أكتوبر تضيء الشمعة 47
منذ صدور عددها الأول في 31 أكتوبر 1976م، وهي عنوانا للنصر لما لا وأسمها وحده محفزا للفخر، في كل عام يمر عليها وهي تعلن نصر جديد في عالم الصحافة، ونحن نحتفل بعيد ميلاد صدورها الـ 47 ، نضيئ شمعة في أفق الثقافة الذي لا نهايه له، وتعلي صوت الإبداع المتجذر في أرضنا ، لقد كانت أكتوبر وما زالت شريكا في الفكر التنويري، والأدب الرفيع، والفن الراقي، لما لا وبها كوكبة من الصحفيين استضاءوا ونهلوا الصحافة من أسانذة كبار، في ميلاد مجلتنا الغراء نعدك عزيزي القارئ أن نكون دوما ساعين لإظهار الحقيقة علي صدر مطبوعتنا التي تتمتع بأجمل تقنيات الإخراج.
بعد أن استعرض الرئيس السادات كل المجلات المصرية والعربية بعين الصحفى القديم وبمنطق السياسى الكبير، كلفنى بأن أصدر مجلة جديدة اسمها «6 أكتوبر».
وأسعدنى الرئيس السادات بأن اختارنى وتوجنى بهذه المهمة الصعبة جدا، فليس من السهل إصدار مجلة جديدة فى مصر ولا فى غيرها من البلاد العربية، فالسوق مليئة بكل أنواع المجلات السياسية والاجتماعية والمصورة والعلمية.
وإصدار مجلة جديدة فى مصر، معناه أنها سوف تكون الأولى فى عشرين عامًا، فلم تصدر فى هذه الفترة مجلة كبيرة لأى سبب ومن أي جهة.
وأنا أعرف صعوبة أن يكون الإنسان رئيسًا لتحرير مجلة تحتاج إلى تطوير، أما إنشاء مجلة جديدة الشكل والمضمون فهذه هى قمة الصعوبة.. وقد كنت رئيسا لتحرير مجلة «الجيل» ورئيسا لتحرير مجلة «هى» مع المرحوم على أمين ثم رئيسا لتحرير مجلة «آخر ساعة».
وقد أدرك الرئيس السادات بسرعة صعوبة هذه المهمة فوعد بأن يساعدنى، وأنه عندما يجد الوقت سوف يقترح أبوابًا وموضوعات، لأنه حريص على أن تنجح مجلة «6 أكتوبر «.
وصدر القرار الجمهورى بأن أكون رئيسا لتحرير مجلة «6 أكتوبر» ورئيسا لمجلس إدارة دار المعارف، كبرى دور النشر فى العالم العربى وأكثرها احتراما.
وفى دار المعارف لم أجد مكانا لهيئة تحرير المجلة، وهنا برزت الروح الطيبة للعاملين فى دار المعارف.. وأفسحوا لنا غرفة وراء غرفة.. حتى أعطونا طابقًا واثنين.
وكان لابد أن يأتى المحررون من كل المؤسسات الصحفية الأخرى.
من كانوا تلامذتى فى الجامعة، ومن كانو أصدقائى وزملائى.. واحدًا وراء واحد حتى أصبحنا ثمانين محررًا وسكرتيرًا فنيا ومصورًا ومراجعًا ومصححًا وفنيين فى المطابع.
لقد تكونت أسرة «6 أكتوبر» وسط خوف وفزع من التجربة الجديدة، وتحت وابل من الشائعات تطلقها بعض المؤسسات الصحفية، وكلها تؤكد أن هذه المجلة قد ولدت لتموت – مع أنها لم تكن قد ولدت.. وأن عددًا واحدًا سوف يصدر.. وسوف يعود المحررون والمصورون جميعًا إلى المؤسسات التى جاءوا منها.. وأننا سوف نندم على أننا أصدرنا هذه المجلة الجديدة من مكان آخر – أى مكان آخر غير هذه المؤسسات الأخرى؟
وكانت نظرة شامتة – كأننا دار أجنبية تصدر مجلة معادية لمصر، وليست مؤسسة مصرية تصدر مجلة قومية، والذين أحسنوا الظن قالو: إنها الغيرة الصحفية والحقد الشخصى والذين أساءوا الظن قالوا: إن الذين احتكروا النجاح يوما لا يريدونه لأحد آخر.
مع أن هذا الأحد الآخر، ليس شخصًا، ولكن عشرات من الشبان الذين لهم الحق فى أن يساهموا فى كل ما هو جديد فى مصر ومن أجلها.
