الرئيسية متابعات د. فاطمة سيد أحمد تستعرض حقائقها في أول كتاب عنها “الأنثروبولوجيا العسكرية”
متابعاتهام
د. فاطمة سيد أحمد تستعرض حقائقها في أول كتاب عنها “الأنثروبولوجيا العسكرية”
By mkamalفبراير 16, 2022, 21:20 م
1492
د.نسرين مصطفى
أطلقت مؤسسة دار المعارف، بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ(53)، الكتاب الأول من سلسلة الأنثروبولوجيا العسكرية، للدكتورة فاطمة سيد أحمد، تتحدث فيه عن علم الأنثروبولوجيا العسكرية في مصر والوطن العربي، وتسعى من خلاله لربط هذا العلم بعلم الاجتماع، من خلال رصد التفاعل بين المجتمعين العسكري والمدني والمناورات العسكرية.
وترجع أهمية الكتاب إلى شقين الأول، هو رؤية الكاتبة التي عملت باحثة فى هذا العلم لفترة زمنية طويلة، إذ شاركت فى عدة بحوث فى الصعيد والدلنجات ورشيد، وأقامت لمدة عام إقامة كاملة بمجتمعات البحث بالإضافة إلى إعدادها رسالتي الماجستير والدكتوراه فى هذا المجال من واقع ترددها على الوحدات العسكرية لمدة 7 أعوام للانتهاء من دراستها، بالإضافة إلى عملها كمراسلة عسكرية لمجلة روز اليوسف. والشق الثانى يرجع إلى أن هذا العلم، هو ما اعتمدت عليه الدول الاستعمارية فى إخضاع الدول التى استعمرتها، ومن ثم، فالكتاب له أبعاد سياسية معتمدة على الجانب الاجتماعى ذي الأبعاد العسكرية، وهو علم فى غاية الأهمية والدقة فى نفس الوقت.
عرّفت د. فاطمة سيد أحمد فى مقدمة الكتاب المقصود بعلم الأنثروبولوجيا العسكرية، وهى دراسة الإنسان ومجتمعه العسكرى، فهو علم الجماعات البشرية أو علم الحضارات وتطرقت فى أول فصول الكتاب إلى علاقة الأنثروبولوجيا بالمجال العسكرى ونشأة علم الأنثروبولوجيا فى القرن الـ18 أى مع عصر التنوير واستعانة هذا العلم بعلوم أخرى، كعلم التشريح وعلم الحضارات وعلم البيولوجيا والعلوم الاجتماعية.
الأنثروبولوجيا العسكرية والاستعمار
وترجع أهمية علم الأنثروبولوجيا إلى كونه قدم معلومات دقيقة للحكام للاستفادة منها فى الحكم وفى العلاقات الدولية، وتعد الولايات المتحدة وأوروبا أول من استخدم ذلك العلم منذ الحرب العالمية الثانية، حيث قدم معلومات ومساهمات إيجابية لكل من أمريكا و إنجلترا وفرنسا أسهمت فى انتصارهم فى الحرب حتى إن الأمريكيين أشادوا بدور علماء الأنثروبولوجيا وقدرتهم على إنماء الذكاء العسكرى وتدريب الأهالى كقوات احتياطية، وكذلك المسح الاستراتيجي ومراقبة الحكومات العسكرية، كما قام الأنثروبولوجيا بمعاونة آلاف الضبابط من الجيش ومن ضباط البحرية ليعملوا فى الحكومات العسكرية بالأقاليم المحتلة، تحت مسمى ضباط الإدارة، ومن جهتهم قام ضباط الإدارة بتأليف مجموعات من الكتب الصغيرة التى أعدت لرجال القوات المسلحة الأمريكية تتضمن تعليمات متنوعة تشمل أمورا كثيرة تبدأ من كيفية استعمال اللغة الاسترالية العامة إلى السلوك الصحيح مع النساء فى العالم الإسلامى.
تجميد المقاومة
كما ساعدت الأنثروبولوجيا على اكتساب أحسن الطرق فى إغراء الأسرى اليابانيين والإيطاليين والألمان على التسليم بالوضع الراهن وإيقاف المقاومة المتصلة فى الأقاليم التى تحتلها الولايات المتحدة، كما قدموا تحليلا لسلوك الأسرى اليابانيين الذين كانوا يفضلوا قتل أنفسهم على أن يصحبوا أسرى حرب لدى الولايات المتحدة، حيث توصل العلماء إلى أن اليابانيين يعتقدون أن الأمريكان سوف يقتلوهم، مما جعلهم يتجهون إلى تصحيح ذلك الخطأ بنفيه والترويج لعكس ذلك.
