رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

«وثيقة ملكية الدولية» تضع القطاع الخاص في مقدمة قطار التنمية

438

على مقهى بالحي الشعبي، جلس الأصدقاء الثلاثة عمر ومحمود وأيمن، الطلبة في السنة النهائية بكلية التجارة، يقطعون بعض الوقت في لعب «الدومينو»، بعد أن قضوا ساعات أمام الكتب يراجعون موادهم وأصوات قطع اللعبة التي راح كل منهم يرفعها لأعلى قبل أن يهبط بها على طاولة اللعب محدثًا ضجيجًا، شرد محمود في شاشة التليفزيون المعلق على الحائط، يتابع تغطية إخبارية لأحد المشروعات الكبرى التي تفقدها رئيس الوزراء.

كتبت : علا عبد الرشيد

فجأة هتف أيمن بصوت مرتفع وهو ينظر إلى حيث شرد صديقه: «محمود ما الخطب؟! .. لا أرى على شاشة التليفزيون ما يستحق هذا الاهتمام».

تطلع محمود نحو صديقيه وهو يجيب: «استمع إلى تفاصيل المشروع، وأيضا تعليق بعض الخبراء عن تشجيع دور القطاع الخاص من خلال إطلاق الدولة لوثيقة سياسة ملكية الدولة».

أطلق أيمن ضحكة مرتفعة لا تخلو من سخرية، وهو يقول: «وماذا يشغلك فى تلك الوثيقة؟!.. دع السياسة لأهل السياسة واكتب نتيجة اللعب».

نظر إليه محمود غاضبًا وهو يقول: «كيف لا أنشغل بمثل هذا الموضوع المهم، الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بمستقبلنا».

هنا.. ولأول مرة يشارك عمر فى الحوار وهو يخلط قطع الدومينو معلنا نهاية اللعب وقال: «شاهدت خلال الأيام الماضية، الكثير من الأخبار التي تتحدث عن تلك الوثيقة، وفائدتها فى دعم مشاركة القطاع الخاص فى الاقتصاد بنسبة أكبر، لكني قرأت آراء على مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن استخدام الوثيقة فى بيع أملاك الدولة».

دور أكبر للقطاع الخاص

هذا الحوار وما تضمنه من معلومات وتساؤلات بين أطرافه.. يتكرر بأبطال مختلفة، وفى مشاهد متنوعة.. نأمل فى عرض حقيقتها، ووضع إجابات موثقة لكل أسئلتها.

«الوثيقة واحدة من آليات الدولة للنهوض بالاستثمار من خلال زيادة دور القطاع الخاص فى الأنشطة الإنتاجية، والصناعية والزراعية، والخدمية الإنتاجية، على أن يصبح دور الدولة رقيبا، إضافة إلى دورها فى توفير البنية التحتية الأساسية للمواطن والمستثمر، إذ ستحدد الوثيقة الإطار الذي سيعمل فيها كل طرف بشكل واضح وفى شفافية تامة، من خلال تحديد القطاعات التي ستتخارج منها الدولة بشكل كامل خلال 3 سنوات، أو تقلص مشاركتها لصالح زيادة مشاركة المستثمر، أو تحتفظ بنسبة مشاركتها، وزيادتها إذا اقتضى الأمر» كما أوضح د. أحمد كوجك، نائب وزير المالية للسياسات، والمتحدث باسم الوثيقة، أثناء جلسات الحوار المجتمعي للخروج بمسودتها فى 2022، وقبل خروجها بشكلها النهائي فى شهر أكتوبر من نفس العام.

وأضاف، أن تحديد مستويات مشاركة الدولة فى الاستثمارات، يتوقف على عدة معايير تتضمن رغبة القطاع الخاص فى الاستثمار فى أحد القطاعات، وما إذا كان القطاع يحقق المنافسة أم لا، أيضا ما إذا كان القطاع استراتيجيا أم لا، مع إجراء مراجعة للمرحلة الأولى من تخارج الدولة بعد

3 سنوات، لتقييم نجاحها أو الحاجة لإجراء تعديلات.

توفير المناخ والآليات

«وقد كان توجه مصر واضحا نحو الاستفادة من القطاع الخاص وتحمل مسئولياته فى تحقيق النمو والتنمية وتوفير فرص عمل وزيادة الإنتاج، منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي، مقاليد الحكم، كما تحدث د. هشام إبراهيم، أستاذ التمويل والاستثمار، قبل أن يستطرد: «لكن بنية الدولة لم تكن مكتملة الأركان، وكانت بحاجة لجهد وعمل كبيرين، قبل أن يتدخل القطاع الخاص، إذ أن دعوته للمشاركة فى النشاط الاقتصادي، دون توفير المناخ المناسب ودون أدواته لن يؤتي ثماره».

