– مع اعتماد البرلمان لموازنة العام 2024/2025
لا صوت يعلو في البرلمان، خلال الربع الأخير من كل عام مالي (أبريل – يونيو)، على صوت مناقشة واعتماد خطة الدولة لإدارة الاقتصاد، بما يتطلبه ذلك من مناقشة وإقرار كل من: الموازنة العامة وخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
والموازنة العامة هي بيان تقديري تفصيلي معتمد يحتوي على الإيرادات العامة، التي يتوقع أن تحصلها الدولة، والنفقات العامة التي يلزم إنفاقها خلال سنة مالية قادمة، ومن ثم، فهي بمثابة برنامج مالي لخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، التي تعمل الدولة على تنفيذها خلال سنة مالية مقبلة في سبيل تحقيق أهداف محددة.
كتب : رمضان أبو إسماعيل
تستهدف خطة الدولة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالى 2024/2025، التى أعدتها الحكومة، واعتمدها مجلس النواب الأسبوع الماضى، تحقيق نمو اقتصادى مُستدام، والحفاظ على مُستويات تشغيل مُرتفعة، وتوفير مظلّة اجتماعيّة شاملة، وتحقّق الحماية بخاصةٍ للفئات مُنخفضة الدخل، وفى سبيل إدراك هذه الأهداف تعمل الموازنة الجديدة، التى تعدها وتنفذها وزارة المالية ويعتمدها البرلمان على تعزيز الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجًا، وتحسين مستوى معيشة متوسطى الدخل، والتعامل المتوازن مع الآثار التضخمية، مع الاستمرار فى ضبط أوضاع المالية العامة، وتحقيق الأمان المالى.
مستهدفات خطة التنمية
خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، تستهدف بحسب د. هالة السعيد، وزيرة التخطيط، الوصول بالناتج المحلى بالأسعار الجارية إلى 17.3 تريليون جنيه بنمو 24% عن الناتج المتوقع فى 2023/ 2024، وبالأسعار الثابتة 8.7 تريليون جنيه، بنمو 4.2% مقارنة بـ 2.9% متوقع العام الجاري، وأن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يتصدر القطاعات من حيث النمو بنحو 14.6%.
وتقدر الاستثمارات الكلية، وفقا للخطة بنحو 2.2 تريليون جنيه بنمو 34% عن العام الحالي، 48% منها استثمارات خاصة مقارنة بنحو 37% العام الحالي، وترجع الزيادة إلى استثمارات مشروع «رأس الحكمة»، وتفعيل وثيقة ملكية الدولة، وتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص؛ لتصبح الاستثمارات العامة المخطط لها فى حدود تريليون جنيه بنمو 6.4%، ومن ثم زيادة معدل الاستثمار من 11.9% إلى 13%.
وتعد خطة التنمية وموازنتها العامة بمثابة مقترح تقدمه الحكومة للبرلمان تحدد من خلاله منهج عملها؛ لتحقيق الأهداف المحددة فى العام المالى المحدد، وأنه بمجرد موافقة البرلمان على الخطة والموازنة يتحولان إلى قانون تلتزم الحكومة بتنفيذه دون إدخال أية تعديلات عليه إلا بسلك طرق معينة يحددها الدستور، ودوما يكون صاحب المقترح ملزم بتنفيذ ما اقترحه ثم تكون المرحلة اللاحقة، وهى الحساب الختامي، الذى يوضح مقدار نجاح الحكومة فى تحقيق ما خططت لإدراكه من خلال الخطة والموازنة.
التوظيف الجيد للاستثمارات
تستحوذ استثمارات تنمية رأس المال البشري، وفقا لـ «د. السعيد» على 42.4% من الاستثمارات الحكومية، حيث تستهدف الخطة تحقيق نمو قدره 53% فى استثمارات الخزانة للتنمية البشرية، و30% للبنية الأساسية، 25.4% فى استثمارات قطاع مياه الشرب والصرف الصحي، 7.1% فى أنشطة النقل والتخزين، وينتظر أن تتراجع معدلات البطالة إلى 7% مقارنة بنحو 7.2% متوقع العام 2023 /2024 بدفع من توفير الاستثمارات 900 ألف فرصة عمل.