وفى مبنى دار المعارف بدأنا نتجمع واحدًا وراء واحد وكنا سعداء، وكنت أقلهم سعادة وأكثرهم حيرة.. وبدأ العاملون فى دار المعارف يشكون – وبمنتهى الرقة والأدب – من أننا قد أحدثنا نوعًا من الفوضى، فنحن نسهر حتى ساعة متأخرة من الليل، وقد اعتادوا أن يغلقوا أبواب الإدارة فى الثانية بعد الظهر، ومع الأبواب: المصابيح والمصاعد والحنفيات، ولم يعتادوا على الضوضاء والسهر وعلى الكلام بصوت مرتفع وعلى الضحك الصارخ أو الرديوهات التى تدوى فى بعض الغرف.. وعلى أن ينام المحررون على مكاتبهم.. ولكننا جميعًا اعتدنا على هذا الأسلوب المختلف.. حتى تعايشنا، ولم يكن ذلك هو الفضل الوحيد للعاملين بدار المعارف، ولكن لهم فضل الصبر علينا والتعاون معنا، والتشجيع حتى نجحنا معًا.. والحمد لله..
ولكنى حائر فى شكل المجلة وحجمها ولونها وتبويبها وقلبت فى جميع المجلات التى تصدر باللغات الأوروبية وكانت لى علاقة قديمة بقراءة المجلات الإيطالية وبعدد من محرريها وكتابها وخصوصًا مجلات: الأويروبيو التى عرفت من كتابها الأديب الكبير البرتومورافيا الذى قدمته إلى القارئ العربى منذ خمسة وعشرين عاما، وترجمت له عشرات القصص القصيرة، ثم إنه أصبح صديقى هو وزوجتاه الأولى والثانية.
وكنت أعرف الكاتبة الإيطالية البادى سشيدس المحررة الأولى فى مجلة «أبوكا». وقلبت فى بقية المجلات الإيطالية.. وحارت عينى وعقلى فى صفحات المجلات الألمانية شترن وكويك وبونته وبوردا.
وفى المجلات الفرنسية: لوبوان وبارى ماتش.. ونشرنا هذه المجلات بالعشرات أمام أعيننا.. وتوقفت أيدينا عند تبويبها وموضوعاتها وألوانها وصورها وأغلفتها…
وكذلك المجلات العربية..
وكان لابد أن تخرج بتصور واحد من كل هذه الأنواع – أى من كل تجارب الشعوب الأخرى واجتهاداتها فى أن تكون مجلتنا الجديدة ذات طابع خاص، وفى نفس الوقت ليس شاذا عن الذوق العام للمجلات الأسبوعية.
وتنوعت أشكال وأحجام كلمة «6 أكتوبر» فى أيدينا.
ثم اخترنا شكلاً للاسم من بين عشرات الأشكال والألوان والأحجام..
وجاءت خطابات من البلاد العربية تعيب علينا أن نسمى هذه المجلة «6 أكتوبر» دون أن نسميها «10 رمضان» ووجدناها فرصة لكى نسميها: 6 أكتوبر – 10 رمضان.. وبحثنا نوع الورق وحجمه..
وبحثنا فى حجم الحروف ونوعها.. واخترنا نوعا مها، ثم عدلنا عنه وغيرناه فى الأعداد التجريبية..
ولم يكن لهذه المجلة: مكتبة ولا أرشيف للموضوعات ولا أرشيف للصور – أى ليست لهذه المجلة «ذاكرة».. وليست لها ذاكرة، لأن ليس لها تاريخ لأنها لا تزال جنينا فى علم الغيب.
وكان لابد أن أستغل سماحة الرئيس السادات وتشجيعه، فذهبت إليه وعرضت عليه تجاربنا الأولى عشرين عددًا كتبناها وصورناها قبل أن يصدر من المجلة عدد واحد..
وأبدى الرئيس السادات ملاحظات نافذة على صفحات المجلة، وقدم أبوابا..
ولم يفته أن يقول كلمة لتشجيعى وزملائى قال: لست متعجلا: الوقت لا يهم خذ وقتك المهم أن تنجح وأن تستمر.
وكان ذلك زادا لنا فى هذه الرحلة الشاقة إذن ليس من الممكن أن تنجح المجلة من أول عدد – وإن كان هذا هو ما حدث – ولكن يجب أن نصبر على أعدادها الأولى واحدا بعد واحد، وأن نتلقى ملاحظات القراء والصحفيين المحترفين وأن تجمع هذه الملاحظات وأن ندرسها وأن نعدل مسار المجلة أولا بأول..
