https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

ديمقراطية الخلافة

1520

الديمقراطية إشكالية دائمة لدى جميع تيارات الإسلام السياسى.. حرمها الإسلاميون دون استثناء.. وتعاملوا معها رغم تحريمهم لها من أبواب شتى «الضرورات تبيح المحظورات، سد الذرائع، وسيلة لغاية»، والباب الأخير براجماتية صرفة من تيارات الإسلام السياسى التى ارتضت العمل الديمقراطى، أو مظاهره دون جوهره لاستمرار الوجود.
لم يختلف تياران إسلاميان فى أن الديمقراطية حرام.. حتى من اشتغل فيها منذ تأسيسه.. لكن اشتراكهم فى الديمقراطية كان عملًا تحايليًا منها دون موقف فقهى حقيقى يبحث فى آليات الديمقراطية بشكل يرتبط بفقه الواقع.
يزعم بعض متفقهى تيارات الإسلام السياسى أن الديمقراطية هى الشورى الإسلامية المستقاة من الآية الكريمة «..وأمرهم شورى بينهم..» سورة الشورى آية 38.
والشورى هى طلب الرأى من من هو أهل له «أهل الحل والعقد» «نظام الدولة فى الإسلام وعلاقتها بالدول الأخرى ص 199، وأهل الحل والعقد هم: «أهل الاجتهاد، وهم العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يرجع النّاس إليهم فى الحاجات والمصالح العامّة» الطبرى «منهاج الطالبين».
الشورى إذا رأى الخاصة دون العامة.. ومبدأ الشورى ليس إلزاميا.. عكس الديمقراطية التى هى فى مبدأها العام «حكم الشعب».. وأقوى ركائزها عامة الناس وليس خاصتهم.. رأى أغلبيتهم ملزم وسار عكس الشورى، فقد يرى أغلبية من يستشارون رأيا ويرى الأقلية رأيا آخر فيؤخذ برأى الأقلية دون الأغلبية أو لا يؤخذ بأى من الرأيين إن انقسم المستشارون من الخاصة.
حتى هذه اللحظة.. لم يوجد بحث فقهى يوضح العلاقة بين الديمقراطية والإسلام.. يضع الباحث فيه أولوية فقه الواقع.. وما صدر تحريم لها حتى من ممارسيها من الإسلاميين مع محاولة التبرير ولنا فى الدعوة السلفية التى حرمت كل أشكال الديمقراطية قبيل 25 يناير 2011، وقبل أن ترد فقهيا على تحريمها السابق أسست حزب النور ومارست كل أشكال الديمقراطية التى تحرمها.. ورغم ذلك يبتعد كثير من منتسبى الدعوة السلفية عن ممارسة الديمقراطية والعودة لتحريمات ما قبل 25 يناير.. والدعوة السلفية بمرسى مطروح وإعلانها ترك العمل السياسى ليس ببعيد.
الديمقراطية عند الإسلاميين وسيلة.. تستخدم للوصول إلى الحكم.. لتُعاد الخلافة إلى العالم مرة أخرى، يجعل الإسلاميون من الخلافة أساسا مهمًا للدين.. متأثرين بذلك دون أن يدروا بنظرية الإمامة عند الشيعة.
هدف الإسلاميين الخلافة.. والخلافة أمر لا نص فيه فى الإسلام.. وفى عهد الخلفاء الراشدين لم يوجد شكل واحد لكيفية الوصول للحكم أو اختيار الحاكم أو الإمام يمكن الالتزام به دون غيره.. «أبو بكر الصديق» تولى الخلافة ببيعة بعض أهل الحلق والعقد، وتولى الفاروق أمور المسلمين بنص من أبى بكر، وتولى عثمان بن عفان بتزكية من أحد العشرة المبشرين بالجنة، وتولى على بن أبى طالب ببيعة أهل المدينة خواصهم وعوامهم.. فأى شكل نطبق، وبعد عهد الخلفاء الراشدين.. كانت خلافة المسلمين ملكًا يورث للأبناء.
رسميًا.. ظهر تيار الإسلام السياسى، بمعناه مع تأسيس حسن البنا لجماعة الإخوان فى 22 مارس عام 1928م، ولم يكن هناك حاجة أو «حُجة» لوجود الإسلام السياسى قبل ذلك.