كذلك ساعد العلماء فى توطين الشعب اليابانى بمناطق جديدة، كما نظموا دورات تدريبية للقوات العسكرية لشرح ثقافة الشعوب بالمناطق المحتلة حتى يستطيعوا التعايش بينهم وبين المواطنين فى مجال الأعمال المختلفة. ولأهمية ذلك العلم اتخذت الولايات المتحدة من الأنثربولوجيين مراسلين وأشركتهم فى إعداد برامج تدريبية للضباط لتعريفهم ببعض الواجبات الإدارية، وكذلك عملوا فى مجال الاستخبارات العسكرية ودائرة الخدمات الاستراتيجية وفى الحكومات العسكرية ودائرة الاستخبارات البحرية ودائرة استعلامات الحرب وفى الفرع الطبي للجيش والقوات الجوية.
الإدارة الاستعمارية
ومن أشهر الكتب التي أعدها علماء الأنثروبولوجيا كتابا بدائيا صغيرا عن طوارئ الغابة والصحراء ليساعد الطيارين لإرشادهم عن الغذاء القابل للتناول، وكذلك طرق تحضيره، كما جهزوا المواد التعليمية البصرية للمساعدة على تدريب رجال الجيش لمعرفة الأسرار الشخصية للعمل فى التجسس خارج أمريكا، واستخدمت قدرات الأنثروبولوجيا فى تشخيص المعضلات الخلقية وحلها بين رجال القوات المسلحة وقطاعات المجتمع المختلفة.
وفى بريطانيا كان لهذا العلم فى فرعه العسكري دور كبير فى مواجهة مشكلات الإدارة الاستعمارية مع الشعوب المستعمرة عن طريق معرفة كل ما يتعلق بهذه الشعوب من عادات وتقاليد وثقافة وسياسة والأحوال الاجتماعية والاقتصادية لهذه الشعوب، كما أن الأنثربولوجيين أنفسهم اشتركوا فى وضع أسس مشروعات التنمية فى هذه البلاد بعد استقلالها بمساعدة من الهيئات العالمية، كمنظمة الأمم المتحدة واليونيسكو، حيث تواصل عملها فى دعم التسامح الاحترام والتفاهم المتبادل بين الشعوب والأفراد.
وشغل الأنثروبولوجيون الإنجليز مراكز مرموقة فى وزارة الداخلية ووزارة البحرية ووزارة الاستعلامات ودوائر المسح الاجتماعي فى ميادين القتال وفترة الحرب، كما عين منهم مستشار سياسي لمنطقة الشرق الأوسط، كذلك استخدمتهم فرنسا لتقوية الروح المعنوية وشن حرب نفسية خلف خطوط أعدائهم وظهر دور الأنثروبولوجيا فى الحملة الفرنسية، حيث قام أحد القادة الفرنسيين بتغيير ديانته لكسب ود الشعب المصري كما يعد كتاب وصف مصر خير دليل على اتباع فرنسا لعلم الأنثروبولوجيا.
ويرتبط علم الأنثروبولوجي بشكل كبير بالمجال العسكري فى العصر الحديث، حيث يعد أحد الأسس الذي تبنى عليها عناصر المصلحة القومية والأمن القومي للدولة والتي تتمثل فى الشعوب واللغة والدين والشخصية القومية وحجم السكان وقدراتهم وخصائصهم والعلوم الإنسانية وعلاقتها بقوة الدولة الشاملة والقانون الدولي وخصائص صناع القرار والهيكل التنظيمي للدولة ووضع الدولة الجيواستراتيجي وإمكانات الدولة الاقتصادية وحجم الدولة وظروفها وموقعها.
تفكير علمي
قدمت الكاتبة نصيحة فحواها أن التفكير العلمى يتطلب أن يكون دراسة الأمور العسكرية بشكل أعمق وأكثر موضوعية، وأشارت إلى ضرورة إدخال العلوم الإنسانية للجيوش، وهو الأمر الذى تطبقه مصر فى المجال العسكرى، حيث تستعين بالعلوم الإنسانية ومنها علم النفس والاجتماع، إلا أنه فى نفس الوقت، فإن علم الأنثروبولجيا، يعد أشمل وأعم وأكثر تكاملا، خاصة أن هذا العلم يعرفنا أكثر بثقافتنا عن طريق معرفة ثقافة الآخر.
إن الأنثروبولوجيا العسكرية تهتم بدراسة الاختلافات المتصلة بالأجناس البشرية والجوانب العنصرية، حيث تعالج الجوانب المختلفة للثقافات والمجتمعات بحثا عن روح الجماعات ونفسية الشعوب وأبرز دليل على ذلك استخدام الدول الاستعمارية لعلم الأنثروبوجيا فى المجال العسكري للتحكم فى الدول المراد استعمارها عن طريق معرفتهم بالأحوال الثقافية والاجتماعية لهذه الشعوب، وهو ما جعل الشعوب الاستعمارية قادرة على القيام بحروب نفسية من خلال معرفتها بالحالة الذهنية للفرد ومن ثم المجتمع.
