رئيس التحرير
الحقيقة العارية.. أصحاب ولا أعز
By mkamalيناير 30, 2022, 17:40 م
1264
قد توحى كلمات العنوان أنى سأدلف إلى حلبة الحديث الدائر خلال الأيام القليلة الماضية على السوشيال ميديا، ومنذ قدم النائب مصطفى بكرى طلب إحاطة فى البرلمان حول الفيلم، المعروض على منصة المشاهدة المدفوعة مقدمًا.
وفى ظل حالة الزخم الشديد التى اشتعلت بها صفحات التواصل الاجتماعى وما زالت.. فاستفاد البعض من تلك الحالة، وعاد الانتعاش إلى صفحات اليوتيوبر وبعض المنتفعين من صفحات التواصل ماليًا على التيك توك، وقنوات اليوتيوب والفيس بوك وتويتر.
لكنى فى الحقيقة لن أهتم بتلك المعركة كثيرًا لأن كل أطرافها لن يفوزوا بها.. فجميعنا خسر فيها، فمن انتقد استطاع أن يصنع موجة تعاطف غير عادية مع الجانب الآخر، والعكس، وتسرب من بين أيدينا الهدف الحقيقى لتلك الأعمال أو الموجة المستهدفة للمنطقة.
كما غاب عنا نكىء جرح التقصير الذى وقعت فيه بعض مؤسساتنا المسئولة عن الثقافة والدراما والسينما (مؤسسات الإنتاج).
يبدو أن ما حدث ليس سوى باكورة موجة سنواجهها خلال الفترة القادمة، تستوجب منا جميعًا التكاتف ليس بهدف الرقابة، أو استخدامها سوطًا مسلطًا على حرية الإبداع التى يحاول البعض أن يحولها إلى حرية غير مسئولة.. وإن كانت فى الحقيقة أن حرية الإبداع ليست عشوائية ولا تتعارض مع قيم وأخلاقيات المجتمعات، ولا تستهدف هدم تلك الثوابت الأخلاقية.
فهى مثل الحرية الشخصية، لها حدود، أهمها المسئولية المجتمعية.
ما يجرى الآن ومن قبله ذلك الفيلم الذى عرض خلال مهرجان الجونة ليقدم شكلاً مزيفًا للواقع الذى أصبحت عليه مصر، بل جاء ليقدم صورة انتهت بإعلان مصر نهاية العام الماضى خالية من المناطق العشوائية الخطرة.
(1)
فى العدد 2355 الصادر بتاريخ 12 ديسمبر 2021 وتحت عنوان مراحل تمزيق الدول، استعرضت فى تلك المساحة كيف يتم العمل على تغيير المفاهيم والقيم وتقديم المفردات الجديدة والمستهدف إدخالها للمجتمعات المستهدفة على عدة مراحل.. وهى استراتيجية طويلة المدى لا تستهدف الحصول على نتائج على المدى القصير، لكنها تظل لعشرات السنوات بل قد تستهدف جنى جزء من ثمار تلك المشروعات بعد نصف قرن تقريبًا، وهو ما ذكره واستشهدنا به من حديث للعميل السرى السوفييتى «يورى بيرمينوف»، قائلاً: إنّ زمن الحروب العسكرية لإخضاع الدول قد انتهى كأولوية، فالانتصار الآن يتم تحقيقه من خلال أربع مراحل لتمزيق أى بلدٍ، تبدأ بأهم مرحلة، وهى «إسقاط الأخلاق»، وهى مرحلة تحتاج من 15 إلى 20 سنة، لتدمير منظومة الأخلاق والقيم لدى المجتمع المستهدَف؛ لماذا هذه المدة الزمنية تحديدًا؟.. لأنها المدة الكافية لتنشئة وتعليم جيل واحد من الصغار على «القيم» البديلة، والأخلاقيات المبتذلة التى يراد ترسيخها فى المجتمع، وتفصيل الرؤية والعقيدة والشخصية المطلوبة، والتى من شأنها نسف المجتمع ومحو هويته بمرور الأيام.
يتحقق هذا الهدف، من خلال تدمير الهوية الدينية، بالإضافة إلى استبدال المؤسسات الدينية المحترمة، بمنظمات وهمية تسهم فى صرف انتباه الناس عن الإيمان الحقيقي، وجذبهم لأنواع العقائد الدخيلة.
