رئيس التحرير
عندما يحاول البعض تغييب عقول العالم
By m kamalيونيو 10, 2025, 14:27 م
325
نشر وليام كوبر كتابه «Behold a Pale Horse» فى عام 1991 ونشر ملحقا معه أطلق عليه وثيقة «الأسلحة الصامتة لخوض حرب هادئة»
(Silent Weapons for Quiet Wars) وهى إحدى أدوات السيطرة على الشعوب؛ جاء من بين تلك الأسلحة الإعلام، ضمن عمليات الحرب النفسية، لإرهاق الشعوب قبل عملية السيطرة عليها.
ورغم أن الوثيقة نسبت للمفكر الأمريكى «نعوم تشومسكى»، إلا أن البعض زعم أنه لم يتأكد قيام «تشومسكى» بكتابة تلك الوثيقة؛ فى الوقت الذى نجد معظم ما تحدثت عنه الوثيقة من خطط لضرب استقرار الدول؛ واستراتيجيات تستهدف السيطرة على عقول واقتصاديات الشعوب، تتحول إلى واقع.
فمعركة إسقاط الاتحاد السوفيتى من قبل الغرب كانت أحد أهم أسلحتها، الثقافة والإعلام والاقتصاد.
فتفكك الاتحاد فى 26 ديسمبر 1991 بعد 69 سنة من تأسيسه، ليعلن نجاح الأسلحة الصامتة فى حسم نتائج الحروب.

خلال العقود الثلاثة الأخيرة تعمد العديد من القوى الكبرى، والدول إلى استخدام تلك الأدوات لتغييب العقول والسيطرة عليها، فى حرب تعد من أكثر الحروب ضراوة رغم بعدها عن ميادين العمليات العسكرية.
محاولات استهداف متكررة بين الحين والآخر، مرة لجس نبض الشعوب ومدى تهيئتها لاستقبال تلك المؤثرات من أجل الانقضاض على الدول؛ وأخرى لمواصلة خطة تغييب العقول ورسم صور غير دقيقة وتقديم مشهد زائف لإيهام جمهور المتلقين بأنه واقع.
عاصفة قوية من تلك الحرب واجهتها مصر خلال العقد ونصف العقد الأخير وبالتحديد منذ 2011 وحتى الآن.
ترتفع درجة حرارة المعركة عندما تدرك القوى المسئولة عن إدارة الحرب الصامتة من قوى الشر، أن الدولة المصرية تخطو بثبات فى مواجهة التحديات.
فرغم التحديات الاقتصادية تواصل مصر التأكيد على استقلال قرارها السياسى، والاقتصادى، ليس بالإعلان عبر القنوات الرسمية فقط بل وبالإجراءات، لتظل متمسكة بثوابتها الراسخة، مدافعة عن قضاياها الوطنية وعلى رأسها قضيتها المركزية «القضية الفلسطينية»، مؤكدة أنه لا سلام فى الشرق الأوسط بدون حل القضية وإعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
بل والتأكيد على أن الأمن القومى العربى جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى، وأن ما تمتلكه الدولة المصرية من قوة وقدرة يجعلها قادرة على تنفيذ قرارها «مسافة السكة».
(1)
فى 26 مايو الماضى نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية موضوعا كتبه اللواء فى الاحتياط يتسحاق بريك، تناول من خلاله تقديم صورة تحريضية ضد الدولة المصرية، الموضوع الذى تصدرته صورة لإحدى ناقلات الدبابات المصرية فى سيناء، حاول «يتسحاق» بين سطوره رسم سيناريو أن مصر تجاوزت ما تم الاتفاق عليه فى عملية السلام مدعيا أن ما تقوم به مصر فى سيناء هو خرق للاتفاقية وهو ما يعد جزءا من التضليل الإعلامى الذى تمارسه إسرائيل وتقدمه إلى العالم، فمصر تحافظ على أمنها القومى وهو حقها الذى لا يمكن أن تتنازل عنه، وفق القوانين والمواثيق الدولية، كما أن اتفاقية السلام لم تحظر على مصر أن تقوم بعملية تنمية شاملة فى كافة ربوع سيناء، هذا الجزء الغالى من أرض الوطن، الذى رويت رماله بدماء الشهداء، وما تقوم به الدولة المصرية من تعمير وتنمية لسيناء هو بناء للحياة، مستهدفا التعمير لا التدمير.
