رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

أول حديث صحفى مع وزير الدفاع الفريق أول حسين طنطاوي نفذنا أكبر عملية نقل عسكرية للقوات المسلحة

1644

لم يسبق لى أن جلست إليه، ولم يسبق له أن أجرى أى حديث صحفى، سواء منذ توليه مسئولية وزارة الدفاع فى مايو الماضى 1991 أو قبل ذلك على امتداد تاريخه العسكرى الذى بدأ منذ أبريل 1956.

ولولا مناسبة أكتوبر التى أصبحت تأتى كل عام حاملة معها عبير النصر الذى حققته قواتنا، ما كان قد قبِل إجراء هذا الحديث.. أول حديث صحفى مع الفريق أول محمد حسين طنطاوى، وزير الدفاع.

لم تكن صورته متكاملة تمامًا قبل أن أجلس إليه.. ومن الممكن أن تسمع الكثير عن أى شخص، لكنّ الحكمة التى تؤكد حقيقتها هى التى تقول «تكلم حتى يراك الناس».

وعندما رأيته بصورته وأفكاره وآرائه فى خلال ساعة ونصف أدهشنى كثيرًا.. قائد مرتب الأفكار.. واضح المعانى.. حاضر المعلومة.. يعبر عن رؤيته بهدوء وبغير ادعاء.

ورغم طلاقة أفكاره، وسلامة لغته، واستشهاده فى بعض الأحيان بأبيات الشعر القديم، فإنه من المؤمنين بأن المسئول العسكرى ليست مهمته الإدلاء بالأحاديث الكثيرة، إنما القيام بدوره بعيدًا عن أضواء الإعلام رغم ما فيها من مغريات.. خاصة إذا لم يكن هناك حدث يفرض عليه أن يتحدث عنه.

وليس معنى هذا أن دور القوات العسكرية بعيد عن الناس، بل على العكس.. فعندما تنظر إلى خريطة العالم – هكذا قال لى – فإنك تستطيع أن ترى أن التطورات الحديثة قد حتمت وجود سلسلة فى كل دولة تقريبًا تجمع بين ثلاث حلقات، السياسة والاقتصاد والعسكرية.. كل منها فى خدمة الأخرى.. ونجاح أى دولة هو فى تحقيق التوازن بين الحلقات الثلاث.

أجرى الحوار – صلاح منتصر

وتم نشره في المجلة بالعدد رقم (780) بتاريخ 6 أكتوبر 1991

– قال لى الفريق أول طنطاوى: هذه المهمة ليست سهلة.. وبدون تحديد أسماء فإنك تستطيع بسهولة أن تكتشف نماذج من دول عظمى عسكريًا لكنها فشلت فى تحقيق قوتها العسكرية اقتصاديًا رغم دورها السياسى، فكان أن اختل الأمر فيها وتعرضت لمخاطر الانهيار.. نموذج آخر لدول كانت تبدو اقتصاديًا قوية، لكن ضعف حلقتها العسكرية عرّضها للضياع.. وهو ما يؤكد ضرورة التوازن بين الحلقات الثلاث (السياسة والاقتصاد والعسكرية).

 قلت له: سيادة الوزير.. إننى قادم لتوى من زيارة استمرت 6 أيام لموسكو، شاهدت فيها صورًا مذهلة أصبحت معروفة لكل العالم.. النقص فى المواد الغذائية.. الفساد.. سوء الإنتاج.. حالة الفوضى.

– قلت مضيفًا: أعترف لك بأننى فى روسيا فكرت فى حرب أكتوبر.. فما شاهدته هناك جعلنى أسأل نفسى: ماذا لو لم تكن حرب أكتوبر؟ وقد جاءنى الجواب فى عديد من الصور التى شاهدتها هناك، فقد وجدت أنه كان من الضرورى ألا نكون فى هذا الوضع السيئ، فكيف بدون هذه الحرب وبدون تحرير سيناء كنا سنملك قدرة دعوة الآخرين، بل دعوة المصريين أنفسهم إلى استثمار أموالهم فى بلادهم؟ من أين كنا سنبنى مئات المصانع التى أقيمت فى العاشر من رمضان والسادس من أكتوبر وكل مصر؟ فلولا أكتوبر ما كان التحرير ولولا التحرير ما كان التعمير، ولولا التعمير ما كان خروجنا ممكنًا من قيود الاشتراكية التى كبلنا أنفسنا بها، وهم يحاولون فى الاتحاد السوفيتى وكل دول الكتلة الشرقية أن يتحرروا منها، وأن ينتقلوا بأسرع ما يمكن إلى طريق الحرية.. الحرية الاقتصادية والسياسية.

– بهدوئه المميز قال لى: حتى هذا الوضع الذي تتحدث عنه فى الاتحاد السوفيتى.. كنا سنكون اليوم فى وضع أسوأ منه كثيرًا لولا حرب أكتوبر.. لا تنسى أن الاتحاد السوفيتى دولة عظمى، ورغم مظاهر ضعفه الاقتصادى فإنه يملك الإمكانات الضخمة والموارد الطبيعية وشبكات الطرق والمواصلات والاتصالات والبنية الأساسية، وكل هذا لم يكن موجودًا فى مصر.. شبكة المرافق من مياه وصرف وطرق وكهرباء وتليفونات نذكر جميعًا حالتها.. فكيف كنا سنتحدث عن أي مساهمات اقتصادية لو لم نكن قمنا فى السنوات العشر الأخيرة بكل ما حققناه فى هذه المجالات؟ أن نتحدث عن الموقف السيئ الذى يواجهه الاتحاد السوفيتى.. لكننى أؤكد لك أن لولا أكتوبر لكان وضعنا اليوم أسوأ كثيرًا من أي صورة تراها فى مكان آخر.