تعمل خطة التنمية على إدراك مستهدفاتها من خلال التوظيف الجيد للاستثمارات، ففى مجال تعزيز إتاحة الخدمات الصحية تستهدف الخطة توجيه استثمارات عامة 68 مليار جنيه بنمو 50%، منها 57.6 مليار جنيه استثمارات حكومية، لإنهاء أعمال 58 مستشفى صحة وجامعي
(26% منها فى الصعيد)، وتطوير وتجهيز
55 مستشفى تتبع أمانــــة المراكــــز الطبية المتخصصة، واستكمال المدينة الطبية بمعهد ناصر، بما يسهم فى تحسن مؤشرات الأداء.
وفى مجال الارتقاء بالمنظومة التعليمية، تستثمر الخطة 71 مليار جنيه فى التعليم، وأن 87% من الاستثمارات حكومية، لإنشاء 16 ألف فصل جديد وإنشاء وإحلال 13 ألف فصل، وتطوير وإعادة تأهيل 3500 مدرسة، واستكمال مشروعات المبانى التعليمية والمدن الجامعية فى 27 جامعة حكومية، واستكمال تجهيزات الورش والمعامل فى 9 جامعات تكنولوجية.
تحسين الخدمات العامة
تعمل الخطة على توفير نظم نقل آمنة ومستدامة بتوجيه 35 مليار جنيه استثمارات حكومية للقطاع، وتوجيه استثمارت 179 مليار جنيه لأنشطة الزراعة والرى، وزيادة معدلات إتاحة خدمات مياه الشرب والصرف الصحي، من خلال توجيه 136 مليار جنيه استثمارات للقطاع، وتعزيز الاقتصاد المعرفى والرقمي، بتوجيه
21 مليار جنيه استثمارات للقطاع، وتخصيص 150 مليار جنيه استثمارات؛ لتنفيذ المرحلة الثانية من مشروع «حياة كريمة»، التى تستهدف 1667 قرية فى 52 مركزا فى نطاق 20 محافظة، يستفيد منها حوالى 22 مليون مواطن.
تدبير المخصصات المالية
وإدراك مستهدفات خطة التنمية مرهون بقدرة الموازنة العامة على تدبير المخصصات المالية، وتشهد الموازنة الجديدة، بحسب د. محمد معيط، وزير المالية، زيادة المصروفات العامة بنحو 29% لتصل إلى 3 تريليونات و870 مليار جنيه، بما يمثل 22.6% من الناتج المحلى، مع الحرص على استيفاء نسب الاستحقاق الدستورى للصحة والتعليم (10% من الناتج المحلى)، حيث بلغت مخصصات الصحة 496 مليار جنيه، والتعليم قبل الجامعى 565 مليار جنيه، والتعليم العالى والجامعى 293 مليار جنيه، والبحث العلمى 140.1 مليار جنيه.
وتكون أرقام الموازنة دوما بالأسعار الجارية دون استبعاد أثر التضخم، ومن ثم لا يعنى أبدا زيادة مخصصات الأجور -مثلا- أن الدخول الحقيقية للموظفين -مثلا- زادت على أثر هذه الزيادة فى مخصصات البند، وكذا زيادة مخصصات قطاعات الصحة والتعليم قد
لا يترتب عليها تحسن ملحوظ فى مستوى الخدمات نظرا لتراجع القيمة الحقيقية للانفاق بسبب زيادة معدلات التضخم، ودوما تضع الحكومات أثر الفجوات التضخمية عند وضع تقديرات الإنفاق المستهدفة فى الموازنة العامة.
وواصلت الموازنة جهود تحسين دخول المواطنين، بزيادة مخصصات الأجور إلى 575 مليار جنيه مقابل 494 مليارا متوقعة العام الجاري، لتمويل رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50% ليصل إلى 6 آلاف جنيه شهريًا، وزيادة أجور العاملين بالدولة والهيئات الاقتصادية بحد أدنى 1000 جنيه، وتخصيص 6.6 مليار جنيه لتعيين 120 ألفًا من أعضاء المهن الطبية والمعلمين والعاملين بالجهات الإدارية، وإقرار زيادات إضافية فى أجور المعلمين وأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم، وأعضاء المهن الطبية، وزيادة حد الإعفاء الضريبى بنسبة ٣٣٪، من ٤٥ إلى ٦٠ ألف جنيه.
