رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

شكراً للشهداء في يوم الوفاء

2049

لا أدري هذه المرة من أين أبدأ، خاصة وأنني كنت قد أتممت كتابة مقالي وأعددته للنشر في تلك المساحة حول أحد أساليب الحروب النفسية الموجهة إلى مصر والمنطقة العربية من خلال بعض ألعاب الفيديو جيم، ووجدتني أمام حدث مهم بعد حضوري للندوة التثقيفية السابعة والعشرين التي تقيمها إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة وحملت عنوان «يوم الشهيد» لم يكن يوما عاديا كعادة الأيام التي نكون فيها بصحبة الرئيس في أحد مواقع القوات المسلحة أو أحد مواقع العمل التي تشارك فيها القوات المسلحة، أحداث وفعاليات تشعرك بالفخر والاعتزاز وكلمات تخرج من القلوب ترفع الهمم وتجعل هامتك تناطح السحاب، كيف لا والجميع يعمل بجد وإخلاص من أجل رفعة الوطن.
أما الحديث وأنت فى حضرة الشهيد فالأمر يختلف، ومابالك وأنت فى حضرة أبناء وزوجات وآباء وأمهات الشهداء، وبين الأبطال.. أظننى غير قادر على إيجاد كلمات تعبر عما كنت أشعر به وأنا وسط القاعة، جمل كثيرة تزاحمت فى رأسى وكلمات جعلتنى لا أدرى كيف سأضع عنوانًا لهذا المقال لا تتعدى كلماته سوى بضع منها فى الوقت الذى شهد الحدث العديد من الفعاليات والكلمات التى قالها آباء وأمهات وزوجات الشهداء، وكلمات الرئيس وأبناء الشهداء ومصابى العمليات، جميعها لا يصلح لها مكان بين السطور، وإنما مكانها الصحيح أن تتصدر الصفحات عنوانا لها.
(1)
وصلنا إلى مركز المنارة للمؤتمرات التابع للقوات المسلحة، بدأت فعاليات الاحتفال بآيات من الذكر الحكيم تلاها الشيخ بصوت عذب كانت فى الخلفية صور لجثامين الشهداء خلال الجنازات العسكرية، ثم جاء صوت مقدم الحفل، مقدما الشيخ الحبيب على الجفرى، جاءت كلماته مستندة إلى كتاب الله وسنة رسول الله كاشفة لمحاولات التضليل مؤكدة على أن ما يقوم به الأبطال هو الشهادة الحقيقية، فبعد تعريفه لمعنى الشهادة، قال: «ما يحدث الآن هو جامع لمعانى الشهادة» فهو دفاع عن الدين ضد أعداء الدين ودفاع عن الوطن ضد من ليس لهم وطن ودفاع عن العرض والمال.
وقبل أن يغادر مكانه على المنصة أكد أن المشاركة فى الانتخابات واجب وطنى يجب ألا يتخلى المصريون عنه وأن يدركوا أن دماء الشهداء الذين ضحوا من أجل الحفاظ على الوطن يجب ألا تذهب سدى، فإذا كانوا هم قد ضحوا بأرواحهم من أجل الحفاظ على أمن وسلامة هذا الوطن فمن واجب المصريين أن يستكملوا المسيرة ويشاركوا فى الانتخابات الرئاسية.
(2)
15 دقيقة كانت تلك هى المدة التى استغرقها عرض فيلم «مشوار البطولة» والذى أعدته إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة، وهنا يجب أن أسجل أن تلك الدقائق القليلة حوت تاريخا طويلا من البطولة والتضحية، ستخلده صفحات التاريخ، وستسطره أقلام من ذهب بأحرف من نور، جاء الفيلم بتقنية عالية وإعداد متفرد، وجاءت حكايات الشهداء تخلع معها القلوب، ودمعت معها العيون، وكانت أسماء الشهداء وصورهم الباسمة، تجعل الأكف لا تتوقف عن التصفيق، لم لا وقد ضحوا بأرواحهم من أجل أمننا وسلامتنا وأبروا بقسمهم، وحافظوا على العهد.