هل أغرينا صدام بالحرب؟

 سيادة الوزير.. هل يمكن أن تكون هذه الحرب.. حرب أكتوبر قد لعبت دورًا فى تفكير صدام حسين وأغرته بحرب الكويت؟

– قال: من الظلم الكامل عقد أى مقارنة بين الحربين.. ربما كان وجه الشبه الوحيد بينهما أن كلاً منهما حرب، أما فيما عدا ذلك فالاختلاف شديد.

فالقوات المسلحة المصرية حاربت من أجل قضية وطنية لتحرير أرض.. وتنفيذ إرادة شعب، أما القوات العراقية فإنها حاربت لتحقيق أهداف شخصية وطموحات فردية والاستيلاء على دولة ذات سيادة ولسلب إرادة وحرية شعب عربى شقيق.

والقوات المسلحة المصرية حاربت بهدف استعادة الحق وفى إطار الشرعية لعدالة القضية التى كانت تحارب من أجلها قوميًا وعالميًا.. أما القوات العراقية فقد حاربت بدافع الظلم وتشتيت شعب عربى شقيق وضد الإرادة الدولية.. نحن حاربنا ومن خلفنا كل الشعب المصرى والأمة العربية ومعظم دول العالم، والعراق حارب فى مواجهة معظم القوى العربية والإقليمية والدولية بشكل غير مسبوق فى تاريخ الصراعات الدولية، وربما أيضًا لم يكن لها نظير فى المستقبل.

قواتنا حاربت بعد استنزاف جميع الوسائل لحل المشكلة بالطرق السلمية من خلال المجتمع الدولى والمحافل الدولية، فى حين أن العراق حرص فى أسلوب إدارته للأزمة على عرقلة كل المحاولات لتسوية النزاع سلميًا ووضع الخيار العسكرى على قمة الخيارات الأخرى الممكنة.

إن القوات المصرية خاضت معركتها وحاربت وانتصرت من أجل الحق، والقوات المسلحة العراقية لم تحقق هدفًا من غزوها سوى الدمار وخلق المعاناة للشعبين الكويتى والعراقى على حد سواء، ولا يعلم أحد متى ستنتهى هذه المأساة؟

وبعد حرب أكتوبر كانت المفاوضات للفصل بين القوات والاتفاقيات السلمية التى خاضتها مصر بشرف وكرامة، فى حين أن القيادة السياسية العراقية حاليًا تخوض معركة الاستسلام، حيث لا بديل لها عن ذلك، وهكذا ترى أن الفارق كبير بين الحربين.

 سيادة الوزير: كقائد عسكرى.. على أى أساس – من الناحية العسكرية – يمكن القول بأن صدام قام بغزو الكويت؟

– قال: الأسباب كثيرة، لكن ربما كان أهمها فى رأيى أنه اعتمد عسكريًا على أن قواته كانت فى حالة تمرس على الحرب نتيجة السنوات الثمانى التى حارب فيها إيران.. فهو اعتقد أن القوات العراقية كان لديها من اللياقة القتالية التى اكتسبتها من حرب إيران ما يسهّل عليها الاشتراك فى أى حرب حتى ضد دول التحالف.. والشىء الذى أخطأ فيه الحساب كما أخطأ الحساب فى كل قراراته.. إن حربه مع إيران كانت حربًا مختلفة تمامًا عن حربه فى الكويت.. فى إيران لم يكن هناك أهمية لعنصر الزمن، وكانت الوسائل القتالية محدودة، والخطط محدودة، والإمكانات التكنولوجية متواضعة، أما فى حرب الكويت فالأمر كان مختلفًا تمامًا.. مع الفارق كان هذا هو نفس الخطأ الذى وقعنا فيه فى عام 1967.

فهناك من تصور أن تمرس قواتنا المسلحة على القتال فى اليمن فى ذلك الوقت.. سوف يجعلها لائقة قتاليًا إذا ما تم دفعها إلى معركة مع إسرائيل، ومن ثم كانت المفاجأة عندما تبين اختلاف نوعية الحرب فى اليمن عن الحرب فى سيناء، وهو ما صححناه بعد ذلك فى وقت قياسى وأمكننا تحقيق نصر 1973.

دورنا فى تحرير الكويت

 سيادة الوزير.. من حرب تحرير سيناء فى 1973 إلى حرب الكويت فى 1991 كان لقواتنا المسلحة دورها.. بالطبع كان هناك فارق فى حجم الدور.. لكن فى النهاية كان الجندى المصرى موجودًا فى الحربين.. إلى أى حد اختلف جيش أكتوبر الذى حرر سيناء فى 73 عن جيش فبراير 91 الذى شارك فى حرب تحرير الكويت؟

– قال: لكى تكون المقارنة موضوعية وتخضع لأسس ومعايير علمية.. علينا أن نتذكر أن حرب أكتوبر 73 كانت من أجل تحرير الأرض المصرية وطرد المعتدى، أما حرب الخليج فقد اشتركت فيها مصر انطلاقًا من مبادئها الثابتة للوقوف بجانب الحق والعدل والشرعية، وتلبية لنداء دولة عربية شقيقة، وتنفيذًا لقرارات الجامعة العربية ومؤتمر القمة العربى، لكن عندما تسألنى عن رأيى الفرق بين كلتا الحربين فإننى أستطيع أن أحدده فى ثلاثة اتجاهات رئيسية هى:

أولاً: حجم القوات.. فبينما كل جهود مصر معبأة لصالح معركة التحرير فى أكتوبر 73 من خلال حشد قوى الدولة الشاملة لتحقيق النصر، فقد جاء اشتراك مصر فى حرب تحرير الكويت بجزء من قواتها المسلحة للقتال بجانب الأشقاء العرب مع استمرار تأمين حدود مصر والدفاع عنها ضد أى أخطار خارجية، ومع ذلك فمن الخطأ القول بأننا ذهبنا إلى منطقة الخليج لمجرد إثبات حضورنا، فحجم القوات المصرية التى تم حشدها فى منطقة الخليج كان يمثل بالمقارنة لباقى القوات التى وصلت أكبر قوة عسكرية حشدتها دولة بعد الولايات المتحدة، لقد ذهبنا لنؤكد دور مصر الريادى فى المنطقة.. لا من حيث العدد، إنما قبل ذلك من حيث الدفاع عن الشرعية والمبادئ.

الفارق الثانى: الإعداد والتخطيط، فانتصار أكتوبر جاء نتيجة لفترة إعداد طويلة استغرقت 6 سنوات، تم خلالها إعداد القوات المسلحة وكذا إعداد مسرح العمليات، بالإضافة إلى إعداد قوى الدولة الشاملة بأبعادها المختلفة لخوض الحرب، وواكب ذلك أيضًا وضع خطط العمليات وتطويرها وتدريب القوات عليها وحل جميع المصاعب التى تعترض التنفيذ، بالإضافة إلى التنسيق الاستراتيجي الكامل مع القوات المسلحة السورية، وكان التخطيط لهذه الحرب تخطيطًا مصريًا خالصًا، أما بالنسبة لحرب الخليج فإن فترة الإعداد والتخطيط للعمليات كانت عدة شهور، وقد تم التخطيط لدور ومهام القوات المصرية فى عملية تحرير الكويت فى إطار الخطة العامة لمسرح العمليات وبالتنسيق مع القيادات العربية الشقيقة.

الفارق الثالث: نوعية التسليح.. فالقوات المسلحة حققت انتصارها الباهر فى حرب أكتوبر 73 بالتسليح الشرقى، وبعد هذه الحرب ونتيجة لقرار تنويع مصادر السلاح أصبحت القوات المسلحة تمتلك العديد من نظم التسليح، منها الغربى والشرقى، بالإضافة إلى التسليح المصرى الذى تم إدخاله فى القوات المسلحة بالاستفادة من الخبرات المكتسبة من حرب أكتوبر 73.

 قلت: لكن المعروف أن القوات التى كانت لها الأغلبية فى مسرح عمليات تحرير الكويت كانت قوات غربية تعتمد اعتمادًا كاملاً على السلاح الغربى؟

قال الوزير: لهذا السبب ولتحقيق التجانس بين قواتنا المصرية والقوات الموجودة فى تلك العمليات تم اختيار القوات التى دفعت إلى الخليج من القوات المسلحة بالتسليح الغربى، وقد أدت قواتنا دورها القتالى بأمانة وبكفاءة جعلت معظم القادة والمحللين العسكريين يشيدون بمستوى هذا الأداء، وهذا يؤكد أن القوات المصرية استوعبت تمامًا نظم التسليح الغربى التى تم إدخالها حديثًا فى القوات المسلحة، بالإضافة إلى الروح القتالية العالية التى يتمتع بها المقاتل المصرى فى جميع الأحوال وتحت مختلف الظروف.

وللإنصاف لابد أن أؤكد على حقيقة مهمة وهى أن الجندى المصرى الذى حارب فى أكتوبر 73 وصنع النصر الذى سوف يبقى على مر التاريخ، أحد أبرز عناصر الفخر للعسكرية المصرية، هو نفس الجندى الذى شارك فى حرب تحرير الكويت فى يناير 1991 من منطلق المبادئ الرافضة للعدوان وعدم شرعية الاستيلاء على أراضى الغير بالقوة، وهى نفس المبادئ التى خاضت مصر من أجلها حرب التحرير التى نحتفل هذه الأيام بذكراها الغالية، فقواتنا لم تذهب إلى الكويت احترافًا للقتال بل احترامًا للمبادئ.

لم نبدأ بالحرب لكن بالسلام

 سيادة الوزير.. لكن ذلك – ودعنى أكون صريحًا معك – لم يمنع بعض القوى وبعض الأقلام من تشويه دور مصر فى الأزمة، وأقرب نموذج على ذلك ما صدر مؤخرًا تحت عنوان الكتاب الأبيض!

– قال الفريق أول حسين طنطاوى: بعيدًا عن الدخول فى مهاترات إعلامية مع جهات ليست على مستوى الأحداث، فالدور المصرى الرائد والمحورى الذى لعبته فى أزمة الخليج منذ ظهور بوادرها فى الأفق حتى الآن لا يرقى إليه أى شك أو مزايدة من أى طرف.

إن الذين يتحدثون عن دور مصر عليهم أن يذكروا أن تحرك مصر فى تناول الأزمة كان شاملاً فى أبعاده ومجالاته وفى توافق وانسجام مع رغبة المجتمع الدولى.. فمنذ بداية تصاعد الأحداث فى المنطقة عندما وجه العراق اتهاماته إلى الكويت ودولة الإمارات العربية سارعت مصر فى تحرك إيجابى نشط لمحاولة احتواء الأزمة فى بدايتها تقديرًا منها لخطورة التصعيد على المنطقة وتهديد الأمن والاستقرار العالمى، ولا أحد فى ذلك يستطيع أن ينسى دور الرئيس حسنى مبارك، سواء باتصالاته المكثفة مع الأطراف المعنية بالأزمة أو زياراته لكل من العراق والكويت والسعودية التى حصل فيها على تعهد من صدام حسين بعدم القيام بأى عمل عدوانى على الكويت.

