رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

«إن شاء الله ولد»  .. البحث عن منطق!

416

يمكن أن تصف الفيلم الأردنى “إن شاء الله ولد”، تأليف وإخراج أمجد الرشيد، بالجرأة والجسارة، والتعاطف غير المشروط مع المرأة، والدفاع عن حقها فى حياة آمنة ومستقرة، فى ظل قهر المجتمع الذكوري، ويمكنك أيضا أن تتحدث عن نظرة انتقادية واضحة للقوانين الخاصة بالحياة الأسرية، وخاصة فيما يتعلق بالميراث، ولكن كل ذلك لا يلغى مشاكل كثيرة فى بناء الفيلم دراميا، وفى التأسيس لشخصية بطلة الفيلم، محور الحكاية، بما يؤدى إلى التعاطف مع وجهة نظرها وتصرفاتها، فالقضايا لا تكون عادلة بالعاطفة وحدها، ولا يكفى أن يكون مؤلف الفيلم مقتنعا وحده بمنطق بطلته، ولكن عليه أن يقدم أيضا منطقا يقنع الجمهور بما تفعله، وفيلمنا، الذى عرض فى العام 2023 فى مهرجان كان، يفتقد مع الأسف لكل ذلك، رغم وجود عناصر متميزة كثيرة، أولها التمثيل، وخصوصا أداء بطلة الفيلم الممثلة الفلسطينية منى حوّا.

منذ اللقطة الأولى التى تستعرض فيها الكاميرا مبانى المدينة، ثم تتوقف عند قطعة ملابس داخلية نسائية، تحاول بطلتنا أن تستعيدها بعد أن وقعت، ندخل مباشرة إلى مغزى الحكاية، حيث تفشل السيدة الخائفة من أن يراها أحد فى استعادة القطعة، التى تسقط فى الشارع، فيلتقطها أحد الرجال، ويحتفظ بها، بينما تسرع السيدة إلى الداخل، وهى خائفة وخجولة.

بداية رمزية مدهشة فى بساطتها، وفى تحديد وضع المرأة من خلال فعل بسيط للغاية، ولكنه دال على ظروف المرأة فى مجتمع ذكوري، وبعد مشاهد قليلة تتضح مشكلة بطلتنا الممرضة، التى أنجبت طفلة من زوجها عدنان، ولكنه يموت فجأة، تاركا ميراثا محدودا، لا يزيد على البيت التى تسكن فيه مع ابنتها، وسيارة لم تسدد بقية أقساطها، التى كان يدفعها عدنان لشقيقه.

الفيلم يتجه بعد ذلك إلى التعقيد التفصلى حول مسألة الميراث، ومن خلال شقيق عدنان، وشقيق المرأة، يدور صراع طويل على الميراث، وبينما نتعاطف مبدئيا مع امرأة مات زوجها فجأة، وعليها أن تواجه الحياة، بعمل مؤقت فى رعاية سيدة عجوز مصابة بالزهايمر، نكتشف تدريجيا أن السيناريو لم يؤسس بصورة جيدة للأساس القانونى والمنطقى لدفاع السيدة عن حقها، فهى لا تمتلك ورقة تثبت فيها أنها سددت من مالها بعض أقساط السيارة، وهى غير قادرة على تسديد الأقساط  الباقية لشقيق زوجها، الذى يعانى من ضائقة مالية صعبة، ورغم اقتراحه أن تبيع السيارة، فإنها ترفض، أى إنها لا تستطيع تسديد الأقساط، ولا تريد بيع السيارة، ثم تقع فى مشكلة أكبر، عندما تزعم أمام القاضى أنها حامل، وبالتالى تؤجل تقسيم التركة، فإذا أنجبت ولدا، يمكن لهذا الولد أن يمنع مشاركة شقيق الزوج فى الميراث.

يمكن تفهم دفاع المرأة عن بيتها الذى يريد شقيق زوجها أن يمتلكه وفق الميراث، ويمكن أيضا فهم شعورها بالقهر لأنها لا تمتلك ورقة تثبت بها ما دفعته لزوجها من أقساط السيارة، ولكن ما لا يمكن تفهمه أن يؤدى هذا الدفاع عن الحق إلى كوارث قانونية، يمكن أن تدمر حياتها، فتتفق مع قريبة المرأة العجوز التى تعمل عندها، بأن تشاركها فى لعبة تحليل مفبرك يثبت أنها حامل، فى مقابل أن تقوم بطلتنا بالذهاب مع قريبة العجوز، لكى تجهض الأخيرة نفسها، بعد أن حملت القريبة من زوج يخونها باستمرار!