فشكرًا لإدارة الشئون المعنوية على هذا العمل الراقى الذى احتوى عددًا من البطولات، لشهداء الجيش والشرطة.
(3)
جاءت الفقرة الثالثة فى الاحتفال، والتى كان مقررًا لها 30 دقيقة بحسب برنامج الاحتفال لتتعدى الساعتين تقريبًا، فكان مقرر لتلك الفترة (الفترة الأولى من الاحتفال) أن تنتهى فى الحادية عشرة إلا أنها استمرت حتى الواحدة إلا خمس دقائق، كان اختيار إدارة الشئون المعنوية لعنوان الفقرة معبرًا عن حجم البطولات التى قدمها الأبطال، مشاعر لا أظن أن الكلمات أو الأقلام أو قواميس اللغة لديها من الكلمات والمفردات ما يستطيع أن يعبر عنها، حالة تعيشها فقط ولكن كلماتك تعجز عن وصفها.
بدأت الفقرة التى حملت عنوان «بطولات وأمجاد الشهداء – ذكريات لا تنسى» تروى قصص البطولة على ألسنة الأمهات والزوجات والأبطال، والتى بدأها المقدم البطل محمود على هلال أحد أبطال القوات المسلحة فى سيناء، والذى تحدث عن كيف استطاع الأبطال أن يقضوا على العناصر التكفيرية واستطاعوا أن يحرروا جثمان الشهيد البطل المقدم شريف عمر، وروى المقدم محمود هلال تفاصيل العملية وكيف استطاع الشهيد البطل أن يكشف أكبر مخزن للعبوات الناسفة قبل استشهاده وكيف كانت الحالة المعنوية لدى المقاتلين الذين هبوا للأخذ بثأر الشهيد فى الحال، واستطاعوا القضاء على أكثر من 25 عنصرًا تكفيريًا، وكيف أداروا حربهم بشرف مع من ليس لديهم شرف (العناصر التكفيرية)، لقد رفض الشهيد البطل المقدم شريف عمر أن يطلق أحد جنوده الرصاص ولو بشكل تحذيرى على سيدتين كانتا فى المكان، ولاحظت المجموعة أن السيدتين تراقبان تحركات القوات ثم دخلتا إلى أحد المنازل الذى كانت به العبوات الناسفة.
ولأن عقيدة الجيش المصرى لا تتغير، والمبادئ التى تربوا عليها فى مصنع الرجال لا تتبدل، وأن الشرف والفداء والتضحية عنوان البطولة، فقد أبى الشهيد شريف عمر ترويع المرأتين رغم أنهما كانا يرصدان القوات لصالح العناصر التكفيرية، لأن عقيدة الجيش المصرى ألا يرفع السلاح إلا فى وجه من يرفع السلاح.
إنها البطولة التى تربوا عليها.. لقد وقفت السيدة والدة الشهيد شريف عمر وسط القاعة تصفق له وأنهى المقدم محمود هلال كلمته لتحضنه أم الشهيد البطل شريف عمر فى مشهد مهيب وسط القاعة.
(4)
أم الشهداء، أظنها كذلك، فهى والدة الشهيد البطل العقيد أ . ح محمد سمير إدريس، ولها ثلاثة أبناء آخرين، أحدهم ضابط بالقوات الجوية والثانى ضابط بالشرطة وكلاهما أصيبا خلال العمليات، والثالث مهندس، روت والدة الشهيد محمد إدريس كيف كان البطل قدوة لإخوته، وأبكت السيدة كل الحضور وهى تتحدث عن بطولة الشهيد، وجاء تعليق الرئيس: ما حدث هو صورة لأم مصرية قدمت أبناءها لأجل خاطر 100 مليون يعيشون.. اليوم الوعد الذى وعدته القوات المسلحة والشرطة لأهل مصر أوفت به.