ومع إلغاء كمال أتاتورك للخلافة العثمانية فى 3 مارس عام 1924م، وخلو العالم الإسلامى لأول مرة من «خلافة إسلامية» ولو شكلية، فقد أثار ذلك إشكالية، وأوجد مطلب «إعادة الخلافة» لدى قطاعات عريضة من المسلمين.
«الخلافة» كانت سببًا فى اجتماع «البنا» بالرعيل الإخوانى الأول فى الإسماعيلية، وتشكيل «الإسلام السياسى».. أو جماعة الإخوان التى ستكون سببًا لوجود جميع فصائل هذا «التشكيل».
«فكرة الخلافة».. المحور الأساسى الذى تدور فيه فصائل الإسلام السياسى، انطلاقًا من أقصى يساره حيث «الإخوان»، إلى أقصى يمينه، حيث «داعش»، ولا يُستثنى منهم أحد.
ورغم إيمان فصائل الإسلام السياسى بـ «الخلافة» إلا أنهم ينقسمون حول «الديمقراطية» التى أصبحت ضرورة عالمية، فقسم يحرمها، وكان ذروة سنام ذلك القسم «داعش»، وقسم آخر يحرمها فى خطابه السرى، ويعمل بها ويبررها فى خطابه العلنى، وخير من يمثل ذلك «الإخوان»، وشابهه فى ذلك بعد «الربيع العربى»، السلفية الديمقراطية، أو السلفية الحزبية.
فى خطاباتهم السرية وبعض المعلنة، الديموقراطية وسيلة، حتى يأتى التمكين، لتعود «الخلافة».. وفى اليمين، رفض كامل للديمقراطية، وعمل مسلح حتى تأتى الخلافة.
ما سبق.. إناء يجمع تيارات الإسلام السياسى التى، رغم تعددها، عانت كلها إشكالية «التعايش الديمقراطى»، وبعضهم رفض الديمقراطية، والبعض الآخر مارس الديمقراطية، وانقلب عليها، وبعضهم يتحايل حاليًا على الديمقراطية.
صدام «الإخوان» مع مجتمعهم فى مصر مع توليهم الحكم، يفسره الكلام السابق، وهو أمر ليس جديدًا، حيث تكرر فى الجزائر، فى «العشرية السوداء»، وتكرر فى فلسطين.. بعد موافقة حماس على أوسلو لتصل إلى الحكم ثم تنقلب عليها.
حاول الإسلام السياسى الذى يعمل بالديمقراطية إيجاد تبرير للعمل بالديمقراطية، لكن الإشكالية ظلت موجودة، وهى رفض العمل بالديمقراطية، واتخاذها وسيلة يدخلهم فى صدام مع المجتمع، ومع النظام العالمى الذى تطور شكله النهائى إلى الشكل الديمقراطى حتى فى العلاقات بين الدول، وفى المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة، دون محاولة منهم بتفعيل فقه الواقع الذى فعله المسلمون فى عهودهم الأولى بما فيها العهد النبوى وعهد الخلفاء الراشدين.
مع سقوط الخلافة، وجد الشيخ الأزهرى على عبدالرازق صدمة كبيرة فى العالم الإسلامى، فأخرج بعد سقوطها بعام كتابه «الإسلام وأصول الحكم».. كان بحثًا جريئًا ومجددًا، خلُص فيه إلى أنه لا يوجد نظام حكم واضح فى الإسلام، وأن الخلافة ليست نظامًا «مقدسًا».
حرب شعواء شُنت على الرجل، وعُقدت له محكمة تفتيش، وفُصل من الأزهر، ولم يعد له ذكر إلا بين أوساط بعض المفكرين.
سبقه شيخ آخر شغل منصب مفتى الديار المصرية، وهو الشيخ محمد عبده، كان مجددًا يرى أن الديمقراطية وسيلة، وليست عقيدة حتى نكفر من يستخدمها، ولا تعارض بينها، وبين الإسلام.
أوجد الرجل حلين لمشكلة الخلافة التى أسست تيارات الإسلام السياسى، فرفضهما تيار الإسلام السياسى، لأن فى انتشار أفكارهما إزالة لأسباب وجود الإسلام السياسى.
آلاف من المنتسبين لتيارات الإسلام السياسى أصدروا كتبًا، وأبحاثًا تبرر اشتغالهم المرحلى بالديمقراطية دون حل واضح، فكانت أسباب مخاصمتهم للمجتمع وللدولة، والعالم فى منهجهم، وكان فشله سبب أطروحاتهم.. عليهم جديًا أن ينظرو إلى ما قدمه الشيخان محمد عبده، وعلى عبدالرازق، فيما يخص الديمقراطية والخلافة.