صالون الرأينجوم وفنون
«وشّ في وشّ».. حروب عائلية مدهشة
By amrسبتمبر 04, 2023, 15:27 م
338
مفاجأة سارة حقا أن نرى فيلما مصريا جيدا، وفيه الكثير من أوجه التميز الفني والتقني، وفيه أيضا نجاحات على مستويات مختلفة، وتجاوز لتحديات صعبة، سواء من حيث الشكل أو المضمون، ولدينا كذلك اختيار ممتاز للممثلين، وأداء جيد من كل واحد منهم، رغم كثرة الشخصيات والأدوار.
أتحدث عن فيلم “وشّ في وشّ” من تأليف وإخراج وليد الحلفاوي، واشترك معه في السيناريو شادي الرملي وحسين نيازي، والذي يمكن أن نضعه منذ الآن بين أفضل أفلام موسم 2023، وهو دليل جديد على أننا نستطيع أن نقدم أفلاما مميزة، بالكتابة الجيدة قبل كل شيء، فبدونها لا يمكن إبداع سينما تعيش وتبقى، مهما كان لديك من النجوم، والأسماء اللامعة، التي تقوم بالبطولة، أو تتصدر صورها الأفيشات.
وليد الحلفاوى أخرج من قبل فيلما روائيا كوميديا طويلا بعنوان “على بابا” من بطولة كريم فهمى وآيتن عامر، كما قدم للدراما التليفزيونية حلقات كوميدية ناجحة مثل “سوبر ميرو” و”فى بيتنا روبوت”، ولكن “وشّ فى وشّ” دراما اجتماعية كوميدية ناضجة، صعوبتها متعددة الأوجه، فمن حيث الشكل هناك مكان وزمان وحدث واحد ومحدود، أى أننا أمام الشكل الكلاسيكى الأرسطى للدراما، والذى يحتاج إلى حرفة عالية فى الكتابة، وفى تطوير الفكرة، ويذكرنا ذلك، من حيث الشكل فقط وليس التيمة أو التفاصيل، بالفيلم الإيطالى (perfect strangers) أو “غرباء تماما”، والذى قدمت منه نسخا بلغات كثيرة، منها النسخة العربية «أصحاب ولا أعز».
فى الفيلمين شخصيات كثيرة، فى مكان واحد، وفى ليلة واحدة، ولكى تتذكر كل هذه الشخصيات، لابد أن يوجد على الورق ملفات بتاريخها، وبأدوارها فى دفع الدراما الى الأمام، وصولا إلى لحظة الذروة.
وفيلم «وشّ فى وشّ» يمتلك سيناريو ممتازا، ويحقق حضورا متوازنا لكل الشخصيات، من خلال مواقف متتابعة، وباستغلال كل حجرات المكان، وحتى البلكونة والحمام، كالفيلم الإيطالى، وصولا إلى ذروة عاصفة وخطيرة، تعيد بناء علاقات الشخصيات، ونظرتها لنفسها وللآخر من جديد.
ولكن بينما كانت فكرة “غرباء تماما” تدور حول صندوق الأسرار، الذى يحتفظ به كل شخص، فإن فيلم “وش فى وش” محوره فوضى العلاقات الزوجية، وفوضى التعامل مع الآخر عموما، بطريقة انفعالية، وبدون تفكير، مع استباحة البعض للمساحة الشخصية للآخرين، وتدخل الأهل والأقارب والأصدقاء فى أدق شؤون الحياة الأسرية لذويهم، مما يعقد الأمور.
إننا أمام دراما عائلية صعوبتها فى أنها صارت اليوم احتكارا للدراما التليفزيونية، فكيف يمكن أن تصنع منها فيلما سينمائيا جذابا ومشوقا وكوميديا وفيه مزيج بين المواقف الضاحكة واللحظات الإنسانية المؤثرة.
حقق وليد الحلفاوى ذلك عبر أكثر من طريقة، أولها البدء من ذروة مشوقة، فنحن ندخل مباشرة إلى آثار شجار عائلى بين داليا (أمينة خليل)، وزوجها شريف (محمد ممدوح)، ووصول الأمر إلى طلب الطلاق، وحضور أهل وأصدقاء الأطراف إلى الشقة، اعتقادا منهم أن الشجار سيتطور إلى الضرب.
وهكذا تكتظ الشقة بحشد من الشخصيات، الزوج والزوجة طبعا، ووالد الزوجة (سامى مغاوري)، ووالدة الزوجة (أنوشكا)، وشقيق الزوجة (أحمد خالد صالح)، وصديقتها (أسماء جلال)، ووالد الزوج ( بيومى فؤاد)، ووالدة الزوج (سلوى محمد علي)، واثنين من أصدقائه (محمد شاهين وخالد كمال)، يضاف إلى ذلك خادمة الأسرة ( دنيا سامي)، وسائق عائلة والد والزوجة (محمود الليثي)، ثم ينتقل الشجار إلى ذروة جديدة، ويؤدى التضارب الجماعي، إلى تعطيل كالون باب الشقة، فيصبح الجميع محبوسين داخل الشقة، وسط محاولات فاشلة لإحضار حداد فى منتصف الليل، ووسط تدخل محدود من الشرطة، لأن المشكلة عائلية.
