رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

تونس..حكاية استرداد وطن مختطَف منذ عشر سنوات

بعد سيطرة الشركات متعددة الجنسيات.. قطاع الدواء يبحث عن منقذ

1501

عقب نشر مقال العدد الماضي بعنوان «الصفقة اللغز» والذي تناولت فيه بعض تفاصيل ما تم حول عملية بيع شركة «جلاكسو سميث كلاين مصر» لشركة الحكمة للأدوية «Hikma Pharmaceuticals» تلقيت اتصالات عديدة من العاملين بالشركة، وخطابات تضامن معهم من جانب العديد من النقابات المهنية والعمالية وأفرعها بالمحافظات (الصيادلة، الأطباء البيطريين، والنقابة العامة لعمال الكيماويات واتحاد المهن الطبية).

كما تقدمت النقابة العامة لعمال الكيماويات ببلاغ للنائب العام ضد الممثل القانونى لشركة «سميث كلاين بيتشام جلاكسو»

للأدوية والممثل القانوني لشركة «حكمة فارما للأدوية» لحماية حقوق العاملين بالشركة، كما خاطبت النقابة شركتي «جلاكسو والحكمة»، مطالبة بضرورة الحفاظ على حقوق العاملين.

وبحسب مصادر خاصة عقب نشر المقال العدد الماضي بدأت عدد من مؤسسات الدولة بحث ملف الدواء والشركات العاملة في هذا القطاع وما يحدث فيه بما أنه يمس الأمن القومي المصري.

فى ظل تحرك الدولة المصرية لاستكمال مشروع التأمين الصحى الشامل، الذى يشكل الدواء أحد القطاعات المهمة والمؤثرة فى إنجاحه، تلقيت أكثر من 1200 رسالة من العاملين بالشركة بها خبرات تلك الكوادر ودورهم فى النجاح الذى حققته الشركة خلال فترة عملها فى مصر.

نعود إلى تلك القضية التى طرحناها فى العدد الماضى، يُعد قطاع الدواء من القطاعات الاستراتيجية التى يجب الانتباه لما يدور فيها فى ظل مشروع قومى عملاق تحققت أولى مراحله (التأمين الصحى الشامل)، ويمثل توافر الدواء أحد أهم محددات جودة الخدمة الصحية، ما يستلزم الانتباه لما يجرى ومراجعة الملف بدقة.

(1)

مع تصاعد أزمة «الصفقة اللغز» والتى أطلقت عليها هذا الوصف نظرًا لأن عملية البيع تمت مع تحقيق الشركة لنجاحات اقتصادية وزيادة الأرباح السنوية، كما رفضت الشركة العروض المقدمة من شركات مصرية وأصرت على البيع لشركة أدوية الحكمة، ومازال هذا الأمر يمثل لغزًا محيرًا.

استحوذت الشركات المصرية على 31% من سوق الدواء المصرى وبلغت حصة شركات الدولة (قطاع الأعمال العام) منها 6% فقط (الأمر الذى يجعلها غير قادرة على المنافسة، مقابل 69% للشركات متعددة الجنسيات.

وبحسب تلك الأرقام وتحركات بعض الشركات للتخارج من السوق والاندماج فى كيانات كبرى خارجية، فإن الأمر يحتاج إلى وقفة.

واسمحوا لى قبل الدخول فى التفاصيل أن أوجه الشكر للشركات المصرية المصنعة لعلاج فيروس الالتهاب الكبدى الوبائى والذى كان يلتهم أكباد المصريين فى ظل ارتفاع أسعار العلاج على مستوى العالم والذى يبلغ 80 ألف دولار أمريكى، وترفض منظومة التأمين الصحى فى الولايات المتحدة صرفه للمرضى تحت مظلتها نظرًا للتكلفة المالية الكبيرة، بينما استطاعت الشركات الوطنية المصنعة للعلاج أن تصل بالسعر إلى 10 آلاف جنيه تحملتها الدولة المصرية بالكامل عن المواطنين ليصرف للمرضى بالمجان.

كان لشركة (فاركو) دورًا كبيرًا فى نجاح الدولة المصرية فى القضاء على المرض.. فتحية واجبة لها وللعاملين بتلك الشركات.

