خلال الأسبوع الماضي زار مجموعة من الزملاء الصحفيين والإعلاميين مشروع توشكى؛ لنقل صورة مما يحدث فى جنوب مصر، لعمل متواصل من أجل الحفاظ على الأمن الغذائي كأحد تحديات الدولة المصرية.
كانت الصورة خير دليل على حجم ما تحقق من إنجاز، يقف خلفه أبطال من أبناء الشعب المصري العظيم.
فقد استطاع المشروع الذي توقف لأكثر من 10 سنوات، أن يعود للحياة مرة أخرى، عقب تكليف الرئيس عبد الفتاح السيسي للمهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء فى يوليو 2014، بتشكيل لجنة وزارية تقوم بزيارة المنطقة وتبحث على أرض الواقع المعوقات والمشكلات التي تواجه المشروع، والالتقاء مع المستثمرين والشركات لمعرفة الحلول اللازمة لإعادة إحيائه، فى ظل حاجة الدولة المصرية للتوسع فى الرقعة الزراعية، لتعويض ما فقدته خلال سنوات سيولة الدولة، نتيجة البناء على الأراضي الزراعية فى الوادي والدلتا.
قام رئيس الوزراء، فى ذلك الوقت، بزيارة المشروع والتعرف على المعوقات، وكان من بينها مشكلة إسكان العاملين بالمشروع، والتصنيع الزراعي، والمشكلة الأكبر هي عدم اكتمال حفر فرعي 3 و4 بترعة الشيخ زايد، كما أن فرع 4 تعطل بسبب وجود حاجز صخري من الجرانيت بطول 7 كيلومترات.
بالإضافة إلى عدد من المشكلات الأخرى.. وهنا كان القرار.. لا بد من إعادة إحياء المشروع العملاق للزراعة، لتقليل الفجوة الغذائية، وأيضًا المساهمة فى توفير المحاصيل الاستراتيجية.
(1)
توشكى.. ذلك الحلم الذي بدأ الحديث عنه إعلاميًا فى يناير عام 1997 فى عهد حكومة الدكتور كمال الجنزوري، وكان الحديث عن حلم زراعة 150 ألف فدان، وبدأ العمل فيه، إلا أن الحلم سرعان ما تبدد بعد أعوام قليلة من بدء المشروع، وبعد خروج الدكتور كمال الجنزوري من الوزارة.
في ذلك الوقت، بدأت حملات تشويه المشروع، والحديث عن استحالة استكماله، ووصفه البعض بـ «الفنكوش» الذي باعه الدكتور الجنزوري خلال توليه رئاسة الحكومة لمبارك.
رغم أنه فى مارس 2002 استقبلت توشكى أول قطرة مياه من نهر النيل إلا أن المشروع كان يسير بسرعة السلحفاة، بل أصابته حالة من عدم الحركة تمامًا، فى الفترة من 2005 وحتى 2014.
فلم يتم استصلاح سوى 20 ألف فدان، خلال 17 عامًا.. وقد طالت المشروع سهام كثيرة، سواء من المعارضة، أو حتى مؤيدي الحكومة، الذين كانوا فى خصومة مع الدكتور الجنزوري، فى ذلك الوقت.
واعتبر البعض منهم أن المشروع أهدر أموال الدولة المصرية، بل وصف المنطقة بأنها غير قابلة للاستثمار الزراعي.
لكن الدول دائمًا لا تبني استراتيجياتها على تصريحات إعلامية أو أحاديث غير مستندة لدراسات علمية وواقعية.
من هنا كان التوجيه الرئاسي بدراسة المشروع والوقوف على المعوقات التي حالت دون استكماله والتوسع فيه، خاصة أن المشروع يمر بمنطقة نهر النيل القديم، بحسب شيخ الجيولوجيين الدكتور البهي عيسوي، والذي أكد أن مسار النهر وجسده باقٍ مطمور فقط بالرمال.
وهذا النهر (الجاف) كان موجودًا مع أنهار أخرى فى الصحراء، إبان العصر المطير، عندما كانت الأمطار عليها تصل إلى ١٦٠٠ ميللي متر فى السنة، وتؤكده الحفريات المكتشفة فى الفيوم لتماسيح وفيلة وغيرها من حيوانات المناطق المطيرة، ووجود الجمجمة الوحيدة فى العالم، وهي الأقدم عمرًا للمخلوق البشري الأول، والمعروف علميًا فى العالم بمخلوق الفيوم المصري EyyptoopisecvcFayomensis والمكتشفة غرب جبل قطراني فى الفيوم، وأيضًا وادي التماسيح، وهو ما يؤكده مع صور الأقمار الصناعية.
الأمر الذي تطابق مع الدراسات العلمية التي قامت بها محطة بحوث الصحراء بتوشكى، وكذا جهاز التعمير الذي حدد نشرة لمشروع الوادي الجديد والممتد من توشكى إلى منخفض القطارة مارًا بالواحات، وقد جرت أول عملية تصنيف للتربة فى توشكى.
في عام 1969 جرت دراسة علمية لتصنيف التربة فى الصحراء الغربية ومنها منطقة توشكى فى الجنوب، وتم تحديد عدة مسارات، لكن نظرًا لأن الدولة المصرية فى ذلك الوقت كانت فى حالة حرب لتحرير الأرض، لم يكتمل المشروع، وفى عام 1975 وبعد انتصار أكتوبر بعامين صدر توجيه بإعداد مخطط لتنمية الصحراء الغربية بالكامل وفق خطة تبدأ فى 1975 وتنتهي 2025 وتم عمل الأبحاث والدراسات.
لكن المشروع تعثر بسبب عدم توافر الموارد المالية، وفى عام 1989 قامت أكاديمية البحث العلمي بالتعاون مع معهد بحوث الصحراء بإعداد الموسوعة العلمية للصحراء الغربية، شملت كل ما يخص منطقة توشكى، وفى عام 1990 قامت الأجهزة البحثية بوزارة الأشغال (الموارد المائية حاليًا) بإجراء العديد من الدراسات حول الخزان الجوفى فى تلك المنطقة والمشكلات التي تواجه.
وتم تصنيف 65% من التربة فى منطقة توشكى من الدرجة الأولى، وهي التي لا تحتاج سوى إلى توافر البذور والمياه، وهي الممتدة على الفرع الأول والثاني لترعة الشيخ زايد، ونسبة من الدرجة الثانية والثالثة على الفرع الرابع.
(2)
ولأن المياه هي أحد أهم التحديات التي واجهت المشروع، وكذلك الإرادة وتوفير الموارد المالية، كانت رؤية الرئيس السيسي هي العمل على استكماله، لأنه خطوة مهمة لتوفير الأمن الغذائي، وكذا توفير المحاصيل الاستراتيجية مما يقلل من الفجوة الاستيرادية.
بدأ التحرك بعد دراسة الموقف بالكامل على أرض الواقع، وفى عام 2017 كان التوجيه بالعمل على استكمال الفرع الرابع لترعة الشيخ زايد، وإزالة كل المعوقات، فتم تكليف عدد من شركات القطاع الخاص الوطني الجادة منذ شهر مايو 2022، بحفر الترع وتم بالفعل حفر ترع، سواء فى المنطقة الصخرية والجبلية الممتدة على مدار 11 كيلو مترًا بعد نسفها وتسويتها، أو باقي المناطق، ليتم الانتهاء من حفر 135 كيلو متر ترع المستهدفة فى سنة و3 أشهر.