من الملاحظ أن أعضاء الجماعات الإسلامية –ومنهم الإخوان– يستخدمون كلهم نفس الألفاظ، ونفس المعانى والأفكار، لأنهم نتيجة التكوين بالتلقين فقدوا القدرة على التفكير الحُر، وتجمدت عقولهم فى قالب واحد كما فقدوا القدرة على الاستماع إلى الرأى الآخر، بل وفقدوا القدرة على مراجعة أفكارهم وهل هى صحيحة أم لا.. باختصار فقدوا القدرة على التفكير النقدى.
تراهم يرددون نفس العبارات المقولبة.. نحن حزب الله.. نحن نحمل الخير لمصر.. الموت فى سبيل الله أسمى أمانينا.. نحن المؤمنون حقا الذين وعدهم الله بالنصر والآخرون هم الكافرون قتالهم واجب شرعى.. نريد بناء المجتمع المسلم، ونريد أن يصبح العالم كله مسلما ونكون نحن أساتذة العالم، وقد وعدنا الله بالنصر وكان وعدا على الله نصر المؤمنين.. ومن أمثلة ذلك كثير وهم يحفظون بعض آيات من القرآن الكريم يخرجونها من سياقها ويعتبرون أنها موجهة لهم مثل: «ما كان لنبى أن تكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض، ومثل عذبوهم بأيديكم.. إلخ، إنهم يقومون (بتفصيل) الآيات لتناسب أهدافهم ليبيحوا القتل والإحراق والتخريب بادعاء أن هذا ما أمرهم به الله، وأن الآيات أنزلها الله لتخاطبهم بصرف النظر عن سياقها، ولأنهم فقدوا التفكير الحُر فإنهم ينساقون بلا تفكير لأوامر قادتهم ويقبلون الخضوع لهم بلا مراجعة لالتزامهم بالسمع والطاعة..
منهج هذه الجماعات – ومنها الإخوان- حولت «الإنسان» إلى «أداة»، وليس هذا غريبا ولا جديدا، فقد كان هو منهج الحزب النازى والحزب الشيوعى والحزب الفاشستى، ونعرف أخيرا من الوثائق الرسمية البريطانية أن حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان أنشأ الجماعة بتمويل من السفارة البريطانية وحمايتها، كما نعرف أنه فى أثناء الحرب العالمية عندما رجحت كفة الألمان فى الحرب انحاز إلى ألمانيا وكانت له مراسلات مع هتلر وأذاع أن هتلر اعتنق الإسلام وأصبح «الحاج محمد هتلر»!
هدف هذه الجماعات فرض سيطرتها على المجتمع بالدعوة وبشعار بناء الإنسان المسلم والمجتمع المسلم، فى المرحلة الأولى، ثم بالعنف والإرهاب فى المرحلة الثانية، ويرفعون فيها شعار «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم» (الأنفال 6) وفى منهج إعدادهم للجهاد كما يدعون يلقنون أن كراهية الناس لهم وحتى الاعتقال والسجن والإعدام، كلها اختبارات من الله على صدق إيمانهم كما كان تحمل المسلمين الأوائل للعذاب من الكفار لهم من يحكم عليه بالإعدام – لجريمة ارتكبها– يحسب عند الله شهيدا (!) ولقد لقنوا الآية الكريمة «ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون» (آل عمران – 139).. ولأنهم خضعوا لعملية ممنهجة لغسيل المخ فإنهم لا يقبلون التعددية، وليست لديهم القدرة على التمييز بين الوعى الحقيقى والوعى الزائف، ولا يدركون عملية التزييف الكبرى بادعاء أن هذه الجماعة هى وحدها الممثلة للإسلام والقادرة على إعادة مجد وحضارة المسلمين التى كانت فى القرون الأولى.