وبالرغم من العلاقات المتشابكة والمتعددة مع العراق قبل بدء الأزمة، سواء فى إطارها الثنائى أو فى إطار مجلس التعاون العربى، فإن التزام مصر القومى تجاه الأمة العربية تجسد بوضوح فى تغليب المبادئ على المصالح، وهو ما ظهر فى دور مصر فى مؤتمر القمة الطارئ بالقاهرة، وما صدر عنه من قرارات تدين العدوان العراقى وتطالب بالانسحاب الفورى من الكويت دون شرط.

وحتى بعد ذلك فإنه رغم استمرار العراق فى تعنته وإصراره على احتلال الكويت، كان التحرك المصرى الذى استهدف محاولة تسوية الأزمة بأقل خسائر ممكنة، وتجنيب المنطقة مخاطر نشوب حرب مدمرة للعراق والمنطقة، فكانت نداءات السيد الرئيس التى بلغت 33 نداءً دعا فيها الرئيس العراقى للامتثال لرغبة وإرادة المجتمع الدولى.

كذلك يُحسب لمصر موقفها الرافض للمناورات السياسية التى أدار بها العراق الأزمة فى مراحلها الأولى، سواء فى محاولة الربط بين قضية غزو الكويت والقضايا الأخرى فى المنطقة، أو فى محاولة فرض شروط غير منطقية لانسحابه من الكويت، ومازالت مصر تلعب دورًا رئيسيًا تسعى من خلاله إلى احتواء التأثيرات والانعكاسات السلبية التى أسفرت عنها الأزمة تأكيدًا للدور القيادى المصرى.

نقلنا أكبر حشد فى وقت قياسى

 سيادة الوزير.. لقد اشتركتم فى التخطيط لحرب الكويت كرئيس لهيئة عمليات القوات المسلحة.. فإلى أى حد كانت طبيعة خطط هذه الحرب؟!

– قال: لو عدنا إلى وقائع الأحداث وتسلسلها نجد أن العسكرية المصرية – كما سبق أن قلت – بدأ دورها انطلاقًا من مبادئ وقرارات الشرعية الدولية، وفى هذا الإطار كان القرار السياسى الرائد بالتجاوب مع مطالب المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بإرسال قوات مصرية للاشتراك فى التصدى للعدوان العراقى وتحرير دولة الكويت.

ولتنفيذ هذا القرار قامت القيادة العامة بالتخطيط اللازم لتحقيق الأهداف، ودون التعرض لتفاصيل هذا التخطيط بما يتعارض وأمن قواتنا المسلحة، فقد كانت الملامح الرئيسية لدور أجهزة القيادة العامة فى حرب الخليج هى التخطيط لاختيار وانتقاء القوات والعناصر من تشكيلات قواتنا المسلحة مع مراعاة مجموعة من الاعتبارات التى ترتبط بطبيعة المهام المكلفة بها هذه القوات، إننا دفعنا بأكثر من 40 ألف مقاتل إلى منطقة الخليج، وهى كما قلت كانت أكبر قوة عربية تشارك فى التحالف الدولى، والقوة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد احتاجت عملية نقل هذه القوات إلى خارج أرض الوطن إلى تخطيط على مستوى استراتيجى عالٍ سواء من حيث التوقيتات أو النوعيات أو التأمين الشامل لكل فرد، وهو ما تحقق بنسبة نجاح بلغت مائة فى المائة، فلم يسبق أن قامت مصر بنقل هذا الحشد من قواتها فى الزمن القياسى الذى تحقق وبالكفاءة البالغة التى كانت.

أيضا كان هناك دور آخر لمصر، هو وضع خطط التأمين الشامل لباقى قوات التحالف الدولى التى عبرت الأجواء أو المياه المصرية وخطة تأمين المجرى الملاحى لقناة السويس.

إذن فقد كانت هناك عملية النقل الضخمة، وقبلها عملية تحديد الأهداف، وبعدها التخطيط لدور هذه القوات بعد أن وصلت إلى مواقعها التى لابد أن نذكر أنها كانت على مستوى الطبيعة من أقسى المناطق.. ورغم ذلك فإن قواتنا حققت أعظم أداء يوم الحرب.. ففى فترة قياسية لم تتجاوز ثلاث ساعات استطاعت هذ القوات أن تنتقل من أقصى غرب الكويت إلى أقصى شرق الكويت على حدود مدينة الكويت فى الجهرة.. إذن ففى منطقة صعبة جدا قامت قواتنا بتحركاتها على أعلى ما يكون الأداء، وفى مهامها القتالية نفذت هذه المهام على أعلى مستوى.

