رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

المقاتلات الأمريكية هل تغير مسار الحرب فى أوكرانيا؟!

597

– مع تدريب الجنود الأوكرانيين على طائرات «إف-16»..

على الرغم من التهديدات الروسية للغرب بمواجهة «مخاطر مهولة» إذا تم تزويد أوكرانيا بمقاتلات إف-16 أمريكية الصنع، باعتباره سيكون بمثابة ضلوع مباشر لحلف شمال الأطلسى فى الصراع، إلا أن مسئول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى، جوزيب بوريل، أكد الأسبوع الماضى، أن دولاً أوروبية بدأت تدريب الطيارين الأوكرانيين على طائرات إف-16، وأن الباب أصبح مفتوحًا لتقديم الطائرات المقاتلة إلى أوكرانيا، ما أثار تساؤلات مهمة حول أهمية هذه المقاتلات لأوكرانيا؟! والعدد الذى يستطيع الحلفاء تزويد

كييف به؟! وبأى سرعة ستتم عملية التسليم؟! وهل من الممكن أن تغير هذه الطائرات مسار الحرب الجارية حاليًا؟!

داليا كامل

الرئيس الأمريكى جو بايدن كان قد أعطى الضوء الأخضر خلال قمة مجموعة السبع فى اليابان لإطلاق برامج تدريب مشتركة للطيارين الأوكرانيين على طائرات إف-16، فى إشارة واضحة من جانب واشنطن بالسماح للحلفاء الغربيين بتزويد أوكرانيا بهذه المقاتلات التى تطالب بها كييف بشدة.

وبينما لا تخطط الولايات المتحدة فى الوقت الحالى على الأقل، لتسليم أوكرانيا طائرات إف-16 مباشرة من مخزوناتها، غير أن موافقتها على قيام «طرف ثالث» بهذه الخطوة، وهو القرار الذى وصفه الرئيس الأوكرانى بأنه «تاريخى»، يعد تغيرا فى موقف الرئيس الأمريكى بعدما كان يقول إن أوكرانيا ليست بحاجة لها على الإطلاق، وهو ما فسره مستشار الأمن القومى الأمريكى، جيك سوليفان، لشبكة «سى إن إن» قائلاً إنه «عندما أجاب الرئيس الأمريكى عن هذا السؤال، كان يتحدث عن الاستعدادات التى كانت تقوم بها الولايات المتحدة وحلفاؤها مع أوكرانيا لشن الهجوم المضاد»، موضحًا أن «المعدات الحاسمة للهجوم المضاد ليست الطائرات، بل الدبابات وأنظمة المدفعية وكميات هائلة من الذخيرة».

وأضاف سوليفان، أن «الولايات المتحدة حشدت جهودًا استثنائية لتقديم كل ما تحتاجه أوكرانيا فى الوقت المحدد وبالكامل لشن الهجوم المضاد»، وتابع: «الآن بعد أن فعلنا ذلك، يمكننا أن نتطلع إلى قدرة أوكرانيا على المدى الطويل للدفاع عن نفسها وردع العدوان الروسى، من خلال الطائرات المقاتلة من طراز إف-16».

ويشير مراقبون إلى أن موافقة بايدن على تزويد كييف بالطائرات المقاتلة، تأتى وسط مخاوف من أن الهجوم المضاد الأوكرانى قد لا يتمكن من توجيه ضربة قاضية كان يأمل الكثيرون فى حدوثها؛ وشعور الكثير من المسئولين فى واشنطن والعواصم الغربية، بالقلق من أن الحرب ستستمر هذا العام، وربما بعد ذلك.

وأفادت شبكة «سى إن إن» بأن الولايات المتحدة كانت تصر على عدم إرسال طائرات إف-16 إلى كييف خوفًا من تسرب التكنولوجيا المتعلقة بها إلى روسيا حال إسقاطها.

وكانت واشنطن تخشى أيضًا أن تتخذ روسيا من تزويد أوكرانيا بالمقاتلات ذريعة لتصعيد أكبر نطاقَا، بحسب «أسوشيتد برس»، التى أشارت إلى أن هذه الفكرة تغيرت خلال الأشهر الأخيرة، مع تزايد الضغوط على الإدارة الأمريكية داخل البنتاجون والكونجرس، ومن قبل الحلفاء والرئيس الأوكرانى زيلينسكى.

وعن أهمية مقاتلات إف – 16 لأوكرانيا فى صراعها مع روسيا، أوضح الكاتب الأمريكى ديفيد فرنش فى مقال له بصحيفة «نيويورك تايمز» أن طائرات إف-16 لديها القدرة على ضرب القوات الروسية فى الجبهة وعن بعد، ونقل فرنش عن مسئولين عسكريين أوكرانيين تأكيدهم أن التشويش الروسى جعل نظام صواريخ «هيمارس» الأمريكية أقل فعالية، خاصة أن روسيا أشركت طائرات تمكنت من قصف أهداف أوكرانية وهى خارج مدى معظم الصواريخ المضادة للطائرات.

