رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

مذكرات د. الحفناوي! (1)

1745

نعم.. الأيام كفيلة بكشف الحقائق التى حاول البعض إخفاءها أو طمسها، فقد لا يعلم الكثيرون وخاصة الشباب، الأدوار الخفية التى قام بها بعض المخلصين من أبناء الوطن حتى تعود فتاة السويس إلى حضن الوطن بعد قرار تأميم الشركة القائمة على إدارتها، باعتبارها شركة مساهمة مصرية..! وهو القرار الذى أعلنه الرئيس جمال عبد الناصر فى 26 يوليو 1956.
ومن هؤلاء المصريين الوطنيين د. مصطفى الحفناوى الذى أعد وثائق التأميم وكاتب قرار التأميم بخط يده! وقد لا يعلم البعض أن قضية التأميم كانت موضوع رسالة الدكتوراه التى حصل عليها مصطفى الحفناوى من كلية حقوق باريس بعد مناقشتها من لجنة تضم أساتذة القانون الدولى العام برئاسة العلامة الفرنسى جلبرت جيدل.
لقد حاول هيكل التقليل من الدور الذى لعبه د. الحفناوى – هذا الشرقاوى العصامى – عندما كتب عنه (استعان الرئيس الراحل بمحام جعله فى حجرة مجاورة، وعهد إليه بكتابة وثائق التأميم)!
وأعتقد أن «العراب» الذى كتب هذا الكلام يعلم تمامًا أن د. مصطفى حصل على الوثيقة الأساسية التى كانت السند الأساسى لقرار التأميم، من مقر الشركة بباريس وأخفاها فى بطانة جاكتته وهربها إلى مصر، والتى تضمنت أن شركة قناة السويس هى شركة مساهمة مصرية!
لقد عكف د. م. على الحفناوى على إصدار مذكرات والده – والتى لم تكتمل لوفاته المبكرة عام 1980 – بمناسبة الاحتفال بمرور 150 عاما على افتتاح قناة السويس عام 1869، حيث حقق رغبة والده فى وضع المذكرات تحت أعين الأجيال الجديدة من شباب الوطن ليستفيدوا من دروس الماضى الوطنية فى رسم طريق مستقبلهم ومستقبل بلدهم.
لقد بدأت علاقة مصطفى الحفناوى بقناة السويس عندما سمع من والده أن جده الشيخ عبد الله الحفناوى كان أحد عمال السخرة الذين سيقوا للعمل فى القناة جبرا، ولكنه تمكن من مغافلة الحراس وهرب واثنين، ولم يعد إلى قريته حفنه مركز بلبيس هربا من ملاحقة البوليس، واستقر به المقام فى قرية بنايوس بجوار مدينة الزقازيق، حيث عمل مع أحد اليونانيين فى التجارة باعتباره يخضع للحماية الأجنبية التى كانت مقررة للأجانب وقتها.
وتحول الجد إلى شريك وورث الابن التجارة المزدهرة بعد وفاة اليونانى ولكن أزمة القطن تسببت فى خسارته خسارة فادحة، وعانت الأسرة من ضنك العيش، ولم تتمكن من إرسال ابنها البكر مصطفى إلى التعليم، حتى زارهم أحد الأصدقاء (محمود نجم) وكان مدرسا وأصر على إلحاق مصطفى بالمدرسة بعدما لاحظ ذكاءه واستعداده الفطرى للدراسة.
وحصل مصطفى على البكالوريا وتقدم لكلية الحقوق ولكنه لم يستطع استكمال الدراسة بسبب ضيق ذات اليد، فاضطر للعمل بإحدى الوظائف الإدارية إلى أن تحسنت الأحوال وعاد للدراسة وحصل على الليسانس وبدأ العمل فى المحاماة، وانضم للحزب الوطنى وقتها بزعامة مصطفى كامل ووصل إلى منصب السكرتير العام للشباب بالحزب، وكان قد تمكن من دراسة اللغتين الإنجليزية والفرنسية.
وتصادف أن استعانت به إحدى الشركات الإنجليزية ليكون مستشارها القانونى بعد أن رست عليها عملية تعديل وتطوير قناطر إسنا بصعيد مصر، وبعد انتهاء الأعمال قبل فيضان النيل عام 1946 دعته الشركة للاجتماع بمجلس الإدارة فى لندن لمناقشة بعض النزاعات القانونية المطروحة ضدها، وأثناء سفره استمع لحديث مفصل عن قناة السويس.. (الشركة والقناة) وعلاقتهما بالحكومة المصرية، ومحاولات الإنجليز السيطرة على هذا الممر الدولى الهام والتحكم فيه من خلال إقامة قاعدة عسكرية ضخمة بمنطقة القناة، وعندما وصل لندن زار دار المحفوظات التاريخية حيث عثر على وثيقة باللغة الفرنسية مؤرخة سنة 1249 ميلادية، وهى عبارة عن خطاب رفعه قسيس من رجال الحروب الصليبية إلى ملك فرنسا يدعوه فيه إلى احتلال مصر وشق قناة فى برزخ السويس، لتكون أداة للاستيلاء على مقدرات البلاد العربية جميعها.
هنا بدأ شغفه بالقضية وبدأ فى البحث عن كافة المعلومات المتاحة والكتب التى نشرت عن القناة وبجميع اللغات، وقرر أن تكون القناة هى موضوع رسالة الدكتوراه..
وإلى الأسبوع المقبل لمتابعة «خفايا» القضية!