«لو حد يقدر يوفر لي علاج الغدة (التروكسين) يبقى كتر خيركم وشكرا»، هكذا كانت استغاثة مريضة على وسائل التواصل الاجتماعي تطالب باحتياجها لتوفير دوائها التي لا تستطيع الحصول عليه بأي صيدلية والذي يجب الاستمرار عليه مدى الحياة.
اشتكى عدد من المرضى من نقص فى بعض أصناف الدواء، خاصة أدوية الغدة والأمراض الوراثية وأدوية السكر «الأنسولين» والتي تمثل أهمية لدى قطاع عريض من المرضى المصريين والذين يقدرون بـ11 مليون مريض سكر بحسب الإحصائية الصادرة عن الاتحاد الدولي للسكري. فيما أكد وزير الصحة عدم وجود نقص لأية أدوية فى السوق المحلي، وأن كل الأدوية التي يتداول عن نقصها فى السوق هناك بدائل عدة لها والاعتماد على كتابة الاسم التجاري وليس العلمي للأدوية.
وسبق أن طالبت نقابة الصيادلة بتطبيق الاسم العلمي للدواء فى صرف الأدوية للمواطنين، وذلك لحل مشكلة نقص الأدوية عبر توفير بدائل لها بنفس الكفاءة والفعالية وبسعر منخفض للمستهلكين.
ولكن الأطباء رفضوا استخدام الاسم العلمي لوصف الدواء، وهم من يقومون بكتابة الدواء للمريض، وهو النظام المتبع فى مصر، مؤكدين التحول عن كتابة الدواء بالاسم التجاري فيه إيذاء للمريض.
ووفقا لبيانات رسمية، بلغ حجم مبيعات الأدوية فى مصر 170 مليار جنيه (5.5 مليار دولار) خلال عام 2022، ونمت صادرات مصر من الأدوية والمستحضرات الطبية لتصل إلى 530 مليون دولار خلال النصف الأول من عام 2023 بنسبة نمو 14%، ويستهدف المجلس التصديري تحقيق زيادة بنسبة 30% هذا العام.
مخزون استراتيجي
وقال الدكتور محفوظ رمزي، رئيس لجنة التصنيع الدوائي بنقابة صيادلة القاهرة، إن هناك بعض النقص فى الأدوية التي يتم استيرادها من الخارج منها الأنسولين، ولكن هناك مخزونًا استراتيجيًا من الدولة للتعامل فى مثل هذه الحالات، مشيرا إلى أن هناك نوعًا من أنواع الأنسولين يستخدم 80% منه لغرض التخسيس وليس علاج السكري، موضحًا أنه على المريض الذى لا يجد النوع المستورد الذى يريده فمن الممكن أن يأخذ نوعًا محليًّا مماثلًا له فى نفس المادة الفعالة حتى لا نصنع أزمة، كما يجب على الأطباء الكتابة على الروشتة أن الطبيب الصيدلي هو الخبير بالدواء ومن حقه تبديل الدواء بنفس المادة الفعال.
وأوضح الدكتور على عوف، رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن هناك نوعين من الأدوية فى مصر، الأول الأدوية الحيوية التي ليست لها بدائل أو مثيل ومنها أدوية الأورام، وصبغات الأشعة، وهذه الأدوية متوافرة فى السوق المحلي، وهناك احتياطي منها يكفي الاستهلاك لمدة 3 أشهر، كما أن هناك ضوابط فى صرفها حتى لا تباع فى السوق السوداء، وتباع فى منافذ محددة بالسعر الرسمي، مضيفا أن هناك خطا ساخنا تابعا لوزارة الصحة للإبلاغ عن نقص فى هذه الأدوية، وتوجه الوزارة المرضى للأماكن المتوافرة بها هذه الأدوية.
وأضاف: أما النوع الثاني من الأدوية، والتي لها بديل، فإنه لا يواجه نقصا فى المعروض، ولكن الثقافة الشعبية للمرضى فى مصر تعتمد على الاسم التجاري للدواء، ولذا مع نقص بعض الأدوية المعروفة فى السوق المحلي يشتكي المرضى من نقص الدواء رغم توافر بدائل لها بنفس الجودة والفعالية وقد تكون أرخص سعرا، مطالبا الصيادلة بتوعية المرضى بتوافر بدائل للأدوية.