وأكد فرنش أن ما يجعل مقاتلة إف – 16 الطائرة الأنسب لدخول الحرب حاليا هو أنها فعالة فى الدفاع بشكل كبير.

وفى نفس السياق، شرح العقيد المتقاعد بالقوات الجوية الأمريكية والمحلل العسكرى فى شبكة «سى إن إن»، سيدريك لايتون، أهمية هذه الطائرة لأوكرانيا، قائلًا إنها «مقاتلة متعددة المهام، لذا يمكنها القيام بعمليات قتالية جو – جو، وجو – أرض».

وتابع لايتون: «ما يعنيه الأمر هى أنها متعددة الاستعمالات ويمكن استخدامها بطرق عديدة مختلفة، كما أنها طائرة- اعتمادًا على كيفية تنسيقها- بمقدورها استخدام قدراتها على التشويش الإلكترونى لاستهداف بعض الرادارات الروسية التى تنشط فى أوكرانيا ومحيطها».

جدير بالذكر أن الطائرة إف-16هى مقاتلة متعددة المهام فعلى الرغم من تصميم الطائرة لتنفيذ مهام قتالية جوية، لكن يمكن كذلك استخدامها كقاذفة قنابل تكتيكية وتنفيذ هجمات «جو- جو» و «جو- أرض» فضلاً عن قدرتها على تنفيذ مهام الدفاع الجوى، والتشويش الجوى على رادارات العدو.

وأشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن الطائرة كانت عاملاً حاسمًا فى الكثير من المعارك فى أفغانستان والعراق وكوسوفو والخليج، وفى مهام عديدة للدفاع عن المجال الجوى للولايات المتحدة.

وفى ضوء ما تمثله إف – 16 من أهمية لأوكرانيا، فقد لاقى الإعلان الأمريكى بالسماح بتدريب الطيارين الأوكرانيين عليها، ترحيبا سريعا من رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك ونظيره البلجيكى ألكسندر دو كرو، ووزيرة الدفاع الهولندية كايسا أولونجرين. كذلك، أعلنت الدنمارك أنها ستساهم فى تدريب الطيارين الأوكرانيين على طائرات إف – 16.

وكان رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك قد اتفق مع نظيره الهولندى مارك روته على «العمل معا من أجل بناء تحالف دولى لإمداد أوكرانيا بقدرات قتالية جوية، بدءا بالتدريب ووصولا إلى تسليم مقاتلات إف-16»، وفق ما ذكرت «فرانس برس».

ووفقا للمعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث بريطانى يقيم المخزون العسكرى عالميا، فإن هولندا يمكن أن يقدم أسطولها، مع أسطول الدنمارك وبلجيكا 125 طائرة مقاتلة على الأقل، كما أن النرويج التى أحالت مقاتلاها إف-16 للتقاعد العام الماضى استعدادا للتحول إلى طائرات إف-35 الأكثر تطورًا، مستعدة أيضًا للمساهمة.

فى حين أقرت برلين بعدم قدرتها على تنفيذ ذلك، وصرح المستشار الألمانى أولاف شولتز بأنه لم تتم مناقشة مشاركة ألمانيا فى التوريد المحتمل لمقاتلات إف-16 لكييف، مضيفا فى مقابلة تليفزيونية على هامش قمة مجموعة السبع: «قبل كل شىء، يعلم الجميع أننا لا نملك حتى مثل هذه الطائرات».

من جانبها، أدلت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجينا ميلونى، بتصريح مشابه، قائلة إن «البلاد ليس لديها مقاتلات من طراز إف-16 لإرسالها إلى أوكرانيا»، ومع ذلك، فهى توافق على تدريب الطيارين الأوكرانيين.

وكذلك أعلن الرئيس البولندى، أندريه دودا، فى تصريحات نقلها التليفزيون البولندى أن بولندا مستعدة لمواصلة إمداد كييف بطائرات ميج-29، لكنها لا تخطط لتقديم مقاتلات إف-16، وأوضح قائلاً: «نحن نمتلك عددًا قليلاً من طائرات إف-16 ومستعدون لدعم عملية تدريب الطيارين الأوكرانيين، لكن فى الوقت نفسه، لا تسمح لنا كمية الطائرات التى نملكها من طراز إف-16 بالحديث اليوم عن نقل أى منها إلى أوكرانيا».

وفى واشنطن، قال مسئول أمريكى رفيع المستوى لصحيفة «نيويورك تايمز» إن إدارة بايدن لا تزال مترددة فى إرسال طائراتها الخاصة إف- 16 إلى أوكرانيا، والسبب فى ذلك يعود جزئيًا إلى أن سعر الطائرة الباهظ، المقدر بعدة ملايين من الدولارات، سيمتص الكثير من تمويل الحرب، وبدلا من ذلك، يقول المسئول، إن الإدارة مهتمة أكثر بنشر أسلحة أمريكية أخرى لأوكرانيا من أجل هجومها المضاد المرتقب ضد روسيا، خاصة أن الطائرات فى أى حال لن تصل إلى أرض المعركة قبل أشهر على الأقل، وهى فترة طويلة بعد بدء الهجوم المرتقب، إضافة إلى أن عملية تدريب الطيارين الأوكرانيين على هذه النوعية من الطائرات تتطلب 18 شهرا.

