كنت أتصفح أحد مواقع التواصل الاجتماعي بعد يوم طويل من العمل، أحاول الخروج من إرهاق اليوم وضغوط العمل بمشاهدة بعض المقاطع المصورة التي تحمل بعضا من طرافة، أو مشاهد لطيفة، قبل أن يصادفني أحد تلك المقاطع لاثنين من فنانينا الكبار الراحلين، وهما محمد فوزي وعبد الحليم حافظ، وقد استخدم صانع المقطع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، لإظهار الراحلين في شكل حديث خلال مرحلة الشباب وقد بدا كل منهما على قدر كبير من الوسامة والأناقة.

علا عبد الرشيد

الحقيقة أن المقطع أعجبنى بشدة، بل أننى رحت أعيده مرات ومرات، خاصة وقد صاحبه عدد من أغانيهما التى مازالت باقية فى وجدان كل منا، ولكنى فجأة توقفت وأنا أسأل نفسى ماذا لو استخدمت تلك التقنية، مع هؤلاء الراحلين فى صناعة مقاطع مسيئة، وماذا لو حدث هذا لأحد معارفى أو حتى لى أنا شخصيا، والأمر بسيط من خلال سرقة هويتى الرقمية على الإنترنت.

تعريف الهوية الرقمية

ولمن لا يعرف، فالهوية الرقمية هى جميع البيانات والنشاطات، التى نشرها ويمارسها المستخدم على الإنترنت والتى تعكس حقيقته، بداية من معلوماته الشخصية كالاسم وتاريخ الميلاد، والجنس، والوظيفة، ومرورا بالأنشطة المختلفة التى يمارسها عبر الإنترنت كالألعاب ونوعية الموسيقى التى يستمع إليها، والمواقع التى يتصفحها ونوعية المعلومات التى يهتم بالبحث عنها وقراءتها، وحتى الصور التى ينشرها وصولا لمعلومات حساباته البنكية من خلال عمليات الشراء الإلكترونية، جميع تلك المعلومات وغيرها تكون الهوية الرقمية لكل فرد معرضة للسرقة بعد الوفاة.

والحقيقة أن تساؤلاتى لم تكن غريبة، فقد كشفت دراسة حديثة بعنوان «الإثارة، والخرافة وانعدام الثقة الكبير – كيف يتفاعل المستهلكون العالميون مع العالم الرقمى» من خلال استطلاع رأى أجرته شركة الأبحاث أرلينجتون، لصالح كاسبرسكى، أن 61 %من المستخدمين فى الشرق الأوسط و تركيا و أفريقيا يعتقدون أن هويات المتوفين معرضة للسرقة.

فى حين يجد 37% من المستخدمين باستطلاع الرأى أن إعادة إنشاء حضورهم عبر الإنترنت بواسطة الذكاء الاصطناعي،  أمر مقبول، يعارض37 % منهم ذلك بشدة، مما يبرز القضايا غير المحسومة بشأن الخصوصية والاحترام فى العالم الرقمى.

قصص المتوفين

ووفق النتائج أيضا، يعتقد 67% من المستخدمين فى الشرق الأوسط وتركيا وإفريقيا أن رؤية صور أو قصص عن المتوفين قد تكون مزعجة للمقربين منهم.

ومع ذلك، يعتقد47% من المستخدمين،  أنه ليس هناك حد زمنى للعثور على كل صورة، أو مقطع فيديو، أو تسجيل صوتى متعلق بشخص معين يُنشر عبر الإنترنت.

وبلغ إجمالى عدد مستخدمى الإنترنت حول العالم 5.45 مليار شخص فى بداية يوليو 2024، تعادل 67.1% من إجمالى سكان العالم، كما أوضح تقرير الملخص العالمى الرقمى لعام 2024، والذى أجرته شركة « كيبيوس»، ويعنى هذا الرقم الذى وصفته الشركة بـ «المثير للإعجاب»، أن مستخدمى الإنترنت أصبحوا الآن يشكلون «أغلبية عظمى»، حيث أصبح عدد الأشخاص الذين يستخدمون الإنترنت أكثر من ضعف عدد الأشخاص الذين لا يستخدمونه.