وأشار عوف إلى أن متوسط الزيادة فى أسعار الدواء فى السوق المحلي تتراوح بين 20-25%، رغم ارتفاع التكلفة على شركات الأدوية نتيجة انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار بنسبة كبيرة، موضحا أن هناك ضوابط لزيادة أسعار الدواء، والتي تحدد من قبل الدولة، أبرزها مرور عام على آخر زيادة، والتقدم بقائمة توضح التكاليف المرتفعة على المصنعين، والتي يتم التحقق من كل بنودها قبل إقرار أية زيادة.
وأكد عوف توافر الأدوية لعلاج كل الأمراض، قائلا إن هيئة الدواء المصرية ترصد طلبات المواد الخام ومستلزمات الإنتاج لمصانع الأدوية، وحجم الطلب والمتاح فى السوق من الأدوية، للتأكد من توافرها فى السوق دون زيادة سعرية، من خلال التواصل مع الشركات لسرعة تدبير النقد الأجنبي، والإفراج الجمركي عن مستلزمات الإنتاج لإتاحة الدواء بالكميات المطلوبة فى السوق.
وأشار عوف إلى اجتماع الحكومة مع مسؤولي صناعة الدواء خلال الفترة الماضية، وتم الاتفاق على 3 ملفات، وهي أولا تعزيز المخزون الاستراتيجي من الأدوية والمواد الخام فى السوق المحلي، ووجه رئيس الوزراء تعليمات للبنك المركزي لسرعة الإفراج عن المواد الخام والأدوية والمستلزمات الطبية، مع تخصيص 100 مليون دولار شهريا لقطاع الدواء لاستيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج للمصانع، و150 مليون دولار شهريا لتوفير مستلزمات الطبية، مشيرا لأهمية هذا القرار فى زيادة المخزون الاستراتيجي من الأدوية من 6-12 شهرا بدلا من 3-6 شهور حاليا مما يجنب الدولة مخاطر أي تقلبات خارجية.
وثانيا توطين وتعميق التصنيع المحلي للدواء لتخفيض فاتورة الاستيراد، ومن ثم توفير الدولار، وهناك مصانع جديدة جار العمل على إنشائها لإنتاج أدوية لأمراض مزمنة مثل مصنع لإنتاج أدوية الأورام، وآخر لإنتاج البنسلين يغطي نسبة 50% من الطلب المحلي بدلا من 10% سابقا، وثالثا، الاتفاق على دعم زيادة الصادرات المصرية من الدواء.
ننتج 95%
ومن جهته، أكد وزير الصحة والسكان الدكتور خالد عبد الغفار، عدم وجود نقص لأية أدوية فى السوق المحلي، وأن كل الأدوية التي يتداول عن نقصها فى السوق هناك بدائل عدة لها، مشيرا إلى أن مصر تنتج 95% من الأدوية شائعة الاستخدام محليا الخاصة بأمراض السكر والضغط، والمسكنات والمضادات الحيوية، أما الأدوية التي لا تصنع محليا مثل أدوية الأورام والبيولوجية تعمل الدولة على توفيرها فى السوق المحلي دون أن يتأثر القطاع الصحي بأي أزمات خاصة بالعملة الصعبة.
وقالت الدكتورة إيرين سعيد، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، إن شكوى بعض المرضى من نقص الدواء مرتبط بـ3 عوامل، الأول اعتماد المستهلكين على الاسم التجاري فى شراء الأدوية وليس الاسم العلمي، ولذا مع وجود نقص بعض الأسماء التجارية المعروفة يشتكي المرضى من اختفائها رغم وجود بدائل عدة لها منتجة محليا وبنفس الفعالية والجودة.
وأضافت سعيد أن العامل الثاني زيادة الطلب على أدوية الغدة الدرقية والأنسولين خلال الفترة الماضية لاستخدامها فى إنقاص الوزن بسبب قدرتها على زيادة معدلات حرق الدهون، ولكن مع زيادة الإنتاج منها استقر حجم الطلب، والعامل الثالث هو أن بعض الأدوية يتم توفيرها من خلال الإنتاج المحلي والمستورد، وفي ظل نقص الأخير بسبب أزمة النقد الأجنبي، فإن الأدوية المنتجة محليا لا تكفي وحدها الطلب، خاصة وأنها منتشرة فى بعض سلاسل الصيدليات مما يوحي للمريض بأن هناك نقصا فى السوق منها.