أعود إلى النقطة المحورية فى تلك القضية وهى ضرورة أن تتمتع الدولة بالقدرة على ضبط هذا السوق الذى قد نُفاجئ جميعًا بأنه أحد أسباب انهيار المشروع القومى للتأمين الصحى.

ليست هذه نظرة تشاؤمية ولكن الواقع يشير إلى ذلك، خاصة مع تخارج البعض من تلك الشركات والاتجاه لإنتاج العلاج الحيوى (الجينى) وهو ما أوضحته بالتفصيل فى العدد الماضى، إذ يُعد من العلاجات مرتفعة التكاليف مما سيؤثر على موارد التأمين الصحى الشامل، وقد يعرقل المشروع.

هنا أيضًا لا بد من الإشارة إلى ما تقوم به الدولة من مشروعات خدمة صحية ومشروعات فى قطاع الدواء وإنشاء أكبر مصنع لمشتقات الدم فى الشرق الأوسط، لكن القطاع الذى يستحوذ فيه القطاع الخاص على 94% منه يحتاج إلى تقوية الشركات الوطنية العاملة فيه.

(2)

تعمل فى السوق المصرى تسع شركات وطنية تابعة لقطاع الأعمال العام، حيث تستحوذ على نسبة ضئيلة للغاية من حجم السوق المصرى، والباقى يقع فى يد شركات القطاع الخاص والشركات العالمية (متعددة الجنسيات).

وبحسبة بسيطة للغاية نجد أن مبيعات الشركات الحكومية، حسب تقرير صادر عن مؤسسة «IMS» العالمية للمعلومات الدوائية، قد بلغت 2.8% من مبيعات القطاع خلال العام الماضى.

فقد حققت شركات الأدوية العاملة فى السوق المصرى مبيعات بحجم 75 مليار جنيه لم تحصل شركات الحكومية سوى على 2.3 مليار جنيه منها، بينما تشكل مبيعات الشركات الحكومية مجتمعة نسبة أقل من نصف مبيعات شركة «نوفارتس السويسرية» صاحبة المركز الأول بقائمة الشركات الأعلى مبيعًا بقيمة مبيعات 5 مليارات جنيه بنهاية 2020.

جاءت النيل للأدوية فى المركز الأول بقائمة الشركات الحكومية الأعلى مبيعًا بنسبة نمو 48.2% تلتها شركة القاهرة للأدوية بنسبة زيادة 341 مليون جنيه بنسبة نمو 0.6%، بينما جاءت شركة الإسكندرية للأدوية فى المركز الثالث بزيادة 14.7%، فيما سجلت شركة تنمية الصناعات الكيماوية «سيد» مبيعات بنمو17.1%.

وحلت الشركة العربية للأدوية والصناعات الكيماوية «أدكو» فى المركز الخامس بنمو بلغ 18.7% بقيمة 271 مليون جنيه، متفوقة على «مصر للمستحضرات الطبية» التى حققت نموًا بلغ 3.3%، حيث بلغت 216 مليون جنيه.

وحققت شركة ممفيس للأدوية مبيعات بقيمة 121 مليون جنيه بنمو40. 8%، فيما سجلت شركة النصر للكيماويات الدوائية مبيعات بقيمة 107 ملايين جنيه بتراجع 9.19%.

يبلغ حجم العمالة فى تلك الشركات 27 ألف عامل، وهو أحد التحديات التى تواجه الشركات الحكومية.

وبحسب دراسة ضمت خمس شركات فى قطاع الدواء التابعة للحكومة (القاهرة للأدوية، إيبيكو، الإسكندرية للأدوية، العربية للأدوية، والنيل للأدوية)، ثمة تحد أكبر يواجه تلك الشركات يتمثل فى ارتفاع التكاليف التشغيلية، إذ يتم استيراد معظم المواد الخام، مما يعرض الشركات المصنعة للتقلبات فى الأسعار العالمية وأسعار صرف العملات الأجنبية.

