطاعت الجزيرة وBBC ورويترز وعدد من الصحف التى تمتلك قطر حصص بها، منها على سبيل المثال صحيفة واشنطن بوست وCNN وغيرها؛ كما أصبح موقع تنظيم الإخوان الإرهابى أحد مصادر المعلومات بالإضافة الى التقارير الصادرة عن منظمات بعينها مثل «هيومن رايتس ووتش» (Human Rights Watch) والتى تأسست عام 1978 عقب توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل ومنظمة العفو الدولية (Amnesty International).
تم تحديد خطوات التحرك عقب التواصل مع قوى المعارضة السياسية فى الشارع وكذا القوى التى لديها أطماع وطموحات، مما يسَّر السيطرة عليها واستخدامها، إضافة إلى ضرورة كسب ثقة الشباب الذى سيكون بمثابة وقود تلك المعركة، إضافة إلى جماعات الإسلام السياسى التى اكتسبت أرضًا فى الشارع بفضل احترافها صياغة خطاب المظلومية من جانب ونتيجة أخطاء وقعت فيه الأنظمة والحكومات فى إدارة الدول من جانب آخر.
بدأت خطوات التحرك كالتالى:
الخطوة الأولى:
المطالبة بمكافحة الفساد الذى يضرب الدول، وهو الأمر الذى يلقى قبولًا لدى الشارع ويُحدث حالة من التوافق وتجميع عدد أكبر من المؤيدين على الأرض، مما يُكسب العناصر المزيد من القوة والثبات.
الخطوة الثانية:
مطالبة الأنظمة برفع الظلم عن المواطنين ورفع مستوى معيشتهم وتحقيق العدالة الاجتماعية للأفراد، وفى تلك الخطوة يتم الاحتكاك بأجهزة الأمن لتقدير رد الفعل واستغلال النقاط السلبية لإحداث شرخ فى العلاقة بين المواطن وأجهزة الأمن، فكان المواجهات تنطلق دائمًا من تلك النقطة (معاداة الأجهزة الأمنية).
الخطوة الثالثة:
تواصل العناصر الرئيسية التحركات (العناصر التى تم تدريبها على المواجهات و أخرى لإدارة الحوار والحديث لوسائل الاعلام ـ 150 ألف متدرب من مصر فقط) دون أى احتكاك مع الاجهزة الأمنية إلا بعد الاطمئنان لزيادة أعداد المؤيدين (المتظاهرين)، خاصة بعد تصدير صورة السلمية للتظاهرات.
وهو ما حدث فى تونس ومصر ثم ليبيا لتأخذ التحركات منحى آخر وهو الصدام المسلح.
الخطوة الرابعة:
وصول العناصر الخارجية للتحرك على الأرض فى اليوم الثالث والرابع من الثورات تحت ستار (وسائل إعلام ومراسلين، أعضاء منظمات حقوقية دولية ومجتمع مدنى، باحثين) وهم فى الحقيقة مجموعة من الجواسيس الذين قاموا بعمليات تدريب الكوادر التى تصدرت المشهد بشرط ألا يكون هناك رأس للمشهد حتى لا تستطيع حكومات الدول أن تجرى حوارًا معه وتجد حلًا تستطيع من خلاله تهدئة الحشد، ومنع الفوضى.
لذا كانت الثورات بلا قائد، وروجت الأذرع الاعلامية لذلك على اعتبار أنها انتفاضة شعبية، ومن المحمود ألا يكون لها قائد، فمحركها هو الشعب.
الخطوة الخامسة:
الاحتكاك بالأجهزة الأمنية ومحاولة إسقاط تلك المؤسسة لإحداث حالة من الفوضى فى الشارع مما ييسر تحرك العناصر الاستخباراتية ويجعلها أكثر قدرة على الحركة بعيدًا عن أعين الأمن وأجهزت المخابرات التى تكون فى ذلك التوقيت منشغلة بالشارع حال سقوط أجهزة الأمن الداخلى.
الخطوة السادسة:
التواصل بين عناصر المخابرات الخارجية والمتدربين وسط المتظاهرين للاتفاق على تطوير عملية التحرك حال الإمساك بزمام الأمور واهتزاز الأنظمة، مع استمرار الضغط الإعلامى الموجه من جانب قنوات ووسائل الإعلام، على الشارع وتقديم المتظاهرين كونهم المثل والقدوة للشعب من أجل زيادة الحشد مع تسليط الضوء على أى تجاوز من جانب الأمن مع التغافل عن تجاوزات المتظاهرين واستفزازهم الأجهزة الأمنية.
الخطوة السابعة:
الارتفاع بسقف المطالب حال تزايد الأعداد فى الشارع مع الحرص على استمرار التظاهرات للضغط على أجهزة الدولة المختلفة وإصابتها بحالة من الارتباك.
