صالون الرأي
إيران من المأزق إلى الكارثة
By amrيناير 19, 2020, 16:21 م
1496
تحدثنا من قبل عن مأزق إيران بعد اغتيال سليمانى، فمن جانب كان على السلطة أن تثأر وترد بقوة لاسترداد هيبتها والهالة التى نسجتها حول قوتها وعزيمتها وإصرارها على تحقيق أهدافها بجانب عقاب أمريكا بقوة على جريمة الاغتيال وردعها عن تكرار مثل هذه الجريمة، وإقناع الرأى العام الأمريكى والأوروبى والإقليمى بقدراتها.
كان الأهم توجيه رسالة للرأى العام الداخلى الغاضب والثائر تتضمن الحفاظ على ماء الوجه وتؤدى لتماسك الناس حول موقف العداء لأمريكا.
ولكن عمليات الثأر الإيرانية التى كانت ضرورية ومتوقعة كانت محفوفة بمخاطر رد أمريكى أقوى فى ظل تصاعد لهجة التهديد الأمريكية يوما بعد يوم إلى أن قال ترامب إنه سيقصف 52 هدفًا داخل إيران.
ونتذكر هنا أن عدد الرهائن الأمريكيين الذين حوصروا داخل السفارة لمدة 444 يومًا متصلة فى بداية الثورة الإيرانية كان 52 رهينة، أى أن الرئيس ترامب أراد أن يقول لهم إن أمريكا لم تنس ما جرى من حصار للسفارة واعتداء واستيلاء على وثائقها.
وخلال الأيام التى تلت مقتل سليمانى اندلعت معركة كلامية مدببة وملتهبة، فترامب هدد بنقل المعركة إلى داخل إيران وسيضرب بقوة غير مسبوقة وبأسلحة لم تستخدم من قبل، وإيران تهدد بحرب مزلزلة.
وإذا كان سليمانى قد لقى مصرعه يوم الجمعة الموافق 3 يناير، فإن إيران نفذت عملية إطلاق مجموعة من الصواريخ أرض – أرض متوسطة المدى باتجاه قاعدتى عين الأسد وأربيل الأمريكيتين تحت إشراف ومتابعة خامنئى مرشد الثورة شخصيًا يوم الأربعاء 8 يناير.
وكل هذه الصواريخ سقطت بعيدًا عن أهدافها، ولم تسفر عن أى خسائر بشرية.
ومن الملاحظ أن القيادة الإيرانية استهدفت قاعدة عين الأسد فى منطقة الأنبار ذات الأغلبية السنية، وقاعدة أربيل العاصمة الكردية، وهذا الأمر أو هذا الاختيار له دلالته، فالاجتماع الذى عقده البرلمان العراقى لمناقشة إنهاء الوجود العسكرى الأمريكى بالعراق لم يحضره سوى الأعضاء الشيعة فقط، وتغيب عنه الأعضاء السُنّة والأكراد.
وقد صدر القرار الذى طالب الوزارة ورئيسها بالعمل على إنهاء الوجود العسكرى الأمريكى.. أى أنه لم ينص على إنهاء هذا الوجود، بل طالب الحكومة بالعمل على تحقيق هذا الهدف، وهناك فرق كبير بين الإنهاء والعمل على إنهائه.
المهم أن هذا القرار لم يكن تعبيرًا عن إجماع شعبى عراقى، بل عن رأى طائفة أو قوة سياسية مذهبية، وبما يجعل تأثيره محدودًا.
وهناك أيضًا عامل يرتبط بالوزارة الموجودة حاليًا، فهى وزارة تصريف أعمال بعد أن تقدمت باستقالتها، وليس من سلطة مثل هذه الوزارة التصدى لمثل هذه القضية وكان واضحًا جدًا أن مثل هذا القرار غير قابل للتنفيذ.
وكان رد الرئيس الأمريكى، لن نخرج من العراق، وبدأ فى الحديث عن وجود أموال النفط العراقية فى بنوك أمريكية، ويجب على العراق أن يفكر فى سداد المبالغ التى سبق أن حصل عليها.
كما أن رحيل القوات الأمريكية لن يكون مطروحًا الآن أو خلال المستقبل القريب، لأن القوات المسلحة العراقية وحدها ليست مؤهلة لمواجهة داعش التى توجد لها قوات فى أربع محافظات عراقية الآن.
ولقد أرادت السلطة الإيرانية بقصف قاعدة عسكرية أمريكية بالأنبار وأخرى بأربيل الكردية تسجيل غضبها من موقفهم السلبى بالبرلمان تجاه إخراج القوات الأمريكية من العراق.
وفى نفس يوم إطلاق الصواريخ، هللت وسائل الإعلام والصحف الإيرانية بسقوط عشرات القتلى والجرحى بين القوات الأمريكية فى قاعدة عين الأسد ومثلهم من قوات الحلفاء الموجودة فى قاعدة أربيل، بجانب تدمير أعداد من الطائرات والمروحيات بالقاعدتين.. وانساقت وسائل إعلام شيعية بالعراق وراء الإعلام الإيرانى.
فى نفس الليلة أعلن الرئيس ترامب أن أمريكا كانت على علم بالعملية وأنها اتخذت مجموعة من الإجراءات الحمائية والوقائية، ثم قال إن الصواريخ كلها قد سقطت بعيدًا عن القاعدتين، ولم تحدث أية إصابات بشرية أو مادية، واستنتج أن الإيرانيين يستهدفون فيما يبدو عدم التصعيد.