دروس حرب الخليج وأمننا

 سيادة الوزير.. بعد الحرب دائمًا تبدأ الدروس.. ولو نظرنا إلى أزمة الخليج من وجهة نظر الفريق أول حسين طنطاوى وزير الدفاع.. فكيف نرى أهم هذه الدروس؟

– قال: بداية لابد أن أشير إلى اختلاف أزمة الخليج بتطوراتها المتلاحقة وانعكاساتها المتعددة عن الأزمات الدولية السابقة، سواء من حيث طبيعة نشأتها أو من حيث أسلوب ووسائل إدارتها ومعالجتها، ولذلك فالأزمة حفلت بالعديد من الدروس المستفادة فى المجالين السياسى والعسكرى، ولا أستطيع أن أحصرها جميعًا، لكننى سأبرز فقط أكثرها تأثيرًا على أمننا القومى المصرى والعربى، فعلى المستوى السياسى أكدت التطورات خطورة تجاهل المتغيرات الإقليمية والدولية فى إطار النظام الدولى الجديد، واستبعاد هذه المتغيرات من حسابات صنع القرارات على المستوى الاستراتيجى القومى، فضلا عن أن الأزمة أبرزت أهمية البحث لوضع ترتيبات تكفل استقرار وأمن منطقة الخليج ذات الأهمية الحيوية فى البُعدين الإقليمى والدولى.

أيضا أبرزت الأزمة أهمية دور الدبلوماسية فى خدمة القرارات الاستراتيجية للدولة، وهو ما تأكد من صلابة التحالف الدولى فى معالجته وتصديه للمناورات العراقية السياسية.

من ناحية أخرى كانت الأزمة اختبارًا ناجحًا لقدرات المنظمات الدولية على حماية الشرعية الدولية إذا توافرت الإرادة لذلك.

ومن المنطلق العسكرى.. فقد كانت العمليات الحربية مجالاً خصبًا لعديد من الدروس المستفادة على هذا الصعيد، منها بروز البُعد التكنولوجى فى الصراع، وهو الأمر الذى يفرض ضرورة الإعداد الجيد للمقاتل بما يتماشى مع الطفرة الهائلة فى أدوات الصراع العسكرى الحديثة.

كما لعبت عمليات النقل الاستراتيجى دورًا حيويًا منذ بداية الأزمة فى إطار الحشد والتجميع، وهو ما يستوجب التخطيط الشامل لاستخدام كل وسائل النقل المتيسرة بالدولة، وكان لعمليات الخداع الاستراتيجى فى حرب الخليج تأثيراتها المباشرة على مجريات الأحداث وعلى نتائج العمليات العسكرية.. لكن بعد أن توافر لها التنسيق والإعداد الجيد.

وقد برزت أهمية وجدوى التدريبات المشتركة فى جيوش الدول الصديقة.. سواء لتبادل الخبرات وصقل المهارات أو لخدمة التعاون الوثيق فى أى عمليات مشتركة مستقبلاً.. ولا يفوتنى هنا أن أشير إلى ما حققته قواتنا فى العمليات التى أدارتها بنجاح وبتنسيق غير مسبق مع باقى قوات التحالف خاصة مع القوات العربية الشقيقة.

عنصر آخر لابد أن أضيفه وهو أهمية الالتزام الكامل بتطبيق مبادئ الحرب التقليدية، المعروفة.. رغم التقدم التكنولوجى فى نظم القيادة والتسليح، خاصة ما يتعلق بمبدأ المفاجأة وأعمال الحشد والسيطرة والتعاون، ولا أغفل فى هذا المجال خطورة البُعد النفسى فى الصراع حيث كان أحد العوامل الرئيسية فى تحديد الملامح النهائية لنتائج الحرب.

لكن من الخطأ أن أقول إن هذه هى كل الدروس.. فحتى اليوم ولفترة قادمة ستبقى العمليات العسكرية بتطوراتها ونتائجها مجالاً للدراسات المستفيضة والمتخصصة لاستخلاص الدروس لخدمة القوات المسلحة فى كل المجالات، وهذا سيتطلب فترة من الوقت.. ولعلك تذكر أن حرب أكتوبر استمرت دراستها أكثر من 10 سنوات.

 قلت: إن مشاركتنا الإيجابية الفعّالة فى أزمة الخليج منذ بدايتها.. وانتهاء بدور القوات المسلحة المصرية فى حرب تحرير الكويت.. أتاحت إمكانية التعرف على الاعتبارات التى تحكم الموقف فى المنطقة الخليجية واحتمالات المستقبل.. وإذا كنا نتحدث بصوت عالٍ عن ضرورة خضوع المنطقة لترتيبات أمنية.. فما تلك الترتيبات التى تراها بالنسبة للمنطقة؟

– قال: قبل تناول موضوع الترتيبات الأمنية فى منطقة الخليج، وهى تمثل حاليًا إحدى القضايا الملحة والمطروحة دوليًا وإقليميًا.. أود أن أشير هنا أولاً إلى العلاقة الكاملة التى تربط الأمن القومى المصرى وأمن الخليج والأمن العربى بصفة عامة، والتى تفرض علينا عدم إغفال ذلك فى حساباتنا الخاصة بأمننا القومى.. وفى الحقيقة فإن هناك أبعادًا متعددة لتلك العلاقة، سواء كانت فى إطارها الجغرافى وما تمثله منطقة الخليج كامتداد وجبهة شرقية للأمن القومى العربى المصرى، واقتصاديًا باعتبار منطقة الخليج محورًا رئيسيًا للمصالح المصرية من تعاون اقتصادى واجتماعى متميز.

وقد أسفرت الأزمة الأخيرة عن العديد من الدروس المستفادة كما ذكرت لك قبل لحظات.. حيث أكدت الأحداث صحة تقديراتنا فى ضرورة الأخذ فى الاعتبار المتغيرات الإقليمية والدولية وتعدد المصالح والأهداف عند بحث أى شكل للترتيبات الأمنية فى تلك المنطقة الحيوية المهمة.