علاج الأزمة، وحل المشكلة بمشكلة أكبر، تصل عقوبتها إلى السجن، ورفض بطلة الفيلم محبة زميل لها فى علاج المرأة العجوز، وتصميمها على السير فى طرق يمكن أن تؤدى إلى سجنها، كل ذلك يجعل قضيتها فى موقف ضعيف.

هى معها الحق عاطفيا وإنسانيا، ولكنها لا تمتلك عقلا ولا ذكاء تحصل بهما على هذا الحق، مما يجعل مسألة قدرتها على رعاية طفلتها موضع شك، ويزيد الأمر سوءا، أن أمجد الرشيد، صاحب القصة والمشارك فى السيناريو، جعلنا أمام حشد من التعقديات المتتالية، فهناك أولا أقساط لم يدفعها الزوج، ويجب تسديدها، وهناك ثانيا مسألة البيت، هل يباع أم لا؟، وهناك ثالثا مسألة السيارة هل تباع أم لا؟، وهناك رابعا مسألة ادعاء الحمل الكاذب، وهناك خامسا ضرورة إنجاب ذكر بالتحديد، حتى يحجب الذكر حق شقيق الزوج فى الميراث.

لا أجادل فى أن الفيلم يريد أن يقدم أطيافا من المظالم الواقعة على المرأة، ولكنى أجادل فى الطريقة التى تكدست بها المشكلات، دون أن يفلح السيناريو بالمقابل أن يجعل بطلته تمتلك العقل أو الذكاء  اللازمين لإدارة كل هذه المعارك، وهى تتحرك طوال الوقت بعاطفتها، دون خبير قانونى مثلا، ودون أى فهم من أى نوع، وكلها أمور كارثية، تجعل مصيرها السجن على الأرجح، بينما اختار الفيلم تدخلا سماويا فى النهاية لحل مشكلتها، وهو تدخل مؤقت، لأن المعضلة فى طريقة إدارة المرأة لحياتها.

من ناحية أخرى، فإن شيطنة كل رجال الفيلم لم تكن موفقة، الزوج المتوفى نفسه له ماض غامض، وفصل من عمله دون أن تعرف زوجته، وسبب الفصل غير معروف، وهناك رقم مجهول يتصل بتليفونه بعد موته، وشقيق البطلة ضعيف ولا يريد مشاكل، وزوج قريبة المرأة العجوز خائن ومتعدد العلاقات، ورجل فى الشارع يعاكس بطلتنا فى الذهاب والإياب، وشقيق الزوج يريد انتزاع المنزل، رغم أنه شخص عقلاني، ولا يريد أن يؤذى زوجة شقيقه، أو ابنتها، والوحيد الذى يبدو إيجابيا، وهو زميل المرأة الذى يحبها، ويتمنى أن يرتبط بها، ترفضه بطلتنا دون مبرر، وتقرر عدم الإرتباط به!

لا يمكن أن تنقل أفكارا إلا عبر دراما مقنعة، وفيلم “إن شاء الله ولد” يمتلك أفكارا جريئة عن أحوال المرأة، فى مجتمع ذكورى بائس، ولكنه لا يمتلك دراما متماسكة، ومنطقا قويا يدعم عدالة قضية بطلته، فلا يمكن الدفاع عن قضية بكارثة أكبر، ولا يمكن أن تدار معركة المرأة المعقدة، وعلى جبهات كثيرة، بمثل هذه العشوائية، ولا يوجد منطق فى أن ترفض المرأة مساعدة الرجل الذى يحبها، ولا معنى لأن تحافظ المرأة على حقها، بعدم دفع حقوق الآخرين، وحصول المرأة على ميراث زوجها كاملا، مع تورطها فى قضية تؤدى بها إلى السجن، هو حل ساذج وغبي.

السماء تدخلت لإنقاذ المظلومة مؤقتا، والمرأة تخلصت من الفأر الذى يسكن فى المطبخ، ولدينا ممثلة ممتازة عبرت عن ألوان مختلفة من تقلبات بطلتنا فى رحلتها الصعبة، ولكن المشكلة فى كارثية الطريقة اللازمة لاسترداد الحق، وليست فى الحق نفسه.

المشكلة فى أن غباء المرأة لن يقضى على ظلم الرجال، بل إنه سيضاعفه، وسيزيده تعقيدا.