وحافظ باب المنح والمزايا الاجتماعية على موقع متقدم بين البنود الأكثر استحواذا على النفقات، بنحو 636 مليار جنيه بزيادة قدرها 19.3%، ولم توقف إجراءات تحريك أسعار الخبز البلدى والمواد البترولية والكهرباء نمو مخصصات هذا الباب، وإن كانت نسبة زيادة مخصصات الدعم أقل من زيادة المصروفات العامة (29%)، وأن مخصصات الدعم توزعت بواقع 154.5 مليار جنيه لدعم المواد البترولية بزيادة 29.4%، و134.2 مليار جنيه للسلع التموينية، و40 مليار جنيه لمعاش التضامن الاجتماعى وتكافل وكرامة، بزيادة 22.5%، ونحو 74 مليار جنيه للقطاع الصحي.
تمويل برامج تحفيز الاقتصاد
وفى سبيل دعم قطاع الإنتاج والتصدير، خصصت الموازنة 40.5 مليار جنيه لتمويل برامج تحفيز النشاط الاقتصادى، أهمها 23 مليار جنيه مقابل الأعباء التصديرية، و6 مليارات جنيه مقابل خفض أسعار الكهرباء لقطاع الصناعة، وتحمل قيمة دعم الفائدة فى مبادرة التسهيلات التمويلية للقطاعات الإنتاجية بنحو 8 مليارات جنيه، و1.5 مليار جنيه قيمة الحوافز النقدية للمشروعات المتوسطة والصغيرة، و500 مليون جنيه لدعم استراتيجية صناعة السيارات، و1.5 مليار جنيه قيمة الضريبة العقارية، التى تتحملها الخزانة عن الصناع، ودعم المزارعين بمبلغ 657 مليون جنيه بخلاف دعم فائدة الرى الحديث بنحو 300 مليون جنيه.
وتضمنت الموازنة العامة المعتمدة، وفقا
لــ «د. معيط»، 496 مليار جنيه استثمارات عامة بزيادة قدرها 33%، وأن ما يميز الموازنة الجديد أن 44% من هذه الاستثمارات ممولة ذاتيًا، وتتوقف على توفير التمويل الذاتى لها وليس لها تأثير على زيادة عجز الموازنة، حيث تم وضع حد أقصى تريليون جنيه للاستثمارات العامة لكل أجهزة ومؤسسات الدولة دون استثناء لأى جهة خلال العام المالى المقبل، لمحاصرة العجز الكلى البالغ 1.2 تريليون جنيه، بنسبة 7.3% من الناتج المحلى مقابل 4% متوقع العام الجالي.
وتستهدف الموازنة العامة تحقيق فائض أولى 591.4 مليار جنيه بنسبة 3.5% مقابل فائض أولى 805.1 مليار جنيه تقديرات متوقعة بنهاية العام المالى الحالى بنسبة 5.75 % من الناتج المحلى؛ أخذًا فى الاعتبار أثر تحصيل 12 مليار دولار، تمثل 50% من إيرادات مشروع تطوير مدينة رأس الحكمة لصالح الخزانة العامة، الذى يعد موردًا استثنائيًا غير متكرر.
نمو الإيرادات الضريبية
وتقدر الإيرادات العامة بالموازنة المعتمدة، وفقا لـ «وزير المالية»، 2.6 تريليون جنيه تمثل 15.4% من الناتج المحلى، بزيادة 8.5% عن التقديرات المتوقعة فى العام المالى الحالي، بدفع من النمو الكبير فى الإيرادات الضريبية، التى تقدر بنحو 2 تريليون جنيه، بزيادة 30.5% مقارنة بالنتائج المتوقعة للحصيلة بالموازنة الحالية، بما يعكس جهود الميكنة لرفع كفاءة الإدارة الضريبية، وتوسيع القاعدة الضريبية، والتوسع فى تحصيل الضرائب المستحقة على التجارة الإلكترونية، خاصة المنصات العالمية غير المقيمة فى مصر والضرائب الدولية على الشركات متعددة الجنسيات، والسعى لتحقيق إيرادات غير ضريبية قدرها 599.6 مليار جنيه.
