رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

الانتخابات التركية فوق صفيح ساخن!

388

لم يتبق على موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى تركيا أكثر من أسبوعين، ففى الرابع عشر من مايو 2023 ينطلق ماراثون الانتخابات التركية، التى يراها كثير من المحللين الأهم فى تاريخ تركيا الحديثة، وعلى مدار الأيام الماضية احتدمت معارك الدعاية والحملات الانتخابية بين المرشحين سواء للرئاسة أو البرلمان.
وتأتى الانتخابات فى ظل معاناة الشعب التركى من آثار الزلزال المدمر الذى ضرب الجنوب التركى فى كارثة إنسانية لم تشهدها منذ أربع وثمانين عامًا، حيث طالت الأضرار مساحة تُقدر بـ500 كيلومتر مربع فى عشر محافظات، وبلغت تكلفة هذه الأضرار 84 مليار دولار، أى ما يعادل نحو %10 من ناتج البلد الإجمالى.

روضة فؤاد

كان الجميع يتوقع لجوء الحكومة التركية، ومن ورائها حزب العدالة والتنمية إلى تأجيل الانتخابات الرّئاسية والبرلمانية خاصة مع الانتقادات التى وُجهت إلى أردوغان وحكومته حول الارتباك والتردد الذى رافق التعامل مع الكارثة وأدى إلى تأخر الإجراءات الإنقاذية، الأمر الذى حاولت أحزاب المعارضة استثماره، حتى إن أردوغان اضطر إلى الاعتذار بشكل صريح عن بطء الإجراءات، ومع ذلك، أصر على إجراء الانتخابات فى موعدها المحدد، والتى يعتقد كثير من المحللين أنها سترسم صورة تركيا لعقد أو أكثر من الزمان.
يشارك فى السباق الرئاسى رجب طيب أردوغان عن تحالف الجمهور، وكمال كليجدار أوغلو مرشح تحالف الأمة المعارض، ومحرم إنجه رئيس حزب الوطن وسنان أوغان مرشح تحالف «أتا» القومى.
وعلى صعيد الانتخابات البرلمانية، أعلنت الهيئة العليا للانتخابات فى تركيا أن 26 حزباً سلمت قوائمها للمشاركة فى هذه الانتخابات.
وبالعودة إلى الانتخابات الرئاسية، فعلى الرغم من مشاركة أربع مرشحين، إلا أن السباق الرئاسى يشتد بين الرئيس أردوغان، ممثل تحالف الجمهور الحاكم، ومرشح المعارضة كمال كليجدار، عن تحالف الأمة والذى يعرف أيضا بالطاولة السداسية.
ويسعى أردوغان إلى ولاية رئاسية ثالثة، وكان قد أعلن سابقًا أن شعار حملة حزبه الانتخابية سيكون «القرن التركى» فى إشارة إلى وعوده بأن الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية ستشهد تحولات اقتصادية وجيوسياسية تجعل من تركيا رائدة القرن الواحد والعشرين على مستوى العالم، ولكن المنافسة هذه المرة لن تكون سهلة، حيث سيواجه كمال كليجدار زعيم حزب الشعب الجمهورى الذى يسعى إلى استعادة تاريخه فى السلطة وامتيازاته فى الحكم، بالتحالف مع خمسة أحزاب لا يجمعه بها إلا العداء لأردوغان، وبعض الشعارات العامة التى لا ترتقى إلى الاتفاق على رؤية متقاربة أو موحدة فى الاقتصاد أو الاجتماع أو السياستين الداخلية والخارجية.
وبعيدًا عن التصريحات، كيف تبدو المنافسة على أرض الواقع، خاصة فى ظل استطلاعات الرأى التى تشير إلى أن كلا المرشحين يحظيان بتأييد شعبى متقارب جدًا، وأن أحدهما سيفوز بفارق ربما لا يتجاوز الـ 1 بالمئة من أصوات الناخبين؟
ويتوقع محللون أنها ستكون أصعب انتخابات يخوضها أردوغان منذ وصوله إلى السلطة قبل نحو عقدين، وأهم انتخابات للمعارضة التى تجد نفسها أقرب من أى وقت مضى لإنهاء حكم أردوغان.
عدة صحف عالمية حاولت الإجابة عن السؤال، من خلال العديد من التحليلات السياسية وآراء الخبراء، وفى هذا الإطار، نشرت صحيفة «الاندبندنت» البريطانية تحليلا عن الانتخابات التركية بعنوان «أردوغان أطلق حملته الانتخابية الجديدة بنفس الأسلوب الشعبوى القديم»، وذكرت فيه أن أردوغان يقاتل من أجل الاستمرار فى الحياة السياسية بعد 20 عاما قضاها فى الحكم، معتمدًا على نفس قواعد اللعبة السياسية التى يستخدمها منذ سنوات، وهى الترويج لأنه الرجل القوى الذى تحتاجه تركيا.