ظاهرة الحرب
انتقلت الكاتبة للحديث عن تحليل علم الأنثروبولوجيا لظاهرة الحرب، حيث عرضت لما أدت إليه الحرب العالمية الأولى من انهيار وتفكيك المجتمع، مما جعل العلماء يتجهون إلى دراسة الحروب ونتائجها وبدأت بإلقاء الضوء على نتائج الحروب قبل ظهور علم الانثربولوجي، حيث عرضت لوجهات نظر عدد من العلماء البارزين عن أسباب ونتائج الحروب وطرح وجهات نظر الغرب فى تفسير الحروب وأبرز الجماعات البشرية التي لا تتجه للحرب وعلى رأسها الاسكيمو، وتطرقت إلى تحليل نظريات الحرب لدى كبار الكتاب والمفكرين والباحثين العالميين كسان سيمون، وهربرت سبنسر، ومارجريت ميدر، وكلاوز فيتز، ومكيافيلي وغيرهم.
ثم تطرقت الكاتبة إلى تناول الحرب من منظور الأنثروبولوجيا العسكرية عبر التاريخ، فتحدثت عن تنظيم الجيوش من الداخل وأسلحتها والنظام العسكري الفرعوني، حيث توجه الفراعنة لتوجيه معظم موارد الدولة لإنشاء وتنظيم جيش قوى، حيث اعتبر أقوى جيش عسكري فى العصور القديمة، كما تناولت أهداف الجيش المصري فى العصر الفرعوني، وطريقة تشكيله وتنظيمه واختيار الضباط وقادة الجيوش وقادة الحملات العسكرية وألقابهم ورتبهم وأنواطهم، وما حدث من تطور فى مجال التجنيد خاصة بعد الأسرة الـ18، حيث وضعت نظام صارم للتجنيد وتطوره بالإضافة إلى تناول أحوال الجنود فى فترة السلم والأوضاع الاقتصادية فى تلك الفترة وظهور المنشآت الصناعية المتخصصة فى صناعة الأسلحة المختلفة.
المواطن الجندي
وانتقلت الدكتورة فاطمة، إلى الحديث عن النظام العسكري فى الإسلام والعقيدة القتالية الإسلامية والبناء الاجتماعي للجيوش الإسلامية وإحصاء الجنود وديوان الجنود وعلاقة الجنود بالقادة والتي تميزت بالترابط وإحصاء الجنود وتعدادهم بعد المعارك وإحصاء الخسائر بعد القتال وطرق سير القتال والمعارك العربية الإسلامية، والتي كانت على مذهبين الأول الزحف صفا فى تشكيل يشبه الصلاة والثاني هو الكر والفر وأسهب الكتاب فى وصف التنظيمات العسكرية فى مجتمع الصحراء وانخراط البدو فى العمليات العسكرية وأسباب تكوين سكان الصحراء للقوة العسكرية.
وفى الفصل الرابع تحدثت عن أهمية التنشئة الاجتماعية فى تكوين مواطن صالح يصلح ليكون جنديا فى المجتمع العسكري ليدافع عن الوطن لما للجيوش من أهمية كشرط للسيادة الوطنية، فهى ضمانة أساسية لاستقلال الأمة، كما تطرقت إلى قوانين الحياة العسكرية، والتي تتميز بقواعد ونظم عسكرية، فهى حياة لها طابعها وسماتها الخاصة، فالمهنة فى القوات المسلحة وظيفة لكل وقت وليس لبعض الوقت.
تحدثت أيضا عن أسس القوات المسلحة وطرق تنظيمها وتسليحها وما هى العسكرية الحقيقية وأسلوب حياة العسكريين وأهمية التدريب فى اكتساب القواعد والإجراءات والاتجاهات العسكرية ومحتوى المجتمع العسكرى وبنائه القائم على قوات بحرية وجوية وبرية ودفاع جوى ولكل منه نظمه وقيادته وتنظيم العمل به، كما تطرقت للهيكل البنائي المتمثل فى بناء رسمى قانوني، وهو الذي يحدد الأوامر والقوانين وبناء آخر غير رسمي والمقصود به الأفراد الذين يعيشون فى الثكناتن وكذلك بناء القيادة ونسق المكانة الاجتماعية والسمات التنظيمية لبناء النظام العسكري، والتي تناولت خلالها التدرج الهرمى من أعلى رتبة إلى الجندى وكيف أن الترقي فى النظام العسكري اعتراف ظاهر بالكفاءة.