جماعة الإخوان جماعة حرب.. جماعة عداء للآخرين ولكل من يخالفهم واعتبارهم منكرون للشريعة.. عقولهم مغلقة لا يرون إلا تفسيرا واحدا لكل ظاهرة من ظواهر الكون والمجتمع والبشر، وليس لديهم إلا ترديد حل واحد لكل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإنسانية، وليست لديهم القدرة على تحليل المشاكل بموضوعية والوصول إلى جذورها وأسبابها وضحالة فكرهم تجعلهم يكتفون بالنظر إلى ما هو ظاهر.. لا يفهمون أن هناك أسبابا متعددة لكل ما نراه فى العالم وفى المجتمع وفى أنفسنا، وبالتالى هناك حلول متعددة واختيارات يمكن الموازنة بينها.
هنا نصل إلى النقطة المهمة، وهى كيف نعد الإنسان الذى يفكر تفكيرا حرا ولديه الوعى الذى يجعله يفاضل ويختار بناء على أسباب موضوعية سواء فى الحياة العامة أو الحياة الخاصة، ويكفى أن نعرف لماذا خرج كبار المفكرين ورجال الدين من جماعة الإخوان، فمثلا كان الدكتور عبد العزيز كامل المفكر الإسلامى الكبير مسئولا عن قسم الأسر عند بدء إنشاء الجماعة كما كان عضوا فى مكتب الإرشاد وكان حسن البنا يسميه «ابن الدعوة البكر»، وبعد سنوات من العمل فى قمة التنظيم فإنه – كما يقول– وجد نفسه يقرر الخروج من الجماعة بعد أن أعاد التفكير فى انحرافها وخروجها عن الأهداف التى بدأت بها، وبعد تكوين التنظيم السرى المسئول عن الاغتيالات، ورأى الدكتور عبد العزيز كامل أنه شارك فى تأسيس الجماعة لنشر الدعوة الإسلامية الصحيحة وليس للاستيلاء على الحكم بالقوة والاغتيالات، وكانت صدمته حين عرف أن حسن البنا هو الذى أمر عبد الرحمن السندى رئيس التنظيم السرى باغتيال المستشار أحمد الخازندار، وبعدها فى عامى 1948 و1949 نفّذ الإخوان عمليات تفجيرات عديدة فى المحلات التى يمتلكها اليهود.
ووقعت سيارة جيب تخص التنظيم السرى فى أيدى الشرطة بها أوراق التنظيم وأسماء بعض أعضائه وبناء على ذلك قرر النقراشى رئيس الوزراء وقف نشاط الجماعة فأصدر مكتب الإرشاد فتوى بأن النقراشى اعتدى على الإسلام ويستحق القتل، وبالفعل قتله عبد المجيد حسن الطالب بكلية الطب البيطرى، ويقول الدكتور عبد العزيز كامل إن حسن البنا طلب اختيار مائة شاب من الأذكياء والمتفوقين وإعدادهم ليكونوا كوادر «كامنة» غير معروفة لكى تكون أمامهم فرصة للوصول إلى مواقع قيادية فى الدولة، ويفتحون الطريق لصعود الإخوان إلى الحكم، ومذكرات الدكتور عبد العزيز كامل تستحق إعادة القراءة والتأمل لتعرف الأجيال الجديدة كيف يكون الإنسان بعملية غسل المخ مجرد آلة تسمع وتطيع وأن المنهج الإسلامى الصحيح قائم على حرية الرأى، وقبول الاختلاف فى المسائل التى يحكم فيها البشر، فكل فكر بشرى قابل للمراجعة والنقد إلا ما نزل به جبريل أو قاله رسول الله أو علمه من السنة الصحيحة..
وهذا ما عبّر عنه الإمام مالك بقوله (كل إمام يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر)، وأشار إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقوله: «هم رجال ونحن رجال» أى إن باب التفكير والاجتهاد مفتوح لكل مؤهل لذلك، وهذا ما يجعل كل مفتى فى الإسلام يختم فتواه بقوله (الله أعلم) ليفتح الباب لغيره ممن تتوافر فيهم شروط الاجتهاد ليقدموا ما تصل إليه أبحاثهم، هذا هو الإسلام: حرية فى الفكر، وتعددية فى الرأى، والتزام بالثوابت فى القرآن والسُنّة.