«وضخت الدولة، نحو 10 تريليونات جنيه فى شتى قطاعات النشاط الاقتصادي، لتحقيق نقلة نوعية فى كل الخدمات التي يحتاجها المستثمر، للقيام بنشاطه، كالطرق والكباري، التي تمثل شرايين تربط أنحاء مصر، وأيضا تطوير الموانئ، وتوفير بنية الاتصالات، والكهرباء والطاقة، ومياه الشرب، التي تلبي احتياجات المستثمر ليس فى الوقت الحالي فقط، إنما لعشرات السنوات المقبلة»، والحديث لا يزال لـ «د. هشام»، متابعا: «كذلك تم تطوير البيئة التشريعية، من خلال إطلاق قانون الاستثمار الجديد بعد تنقيحه بالعديد من التعديلات، إضافة إلى إعادة تأهيل البنية التنظيمية، والمؤسسية مثل قيام هيئة الاستثمار بتوفير أراضٍ مرفقة للمستثمرين، وإطلاق مراكز لخدمتهم».

تقليص الاستثمارات العامة

«أما وأن كل هذا تحقق، تتخذ الدولة إجراءات تؤكد جاهزيتها لدعوة المستثمر، ومن ثم كان إعداد وثيقة ملكية المستثمر، لتتقلص الاستثمارات العامة وتفتح الباب للقطاع الخاص، ليساهم بـ65% من الاقتصاد» كما قال أستاذ التمويل والاستثمار، مستطردا: «يتزامن إطلاق الوثيقة، مع انتهاء عدد من المشروعات القومية العملاقة التي تقدم الخدمة للمستثمر والمواطن، وكذلك الاقتصاد الإقليمي والدولي، كالمشروع القومي للموانئ الذي يمثل انطلاقة قوية لمصر، كلاعب أساسي فى حركة التجارة الإقليمية والدولية، أيضا كل مشروعات قناة السويس متضمنة القناة الجديدة وتعميق الغاطس».

المحرك الرئيسي للتنمية

فى نفس السياق، يرى محمد رضا، الرئيس التنفيذي لبنك الاستثمار سوليد كابيتال فى مصر والشرق الأوسط وإفريقيا، أن وثيقة سياسة ملكية الدولة، تعد رسالة طمأنة للمستثمر، إذ تؤكد اهتمام الدولة به، بوصفه المحرك الرئيسي للتنمية المستدامة، والمصدر الرئيسي لخلق فرص العمل، كما تعد بمثابة بروتوكول لتحديد سياستها، بشأن ملكية أصولها، وحجم تداخلها فى الأنشطة الاقتصادية، وذلك من خلال 3 مستويات الأول، هو التخارج الكامل من بعض القطاعات خلال 3 سنوات، والثاني تقليص مشاركة الدولة فى قطاعات أخرى دون الخروج منها تماما والسماح بمشاركة أكبر للقطاع الخاص، أما المستوى الثالث فهو احتفاظ الدولة  باستثماراتها مع الاتجاه لزيادتها فى بعض القطاعات.

وقال إن الشكوك أحاطت، بالوثيقة عند صدورها فى أكتوبر 2022، إذ تزامن خروجها للنور مع وقوع العديد من الاختلالات المترتبة على نقص العملة الأجنبية، وتراجع سعر صرف الجنيه، إلا أن الانفراجة التي ترتبت على صفقة رأس الحكمة، خلقت رؤية مختلفة لشكل الاستثمار فى مصر، لا يتمثل فقط فى ضخ عملة أجنبية، بل امتد ليشمل تغيرا فى ملف السياسة النقدية، وتثبيتا لنظام الضرائب، إضافة إلى ضمان قدرة المستثمر على تحويل أرباحه، ما سيؤدي لجذب الكثير من الاستثمارات المباشرة خلال الفترة المقبلة .

أشكال متعددة للاستثمار

وأشار الرئيس التنفيذي لسوليد كابيتال، إلى أن أشكال الاستثمار المباشر متعددة، ما بين شراء حصص فى شركات، أو شراء شركات كاملة، أو الدخول فى شراكات استراتيجية، أو تأسيس شركات جديدة، مشددا على أن الدخول فى شراكات مؤثرة، مثل شراكة مصر مع المفوضية الأوروبية يبعث بمزيد من رسائل الثقة للمستثمرين فى مناخ الاستثمار بمصر.

ودلل على إيجابية خطوات مصر خلال المرحلة الماضية، ومنها وثيقة سياسة ملكية الدولة، بإعلان هيئة الاستثمار إصدار العديد من الرخص الذهبية للمستثمرين، بخلاف صفقة شركة هاير الصينية، التي افتتحت مؤخرا مجمعا صناعيا، صديقا للبيئة بمنطقة العاشر من رمضان الصناعية باستثمارات 135 مليون دولار، وتوفير فرص عمل لأكثر من 3 آلاف عامل مصري، حيث ستؤثر هذه الخطوة بشكل مباشر على الاستثمار والاقتصاد الوطني فى إطار توطين الصناعة الوطنية وخاصة صناعة الأجهزة المنزلية بمختلف أنواعها لتغطية احتياج السوق والمستهلك المصري وتقليل حجم الاستيراد، وارتفاع حجم الإنتاج المحلي فى هذا القطاع لزيادة فرص التصدير للأسواق العالمية.