وأولى الحقائق التى تفرض نفسها هى التسليم والاقتناع بضرورة تعدد دوائر ونطاقات تلك الترتيبات.. وأعنى هنا أن تكون خليجية فى نطاقها الأول، وأن يتولى المسئولية فيها مجلس التعاون الخليجى الذى يمثل الكيان الإقليمى بالمنطقة بالمتوافر من قدرات وإمكانات لدى دولة الأعضاء، فضلاً عن اجتهاداتها ومحاولاتها لإيجاد تصور مناسب لتعاون متميز فى مواجهة أى تهديدات تشير إلى سيرهم فى الطريق الصحيح.. يلى ذلك مباشرة النطاق الأمنى العربى الذى تحكمه مقومات وروابط تقليدية تفرض على كل القوى العربية المشاركة فى تأمين المنطقة الخليجية باعتبارها شريحة وقطاعًا رئيسيًا يدخل ضمن الهيكل العربى الواحد، والقدرات العربية فى هذا الإطار تعد المتمم الرئيسى والمباشر للدائرة الأولى، وهذه القدرات تدخل فى عصب حسابات التأمين الخليجى.. كما أنه قد يكون هناك تزاوج زمنى بين كل من الدائرة الخليجية والعربية، حتى تكتمل القدرات الخليجية للدفاع عن نفسها..

وبالتدرج خارجيًا نصل إلى الدائرة الإقليمية التى تضم العديد من القوى التى ترتبط بالمنطقة بعلاقات خاصة.. دينية أو اجتماعية أو جوار أو امتداد جغرافى.

وأخيرًا فهناك الدائرة الدولية التى حكمت الحركة داخلها مصالح وأهداف مختلفة ومتعددة، وذلك فى ضوء ما تمثله المنطقة من أهمية للقوى الدولية باعتبارها المصدر لأكثر من 40% من الطاقة العالمية وتملك احتياطى طاقة حوالى 70%.

 سيادة الوزير.. إنك أشرت إلى أكثر من دائرة أمنية.. إقليمية وعربية ودولية ألا يؤدى هذا إلى تداخل بينها؟

– قال: تعدد الدوائر لا يعنى وجود تنافس أو تضاد فى المصالح والأهداف، بل على العكس تمامًا فإنه لصالح تحقيق الأمن والاستقرار فى تلك المنطقة وإنه من الضرورى أن يتم التنسيق والانسجام الكامل بين هذه الدوائر والنطاقات وإن اختلفت الأبعاد الزمنية لتحقيق كل منها.

نوافق على أى تدريبات مشتركة

 قلت: من المؤكد أنه كان هناك دور مؤثر للتدريبات المشتركة التى قامت بها قواتنا المسلحة أثناء استعداداتها لحرب تحرير الكويت.. والآن ما استراتيجية قواتنا المسلحة فى استمرار هذا النوع من التدريب؟

– قال: لا شك إن التدريبات المشتركة أصبحت تمثل أحد أساليب التدريب المتقدم فى جميع أنحاء العالم، وهى تهدف أساسًا إلى تبادل الخبرات القتالية الفنية بما يساهم فى تطوير القوات المسلحة ورفع كفاءتها القتالية.. ولذلك فإننا على اقتناع تام بمدى أهمية وفائدة مثل هذا النوع من التدريب، ونوافق على إجرائه فى إطار سياسة ثابتة تستند على تنفيذ تدريبات مشتركة مع أى دولة صديقة أو عربية بما يحقق أهداف ومصالح مصر القومية، ومنها على سبيل المثال المساهمة فى تطوير قواتنا المسلحة من خلال التدريب على أساليب قتالية حديثة وأنظمة تسليح ومعدات متطورة مع تبادل خبرات عملية وعلمية فى مجال التدريب والاستعداد القتالى والعمل على مسارح عمليات مختلفة قد تعمل قواتنا عليها فى إطار الدفاع عن أمن مصر ومصالحها القومية، وبالإضافة إلى ما سبق فإن التدريب المشترك يحقق لنا أهدافًا أخرى مثل تدعيم العلاقات السياسية والعسكرية مع الدول التى يجرى معها التدريب.. ولذلك فنحن نخطط للتوسع فى إجراء مثل هذا التدريب على نطاق واسع مع دول أجنبية وعربية وإفريقية، إيمانًا بمدى ما يحقق من مصالح قومية لمصر، وكنتيجة مباشرة لأحد دروس حرب تحرير الكويت نجحت قواتنا المسلحة فى التوافق مع القوات المشتركة نتيجة للتدريبات التى تمت من قبل على مدى السنوات الماضية، حيث خلق هذا التدريب مجالاً لسرعة التنسيق والفهم المتبادل لعقائد وأساليب قتال وأعمال قوات كل طرف.

ماذا يحدث عالميًا؟

 سيادة الوزير.. إن هذه الفترة التى نعيشها من الفترات الحافلة بالعديد من المتغيرات الدولية ذات التأثير المباشر على الأمن والاستقرار العالمى خاصة فى مناطق شرق العالم.. ولا شك أن تلك المتغيرات أثرت على مفهوم التوازن الدولى السياسى والعسكرى.. ولعل السؤال هو: ما مدى تأثير تلك المتغيرات على التوازن الدولى.. وانعكاسات ذلك على منطقة الشرق الأوسط التى تهمنا فى المجال الأول؟

– الوزير: لا شك أن السنوات الأخيرة حفلت بالعديد من المتغيرات الدولية ذات الدلالات والنتائج المهمة، وهناك من تلك المتغيرات ما كان مستبعدًا حدوثه على هذا النحو، إلا أن المؤكد أن أهم الأحداث تأثيرًا على العالم حاضره ومستقبله هو حركات التصحيح والإصلاح التى تمت فى الاتحاد السوفيتى وأوروبا الشرقية خلال الفترة الماضية، وهى أحداث كانت لها انعكاساتها على تطوير سياسة الوفاق وتقلص التهديدات بين الشرق والغرب وانحسار موجات العداء والتهديد العسكرى إلى أسلوب التفاهم والحوار ونبذ الحروب الباردة، فكانت اتفاقيات الحد من التسليح المتعددة وخفض القوات والميزانيات العسكرية والانسحاب السوفيتى من دول أوروبا الشرقية، وهى أمور كلها ساهمت من خلال الفترة الأخيرة فى خلق جو من الهدوء والاستقرار العالمى.