وأوضحت إيرين سعيد أن نقص بعض الأدوية لم يؤد لزيادة الأسعار، مشيرة إلى أن بعض شركات الأدوية تقدمت منذ أكثر من 6 شهور لهيئة الدواء المصرية لتحريك أسعار منتجاتها، ووافقت الهيئة على بعض الطلبات للحفاظ على معدل هامش ربح معقول لشركات الأدوية، وفي الوقت نفسه معدل زيادة مقبول بالنسبة للقدرة الشرائية للمواطن المصري.
وطالبت عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، بضرورة إلغاء بيع الأدوية بالاسم التجاري، وكتابة الاسم العلمي فى الروشتة، على أن يعرض الصيدلي على المواطن الأدوية التي تحتوي على المادة الفعالة ليختار كل مستهلك الدواء حسب قدرته الشرائية، مضيفا أن تطبيق هذا الأمر سيؤدي إلى زيادة القدرة التنافسية للمنتج المحلي، كما طالبت بضرورة وجود أكثر من خط إنتاج لكل منتج دوائي لضمان توافره فى السوق.
الأطباء
ومن جهته، رفض الدكتور محمد منصور استشاري الباطنة والسكر كتابة الاسم العلمي للمرضى، موضحا أن هناك عدة شكاوى من المرضى من نقص بعض أنواع الأنسولين فى التأمين الصحي، ونظرًا لأن الأنسولين أنواع فأحيانًا يوجد نقص داخل التأمين فى أحد الأنواع، فيقوم التأمين بصرف نوع آخر من الأنسولين كبديل للنوع الأول، وهنا نواجه مشكلة بأن أحيانًا يكون البديل غير مناسب لأن مفعول الأنسولين يختلف من نوع لآخر، هناك نوع يوجد فى الدم لمدة 4 ساعات ونوع آخر يوجد داخل الدم لمدة 6 ساعات، إلى جانب أن كل نوع أنسولين يوجد له قلم خاص به.
وعن مضاعفات أخذ بديل الأنسولين للأطفال، أضاف منصور أن المشكلة تكمن عندما يأخذ الطفل نوعًا مختلفًا تمامًا عن النوع المعتاد عليه فلكل نوع طريقة عمل خاصة به، ولذا فمن أحد الأعراض عدم استقرار السكر داخل الدم، موضحة أنه يجب على الأم عند أخذ البديل أن تسأل الطبيب عن طريقة التعامل مع النوع الجديد.
الاسم العلمي
وأكد الدكتور سيد فرحات، استشاري طب الأطفال، رفضه استخدام الاسم العلمي لوصف الأدوية للمرضى، نظرا لاختلاف نسبة المادة الفعالة بين الدواء الأصلي والبديل مما يؤثر على صحة المرضى، مؤكد التحول عن كتابة الدواء بالاسم التجاري إيذاء للمريض، مشيراً إلى أن الأطباء هم من يقومون بكتابة الدواء للمريض ولم يعتد الطبيب كتابة الاسم العلمي لكن اسم الدواء نفسه، وهو النظام المتبع فى مصر منذ سنوات طويلة.
فاعلية واحدة
وقال الدكتور علاء الدين إبراهيم، استشاري أمراض الكبد والجهاز الهضمي، إن كتابة الاسم العلمي للدواء فى الوصفة الطبية متعارف عليه أوروبيا وأمريكيا، مؤكدا أن هذا الإجراء يسهل على الطبيب حفظ أكثر من اسم تجاري للأدوية متشابهة الفاعلية، ولكن تنفيذ هذا القرار يحتاج ضرورة أن تكون جميع الأدوية المرخصة للتداول فى الدولة متساوية الفاعلية، مشيرا إلى تخوف الأطباء من قلة نسبة المادة الفعالة فى بعض بدائل الأدوية مما جعلهم يعانون فى كتابة الروشتة بالاسم العلمي وليس التجاري.
