رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

مرثية في عشق الشهيدة

465

يحكى شاعر الحب وعاشق المرأة وساحر النساء نزار قبانى عن قصة لقائه بحبيبة عمره بلقيس الراوي، فيقول:” بلقيس هى كنز عظيم عثرت عليه مصادفة، حيث كنت أقدم أمسية شعرية فى بغداد عام 1962.. وقصتنا ككل قصص الحب فى المدن العربية جوبهت بـ (لا) كبيرة جداَ.. كان الاعتراض الأقوى على تاريخى الشعري، وكانت مجموعاتى الغزلية وثائق أشهرها أهل بلقيس ضدي.

ويتابع:” القبائل العربية كما نعرف لاتزوج بناتها من أى شاعر تغزل بإحدى نساء القبيلة، ولما يئست من إقناع شيخ القبيلة بعدالة قضيتي.. ركبت الطائرة وسافرت إلى إسبانيا لأعمل دبلوماسياَ فيها لمدة ثلاث سنوات، وخلال هذه السنوات الطويلة كنت أكتب لبلقيس، وكانت تكتب لي.. رغم أن بريد القبيلة كان مراقباَ… وبعد أول لقاء لنا بــ6 سنوات ذهبت إلى بغداد بدعوة رسمية للاشتراك فى مهرجان المربد.. وهناك ألقيت قصيدة من أجمل قصائدى كانت (بلقيس الراوي) بطلتها الرئيسية :

مرحباَ ياعراق، جئت أغنيك

وبعض من الغناء بكاء

أكل الحزن من حشاشة قلبي

والبقايا تقاسمتها النساء

بعد هذه القصيدة التى هزت بغداد فى تلك الفترة، تعاطفت الدولة والشعب العراقى مع قضية نزار وتولى القادة البعثيون خطبة بلقيس من أبيها، وكان على رأس الوفد الحزبى الذى ذهب إلى بيت الراوى فى (حى الأعظمية) لطلب يد بلقيس، وزير الشباب ووكيل وزارة.

ومع بلقيس شعر نزار أنه يعيش فى حضن أمه، فقد أدركت بلقيس أن نزار مثل كثير من الرجال يحتاج إلى امرأة تكون فى المقام الأول (أم) ثم بعد ذلك زوجة فظلت تعامله كطفل وتعوضه عن بعده عن أمه، فقد كان كثير التنقل ولذا نجد نزار يكتب لها قصيدة بمناسبة مرور عشر سنوات على زواجهما يقول فيها :

أشهد أن لا امرأة

أتقنت اللعبة إلا أنت

واحتملت حماقتي

عشرة أعوام كما احتملت

وقلمت أظافري..

ورتبت دفاتري

وأدخلتنى روضة الأطفال

إلا أنت

وفى عام 1981.. ماتت بلقيس تحت أنقاض السفارة العراقية فى بيروت على إثر انفجار هائل وقع بها.. ويصف نزار قبانى هذه اللحظة قائلا (كنت فى مكتبى بشارع الحمراء حين سمعت صوت انفجار زلزلنى من الوريد إلى الوريد ولا أدرى كيف نطقت ساعتها : ياساتر يارب.. بعدها جاء من ينعى إلى الخبر.. السفارة العراقية نسفوها.. قلت بتلقائية بلقيس راحت.. شظايا الكلمات مازالت داخل جسدي.. كانت بلقيس واحة حياتى وملاذى وهويتى وأقلامي.

ويطلق الشاعر صرخة حزن مدوية، فى قصيدة تعد من أطول القصائد المرثية التى نظمها نزار قباني، وهى قصيدة بلقيس :

شُكْرَاً لَكُمْ.. شُكْرَاً لَكُمْ

فحبيبتى قُتِلَتْ وصارَ بوسْعِكُم

أن تشربوا كأساً على قبرِ الشهيدة

وقصيدتى اغتيلت ..

وهَلْ من أُمَّةٍ فى الأرضِ ..

– إلاَّ نحنُ – تغتالُ القصيدة ؟