ونظرًا لأن صناعة الأدوية لا تزال تخضع للرقابة على الأسعار من جانب وزارة الصحة، فإن الشركات المصنعة للأدوية عادة ما تجد هوامش ربحيتها معرضة للخطر حين تضطر بعض الشركات أحيانًا للاستمرار فى إنتاج بعض المنتجات التى تحقق خسائر، رغم أن صناعة الأدوية فى مصر تجد فى ارتفاع عدد السكان سوقًا رائجة، وكذا التركيبة السكانية المواتية وارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض.

وبحسب الدراسة فإن مصر من أقل الدول من حيث نسبة النفقات المخصصة للرعاية الصحية كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى عند 4%، مما يمهد الطريق لمزيد من الاستثمارات المتدفقة إلى صناعة الأدوية التى تهيمن عليها الشركات متعددة الجنسيات، حيث تستحوذ على 69% من إجمالى المبيعات مقابل 31% للشركات المحلية.

 (3)

كانت الشركة القابضة للأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام قد حددت الإصلاحات المطلوبة فى شركات إنتاج الدواء التابعة لها للتوافق مع متطلبات التصنيع الجيد بتكلفة استثمارية تصل إلى 7.1 مليار جنيه.

وقد تحدث وزيرا المالية وقطاع الأعمال عن خطة طموحة لتطوير الشركات التسعة التابعة لقطاع الأعمال العام، لكن النتيجة والعمل لم يكتمل بعد رغم تسارع وتيرة سوق الدواء.

وتُعد تلك الشركات بمثابة صمام الأمان بالنسبة للدولة المصرية، وهو ما اتضح جليًا أثناء مواجهة جائحة كورونا بعد قيام تلك الشركات بمضاعفة إنتاجها من الأدوية والمطهرات لمواجهة احتياجات السوق المصرى.

ضاعفت تلك الشركات، ضمن الإجراءات الوقائية خلال فترة مارس – يونيو 2020، إنتاجها من فيتامين «سى» والذى بلغ خمسة ملايين عبوة، ونحو 3.1 مليون عبوة أدوية مضادات حيوية، و14 مليون عبوة خافض حرارة، و750 ألف عبوة زنك، و4.7 مليون أمبول أدوية التجلط، و150 ألف عبوة أدوية الجهاز التنفسى، و100 ألف عبوة فيتامين (د)، و260 ألف عبوة أدوية أطفال.

كما ضاعفت إنتاجها من المطهرات للسيطرة على الأسعار فى الأسواق.

هنا تبرز أهمية الحفاظ على الشركات الوطنية العاملة فى قطاع الدواء.

فثمة العديد من المشكلات التى تواجهها وتأتى فى مقدمتها تسجيل الدواء، حيث يتأخر التسجيل فى وزارة الصحة للأدوية التابعة للشركات الحكومية فى حين يستغرق التسجيل لشركات القطاع الخاص وقتًا أقل.

كما يواجه تسعير الدواء بالنسبة للشركات الحكومية أزمة كبيرة، مما يجعل تكاليف الإنتاج أقل من سعر البيع وهو ما يؤثر سلبًا على تلك الشركات.

وقد طالبت شركة القاهرة للأدوية بمراعاة التكلفة المباشرة عند تسعير الدواء بدلًا من التكلفة الكلية مقارنة بسعر بيع المصنع، خاصة أنها تواجه تحديًا فى 36 مستحضر طبى وتحقق خسائر بقيمة 38.9 مليون جنيه تمثل الفرق بين التكلفة الصناعية وسعر بيع المصنع.

فى حين أن منتجات الشركات الحكومية يتم إنتاجها فى شركات القطاع الخاص بأسعار مضاعفة.

المشهد فى قطاع الدواء، فى ظل مساعى توطين تلك الصناعة، يحتاج إلى وقفة من الدولة المصرية وأن يصبح عام 2021 هو عام الدواء المصرى لبحث كافة مشكلات القطاع وإيجاد حلول حقيقية لها.

إننا أمام تهديد حقيقي للأمن القومي يحتاج وضع استراتيجية عاجلة للنهوض بالقطاع الدوائي استعدادًا لموجة قد تدمر هذا القطاع إذا ظل على ما هو عليه الآن، في ظل وجود كيانات عالمية ضخمة تندمج من أجل السيطرة على السوق في المنطقة.