(يبدأ النداء بمكافحة الفساد، والعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ليرتفع سقف المطالب بعد ذلك وصولًا إلى إسقاط النظام).
هذا مع البعد فى الوقت ذاته عن الصدام مع القوة العسكرية «الجيش»، وهو ما حدث فى مصر وتونس قبل أن تتخذ التحركات منحى آخر فى كل من ليبيا وسوريا واليمن وذلك لتوافر مناخ مختلف حيث الطائفية والقبلية وكذا الاستقواء بالخارج من جانب المعارضة.
الخطوة الثامنة:
حال سقوط أحد مؤسسات الدولة وخاصة المؤسسة الأمنية، يتم دعم الفوضى حتى لا تتمكن إدارة البلاد من السيطرة عليها ومنح فرصة أكبر للجواسيس لجمع المعلومات والانتشار، وهو ما حدث فى بعض الدول العربية عام 2011، خاصة أن تلك المرحلة توصف دائمًا بالمرحلة الرخوة.
رصدت أجهزة المخابرات المصرية خلال ثورة يناير وجود عناصر مخابراتية وسط المتظاهرين فى عدد من الميادين وتم القبض عليهم عقب انتهاء المظاهرات فى فبراير 2011 ـ ومنهم الجاسوس الإسرائيلى إيلان جرابيل (Ilan Grapel).
دخل إيلان جرابيل مصر قبل أحداث يناير 2011 بأيام بجواز سفر هولندى واسم مزور وكان معه اثنين آخرين، لكنه غادر القاهرة فى فبراير 2011 إلى جهة غير معلومة، ثم ذهب العراق وكردستان وهولندا وإيران ثم إسرائيل ومنها إلى القاهرة مرة أخرى فى يونيو 2011 برًا عبر الحدود حيث تم القبض عليه بعد دخوله مصر بثلاثة أيام فى أحد الفنادق المطلة على ميدان التحرير بالقاهرة. كما ضبطت الأجهزة الأمنية خمس قضايا تجسس أخرى، كما قبض على جاسوسة إيرانية عقب الثورة.
كان جاريد كوهين Jared Cohen قد وصل إلى القاهرة ظهر يوم 27 يناير 2011 وتقابل مع وائل غنيم ليلة 28 وكان هذا سبب القبض على وائل غنيم، وذكرت إحدى الوثائق أن جاريد كوهين جاء إلى مصر للمشاركة فى مخطط كبير لنشر الفوضى الخلاقة وأن شركة جوجل غطاء لعمليات استخباراتية.
أشار جاريد فى كتابه «أطفال الجهاد» أن هناك تغيير مستقبلى فى العلاقات العربية الأمريكية وأن شباب هذه المنطقة مرتبطون ببعضهم عن طريق التكنولوجيا، وبالتالى يمكن فعل الكثير عن طريق التكنولوجيا.
زار برنارد هنرى ليفى (Bernard Henri Levi) القاهرة فى فبراير 2011، وهو يهودى يعمل بالصحافة أثناء وجوده بمصر، حيث التقى بالقيادى الإخوانى سعد الحسينى وبمدربة الرقص كريمة منصور وبرئيس مجلس إدارة إحدى الصحف القومية، كما زار ليبيا عدة مرات لدعم المواجهة المسلحة ضد نظام القذافى وكتب عن دوره فى قيام الحرب وتدخل الناتو كتاب »الحرب دون أن نحبها».
سافر ليفى قبل ذلك أيضًا إلى باكستان والسودان وأفغانستان والشيشان، وأخيرًا ظهر مؤيدًا للثورة الملونة فى أوكرانيا فبراير 2014؛ كما زار تونس فى نوفمبر 2014، ويدعم الحرب فى سوريا ويتمنى وصول فوضى الثورات إلى الجزائر.
إيريك هارون (Eric Harroun)، جاسوس أمريكى دخل مصر فى نوفمبر 2010 وبعدها بشهرين ذهب إلى ميدان التحرير عند اندلاع أحداث يناير حيث أخبره زملاؤه فى مصر بالمشاركة، ويذكر أنه شارك فى الثورة وألقى الحجارة على الأمن واستمتع بإسقاط النظام حسب تصريحاته.
شارك هارون أيضًا الثورة السورية وانضم إلى جبهة النصرة، وسافر إلى تركيا ضمن المجموعات المسئولة عن إعداد الفيديوهات الخاصة بالتنظيمات الإرهابية.
ظهرت أيضًا كريستينا ريتشى (Christina Richie) عضوة منظمة mepeace.org التى أسسها اليهودى إيال رفيف Eyal Raviv، وهى منظمة تدعوا إلى ما يسمى «السلام العالمى» جاءت ريتشى إلى مصر أثناء أحداث 25 يناير 2011 واستضافها شخص مصرى يسمى عمرو حسبما ذكرت بنفسها على موقع المنظمة mepeace.org، كما تعمل سفيرة لمنظمة movements.org بإسرائيل، والتى أسسها جاريد كوهين.