وذهبت إلى السيد ممدوح سالم، رئيس الوزراء، وليس بين الذين عرفتهم فى حياتى رجل يعطيك الأمل فإذا أنت تطير.. وليس بين الناس واحد يخفف عنك مصائب الدنيا ويهونها عليك مثل هذا الرجل، ومن خلال كلماته الرقيقة، وأخوته وصداقته يبدى الملحوظة والنصيحة.. وهو لذلك يستحق منا عظيم الشكر وعميق الامنتان.
وعرضت النتائج النهائية لشكل المجلة واسمها ونوع الخط والأبواب على الرئيس السادات واختار صورتها الأخيرة، وهو يؤكد أنه ليس متعجلاً مطلقاً، إنما المهم أن ننجح وأن تستمر..
وفى مؤتمر صحفى فى فيينا سأله أحد الصحفيين المصريين متى تصدر مجلة 6 أكتوبر؟
وكان السؤال مفاجأة لى وكان رد الرئيس السادات قبل أكتوبر القادم إن شاء الله..
إذن لقد تحدد الموعد نهائيا، وعلينا أن نوفر الورق والمطبعة وآلات جمع الحروف.
ولم يكن عندنا من ذلك كله شىء.. أما آلة جمع الحروف التصويري، فقد استعنا بمؤسسة الأهرام، ولولا زملاؤنا عمال الأهرام، ولولا صداقة الأستاذ يوسف السباع، لوجدنا صعوبة هائلة فى إصدارها فى موعدها..
فقد رأى الأستاذ يوسف السباعى أن إصدار مجلة مثل «6 أكتوبر»: واجب قومى..
وبهذه الروح الصادقة تلاشت صعوبات كثيرة أمامنا.. وساعدنا الأهرام أيضًا فى توزيع المجلة..
وساعدنا أيضًا فى الإعلانات وسوف نعتمد على آلات الجمع عندنا ابتداءً من الشهر القادم، وسوف يكون لنا إلى جانب إعلانات الأهرام إدارة إعلانات خاصة بنا.. وإدارة توزيع أيضًا.. وهنا نشعر تمامًا أننا نمشى على أرجلنا ونطير بأجنحتنا.
وقد ساعدنا المهندس مشهور أحمد مشهور، عندما قدم آلة للطباعة هى أحدث ما اخترع العقل الإنسانى، وقدمها بنفس راضية وسماحة تامة.. وقد أدت هذه المطبعة إلى تخفيف أعبائنا، وهو لذلك يستحق منا كل تقدير وكل عرفان بالجميل.
ثم زودنا المجلة بمطبعة ثانية وثالثة..
واختار الرئيس السادات أن يكون لمجلة 6 أكتوبر – 10 رمضان اسم نهائى هو مجلة أكتوبر.
وعقب مؤتمر صحفى فى مدينة الرياض استدعانى الرئيس السادات وأخرج من تحت المخدة فى غرفته ورقة مكتوبًا عليها: عدد من الأبواب التى يرى إدخالها فى المجلة.
وعاد مرة أخرى يقول: إنها مهمة شاقة أعرف ذلك، لكن يجب أن تنجح وسوف أساعدك
وكانت أكبر وأعظم مساعدة لنا هى أن الرئيس السادات قد خصنا «بأوراقه» التى ننشرها بمنتهى الاعتزاز منذ العدد الأول، وأصبحت هذه الأوراق أهم معالم مجلة «أكتوبر»، ففي هذه الأوراق يتحدث السادات عن أخطر الإنجازات فى حياته السياسية، وفى حياة مصر والأمة العربية والسياسة الدولية.
وقد جعل عنوان هذه الأوراق «الجليد يذوب بين موسكو والقاهرة»، وقد رأى الرئيس السادات أن ينشر الحقيقة كاملة، وينتظر أن يراجعه أحد فى واقعة واحدة، فلم يفعل ذلك أحد، فقد آمن الرئيس السادات بأنه من الأفضل أن يعلن أسرار سياسته بنفسه، فقد كثرت «المذكرات» و»الذكريات»، الكاذبة فى الصحف العربية.. وقد أطلق الرئيس السادات على أكثر هذه المذكرات أنها اتخذت معناها من أغنية فريد الأطرش التى تقول: ما قال لى وقلت له.. أى أن هذه المذكرات تدور فى الغالب بين شخصين فى جلسة خاصة، أحد هذين الشخصين قد مات – فأين الحقيقة وأين الخيال؟!