عندما يتناسى المجتمع مفرداته وثوابته ويطلق بديلاً عنها مفردات أخرى، فيصبح الحديث عن الحرام والحلال هو حديث قديم لا يمت للحداثة بصلة، وتتحول الكلمات الخادشة للحياء، كلمات عادية بل جزء من تطور المجتمع، ودليل على الحداثة.
ويتبارى البعض منا فى الدفاع عنها بدعوى هذا الجيل عليه أن يعيش مراحل عمره، متدثرين بما قاله الإمام على كرّم الله وجهه «لا تربوا أبناءكم كما رباكم آباؤكم فقد خلقوا لزمان غير زمانكم» وهو استدلال فى غير موضعه.. فلم يقصد الإمام على كرّم الله وجهه، أن يترك الأمر لهدم الثوابت فيصبح الحرام مرضًا مجتمعيًا أو حرية شخصية، ويصبح الحديث عن القيم والأخلاق رقابة مرفوضة من قبل أولئك من حاملى مشاعل الحرية المزيفة.
ففى الوقت الذى يتحدثون فيه عن حرية العلاقات الجنسية معتبرين أنها جزء من الحرية الشخصية.. تجدهم ينكرون على الطرف الآخر حديثه عن الحرام والحلال.
(2)
لكن هل تلك الحالة التى تستهدف المجتمعات العربية خلال الفترة الحالية جاءت صدفة، أم أن كل ما يدور على أرض منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية، جاء لهدف محدد؟.. هنا ستجد البعض من دعاة الحرية المطلقة يرد قائلاً: لقد ضقنا ذرعًا بنظرية المؤامرة.
ويرد عليه الطرف الآخر ما يحدث فى العالم كله وليس فى الشرق الأوسط أو المنطقة العربية لا يعرف الصدفة.
ونظل ندور فى فلك هل ما يحدث مؤامرة أم أمرًا عاديًا ومتغيرًا طبيعيًا؟
وتبقى الحقيقة الغائبة عن أذهاننا جميعا «أين دور المؤسسات المسئولة عن تشكيل الوعى لدى المجتمعات والحفاظ على الهوية الوطنية، وأين الاستراتيجية الثقافية والمؤسسات الوطنية من تقديم محتوى فنى يرسخ ثوابت المجتمع ويحافظ على قيم المجتمعات وهويته؟!».. لكن تجدنا دائمًا نبحث عن شماعة يعلق كل طرف
منا عليها الأزمة.
فالمتحدث عن المؤامرة يطلب من الرقيب أن يتدخل لوقف المتغير الجديد على المجتمع الذى يستهدف تغيير قيم المجتمع ويضرب هويته وسلوكه.
والمتحدث عن الحرية، يواصل معركته بضرورة أن يتنحى الرقيب جانبا ويترك للمجتمع حرية الاختيار وهو يدرك أن المجتمعات العربية فقدت جزءا كبيرا من هويتها.
بل إن الأزمات التى ضربت المنطقة منذ ستينيات القرن الماضى
لا تزال آثارها واضحة.
هنا نعود إلى ما قاله العميل الروسى «يورى بيزمينوف»
«إن أقوى علاج لهذا السيناريو، يبدأ بإيقاف أخطر خطوة، وهى الأولى «إفساد الأخلاق»، وذلك لا يتم بطرد العملاء الأجانب، أو إضاعة الجهد والوقت والمال للبحث عمّن يحرك خيوط اللعبة، لكن أنجح حل لإفشال الخطوة الأولى، هو «إعادة المجتمع لقيمه وأخلاقياته وصحيح الدين».
(3)
وبعيدًا عن حالة السجال الدائرة حول ذلك العمل الفنى الذى قدم مجموعة من المفاهيم وحاول تمريرها للمجتمع منها المثلية الجنسية والاهتراء الأخلاقى فى المجتمع، والذى يعتبر ليس الأول فى تقديم تلك المفاهيم ومحاولة تمريرها، فقد سبقه أعمال فنية أخرى عرضت لها وقدمت نموذجًا لمجتمع مهترئ أخلاقيًا، وتحت دعوى مناقشة قضايا مجتمعية وضرورة حماية حرية الإبداع وقف المدافعون عن تلك الأعمال.
لكن الحقيقة والواقع؛ أن هذه الأعمال لم تستطع تغيير ثوابت وأخلاقيات وقيم المجتمع بدليل موجة النقد الموجهة لها.
وحجم المشاهدة الضخمة للأعمال الدرامية والسينمائية التى تقدم واقع المجتمع وتستعرض نماذج حقيقية من الواقع، تحمل بين طياتها الخير والشر، وترسم صورة لواقع نعيشه يوميًا فى أحياءنا وشوارعنا وريفنا ومدننا.