العقيدة العسكرية
وأبرزت صفات القائد العسكري الذي لابد أن يتمتع بموهبة خاصة وهى القدرة على القيادة التى تتسبب فى انتصار الجيوش، فالقائد يقوم بعملية التنظيم وتعريف كل شخص بواجباته ومسئولياته وقدرته على ممارسة عدالة الثواب والعقاب ويسند عليه عبء نجاح الجماعة والنصر فى المعركة، بالإضافة إلى غرس العادات والتقاليد العسكرية فى نفوس الأفراد ومعالجة الأخطاء فى الحال وتناولت التقاليد والقوانين العسكرية، وهى أهم ما يميز المجتمع العسكري، حيث تطورت التقاليد العسكرية معتمدة على العمل على إيجاد تقاليد سامية جديدة والعمل على القضاء على بعض التقاليد القائمة ويقصد بالقوانين العسكرية ضرورة وجود مسافة بين الضباط والجنود.
وتحدثت باستفاضة عن مفهوم العقيدة العسكرية، كونها صورة للأفكار التي تعتنقها الدولة بخصوص مسائل التقدير السياسي للحرب المقبلة وموقف الدولة من الحرب واستنباط طبيعة الحرب فى المستقبل وتجهيز الدولة للحرب اقتصاديا ومعنويا، بالإضافة إلى اعتماد العقيدة العسكرية على البناء الاجتماعي والمهام العامة للحكومة فى ميدان السياسة الداخلية والخارجية وعلى حالة الدولة السياسية والمعنوية والاقتصادية والثقافية أما النظم العسكرية والمقصود بها القواعد المنظمة للسلوك، والتي يعرفها المجتمع المنظم للعسكرية لتقيم نفسها سلوكا جمعيا، يعتبر فى حد ذاته نظاما خاصة بالمجتمع العسكري ورمزا له كالخطوة العسكرية وتعظيم الرتبة الأعلى وعدم الانتساب للجمعيات والهيئات السياسية والابتعاد عن الهيئات الأجنبية وعدم مراسلة الصحف، فالمنظمة العسكرية جماعة اجتماعية تحمل طابعا خاصا بها تعمل على طبع أفرادها وتعليمهم نوعا معينا من السلوك العسكرى مستخدمة فى ذلك التدريب والتعليم، وهو ما يعرف بالنظم العسكرية.
خصائص النظام العسكري
أما عن خصائص النظام العسكرى، فقد عددت الدكتورة فاطمة خصائص النظام العسكرى منها حالة التوازن الداخلى والتماسك والترابط، بالإضافة إلى حالة الثبات لوجود قوة خارجية تدعمها وتفرضها وتنشر خلالها المنظمة بواسطة نظام القيادة وطبيعته الخاصة، والثالثة أن المنظمة العسكرية مجتمع مغلق أمام المؤثرات الخارجية والرابعة التمايز الرسمى بين الرتب، بحيث يمكن اعتبارها منظمة ذات نظام طبقى معين تحدد طبقاته بواسطة فواصل الرتب.
الشخصية العسكرية
وتناولت الكاتبة فى آخر فصوله الشخصية العسكرية وثقافة المجتمع العسكري، الذي يتميز بخصوصية ولهم سلوك مميز يختلف عن سلوك أفراد المجتمع ككل، كما أن المجتمع العسكري له دلالات وثقافات تنقسم إلى قسم مادي، متمثل فى التكنولوجيا، وقسم لا مادي متمثل فى القيم والاتجاهات. ويوضح الكتاب مدى انعكاس الثقافة العسكرية فى تنشئة الكوادر العسكرية المتمثلة فى الشخصية العسكرية، التي ستقوم بمفهوم مبدئي للأصول التي تقوم عليها صورتها النمطية، كما تناول الكتاب الجنايات العسكرية والمجالس العسكرية التي تتولى المحاكمات وأهمية الرقم العسكري فى حياة جميع الأفراد العسكريين وأهمية التنشئة العسكرية، حيث تعد القوات المسلحة مؤسسة تربوية صحية تتبلور فيها معظم النشاطات الخاصة كتنشئة العناصر البشرية وإعدادها فهي تهتم بإدارة العمليات فى الحرب وتقوم بمهمة التدريب والتنشئة أوقات السلم وعند الخدمة فى الوحدات العسكرية.
وقد يبدو للوهلة الأولى من اسم الكتاب أنه معقد نظرا لموضوعه عن علم ليس معروفا للكثيرين فى مصر والوطن العربي، إلا أن الكاتبة استخدمت لغة سهلة وبسيطة وعميقة فى نفس الوقت، فلم تتطرق إلى التعقيد فى التناول، كما أن موضوع الكتاب عميق ويحتاج إلى قراءة متأنية؛ نظرا لغزارة ما به من معلومات، كما أنه الكتاب الأول من سلسلة تعتزم الكاتبة طرحها تباعا.