وأشارت الصحيفة إلى أن أردوغان (69 عاما)، يخوض الانتخابات فى مواجهة معارضة متجددة ووسط كارثة اقتصادية نادرة، وكذلك بعد وقوع كارثة طبيعية متمثلة فى زلزال مدمر، ومع هذا يستخدم نفس اللغة القومية التى خدمته جيدًا فى السابق.
وقالت «الاندبندنت» إن الرئيس أردوغان فى تجمعاته الانتخابية يردد نفس المزاعم القديمة، حيث تعهد بمواجهة «الإمبرياليين» الأجانب، الذين يزعم أنهم يسعون إلى تقييد تركيا، وأكد أنه سيجعل البلاد قوة عالمية تحتفل هذا العام بالذكرى المئوية لتأسيسها كجمهورية حديثة، من خلال خفض التضخم مع تحفيز النمو.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن أردوغان كان دائما سيد الانتخابات ونادرا ما يخسر تصويتًا، ويتمتع بقاعدة دعم قوية تكاد تضمن له مكانًا فى الجولة الثانية من الانتخابات الحالية فى 28 مايو، وذلك فى حالة عدم حسم الانتخابات من الجولة الأولى فى 14 مايو، لكنه احتاج دائما إلى دعم يتجاوز قاعدته الانتخابية، والتحدى الرئيسى حاليًا هو إقناع عدد كاف من الناخبين المترددين والجدد بأنه قادر على معالجة العدد الهائل من مشاكل تركيا.
لكن يبدو –من وجهة نظر الصحيفة- أن أردوغان يتعثر هذه المرة فى استطلاعات الرأى أمام منافسه الرئيسى ومرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو، الذى يقود حزب الشعب الجمهورى من يسار الوسط.
ويعتمد أردوغان على مهارته فى الأحاديث عن القومية الشعبوية لتعبئة أنصار حزب العدالة والتنمية، وحاول فى أحد مؤتمراته الانتخابية انتقاد النظام الحالى، الذى بناه هو على مدى عقدين، وتعهد بتغيير قواعد الخدمة المدنية لمنع المحسوبية فى التوظيف فى الوظائف الحكومية.
وللفوز بالانتخابات يجب على أردوغان حسم بعض الدوائر الانتخابية المهمة وإرضاء حوالى 6.7 مليون ناخب ولدوا بعد عام 2000 وسيصوتون لأول مرة.
أما صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية فتحدثت عن مرشح المعارضة فى تقرير مطول، فقالت إن كليجدار أوغلو يراهن على استمالة أصوات الناخبين، من خلال التعهد بإحداث قطيعة مع نهج أردوغان.
ويتحدث مرشح حزب الشعب الجمهورى عما يصفها بـ «تقوية الديمقراطية» فى البلاد، إلى جانب التصدى للفساد، فى اتهام للسلطات الحالية، مراهنا على استمالة المتذمرين من الوضع الحالى، كما يحرص على إظهار القرب من الناس، حتى إنه يطالع المتابعين متحدثا من مطبخه المتواضع وأمامه كوب شاى وخلفه الفرن.
ولا تخل خطابات أوغلو من انتقاد شديد للوضع الراهن، حيث يقول إن ديمقراطية تركيا واقتصادها وقضائها وحرياتها مهددة، ووعد بأن يجعل البلاد «تقف على رجليها، وتتعافى من جروحها، حتى يستعيد الناس فرحة العيش».
ويُرجع المعارض التركى مصاعب الاقتصاد فى البلاد إلى سياسة أردوغان، بينما يبلغ التضخم 50 فى المئة، وقد استنزف جيوب الأسر.
وبالنسبة للعلاقات الخارجية، يتهم المرشح المعارض أردوغان بتقويض العلاقات الخارجية لتركيا، ويقول كليجدار أوغلو إنه سيدير سياسة البلاد الخارجية على نحو مختلف فى حال تمكنه من الوصول إلى الرئاسة.
أما مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية فتحدثت عن مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو أيضًا، ولكن فى سياق أنه يواجه صعوبات متزايدة فى محاولاته للتوفيق بين المصالح والمطالب المتضاربة للقوى المتباينة التى احتشدت لدعمه فى الانتخابات التركية.
وذكرت أن تخلى زعيم حزب الشعب الجمهورى التركى المعارض كمال كليجدار أوغلو عن اليسار واحتضانه «الاقتصاد النيوليبرالى» للحلفاء قد يكلفه الانتخابات التركية.