فتستطيع أن ترصد حجم نجاح الأعمال الدرامية عندما تسير فى الشوارع عند عرض مسلسل الاختيار2 وتجد الشوارع خالية من المارة والناس تتابع الحلقات، وكذا الاختيار 1، ونسب المشاهدة لمسلسل إلا أنا، وأبو العروسة.
لأن تلك الأعمال قدمت نماذج تعيش معنا ونعايشها فى حياتنا اليومية؛ لذا كانت الأقرب إلينا، بل أعادت إلينا مشهد الالتفاف حول التليفزيون داخل الأسرة، وإقبالا غير مسبوق من الأسرة على دور السينما.
أما القصص المعلبة، والمقدمة للمجتمع لخلق أو ترسيخ مفاهيم أو تغيير مفردات مجتمعية، فتلقى استهجان المجتمع؛ لكن ليس معنى ذلك ألا نحصل على المصل المضاد للحماية؛ وإلا وجدنا المجتمع بعد فترة انهارت ثوابته وأصبح مجتمعًا لا يؤمن بأهم قوة يمتلكها «الأخلاق».
صحيح إننا وقعنا فى الفخ عندما تحول الانتقاد إلى أكبر عملية دعاية غير مدفوعة لتلك المنصة وذلك العمل الذى قدم باللغة العربية.. رغم أن القصة غير عربية وتحمل قيمًا وأخلاقًا مجتمعية لا تتطابق مع مجتمعاتنا ولا تتوافق معها، وهو الخطأ الذى وقع فيه منتجو العمل، إن كانوا لا يعلمون خطورة ما قدموه، كما يزعمون .
أما إن كان عكس ذلك وهو ما تتحدث عنه الوقائع من تكرار لتقديم مثل تلك الأعمال، لنفس المنتجين، فإننا أمام خطر يستوجب على صناع السينما والدراما والثقافة أن يقدموا استراتيجية مواجهة حقيقية لملء هذا الفراغ المتروك لمثل تلك الأعمال.
إن ما يمتلكه الأدب والتراث الثقافى المصرى والعربى لديه الكثير من النماذج، التى تصلح لتصبح أعمالا فنية ناجحة، كما أن مصر بها قامات ثقافية قادرة على تقديم الكثير من الأعمال والنصوص ترصد ما يعيشه المجتمع بشكل حقيقى تصلح أن تكون أعمالاً درامية أو سنيمائية .
فكما قدم الكاتب الكبير نجيب محفوظ المجتمع المصرى والحارة المصرية فى الثلاثية.
من الواجب على وزارة الثقافة أن يكون لها دور وعلى قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتليفزيون أن يعود مرة أخرى للعمل، وكذا شركات الإنتاج الوطنية وفق استراتيجية تستهدف الحفاظ على الهوية الوطنية وترسيخ قيم وثوابت المجتمع المصري.
وداعًا صاحب الورقة والقلم
كان خبرًا صادمًا عندما اتصل بى زميلى يوسف رفعت، مسئول شيفت المبيت ببوابة دار المعارف ورئيس القسم الرياضي، ليبلغنى بوفاة الزميل والأستاذ ياسر رزق.. لم أصدق الخبر، فقال لى إن الزميل جمال حسين نشره على صفحته، ظننت وقتها أن الصفحة هكرت، اتصلت بالزميل جمال حسين كان الهاتف مشغولاً وكنت فى كل محاولة أدعو الله أن يكون الخبر غير صحيح.. لكن الحقيقة لا يمكن أن تتغير.. رد جمال حسين.. أيوه البقاء لله.
الصدمة أسكتت لسانى ولم أعرف ماذا أقول وأغلقت الهاتف دون أن أستأذن من زميلى جمال حسين، رئيس تحرير الاخبار المسائى الأسبق.
لقد كان ياسر رزق صحفيًا من طراز رفيع وطنى عاشق لتراب هذا الوطن مخلصًا لمهنته، معينًا لزملائه.
لقد ذهب جسده وبقيت سيرته وستظل أعماله التى كان آخرها سنوات الخماسين والتى نفدت طبعتها الأولى خلال اليوم الأول لمعرض الكتاب فكانت بمثابة تأبين من جمهوره ومحبيه له.
وداعًا ياسر رزق وأسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته ويلهم أسرته وذويه الصبر والسلوان.