ثم إن الرئيس السادات قد توجه بتجاربه الخطيرة فى السياسة إلى شباب مصر وشباب الأمة العربية حتى لا يضلوا فى متاهات السياسة، ثم إن الرئيس السادات نفسه كان شابًا وكان غاصبًا وكان ثائرًا، وعرف السجون والمعتقلات، ونام فى الظلام على البلاط، وعرف الجوع وعرف البطالة.. وعرف الضياع، لولا أن عصمه الله ولولا أن شاءت إرادة الله أن تدخره لمصر.. ليشارك فى ثورتها ثم يثور على ثورتها.
والرئيس السادات فى كل ما كتب، وسوف يكتب.. لم يرفع عينه عن مصر، فمن أجلها هان عليه كل شىء.. بل الهوان من أجل مصر عزة وكرامة، والجوع فى سبيلها شبع، والقيود فى حبها حرية مطلقة.. وهو يقول للشباب: «اصبروا وصابروا وثابروا.. فمن كان يصدق أن شابًا مثلى فى سنة 1950 ليس فى جيبه إلا أربعون قرشًا وبلا عمل، سيكون رئيسًا لجمهورية مصر.. إن هذا ممكن لأى أحد ولكن بشرط أن يكون قويمًا وأن يكون مخلصًا وأن يكون على استعداد للتضحية.. لأنه لا يصح إلا الصحيح!».
ولم يكتف الرئيس السادات بأن خصنا بهذه «الأوراق» بل سمح أيضًا بنشرها فى البلاد العربية.. فنشرتها معنا فى نفس الوقت صحيفة «الرياض» السعودية.. ونشرتها صحيفة «السياسية» الكويتية.. ونشرتها الصحف اليوغسلافية، فرفعت توزيعها بشعرات الألوف.. ونشرتها الصحف الصينية.. ثم عادت فنشرتها فى كتاب.
وطلبت ست دور نشر ألمانية وإيطالية أن تترجمها إلى اللغات الأوروبية وكان ذلك ممكنًا ويسعدنا، لولا أن هناك عقودًا بين الرئيس السادات ودور نشر أمريكية على نشر كتابه الذى ألفه عن حياته بعنوان «البحث عن الذات» باللغة الإنجليزية.. ولكن سوف تنشر هذه الأوراق فى مجلدات باللغة العربية.
وأكثر من ذلك أن الرئيس السادات كان حريصًا على قراءة هذه الأوراق وتصحيحها بقلمه، وإبداء الملاحظات على حجم الحروف وعلى أوائل السطور.. وموضع العناوين الفرعية – فكان بذلك، وبرغم أعبائه الهائلة، نموذجًا للكاتب القلق على عمله والمتفانى فيه أيضًا.
والذين شاهدوا الرئيس السادات فى أحاديثه الممتعة فى التليفزيون يرونه فى كامل لياقته النفسية والعقلية، فهو صاحب ذاكرة غير طبيعية.. وهو يعرف التواريخ والأيام والأرقام.
قال لى ممدوح سالم: كنت أتصور أننى صاحب ذاكرة قوية جدًا، حتى عرفت الرئيس السادات عن قرب فوجدت أن ذاكرته أقوى بمراحل.. وفى أحاديث الرئيس السادات أيضًا لديه هذه القدرة الهائلة على أن يكون لحديثه «سياق» متين – فهو يجيب عن السؤال بتوسع، ويدخل فى تفاصيل كثيرة جدًا.. ثم بسرعة يعود إلى النقطة التى بدأ منها هذا السرد، ثم يربط الحديث من أوله لآخره، مهما طال بالساعات فى خيط متين.
وفى أحاديثه المسجلة يستطيع أن يتذكر تمامًا من عشرين عامًا كيف كان يجلس فلان وأين كان يجلس وما الذى كان يرتديه ولون بشرته وحركة عينية وبحة صوته بمنتهى الدقة!
أذكر أن الرئيس السادات عندما كان يروى مقدمات ثورة يوليو.. أن أشار إلى واقعة غريبة.. أن جمال سالم قد جاءه فى المطار واقترب منه وأبلغه رسالة.. ثم ذهب إلى السيد حسن إبراهيم، وقال له شيئًا ولكن الرئيس السادات لم يعرف ما الذى قاله لحسن إبراهيم فلا جمال سالم أخبره ولا حسن إبراهيم أخبره، ولا هو تذكر أن يسأل أحدهما.