ورأى، محمد رضا، أن العائق الوحيد أمام تدفق الاستثمارات، هو ارتفاع أسعار الفائدة التي ترفع بدورها تكلفة الاستثمار، إذ من المعروف أن المستثمر يضخ بين 60 و70%، من الاستثمار نقدا، ويحصل على بقية النسبة تمويلات بنكية.

مستهدفات القطاع الخاص

«وتبلغ حصة القطاع الخاص من الاستثمار فى مصر 40%، خلال العام المالي الحالي 2023-2024، ومستهدف أن تصل إلى 50% خلال العام المالي المقبل 2024-2025، هذا بجانب زيادة حصة القطاع الخاص فى الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الحالي لتصل إلى 71%، كما تبلغ حصة القطاع الخاص فى التوظيف خلال العام الحالي 80%»، كما أوضح د. محمد عبد الوهاب، المحلل الاقتصادي والمستشار المالي، أن سياسة ملكية الدولة تدعم نمو الاقتصاد المصري وإدارة أصول الدولة بشكل أفضل، مع دعم القطاع الخاص وإعطائه الفرصة للمساهمة بشكل أكبر فى الاقتصاد.

وتؤكد تصريحات الحكومة برئاسة د. مصطفى مدبولي، حرصها على دعم القطاع الخاص لزيادة مساهمته إلى 65% من إجمالي استثمارات الدولة، من خلال مضيها قدمًا فى تنفيذ وثيقة ملكية الدولة، والحديث لا يزال لـ «عبد الوهاب»، قبل أن يلفت الانتباه، إلى إعلان الحكومة فى وقت سابق عن طرح 32 شركة من أبرز الشركات فى كل القطاعات الاقتصادية على القطاع الخاص، بعد تخارجها منها سواء كليا، أو جزئيا، تنفيذاً لوثيقة ملكية الدولة، إضافة إلى أن هناك ما يقرب من 60 شركة أخرى ستعلن الحكومة عن طرحها قريبا للمستثمرين، ما يؤكد نواياها فى دعم القطاع الخاص والاستفادة من خبراته فى الشركات الحكومية كداعم أساسي فى عملية التنمية الاقتصادية.

ونفى ما يتردد عن أن تعزيز مشاركة القطاع الخاص فى الاستثمار هو الوجه الآخر للخصخصة، مؤكدا أن الدولة اتخذت العديد من التدابير للحفاظ على صالح المواطن من الممارسات التجارية الضارة، كالإغراق، والاحتكار، إضافة لاحتفاظها بالاستثمارات فى القطاعات السيادية، والبنية التحتية.

أسباب تأخر الطروحات الحكومية

وأرجع تأخر برنامج الطروحات الحكومية، نتيجة للظروف الاقتصادية والجيوسياسية غير المسبوقة التي يواجهها العالم والمنطقة، وفى القلب منه مصر منذ بداية عام 2020 وتحديداً مع بداية أزمة كورونا وما تبعها من تداعيات، فضلا عن حرب روسيا وأوكرانيا،  والعدوان الإسرائيلي على غزة،  وحالة عدم اليقين التي تسود العالم وارتفاع معدلات التضخم، وأزمة سلاسل الإمداد والتوريد، وارتفاع أسعار السلع الأساسية عالميًا، مستطردا: كل تلك الظروف والعوامل تربك الاقتصاد العالمي،  وليس المصري فقط بل أن هناك اقتصاديات أوروبية متقدمة لم تستطيع تحمل تلك الأزمات.

ووصف الخبير الاقتصادي، أثر تلك الأزمات بـ «الكارثي»، على الاقتصاديات الناشئة مثل مصر، قبل أن يؤكد أن من أسباب تأخر برنامج الطروحات الحكومية، أيضًا عدم استقرار سعر الصرف، وهو ما انتهى بقرار البنك المركزي المصري فى مارس الماضي بتحريره، وخضوعه لآليات العرض والطلب وهو ما انعكست آثاره الإيجابية على الأسواق خلال الشهرين الماضيين مع سعى الحكومة المستمر لضبط الأسواق وإطلاق حزم الحماية الاجتماعية لدعم محدودي الدخل.

أبرز القطاعات الاقتصادية

ورأى د. إسلام نصر الله خبير التحول الرقمي، أن قطاعات التكنولوجيا واللوجيستية والصناعية، من أبرز القطاعات الاقتصادية،  وأن «التكنولوجيا» مرشح لتحقيق مزيد من النجاحات بشكل أكبر خلال السنوات المقبلة، مع تطبيق وثيقة سياسة ملكية الدولة التي تدعم مشاركة القطاع الخاص فى عملية التنمية الاقتصادية، لافتا إلى أن القطاع هو الأعلى نموا بين كل القطاعات خلال الـ5 أعوام الماضية، مسجلا نحو 16.3% فى العام المالي 2022/2023، محققا إيرادات بلغت 315 مليار جنيه بنسبة نمو نحو 75%.




503 Service Unavailable

Service Unavailable

The server is temporarily unable to service your request due to maintenance downtime or capacity problems. Please try again later.

Additionally, a 503 Service Unavailable error was encountered while trying to use an ErrorDocument to handle the request.