ظهر أيضًا صاموئيل فينجرينوفيتش Samuel Vengrinovich وهو يهودى أمريكى مقيم فى تل أبيب، حصل على بكالوريوس فى العلاقات الدولية وماجيستير فى الدبلوماسية ودراسة الأزمات، كما عمل فى عدة مكاتب سياسية بكاليفورنيا وواشنطن، وترجع أصوله إلى ولاية سان فرانسيسكوا؛ جاء فينجرينوفيتش إلى مصر خلال أحداث 25 يناير 2011 حيث عبر الحدود إلى ميدان التحرير – القاهرة.
ـ بشار أبو زيد وأوفير هرارى جاسوس أردنى لصالح اسرائيل، أوفير هرارى مقيم باسرائيل ولم يدخل مصر ولم يتم القبض عليه، كان يتعامل مع مهندس يدعى بشار مهندس اتصالات ومتخصص فى الأقمار الصناعية، تم القبض عليه واتهم بتمرير اتصالات هامة إلى اسرائيل والتصنت على الاتصالات فى مصر وزرع برامج تجسس فى شرائح الهواتف الجوالة، وتجنيد مزيد من الجواسيس فى هذا المجال، وكذلك تسريب معلومات هامة تضر بالأمن القومى إلى اسرائيل.
ظهر أيضًا مواف فاردى Moav Vardi وهو إسرائيلى يعمل مراسلًا فى القناة العاشرة الإسرائيلية، تم القبض عليه بعد أربعة أيام من وجوده فى مصر خلال تصويره الدبابات العسكرية وتم ترحيله.
كما ظهر أيضًا تومار سوهياك (Tomar Sohiak) وأيضًا أيضًا إسرائيلى تسلل إلى مصر بحرًا عن طريق قناة السويس حيث أمسك به المتظاهرون وسط التظاهرات فى حى الأربعين بالسويس وتم تسليمه لقوات الأمن، وتم ترحيله إلى إسرائيل خلال 24 ساعة يوم 2 فبراير 2011 عبر معبر طابا. كما القت اليمن القبض على جاسوس إسرائيلى بالتزامن مع إلقاء مصر القبض على إيلان جرابيل.
تعد أيضًا سوريا ساحة مهمة لعمل المخابرات الإسرائيلية، حيث تم رصد وحدات استخباراتية تعمل فى المدن وبالقرب من الجولان فى الفترة الحالية.
مما سبق يتضح كيف يتم نشر الجواسيس خلال فترة الحراك الشعبى فى البلدان العربية وبالأخص مصر، (فقد ألقت مؤخرًا أجهزة الأمن القبض على خلية مكونة من عناصر استخباراتية من حركة حماس وجماعة الإخوان والمخابرات التركية وأجهزة استخبارات أوروبية بهدف تنفيذ مخطط إسقاط الدولة المصرية).
ولولا عناية الله ويقظة أجهزة المعلومات والمخابرات المصرية لاستطاع هؤلاء العملاء تنفيذ المخطط، ولكن يقظة الأجهزة الوطنية خلال تلك الفترة (منذ يناير 2011 وحتى 2013) ومؤسسات الدولة وإدارة المجلس العسكرى للموقف بحكمة واقتدار شديدين حال دون ذلك، الأمر الذى تسبب فى تعديل بعض خطوات تنفيذ مخطط تفكيك الدول، ومنح الإعلام دورًا أكبر؛ كما ظهرت ألعاب الفيديو جيم فى المشهد لخلق حالة لدى الشباب تجعلهم يعتادون مشاهد الفوضى وتدمير مؤسسات الدولة الوطنية بأيدى أبناء الوطن.
نواصل فى الحلقة القادمة نشر تفاصيل ما حدث خلال ثورة يناير، وكيف تم تحريك العناصر لإطالة أمد الأزمة كى تنهار الدولة المصرية اقتصاديًا، وكيف أُدير ملف الفتنة الطائفية لتقسيم مصر، ومخطط الصدام مع الجيش وتهيئة العقول للتعود على الفوضى من خلال الألعاب الإلكترونية.
تحتفل أكتوبر العدد القادم بعيد ميلادها الـ 45
تحتفل مجلة أكتوبر العدد القادم بمرور 43 عامًا على تأسيسها، حيث صدر العدد الأول فى 31 أكتوبر 1976، لتصبح إحدى أدوات القوة الناعمة المصرية، مستكملة ما بدأه الأبطال على جبهة القتال، فكانت الذراع القوية للسياسى والمفاوض المصرى.