وهنا تبرز بعض العقبات التى تنتظر تسليم مقاتلات إف-16 لأوكرانيا، حيث إنه بالإضافة إلى الوقت الطويل الذى قد تستغرقه عملية تدريب الطيارين الأوكرانيين، لاحظ المحللون أيضًا أنه بالنسبة لطائرة مقاتلة حديثة مثل إف-16، يمكن أن يستغرق تدريب المختصين بالصيانة وقتا أطول من تدريب الطيارين.

وقال بيتر لايتون، الضابط السابق فى سلاح الجو الملكى الأسترالى، لشبكة «سى إن إن»: «أعتقد أنه من الممكن تعليم طيار أوكرانى أن يطير بطائرة إف-16 فى غضون 3 أشهر»، لكن فى المقابل «تدريب طاقم الصيانة قد يستغرق شهورا أو سنوات، اعتمادا على المستوى المطلوب من الكفاءة».

كما أوضح لايتون أن 3 أشهر من تدريب الطيارين مخصصة للأساسيات، مثل التحليق بالطائرة والهبوط بأمان، مضيف أنه «من السهل تعلم كيفية الطيران، لكن توظيف المقاتلة بشكل فعال فى بيئة تهديد ديناميكية قد يستغرق سنوات».

وأشار تقرير نشرته «بى بى سى»، إلى أنه من من غير المجدى إرسال طائرات إف-16 بمفردها، ولكن هناك حاجة لدعمها بأصول أخرى، وسيشمل ذلك طائرات مراقبة للتحذير من مقاتلى العدو فى المنطقة وطواقم صيانة أرضية لضمان صيانة الطائرات وامتلاك البنية التحتية اللازمة للإقلاع والهبوط بأمان. لذا فإن قرار الولايات المتحدة بمنح الموافقة للدول الأخرى لتزويد طائرات إف-16 يمثل بداية عملية معقدة وستكون هناك حاجة إلى الكثير من العمل للوصول إلى مرحلة التسليم.

كذلك يحذر محللون ومراقبون، كالمحلل العسكرى وخبير الشئون الدفاعية مايكل بيك، من أنه فى حال اتخاذ قرار بتزويد أوكرانيا بمقاتلات إف-16 الأمريكية، فإن روسيا ستدمر المدارج الجوية الأوكرانية قبل أن تستقبل الطائرات.

وأشار الخبير العسكرى لمجلة «فورن بوليسى» إلى أن العديد من المدارج الجوية الأوكرانية لديها مدارج قصيرة جدًا لا يمكن لـ «إف-16» أن تتسارع بأحمال كاملة عليها، وأن روسيا لديها كل الوسائل اللازمة لتتبع بداية عمليات إصلاح المدارج الجوية وتوجيه ضربات دقيقة إليها، حيث إن جميع المدارج الجوية فى أوكرانيا تقع فى متناول الصواريخ الباليستية والصواريخ الدقيقة الروسية، وأن الضربات لم تُوجه إلى المدارج الجوية الأوكرانية حتى الآن بسبب عدم وجود تهديد خطير من الجانب الأوكرانى.

وبالرغم  من تأكيد البعض على أن طائرات إف-16 من الممكن أن تغير قواعد اللعبة فى حرب أوكرانيا، إلا أنه فى المقابل يقلل خبراء من فعالية تلك المقاتلات فى مساعدة أوكرانيا على الفوز فى حربها.

فى هذا السياق، لفت دانيال إل دافيس، الخبير العسكرى والعقيد السابق فى الجيش الأمريكى، فى مقال له بمجلّة «Responsible Statecraft» الإلكترونية، التابعة لمعهد «كوينسى للدراسات» الأمريكى، إلى أنه يجب على الغرب وأوكرانيا، أن يخففوا من توقعاتهم، بشأن ما سيفعله الاستحواذ على هذه المقاتلات فى جهود أوكرانيا الحربية من الناحية التكتيكية.

وشدد الخبير الأمريكى، على أنه من الصعب رؤية كيف أن إرسال عدد من طائرات إف-16 إلى أوكرانيا، سيغير بشكل ملموس نتيجة الحرب، أو حتى يعزز مصالح أمريكا فى المنطقة.

وطالب بأن تبدأ واشنطن فى التركيز بشكل أكبر على الوسائل الملموسة، لحماية مصالحها وإنهاء الحرب فى أوكرانيا، وبدرجة أقل على عمليات تسليم «الأسلحة غير المهمة»، والتى لا يبدو أنها جزء من أى استراتيجية متماسكة.