معدل أعلى

ويستمر عدد مستخدمى الإنترنت فى النمو أيضًا، حيث تشير أحدث البيانات إلى أن عدد سكان العالم المتصلين بالإنترنت ارتفع بـ 167 مليون مستخدم فى نفس المدة من يونيو 2023 إلى يونيو الماضي، وبمعدل نمو سنوى قدره 3.2%، وعلاوة على ذلك، فإن التأخير المنتظم فى معالجة ونشر الأبحاث المتعلقة بتبنى الإنترنت يعنى على الأرجح أن معدل النمو الحقيقى قد يكون أعلى مما تشير إليه هذه الأرقام الأخيرة.

ويستخدم 95% من مستخدمى الإنترنت وسائل التواصل الاجتماعى شهرياً، كما أشار «الملخص العالمى الرقمي» لشركة « كيبيوس، قبل أن توضح أن  الفترة بين شهرى يوليو 2023 ويوليو من العام الجاري، شهدت زيادة فى عدد الهويات عبر الإنترنت بمقدار 282 مليون هوية،  بنسبة نمو 5.8 %، ليصل العدد الإجمالى لـ «هويات» مستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى النشطين إلى 5.17 مليار فى يوليو 2024، مرجعة تلك الزيادة الكبيرة لتزايد عدد المتفاعلين عبر الإنترنت وتوسع بصماتهم الرقمية، ما يزيد أهمية محاذير الخصوصية، والإرث، والاستخدام الأخلاقى للهويات الرقمية.

مستخدمون جدد

وانضم 282 مليون مستخدم جديد إلى وسائل التواصل الاجتماعى بين يوليو 2023 ويوليو 2024، وهو ما يعادل نموًا يزيد على 770 ألف مستخدم جديد كل يوم، ما يعنى زيادة فى مستخدمى  وسائل التواصل الاجتماعى بمتوسط  8.9 مستخدم جديد كل ثانية منذ هذه الفترة من العام الماضى.

ومع ذلك، فإن أكثر من 86% من الجمهور «البالغ» الذين تتراوح أعمارهم بين 18 عاماً فأكثر يستخدمون بالفعل منصة واحدة على الأقل من منصات التواصل الاجتماعى كل شهر، لذا يتعين علينا أن نتوقع نمواً أكثر تواضعاً فى عدد المستخدمين من الآن فصاعداً.

يوتيوب فى الصدارة

وتشير نتائج الاستطلاع كذلك،  إلى أن الناس يقضون نحو 14% من حياتهم أثناء اليقظة فى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وبحسبة تقريبية، فإن العالم يقضى أكثر من 12 مليار ساعة فى استخدام منصات التواصل الاجتماعى كل يوم، وهو ما يعادل أكثر من 1.38 مليون سنة من الوجود البشري.

وتشير  بيانات ذكاء التطبيقات من data.ai إلى أن يوتيوب، فى صدارة التطبيقات الذين يمتلكون العدد الأكبر من المستخدمين النشطين، يليه «واتسآب» ثم «فيسبوك»، حيث تشير هذه البيانات إلى أن منصة المراسلة الأولى لشركة «ميتا» لديها عدد أكبر من مستخدمى التطبيقات النشطين مقارنة بشبكة التواصل الاجتماعى الأولى لديها، ومع ذلك، تشير أرقام data.ai إلى أن جمهور «يوتيوب» أكبر بنسبة 20 % تقريبًا من جمهور منصتى «ميتا».

وحلت منصة إنستجرام رابعا، حيث يعادل عدد مستخدميها النشطين ما يقرب من 70 % من قاعدة مستخدمى التطبيق النشطين على يوتيوب، فيما احتل تطبيق «ماسنجر» المرتبة الخامسة ويعادل عدد مستخدميها النشطين أكثر من نصف قاعدة مستخدمى التطبيق النشطين على يوتيوب.

وأخيرا جاء «تيك توك»، فى المركز السادس فى أحدث تصنيف، لكن أرقام data.ai تشير إلى أن قاعدة مستخدمى التطبيق النشطين على المنصة لا تزيد عن 44.7 % من حجم قاعدة مستخدمى يوتيوب.

فيسبوك يتربع

على الجانب الآخر، تشير الأرقام التى نشرتها المنصات نفسها إلى أن فيسبوك لديه أكبر عدد من المستخدمين النشطين شهريًا، وبغض النظر عن التحذيرات، تشير هذه المجموعة من البيانات إلى وجود ست منصات للتواصل الاجتماعى الآن (3 منها تابعة لـ ميتا)، يزعم كل منها أن لديه مليار مستخدم نشط شهريًا أو أكثر.