وأشار الدكتور علاء وفا، استشاري أمراض الباطنة، إلى صعوبة كتابة الأدوية بالاسم العلمي، لافتا إلى أن غالبية الصيادلة يعانون من قراءة الوصفات الطبية بالاسم العلمي، وأنه يتلقى أكثر من 10 مكالمات هاتفية يوميا من صيادلة يستفسرون عن الدواء وتركيباته، وذلك عند كتابة الاسم العلمي للأدوية المركبة، موضحا مريض مصاب بالتهاب شعبي ربوي، سنكتب له مضادا حيويا هو «الأوجمنتين» وهو مكون من جزأين، ثم دواء للكحة «برونكوفين» مكون من أربع مواد مختلفة، ثم دواء موسع للشعب الهوائية «سمبيكورد» يتكون من جزأين، إضافة إلى أية أدوية أخرى، لافتا إلى أن الوصفة سابقا كانت أربعة أو خمسة أسماء تجارية، لكن بهـذا التوصـيف أصبحت صفحة كاملة من التركيبات العلمية.
وأضاف أن زمن كتابة الوصفة مستقطع من زمن المريض والطبيب، بمعنى حرمان المريض من نحو 20 دقيقة لحين الانتهاء من كتابة الوصفة الطبية، متسائلا: «حال كتابة دواء مؤكد الفاعلية، ويصرف الصيدلي بديلا آخر لم يعط النتيجة المرجوة، فمن المسؤول عن الخطأ الطبيب أم الصيدلي؟
ويروي استشاري الباطنة واقعة حدثت معه، قائلا كتبت لمريضة دواء مسكنا للآلام، وصرف لها الصيدلي بالخطأ دواء السكر، فأصيبت المريضة بهبوط حاد فى السكر وغيبوبة مصاحبة، اتصل بي أهلها يلومونني ويسبونني على الخطأ الطبي الذي لا ذنب لي فيه، وبعد التحقيق فى الواقعة اعترف الصيدلي بالخطأ.
وقال عدد كبير من أصحاب الأمراض المزمنة: إنهم تعودوا على أدوية حققت معهم نتائج طيبة، ولكن الآن يعانون من صرف بدائل أقل فاعلية، ما أفقدهم الثقة فى الدواء، ونشبت بينهم وبين الصيادلة مشاحنات، ويقترح الأطباء وضع برنامج بالصيدليات يطابق الاسم العلمي مع الاسم التجاري.
ومن جانبها، أعلنت هيئة الدواء المصرية، أنه تم استحداث نظام للرصد والمتابعة لتجنب حدوث أي نقص فى الأدوية من خلال متابعة مخزون الأدوية المهمة والحيوية كمجموعات أدوية الأنسولين والضغط، وأدوية الرعاية والطوارئ والسكر والأورام، وصبغات الأشعة والشلل الرعاش، ومشتقات الدم، وأدوية المناعة والمحاليل الوريدية وأدوية التخدير وأدوية علاج أعراض فيروس كورونا، بهدف تغطية احتياجات السوق المحلي، وكذلك المستشفيات الحكومية من خلال التنسيق مع هيئة الشراء الموحد.
خط ساخن
ولحل أزمة نواقص الأدوية، أعلنت هيئة الدواء عن تدشين خط ساخن «15301» يمكن من خلاله الاستفسار عن نواقص الأدوية، وأماكن توافرها على مدار 24 ساعة طوال أيام الأسبوع.
وأشارت الهيئة إلى أن هذه الخدمة متاحة أيضًا على موقع الهيئة، وتتيح لكافة المواطنين الاستفسار عن مدى توافر المستحضرات الدوائية فى السوق الدوائي المصري، ومن ثم تقوم الإدارة المعنية بهيئة الدواء المصرية بالتواصل مع مقدم الاستفسار للإجابة عن الاستفسار المقدم.
وأكدت على سرية البيانات، حيث يتم التعامل مع البلاغات الواردة بسرية تامة، وهي محمية بشكل كامل من قبل هيئة الدواء المصرية، بما فى ذلك بيانات المستفسر، ولن يتم الإفصاح عنها تحت أي ظرف من الظروف.
لافتة إلى أنه يجب على مقدم البلاغ التأكد من توفير بعض المعلومات مثل اسم المستحضر الدوائي باللغة العربية والروشتة وشكل المستحضر الدوائي.