«بريك» لم يدرك أن محاولات قلب الحقائق وتزييف الواقع لم تعد مقبولة، كما أن مصر دولة ذات سيادة ومن حقها أن تقيم علاقات، على كافة المستويات، مع كافة دول العالم وفق ما تراه يتوافق مع مصالحها، خاصة أن ما شهدته مصر خلال الأربعة عشر عاما الأخيرة جعل كافة الدول بدءا من القوى الكبرى تحرص على بناء علاقات قوية معها.
أما ما تحدث عنه «يتسحاق» فى مقاله فهو محاولة للتغطية على جرائم الحرب التى ترتكبها إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وهو ما ترفضه مصر وتدعو العالم لتحمل مسئوليته فى مواجهة أكبر جريمة حرب فى العصر الحديث.
كما أن رفض مصر لأى محاولة لتصفية القضية الفلسطينية يأتى فى إطار حرصها على أن يحصل أصحاب الحق فى الأرض على دولتهم المستقلة، وهذا ما يرسخ للسلام الحقيقى إذا كانت إسرائيل تبحث عن السلام.
لقد حاول يتسحاق خلط الأوراق زورا، فتجاهل الجرائم الإسرائيلية والعربدة المتواصلة منذ الثامن من أكتوبر 2023 وما قبلها من جرائم يرتكبها جيش الاحتلال ضد الفلسطينيين، ليزعم أن رفض مصر تعيين سفير جديد لها فى إسرائيل، يأتى فى إطار خطة العدوان؛ لكن الحقيقة أن مصر رفضت تعيين سفير جديد لها فى إسرائيل، كما رفضت تعيين السفير أورى روتمان سفيرا لإسرائيل لدى القاهرة؛ احتجاجا على ما تقوم به حكومة نتنياهو ضد الشعب الفلسطينى من قتل وتدمير وتهجير وعمليات تجويع من أجل قتل الفلسطينيين وتصفية القضية.
لقد حذرت مصر من نتائج أى محاولة لتهجير الفلسطينيين عن أرضهم أو مواصلة استمرار هذه المجازر المرتكبة من قبل قوات الاحتلال لأن نتائج تلك الأعمال ستكون كارثية وسيدفع الجميع ثمنها ولن يتحقق السلام فى تلك المنطقة، فما يحدث لن يصنع سوى مزيد من العنف.
إن حكومة نتنياهو تحتاج إلى قراءة الرسالة المصرية والموقف المصرى بشكل صحيح؛ كما عليها أن تدرك بشكل قاطع أن الفلسطينيين لن يتنازلوا عن أرضهم، كما أن مصر لن تتوانى عن دعم القضية الفلسطينية لأن ثوابتها الدفاع عن الحق ودعم السلام المبنى على العدل.
إن مقال «يتسحاق بريك» البالغ من العمر 87 عاما، والذى كان يخدم فى سلاح المدرعات بالجيش الإسرائيلى، ليس سوى جزء من محاولات التغطية الإسرائيلية على الجرائم المرتكبة ضد الشعب الفلسطينى.
(2)
عقب نشر مقال «يتسحاق بريك» فى معاريف بثلاثة أيام نشرت مجلة The Economist البريطانية، وبالتحديد فى 29 مايو الماضى مقالا، بلغت عدد كلماته 1200 كلمة، منها 400 كلمة عن مصر، بل إن مقدمة المقال غير الموقع باسم أى من الصحفيين أو مراسلى المجلة، كشفت عن تفاصيل كثيرة وراء نشره وسبب اختيار التوقيت.