ومع ذلك قرر فرض عقوبات جديدة يوم الأربعاء وعقوبات أخرى يوم الخميس الموافق 9 يناير، مع العلم أن إيران خسرت 200 مليار دولار بسبب العقوبات، ولكن المرشد الأعلى خامنئى أعلن أنه تم توجيه صفعة لأمريكا، ويوم الخميس 9 يناير تراجعت السلطة الإيرانية وأعلنت الحقيقة المتمثلة فى سقوط الصواريخ بعيدًا عن أهدافها، وأنها لم تسفر عن أية خسائر.
وقد أعلن بعض المسئولين أنهم تعمدوا عدم التسبب فى أية خسائر بشرية أو مادية.
وبدا واضحا للجميع فى الداخل والخارج أن العملية استهدفت حفظ ماء الوجه أمام الرأى العام الداخلى، والحفاظ على صورة أهل الحكم كمجموعة قوية وقادرة دائمًا على الثأر ولو من الولايات المتحدة.
واستمر المسئولون فى ترديد ما قاله خامنئى من أنهم وجهوا صفعة للولايات المتحدة، وتمادى البعض وقال إن ما جرى هو مجرد بداية، وأن عملية الثأر مستمرة ولن تتوقف، وكل هذا لتغطية التهديد بضربة مزلزلة لأمريكا ردًا على اغتيال سليمانى.
كما أن الثأر لسليمانى على مثل هذه العملية، يكشف أن المسئولين قد تحسبوا لرد الفعل الأمريكى فيما لو أقدموا على تنفيذ عملية ثأر حقيقية فسليمانى قائد من أهل القمة، والثأر له يجب ان يكون بمستوى هذه الخسارة وقد استدعى المسئولون الإيرانيون بعض أحداث الماضى ومنها على سبيل المثال، ما أقدموا عليه من الهجوم على قطعة بحرية أمريكية، فقامت القوات الجوية الأمريكية بإغراق 6 قطع بحرية إيرانية بالخليج، بالإضافة إلى عدد من اللنشات الصغيرة.
كانت الخسارة فادحة جدًا، وقد أجبرت الإمام الخمينى على تجرع السم والقبول بوقف الحرب العراقية الإيرانية عام 1988، وقد أدركوا أن تهديد ترامب بقصف أهداف داخل إيران يمكن أن يتحول إلى واقع مخيف، خاصة أن الرجل مقبل على عام انتخابات سيسعى خلالها للفوز بفترة رئاسية ثانية.
ومن بين ما أعلنه المسئولون الإيرانيون، أنهم أبلغوا العراق بعملية إطلاق الصواريخ فقام العراقيون بإبلاغ الأمريكيين أى أن الأمر بدا وكأنهم لا يريدون إغضاب الأمريكيين، وأنهم يفضلون اختيار التهدئة.
وكان الإيرانيون طوال الفترة الماضية يتحدثون بفخر عن الصواريخ التى أنتجوها ويعملون من أجل كسب مزيد من الثقة فى قدراتهم الصاروخية التى ملأوا الدنيا ضجيجًا حولها وحول إمكانياتها، وقالوا على سبيل المثال إن الصاروخ من طراز سجيل البالستيكى مداه 2000 كيلومتر وأن إنتاجه بالكامل بأيد إيرانية، وأن كل صواريخهم قادرة على إصابة أهدافها بدقة.
وجاءت نتيجة إطلاق الصواريخ على القاعدتين العسكريتين ليثير عديدًا من الشكوك حول فاعلية الصواريخ الإيرانية، وهذه خسارة أخرى ضاعفت من مأزق إيران الذى لم تخرج منه حتى الآن منذ مصرع سليمانى.
ولقد كانت إيران تسعى لاستخدام هذه الصواريخ كورقة ضغط خلال المفاوضات، ومن قلب الأزمة ارتكب الحرس الثورى الإيرانى خطأ كارثيًا، حيث أدى إطلاق صاروخ أرض – جو إلى تفجير الطائرة الأوكرانية بعد إقلاعها من مطار خومينى بطهران، ومما أدى إلى مصرع كل ركابها وعددهم 176 راكبًا.
وبعد أكاذيب لم تستمر طويلًا، اضطر المسئولون بالحرس الثورى إلى الاعتراف بالخطأ وبالتسبب فى إسقاط الطائرة، ولهذا العمل تبعات سياسية وأمنية واقتصادية، وبذلك انتقلت إيران من المازق إلى الكارثة الجديدة التى أدت إلى انطلاق المظاهرات الإيرانية من جديد.
وخلال هذه الجولة الجديدة من المظاهرات بعد مظاهرات شهر نوفمبر الماضى التى سقط خلالها 1500 متظاهر قتلى برصاص الحرس الثورى.
هذه المرة وصل المتظاهرون إلى ميدان أزادى، وهو نفس الميدان الذى أدت المظاهرات به عام 1979 إلى سقوط الشاه.
وخلال هذه المظاهرات تم إحراق العلم الإيرانى والهتاف بسقوط خامنئى، وبرحيل الحرس الثورى، وسقوط نظام ولاية الفقيه.
وكان ترامب أول من أشار إلى احتمال سقوط الطائرة الأوكرانية بصاروخ.
وهنا نقول إنه تم تداول فيديو يؤكد إصابة الطائرة بصاروخ أرض – جو، وبالتالى لم يعد ممكنا أن تواصل السلطة الإيرانية أكاذيبها.
وفيما بين المأزق والكارثة والمظاهرات تمضى إيران على طريق الأزمات.