صالون الرأي
مذكرات الحفناوى وخفايا التأميم «2-2»
By amrيناير 19, 2020, 16:18 م
2161
كشفت مذكرات د. مصطفى الحفناوى الكثير من الأسرار والخفايا فى قضية تأميم شركة قناة السويس، لقد استمر يبحث ويتقصى الجوانب المختلفة لأكثر من أثنى عشر عامًا، وبدعم وتغطية من بعض أعضاء الحكومات المصرية المتعاقبة فى العهد الملكى وقبل قيام ثورة يوليو 1952، كان على رأسهم وزير الخارجية الأشهر د. محمد صلاح الدين الذى عينه مستشارًا صحفيًا بسفارة مصر فى باريس حتى يتمكن من جمع المعلومات المطلوبة من إدارة المحفوظات الخاصة بالشركة أو وزارة الخارجية الفرنسية!
وكان هدف الحفناوى أن يحصل على «دراسة» محكمة علميًا من أساتذة القانون الدولى بجامعة باريس، لتكون سند المطالبة من الحكومة المصرية بتأميم الشركة فيما بعد، خاصة بعد أن تمكن من الحصول على قرار الإنشاء والموقع من السلطان العثمانى، بأن شركة قناة السويس شركة مساهمة مصرية وليست ذات طابع دولى، كما كان يدعى الفرنسيون والإنجليز من بعدهم!
وحصل بالفعل على رسالة الدكتوراة وطبعت بإحدى المطابع الفرنسية، وكلف وزير الخارجية المصرى السفارة المصرية بباريس بشراء خمسمائة نسخة وإرسالها «كهدية» لرؤساء الدول وكبار الساسة فى العالم، ورؤساء وزراء فرنسا وانجلترا ورؤساء الأحزاب ووزارء الخارجية بالبلدين ولجميع دور الصحف فى كل من بريطانيا وفرنسا وبعض الدول الأوروبية.
لقد هيأ النشر المكثف لما تضمنته الرسالة من حقائق، المناخ العام فى مصر «حكومة وشعبًا» لقرار التأميم الذى أعلنه الرئيس عبد الناصر فى يوليو 1956، ولكن رد فعل الشركة ومن خلفها فرنسا وبريطانيا لهذا النشر.. كان عنيفًا، حيث بدأ أولًا – وطبقًا للمذكرات – بالاعتداء على رجال البوليس فى الإسماعيلية وبحريق القاهرة يناير 1952 فقد علم د. الحفناوى من صحفى أمريكى مقيم بمصر وكان على علاقة بالسفارة البريطانية بالقاهرة أن هناك «مؤامرة» تدبر لإسقاط حكومة الوفد بزعامة النحاس واحتمالات أن تكون المؤامرة فى صورة أعمال شغب عنيفة ضد الأجانب والمنشآت العامة بالقاهرة لإثبات عجز الحكومة عن حماية الأمن!
ونقل الحفناوى هذه المعلومات إلى وزير الخارجية والذى نقلها بدوره لوزير المالية والداخلية وقتها فؤاد سراج الدين فى اجتماع ضمهم الثلاثة بوزارة الخارجية ولكن الأخير أكد أن سلطات الأمن فى القاهرة تسيطر على الموقف سيطرة تامة ثم فوجئ بحريق القاهرة بعد 48 ساعة فقط.
أما رد الفعل العنيف الآخر فقد حدث بعد التأميم فى صورة العدوان الثلاثى والذى ضم فرنسا وإنجلترا وإسرائيل على مصر فى ديسمبر 1956.
نعود للمذكرات حيث يشير د. الحفناوى إلى اللقاء الذى جمعه مع د. على ماهر فى إحدى العوامات بشاطىء النيل عام 1951، حيث قال له أن جيله والأجيال التى سبقته كانت مقصرة بالنسبة لقضية قناة السويس، وأنه برسالته القيمة حمل عنهم الأمانة، وعندما تولى على ماهر رئاسة الوزارة طلب منه اقتراح مجلس أعلى لمتابعة الموضوع، واتفقا بالفعل على الأسماء ومنهم د. عبد الحميد بدوى ود. محسن صلاح الدين والمهندس طراف على وحسين كامل عميد تجارة القاهرة وقتها ولكنه لم يعلن بسبب التغيرات السياسية السريعة وقتها.
وفى تلك الفترة نهاية الأربعينيات من القرن الماضى أصدر د.الحفناوى جريدة قناة السويس، ولكن الشركة كانت تجمعها من موزعى الصحف قبل توزيعها واستمر ذلك فى الثلاثة أعداد الأولى مما اضطره لإرسال العدد الرابع إلى بعض القراء المختارين من خلال البريد المسجل، والطريف أن البعض رد العدد خوفًا من مطالبته باشتراك سنوى! فاضطر فى العدد الخامس للتنويه بأن الجريدة توزع مجانًا!
ويشير د. الحفناوى إلى أنه على الرغم من المواقف الإيجابية للملك فاروق وبعض وزرائه فى قضية قناة السويس إلا أنه لا أحد منهم فكر فى التأميم وإنما اقتصر التفكير على ما يجب عمله فور انتهاء أجل الامتياز فى 17 نوفمير 1968 وحتى لا يحل الموعد قبل أن تكون مصر على أتم الاستعداد لإدارة قناتها.
ولم يكتف د. مصطفى بما أورده من حقائق وخفايا حول التأميم، ولكنه رد على بعض الذين ادعوا أن مصر كانت فى غنى عن التأميم وما تلاه من عدوان، فضلًا عن إغلاقها بعد حرب 1967، فيقول أن الدول الأوروبية كانت مصممة على مد أجل الامتياز أو تدويل القناة ولولا العمل الجبار والمباغت من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لظلت القناة تحت وصايتهم!
لقد كشفت مذكرات د. الحفناوى أن قضية قناة السويس بداية من حفرها وحتى صدور قرار تأميمها كانت «ملحمة» مصرية ضخمة وعمل تاريخى.. تعاملت معه مصر بكل حكمة ووطنية.. وكان النصر حليفها فى نهاية المطاف.