وتعمل وزارة المالية على تنفيذ استراتيجية محددة، أكثر استهدافًا لسرعة بدء خفض معدل دين أجهزة الموازنة العامة للدولة لأقل من 80% من الناتج المحلى بحلول يونيو 2027، وأن مجلس الوزراء حدد سقف دين أجهزة الموازنة العامة للدولة فى السنة الجديدة بمبلغ 15.1 تريليون جنيه، وبنسبة 88.2% من الناتج المحلى الاجمالى بنسبة 96% فى العام المالى 2022/ 2023، وأن المتوقع أقل من 90% بنهاية يونيو 2024، وأنه لا يمكن تجاوز هذا «السقف» إلا فى الحتميات القومية وحالات الضرورة بموافقة رئيس الجمهورية، مجلس الوزراء، مجلس النواب.
وتعتمد وزارة المالية فى تحسين إدارة الدين وتقليل المخاطر المتعلقة بإعادة التمويل من خلال خفض عجز الموازنة، عبر تنمية موارد الدولة مع ترشيد الإنفاق والحفاظ على تحقيق فائض أولى متزايد، وتسجيل معدلات نمو مرتفعة وتوجيه نصف إيرادات برنامج «الطروحات» لبدء خفض مديونية الحكومة، والنزول بمعدلات زيادة مدفوعات الفوائد، وخفض الاحتياجات التمويلية التى تتكون من العجز، وإطالة عمر الدين، ووضع «سقف» للضمانات، لما تشكله من التزامات محتملة على الموازنة، ومراجعة كل الضمانات والتفاوض على شروطها، والعمل على خفض رصيد الضمانات السيادية ابتداءً من العام المالى المقبل.
موافقة برلمانية مشروطة
لم تكن موافقة البرلمان على خطة التنمية وموازنتها العامة مطلقة، فى رأى د. فخرى الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، بل حرصت اللجنة أن تضمن تقريرها حول مشروع الموازنة العامة عددا من التوصيات التى تطالب الحكومة بضرورة السعى لإداركها فى سبيل علاج مشكلات ذات صلة بموازنة الدولة.
وكان من أهم هذه التوصيات، ضرورة العمل على تحويل الهيئة العامة للثروة المعدنية من هيئة خدمية إلى هيئة اقتصادية، لتعظيم العائد، واتخاذ الإجراءات اللازمة لحوكمة نظام الحد الأقصى لدخول العاملين بأجر لدى الدولة، والاستعانة بمساعدى ومعاونى الوزراء والمستشارين والخبراء بالجهات الداخلة فى الموازنة العامة للدولة فى أضيق الحدود، وقيام وزارة التربية والتعليم باتخاذ ما يلزم للسيطرة على تكلفة طباعة الكتاب المدرسي.
وجاء من بين التوصيات، بحسب د. الفقي، ضرورة العمل على حوكمة منظومة الدعم الخاصة بالسلع التموينية والخبز وتحويل الدعم إلى دعم رقمي، وقيام وزارة الكهرباء بتطوير آلية اكتشاف سرقة التيار الكهربائى لتقليل الخسائر، وقيام وزارتى المالية والكهرباء بمنح حوافز للتوسع فى إنشاء محطات الطاقة الشمسية، وتنظيم الاقتراض الخارجى والحد منه والإدارة الجيدة لملف الدين العام، والتوسع فى نشاط هيئة تنمية الصعيد لعمل مشروعات تنموية جادة بما يحقق الغرض من إنشائها، والعمل على بذل مزيد من الجهد لتمكين القطاع الخاص فى تنفيذ المشروعات الاستثمارية للدولة باعتباره شريك أصيل فى تعزيز التنمية الشاملة المستدامة.