على أن أكثر المتغيرات العالمية تأثيرًا على الأوضاع الدولية والداخلية الراهنة كانت أحداث الانقلاب الذى تم فى الاتحاد السوفيتى وفشل فى تحقيق أهدافه فى إعادة الدولة إلى عهد ما قبل البروسترويكا، ويكفى الآثار التى ترتبت عليه حتى الآن وفى مقدمتها حل الحزب الشيوعى السوفيتى وحظر نشاطه وإسقاط الرموز الشيوعية فى الدولة التى ولدت فيها النظرية نفسها.

ولا شك أن تلك المتغيرات بنتائجها كانت لها انعكاساتها على ما يطلق عليه التوازن الدولى، فالاتحاد السوفيتى ودول أروروبا الشرقية تمر الآن بمرحلة حساسة من محاولات البقاء والتخلص من أعباء أجيال طويلة من التطبيقات الماركسية الى أفرزت حالة من التدهور الاقتصادى والسياسى والاجتماعى، وهى فى إطار إصلاح الجذور لابد أن تقلص أنشطتها السياسية والعسكرية حرصًا على استثمار النفقات الباهظة التى تنفق على المجال العسكرى فى مجالات أخرى مهمة وضرورية للإصلاح، وفى نفس الوقت تحتاج إلى المساعدات الاقتصادية الضخمة من الدول الغنية التى كانت بالأمس ندًا لها، وهى أمور قد تؤثر بشكل غير مباشر فى ثقل الاتحاد السوفيتى ووزنه على الساحة الدولية.

والولايات المتحدة التى تقود المعسكر الغربى أصبحت تملك معظم القوة الاقتصادية والعسكرية، وهى الآن تقف فى الميزان بالكفة الراجحة وتقف خلفها دول أوروبا الغربية وباقى الدول الغنية فى العالم، التى أصبحت الآن الأمل الوحيد أمام الاتحاد السوفيتى ودول معسكره للحصول على الدعم المادى والاقتصادى والتكنولوجى حتى تستطيع أن تلاحق تطورات العصر.

وتتأثر منطقتنا كأي إقليم آخر فى العالم بكل تلك التوازنات الجديدة وانعكاساتها على كل النواحى السياسية والاقتصادية والعسكرية على المنطقة، فالمرحلة القادمة ستشهد عقد مؤتمر السلام، ويشترك الاتحاد السوفيتى فيه وهو فى صورته الجديدة.. دولة عظمى حريصة على العلاقات الدولية فى إطار النظام الدولى الجديد بثوابته المحددة، حريص على الوفاق مع العملاق الأمريكى، ومن ثم فإن كل تلك الأطراف ستكون محددات الحركة لكلتا القوتين فيما يتعلق بالمنطقة، وسيكون على كل طرف منهما أن يثبت صدق مبادئه وتوجهاته فى حدود النظام الجديد، الذى نأمل أن تكون له مردوداته الإيجابية عند بحث قضايا الصراع العربى الإسرائيلى ونحن بقدر ما نحرص على الاستفادة من التوازن الدولى الجديد يكون لنا فيه دور.. حتى إن كان على مستوانا الإقليمى فى منطقة تعد من أكثر مناطق العالم أهمية وحساسية.

أين نحن تكنولوجيًا

 سيادة الوزير.. أين نحن من القفزة التكنولوجية التى تحدث عالميًا خصوصًا فى المجال العسكرى؟

– قال: القوات المسلحة هى قطاع وجزء رئيسى من نسيج الدولة، وفى كثير من الأحيان يكون تقدم وتطور القوات انعكاسًا صادقًا لمدى التقدم العلمى والثقافى الذى تتمتع به تلك الدولة.. ونحن عند قياس قدرات الدولة الشاملة وإمكاناتها العسكرية يكون أحد المعايير المهمة مدى التقدم والتطور العلمى ومعدل مجالات ثقافة الشعب المختلفة.. وهنا فى مصر والحمد لله فإن القاعدة العلمية عريضة وقد انعكس ذلك فى تزايد حجم الوعاء البشرى لإمداد القوات المسلحة بأفضل العناصر قدرة على استيعاب التقدم التكنولوجى الذى شمل مجالات مختلفة من أسلحة القتال.. ومن ناحية أخرى هناك علاقة مباشرة وتبادلية وارتباط وثيق بين مدى التقدم العلمى لأى دولة والتطوير فى النواحى العسكرية.. أنت لا تستطيع أن تطور من أنظمة التسليح أو تبنى قاعدة صناعية عسكرية دون توافر قاعدة عريضة فى مجال الصناعات المدنية بدراساتها وأبحاثها.. وكذلك بأن التقدم فى مجال التصنيع والبحوث وتكنولوجيا التسليح يساهم إلى حد كبير فى تطور وتقدم القاعدة العلمية فى أى دولة، والأمثلة فى ذلك كثيرة ومتعددة.. فهذا العصر الذى نشهده الآن بما فيه من تقدم تكنولوجى رهيب سواء فى مجال الإلكترونيات والقفزة الهائلة فى مجال الاتصالات إلى غير ذلك كان نتيجة لدراسات وبحوث عسكرية، وأكبر مثال لذلك هذا التقدم الهائل فى مجالات استخدام الأقمار الصناعية، التى بدأت بفكرة استخدامها للتجسس والاتصالات العسكرية.