وفى التفاصيل تشير الأرقام، إلى أنه لدى فيسبوك 3.07 مليار مستخدم نشط شهريًا، مقابل 2.50 مليار مستخدم لـ يوتيوب، و2 مليار لـ واتسآب، و مثلهم لـ إنستجرام، و 1.60 مليار مستخدم لـ تيك توك، و 1.63 مليار لـ وى تشات، و977 مليون مستخدم لـ ماسنجر، و 900 مليون لـ تليجرام، و800 مليون لـ سناب شات، و 755 مليون مستخدم لـ دوين.

طرق سرقة

ويمكن سرقة الهوية الرقمية لأى شخص، كما توضح «مايكروسوفت»، من خلال عدة طرق تتضمن، رسائل التصيد الاحتيالى، حيث يحاول لصوص الهوية خداع المستخدم عن طريق إرسال رسالة بريد إلكترونى زائفة أو رسالة عبر الهاتف تتضمن رابط بمجرد الضغط عليه تصبح أسيرا لمرسلها، أو من خلال البرامج الضارة التى يتم زرعها على جهازك بشكل سرى تسمح للصوص بجمع كلمات المرور أو أرقام الحسابات.

من الآليات التى يستخدمها لصوص الهوية الالكترونية، انتهاكات البيانات التى تحدث عندما يهاجمون إحدى الجهات لسرقة المعلومات الشخصية للمتعاملين معها والتى قد يصل عددهم للملايين إذا كانت تلك الجهة حكومية خدمية،  وأخيرا المشاركة الزائدة، إذ تعد وسائل التواصل الاجتماعى جزءا لا يتجزأ من حياتنا وتجعل من السهل مشاركة الصور ومقاطع الفيديو والمنشورات وغيرها من المعلومات الشخصية، وللأسف يمكن للصوص فى بعض الأحيان العثور على تلك المعلومات واستخدامها للمساعدة فى سرقة هويتك.

تعليمات فى الوصية

وبما أن الإجراء الوحيد الذى يمكن للمستهلكين اتخاذه للتحكم فى بصمتهم الرقمية بعد الموت يتمثل فى تضمين تعليمات فى وصيتهم، يعتقد 66% من الأشخاص فى الشرق الأوسط و تركيا وإفريقيا أنه يجب لمن يمتلك حضوراً عبر الإنترنت أن يحدد فى وصيته ما يجب فعله ببياناته وحساباته الاجتماعية.

و«غالباً ما يتم تجاهل عملية إدارة البصمة الرقمية فى الأنشطة اليومية عبر الإنترنت»، كما ترى آنا لاركينا، المتخصصة فى تحليل محتوى الويب فى كاسبرسكي، قبل أن تستطرد: «ومع ذلك، تؤكد نتائج الاستطلاع الذى شمل 10 آلاف مشارك لاستكشاف آراءهم بشأن الخرافات الرقمية الحالية، ودور الذكاء الاصطناعى فى حياة الإنسان، وعملية الخلود الرقمى من مختلف دول العالم، على نقطة بالغة الأهمية، حيث يدرك عدد كبير من المشاركين إمكانية تسبب الهويات المسروقة فى مشاكل شخصية هائلة للمستخدمين أو أحبائهم».

تدابير استباقية

كما رأت «آنا»، أنه نظراً لهذه المخاطر، فمن الحكمة اتخاذ تدابير استباقية لتعزيز الخصوصية وحماية الهويات الرقمية. وبذلك، يمكن للأفراد ضمان أمن واحترام حضورهم عبر الإنترنت، أياً كان الأمر، موصية لتعزيز خصوصية المستخدمين،  باستخدام حل أمنى حديث لمراقبة البيانات الشخصية التى تعالجها التطبيقات بسهولة والحد من جمع البيانات إذا تطلب الأمر، فضلا عن الحفاظ على تحديث نظام التشغيل، والمتصفح، وأى برمجية أمنية، إذ غالباً ما تتضمن التحديثات إصلاحات للثغرات الأمنية التى يمكن استغلالها.

واختتمت بأنه نظراً لأن جميع الخدمات عبر الإنترنت لا تكشف عن البيانات التى تجمعها وطريقة استخدامها، فإن اتباع تعليمات أداة التحقق من الخصوصية عبر الإنترنت، تساعد فى الحد من كمية المعلومات التى تتم مشاركتها عبر الإنترنت.