ولكن بعد 25 عامًا تذكر الرئيس السادات هذه الواقعة ثم طلب منى أن اسأل السيد حسن إبراهيم عن الذى قاله له جمال سالم فى ذلك اليوم!
ولكن السيد حسن إبراهيم أدهشه جدًا أن الرئيس السادات ما زال يذكر ذلك، رغم ملايين الأحداث التى وقعت فى مصر وفى العالم!
ولما قلت للرئيس السادات: إن السيد حسن إبراهيم لا يتذكر شيئًا مطلقًا، كان تعليق الرئيس السادات.. غريبة!
أى غريبة جدًا أن السيد حسن إبراهيم لا يذكر ذلك الذى حدث لمدة نصف دقيقة من ربع قرن؟!
ولما علم الرئيس السادات بحملات التشكيك فى إصدار هذه المجلة أو بتعقيد الأمور أمام محرريها الشبان، بعث بكلمة مسجلة إلى محرري مجلة أكتوبر.
وجمعت المحررين جميعًا وأسمعتهم تحية الرئيس السادات لهم.
ثم إن هذه الكلمة التى نعيد نشرها فى الصحفة الأولى لهذه المجلة، قد نشرتها الصحف فى صفحاتها الأولى فى يوم صدور العدد الأول من مجلة أكتوبر يوم 31 أكتوبر 1976..
وجاءت هذه النخبة التى كانت موجهة إلينا وإلى كل المؤسسات الصحفية من ورائنا فى مقدمة نشرات الإذاعة والتليفزيون فلم يكن المقصود مجلة أكتوبر وإنما كل الصحف والصحفيين وضمير الصحافة المصرية أو السلطة الرابعة فى مصر.
وكان يزورنى أحد الوزراء السودانيين وقد أقمت له حفلة شاى فى مكتبى عندما دق جرس التليفون وكان المتحدث الرئيس السادات يتوجه بالتهنئة لجميع العاملين فى مجلة أكتوبر على العدد الرائع من المجلة الذى صدر يوم 15 مايو – عن ثورة التصحيح والذى كتب فيه الرئيس السادات بخط يده اليوم الكبير من ثورة التصحيح.
وأتمنى لو أذن لى الرئيس السادات أن أعرض ما كتبه وما صححه فى كل سطر وكل صفحة من هذه الأوراق والخطوط التى وضعها تحت الكلمات والإشارة إلى إبراز العبارات والمعانى – أتمنى لو يأذن لنا فتعرض هذه الأوراق على طلبة الصحافة ليروا مدى دقته وحرصه على كل كلمة يقولها.. وكيف أنه نسى أنه رئيس جمهورية وتذكر أنه صحفى وكاتب ومؤرخ وأن أمانته العلمية اقتضته أن يتابع بالاهتمام الشديد كل كلمة كتبها – منتهى الأمانة التاريخية والتفانى فى العمل والصبر على هذه المشقة مع أعبائه الكثيرة العنيفة.
ودهش الوزير السودانى بهذا الاهتمام من رئيس الجمهورية ولهذا التشجيع العظيم لهذا المشروع الجديد.
فقد شجعنا الرئيس السادات كثيرًا وخصنا بأشجع وأجرأ مذكرات سياسية فى العصر الحديث، ولكنه لم يكتف بهذا.. بل ذهب إلى تشجيع المحررين بنفسه وبصوته.
والحمد لله الذى أعاننا على كثير من المشاكل المادية والنفسية..
وإذا كنا قد بلغنا من العمر عامًا فقد كان عامًا شاقًا وفى نفس الوقت كان مثيرًا.
ونحن لا ندعى أننا حققنا الأمل المنشود منا ولا استطعنا أن نجيب شركات التوزيع إلى كل الأعداد التى طلبتها فى البلاد العربية – فنحن أكثر المجلات العربية انتشارًا فى العالم العربي بشهادة شركات التوزيع المصرية والعربية وعندما فرغ الرئيس السادات من قراءة ومراجعة الحلقة الخاصة باليوم الكبير فى ثورة 15 مايو كتب هذا التوجيه.. وفيه تقرأ هذا التعبير مع استخدام أسلوبنا الصحفى فقد نسى أنه رئيس الجمهورية وإنما هو صحفى يكتب ويراجع وبمنتهى الدقة!
ولم يحدث أن استطاعت مجلة ولا حتى جريدة يومية أن تصل فى توزيعها إلى 150 ألف نسخة فى عام واحد.. بل إن كبرى الصحف المصرية انتشارًا ظلت أكثر من عام توزع ثلاثين ألف نسخة يوميًا!