ثم أقسم قائلًا: أقسم بالله العظيم أنا مستعد ألبس «الأفرول» وأنزل وأقاتل جنبا إلى جنب مع المقاتلين حتى نقضى على الإرهاب.. إننا نحارب خوارج العصر.
نحن على الحق المبين، ولن يجرؤ أحد على المساس بيكم (يقصد المصريين) طول ما فينا نفس (يقصد الجيش والشرطة).
ثم تحدثت زوجة الشهيد البطل أحمد محمود شعبان السيدة رشا إسماعيل، قائلة: «كان زوجا مثاليا، وكان متعاونا ومتواضعا، ولم يتسبب فى حزنها من قبل، وحينما كانت تطلب السفر معه مثل أى زوجة كان يرفض بسبب ظروف عمله».
وتابعت أرملة الشهيد العقيد أركان حرب أحمد محمود شعبان، أن زوجها الراحل كان بارا بوالديه، وأصر أن تعيش والدته معهما بعد وفاة والده، وكان يقول لشقيقه عليك أن تكون قويا لأنهم سيتصلون بك لو حدث لى أى مكروه، ويقول أيضًا «سيأتى بعدنا من يكمل المشوار لحماية مصر»، وكان فى كل عمليات المداهمة يخرج مبتسمًا وسعيدًا، ويقول إنه خارج ليأتى بحقوق إخوته الشهداء، وقال لأحد الجنود فى اليوم الأخير إنه يشعر أنها آخر مداهمة له.
وأشارت رشا إسماعيل، إلى أن ابنته «حبيبة» كانت روحها فيه، وهنا وقفت «حبيبة» مؤدية التحية العسكرية، لتستكمل والدتها: «كان بيقول لها نفسى أشوفك دكتورة ضابطه عشان تخدمى بلدك وجيشك، وبعد كل الحب بينها وبين والدها لم أعد أعرف ماذا أقول لها، لكن قلت لها إن ربنا لما بيحب حد قوى بيروح الجنة، وربنا خده الجنة علشان يبنى لنا قصر نروح له فيه»، موجهة الشكر لوالدة زوجها الشهيد، قائلة: «ربت وعلمت ابنها حب الوطن، ولولاها ما كان بطلًا شهيدًا، واحنا مش هننكسر ولا نستسلم حتى لو فيه كل يوم شهيد، هييجى اللى يكمل».
وبعد أن أنهت كلمتها كانت ابنة الشهيد قد خرجت من الصفوف وتوجهت إلى الرئيس الذى هم لاستقبالها واحتضنت «حبيبة» الرئيس وكأنها قد استعادت والدها، وظلت معانقة له بقوة، وهى ترتدى الزى العسكرى، ثم أجلسها إلى جواره، وقد أغرقت عيون حبيبة بالدموع وكأنها قد استعادت حضن أبيها، ولم تمر سوى لحظات حتى جاء الطفل نجل الشهيد البطل النقيب أحمد شبراوى بطل الصاعقة مهرولا نحو الرئيس ليحتضنه هو الآخر وكأن أبناء الشهداء قد استعادوا حضن آبائهم، كيف لا والرئيس فى كل مرة لا يوصى إلا بأبناء وأسر الشهداء.
لقد كانت كلمات أمهات الشهداء رسالة واضحة للمصريين، تؤكد أن ما قام به الأبطال يستوجب علينا أن نكون على مستوى وقدر المسئولية، فقد قدموا أرواحهم للحفاظ على الدولة المصرية، وبات من الواجب علينا نحن أن نقوم بدورنا فى حمايتها من الداخل وألا نفرط فى هذا الاستحقاق الدستورى ونتواجد أمام لجان الانتخابات لنثبت للعالم أن الدولة المصرية الناهضة على قلب رجل واحد ولن يستطيع أحد النيل منها.