هذه بداية مثالية مشوقة، جذب بها الفيلم الانتباه، وفى أقل عدد من المشاهد، عرفنا هوية الشخصيات، ودخلنا إلى قلب الأزمة، ثم بدأ ، ثانيا، تطوير الموقف فى اتجاهات مختلفة، مثل تفكيك أسباب المشكلة بين داليا وشريف، وتغذية الصراع بشخصيات تدفع أكثر إلى الطلاق، بل وبدأت أم الزوجة ووالد الزوجة فى تحديد المبلغ المطلوب للتسوية، بينما بدأ الزوج ووالده فى الحديث عن ضرورة رؤية الزوج لابنه فى حال الانفصال.
وبدأت أيضا علاقة بين السائق والخادمة، تقدم نظرة الطبقات الفقيرة إلى العلاقات الزوجية، فكأن الحكاية تشمل أيضا “الناس اللى تحت”، ونظرتهم التى لا تخلو من الاضطراب والتناقضات، والرغبات المكبوتة، وشخصية الخادمة شيماء لا تقل أهمية ودلالة عن الشخصيات الأخرى، وقد تم استغلالها دراميا، سواء فى المواقف الإنسانية أو الكوميدية، بصورة جيدة وفى موضعها.
كل مشهد يعمل فى اتجاهين: إلقاء الضوء على الشخصيات، وعلاقاتها المتشابكة، ودفع الأحداث للأمام، مع وجود سر بسيط، وهو اختفاء سكين المطبخ، مما يهدد بوقوعه فى يد أحد الشخصيات، وحدوث جريمة قتل.
ولكن الأهم هو أن الشخصيات تتغير مواقفها، وتعيد تأمل حياتها، مع أنها جاءت للتدخل فى حياة داليا وشريف، وكل مكان فى الشقة تقريبا يتم استغلاله، كما يؤدى انقطاع النور، وانتقال المعركة إلى السوشيال ميديا، إلى دفع الأحداث إلى أكثر من ذروة، وصولا إلى حدث كبير وخطير.
ولكن العنصر الثالث والأساسى الذى حقق تماسك الفيلم هو التغلب على كثرة الحوار، والثرثرة المبررة دراميا، لأن الموضوع عن مشاجرات عائلية مصرية، نحن نعلم الشكل العجيب الذى تأخذه، من خلال قطعات مونتاجية سريعة على مدار الفيلم كله.
مونتاج مينا فهيم بطل حقيقى فى هذا الفيلم، وحتى لو كان السيناريو جيدا، ولم يفطن المخرج إلى ضرورة ضبط إيقاع الفيلم بالانتقالات السريعة، لانهارت التجربة تماما، كما أن موسيقى خالد الكمار من أبطال الفيلم، إنها المعادل المسموع لتقلب الأحداث صخبا وهدوءا: نسمع الطبول مثلا، ثم نستعيد أجواء رومانسية قديمة، الموسيقى لا تعبر فقط عن الدراما، وعن سلوك الشخصيات، وعن مسار العلاقات، ولكنها تخفف كثيرا من شراسة المواجهة، وتصنع لها معادلا بأصوات الآلات، ولا شك أن الكتابة المتقنة، التى كان من السهل أن تنزلق إلى المأساة والميلودراما، هى الأصل فى ضبط الصراع، وفى تحويل دراما فيها عناصر المأساة الكاملة، إلى كوميديا اجتماعية طريفة.
ينتهى الفيلم بظهور الصباح، ولكن السيناريو لا يغلق الأقواس، ولكننا أمام هدنة وبداية تفكير عقلاني، قد يسيطر على فوضى علاقات الشخصيات، بينما تعاقب والدة الزوجة بالتحديد، لأنها كانت أشرس الراغبات فى الطلاق،، لتنتهى مباراة تمثيلية ممتازة من الجميع، مع تميز خاص لأنوشكا وسامى مغاورى وخالد كمال ودنيا سامي، والأخيرة موهبة حقيقية، وتذكرنى بعبلة كامل فى بداياتها، أتمنى فقط أن تضبط دنيا الحركة الصوت بشكل أفضل فى لحظات الانفعال.
هناك ملاحظات يجب ذكرها على الكتابة: استغلال وجود الطفل فى الشقة لم يكن متقنا فى كل الحالات، فمن الصعب أن يحتفظ الولد بهدوئه وسط هذه الحرب، ومن الصعب أن نصدق نومه فى أوقات عنيفة وخطيرة.
ولكننا أمام فيلم مختلف، لا يحكى فقط بذكاء عن مشاكل المتزوجين، ولكنه يحكى عن العلاقة الفوضوية والعشوائية مع الآخر عموما.
إنها علاقات لا تخضع للتفكير أو للعقل، ولا نتوقف فيها عن حشر أنوفنا فى مشكلات الآخرين، بينما نحتاج نحن أن نلتفت إلى مشاكلنا الخاصة، بدلا من أن نتجاهلها، أو نهرب منها.
صناع فيلم «وشّ فى وشّ»: شكرا.