وقالت المجلة إن استطلاع أجرته «ORC» فى 12 أبريل الجارى يضع كليجدار أوغلو فى المقدمة بتأييد نحو 49%، وحصل الرئيس الحالى رجب طيب أردوغان على 41.5% فقط.
ويضع متوسط تسعة استطلاعات مختلفة، وفقاً للصحيفة، كليجدار أوغلو فى المقدمة بنسبة 48.3% مقابل 43.8% لأردوغان و5.5% لمرشح الحزب الثالث محرم إنجة.
وفى هذه الحالة، سيواجه كليجدار أوغلو، أردوغان فى جولة ثانية، حيث يجب أن يحصل المرشح على أكثر من 50% من الأصوات لانتخابه، وقد تكون الجولة الثانية خطيرة على المنافس الذى سيحتاج إلى دعم من كل زاوية، خاصة من ناخبى تركيا الفقراء والطبقة العاملة.
وبحسب المجلة الأمريكية، يبدو أن كليجدار أوغلو يعتقد أنه يجب أن يلبى اليمين فى القضايا الاقتصادية للفوز، بينما يبدو فى الوقت نفسه أنه يتحدى القومية التركية، وهو مزيج يمكن أن يضعه على طريق الهزيمة.
وقالت إن كليجدار أوغلو نجح حتى الآن فى تشكيل ائتلاف من العلمانيين والمحافظين الإسلاميين والقوميين الأتراك، كما حصل على تأييد حزب الشعوب الديمقراطى الموالى للأكراد، وهذا يعد إنجازا فريدا من نوعه.
ومع ذلك رأت «فورين بوليسى» أن كليجدار أوغلو يواجه صعوبات متزايدة فى محاولاته للتوفيق بين المصالح والمطالب المتضاربة للقوى المتباينة التى احتشدت لدعمه، حيث يرفض حليفه حزب الجيد (Iyi) اليمينى المتطرف التفكير حتى فى التحدث مع حزب الشعوب الديمقراطى.
وبحسب المجلة، سيتم تحديد نتيجة الانتخابات الرئاسية التركية من قبل ثلاث دوائر انتخابية رئيسية: القوميون الأتراك والأكراد والطبقة العاملة المتداخلة جزئيا مع الدوائر الأخرى.
وإذا كانت الصحف السابقة تحدثت عن فرص كل من أردوغان وأوغلو فى الفوز، فإن تقرير نشرته مؤسسة «كارنيجى» الأمريكية تحدث عن تأثير فوز أى منهما على السياسة الخارجية لبلاده، وخاصة العلاقات مع الغرب، وفى هذا السياق ذكر التقرير أنه «لأول مرة منذ عشرين عامًا، من الممكن تغيير القيادة فى تركيا»، مشيراً إلى أن «الاتحاد الأوروبى يجب أن يكون مستعدًا للتحول فى السياسة الخارجية، الذى سيحققه انتصار المعارضة».
وقال التقرير إنه سواء فى الجولة الأولى أو الثانية، ستجرى الانتخابات الرئاسية التركية فى نهاية المطاف بين الرئيس الحالى رجب طيب أردوغان وزعيم المعارضة كمال كلديجار أوغلو.
وأوضح أنه إذا فاز أردوغان بولاية أخرى مدتها 5 سنوات، سيكون الأمر استمراراً للسائد، وعلى الرغم من أن القيادة التركية قد تخفف من حدة خطابها المثير للانقسام، فإن التوترات بشأن توجه السياسة الخارجية لتركيا، ستظل عقبات أمام أى تحسينات حقيقية»، مشيراً إلى أنه سيتعين على الشركاء الغربيين إدارة الاضطراب المستمر.
فى المقابل، إذا فاز مرشح المعارضة، سيحتاج القادة الغربيون إلى مواجهة عواقب كبيرة، إذ ستتحرك أنقرة على الفور لتطبيع علاقاتها مع الناتو، ولفت التقرير إلى أن بعض الخلافات الحالية كالمشاكل مع قبرص وسوريا لن تختفى، لكن سيتم تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبى.
ولفت التقرير إلى أن أهم تغيير متوقع سيكون إلى حد بعيد، مرتبطًا بالأمن والدفاع، مشيرا إلى أنه إذا عادت القيادة التركية الجديدة إلى لعب دور أكثر إيجابية داخل الناتو، مع الحفاظ على علاقات اقتصادية قوية مع روسيا، فإنّ التداعيات الاستراتيجية ستكون بالغة الأهمية.
وأكد الموقع الأمريكى أنه فى حال فوز المعارضة التركية، فإن تركيا ستبذل جهودًا لمنع روسيا من التهرب من العقوبات الغربية فى عدد من القطاعات، كما قد تنهى أنقرة على الفور معارضتها لانضمام السويد إلى الناتو، وقد تقر مشاركة عسكرية كبيرة فى عمليات إعادة الطمأنة للتحالف على جانبه الشرقى، من إستونيا إلى رومانيا.