ومثال آخر هو استخدام المحطات النووية فى مجالاتها المدنية المتعددة، وكان أول استخدامها فى نهاية الحرب العالمية الثانية الذى نتج عنه مأساة الإنسانية فى هيروشيما ونجازاكى فى اليابان.. والأمثلة كثيرة لا حصر لها.. وهناك نقطة مهمة أحب أن أوضحها وهى أن أى قوات مسلحة ذات تنظيم عالٍ ومستوى علمى متقدم يمكنها أن تمد الوطن بمواطنين على درجة عالية من العلم والخبرات المكتسبة فى المجالات المختلفة، وهذا ما يحدث داخل قواتنا المسلحة. وهذا الكم الكبير من خريجى معاهد ومراكز التدريب هو أكبر دليل على مدى العلاقة بين التقدم العلمى فى أى دولة وقواتها المسلحة فالعلاقة متبادلة والأهداف والمصالح القومية واحدة.

تغلبنا على عيوب تنوع السلاح

 هل هناك تأثير لنوعية السلاح وهويته على سياسة الدولة وقواتها المسلحة؟

– الوزير: السلاح هو إحدى أدوات تنفيذ العقيدة القتالية لأى دولة.. ومن العوامل المؤثرة فى نجاح تطبيق العقيدة وكل دولة تحرص على امتلاك أفضل سلاح يحقق لها هذا الهدف.. فنجد مثلاً دولة تعتمد فى تسليحها على سلاح شرقى فقط، وقد تكون مصادره من أطراف متعددة مثل الاتحاد السوفيتى وكوريا الشمالية والصين الشعبية.. والبعض الآخر يعتمد على التسليح الغربى من دول أيضًا متعددة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، ودول أخرى تعتمد على السلاح من دولة واحدة فقط سواء شرقية أو غربية.. ومجموعة رابعة من الدول تحصل على سلاحها من دول شرقية وغربية فى نفس الوقت.. ومصر تنتمي لهذا القطاع الرابع بالإضافة إلى إنتاجنا الذاتى، ونحن بعد حرب أكتوبر اتجهنا إلى سياسة تنوع السلاح، فحصلنا على أنظمة تسليح غربية من أطراف متعددة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، كما نحصل على أسلحة شرقية من الصين وكوريا الشمالية.. وقد حقق لنا ذلك ثلاثة أهداف رئيسية أولاً: تجنب البعد التقليدى لأى متغيرات طارئة على صعيد العلاقات السياسية، وثانيًا: الاقتراب من أحدث ما فى العصر من تكنولوجيا التسليح لإثراء وتطوير صناعتنا العسكرية واكتساب علمائنا للخبرات فى هذا المجال، وثالثًا: لتكون أمامنا الفرصة لاختيار الأفضل والمناسب لقواتنا وعقيدتنا القتالية.. ونحن فى ذلك حريصون تمامًا على امتلاك أنظمة التسليح التى تتماشى مع طبيعة مسرح عملياتنا ويوفر قدرة عالية على الاستيعاب والاستخدام المناسب والأمثل لهذا السلاح، وهى مجموعة متكاملة من المدخلات التى نحصل منها على أفضل نتائج فى هذا المجال.. وقد تكون هناك انتقادات توجه لسياسة تنوع السلاح نتيجة لوجود بعض عيوب تلك السياسة، وهذه حقيقة مثل مشاكل الصيانة ومزج الأنظمة المختلفة داخل القوات المسلحة والتدريب.. إلا أننا بفضل خبرائنا وعلمائنا قد نجحنا إلى حد كبير فى تجاوز هذه المشاكل والعيوب، ولذلك فنحن حريصون على امتلاك تكنولوجيا السلاح الذى نريده حتى تكون لدينا القدرة على تصنيع أجزاء منه أو على الأقل توفير قطع الغيار لتأمين استمراره وإطالة عمره الافتراضى.. فنحن أصبحنا أحد الرواد فى العالم فى استخدام أنظمة التسليح متعددة الجنسيات، وقد كانت حرب تحرير الكويت فرصة لنثبت للعالم أننا فعلاً قد نجحنا فى استيعاب هذا الخطأ، وهو منهج سيظل قائمًا فى سياستنا العسكرية مع مراعاة العامل التكنولوجى فى نظام التسليح.

قال لى الفريق أول محمد حسين طنطاوى وأنا أصافحه هذه الصور التى سجلها المصور سعد ياسين (كبير مصورى أكتوبر) كيف ستنشرها؟

قلت: ستكون هناك صورة للغلاف..

قال كأنه يرجو: بلاش الغلاف.. يكفى صورة صغيرة مع الحديث.

وأجبت باسمًا: سيادة الوزير إن من حق الناس أن يروك حتى لو كنت من كبار المؤمنين بأن مهمة المسئول العسكرى أن يقوم بدوره بعيدًا عن الأضواء.




503 Service Unavailable

Service Unavailable

The server is temporarily unable to service your request due to maintenance downtime or capacity problems. Please try again later.

Additionally, a 503 Service Unavailable error was encountered while trying to use an ErrorDocument to handle the request.