فمن المتعارف عليه صحفيا أن توقع المادة المنشورة باسم ها، أو يتم الإشارة إلى أنها مادة إعلانية مدفوعة، وذلك وفق الضوابط والأعراف الصحفية الدولية، ومواثيق العمل الصحفي، لكن مقال الإيكونوميست الذى لم يكن الأول ولن يكون الأخير هو جزء من سلسلة مقالات مدفوعة الأجر من قوى الشر. مستهدفة تزييف الوعى وتغييب عقول العالم، فهى مادة مقدمة باللغة الإنجليزية وفى صحيفة تعد من أهم الصحف البريطانية، لكن ما ليس معلوما لدى الكثيرين أن الصحيفة يمارس على صفحتها أكبر عمليات الأسلحة الصامتة.
فالمقال جاء بمثابة تحليل للمشهد فى منطقة الشرق الأوسط عقب زيارة الرئيس الأمريكى للمنطقة وهو أمر يبدو طبيعيا لكن محتوى المقال ومفرداته كشف من يقف وراء نشره.
فالمقال المقدم من مكتب الصحيفة فى دبى لم يقدمه مراسلها بدبى «جريج كارلستروم» بل اكتفت الصحيفة بمصدر المقال دبى، ليظن البعض أن المقال حرره عدد من الصحفيين، ولكن لو صدق ذلك لنشرت الصحيفة أسماءهم، فهناك العديد من المقالات التى تنشرها الصحيفة موقعة بثلاثة أسماء من الصحفيين، بل تنشر أسماء محررى الديسك بالإضافة ل الموضوع الصحفى.
أما المقال المعنون بـ «الخاسرون فى الشرق الأوسط الجديد» لم تكتب الصحيفة اسم محرره، وجاءت مقدمته كاشفة فى مفرداتها أن المقال مدفوع من تنظيم الإخوان.
فالعالم خلال السنوات الماضية علم حقيقة ما حدث فى مصر عام 2013 من ثورة شعبية ضد التنظيم الإرهابى فأسقط الشعب الرئيس، وكانت هناك مرحلة انتقالية، وعقب تلك المرحلة تم انتخاب الرئيس السيسي بإرادة شعبية ووفق انتخابات شهدت تعددية وكان هناك العديد من المنظمات الدولية التى شاركت فى متابعة الانتخابات.
لقد حرص كٌتَّاب المقال فى مقدمته على اجترار حديث تنظيم الإخوان المكذوب، فكلمة «الانقلاب» التى يرددها التنظيم الإرهابى كذبا لم تعد أى من دول العالم تؤيدها؛ بعد أن رأى العالم المسار الديمقراطى الذى جرى فى مصر بعد محاولة التنظيم الإرهابى إغراق الدولة فى الفوضى.
فلم يدرك كٌتَّاب المقال أن الموقف والقرار المصرى مستقل يتحرك وفق ثوابت راسخة، من منطلق قوة الدولة المصرية، فعلاقة مصر قوية مع أشقائها وأيضا تربطها علاقة قوية بالقوى الدولية.
كما أن كل القوى الدولية والإقليمية تدرك أهمية الدولة المصرية والدليل على ذلك هو أن الجميع وعلى رأسهم الولايات المتحدة يدرك أن مصر هى صمام أمان واستقرار منطقة الشرق الأوسط.
أما محاولات تقديم المشهد على عكس ذلك فهى قراءة غير دقيقة، فمصر تربطها علاقات استراتيجية بالولايات المتحدة والصين وروسيا والاتحاد الأوروبى.
كما أن المقال تجاهل عمق العلاقات المصرية الخليجية وتطابق وجهات النظر فى العديد من القضايا، وبيان تأييد الرؤية المصرية بشأن القضية الفلسطينية ورفض التهجير ليس ببعيد.
فالتعاون بين الجانبين يشمل استثمارات ضخمة فى مشاريع تنموية، وشراكات عسكرية واقتصادية مستمرة، ما يدل على أن مصر لا تزال وستظل شريكًا استراتيجيًا مهمًا فى الخليج.
لقد جاء نشر المقال فى ذلك التوقيت لمنح الأبواق الإعلامية للتنظيم الإرهابى مساحة للحديث والاستناد إلى مثل تلك المواد الصحفية المعلبة ومدفوعة الأجر، لنشر مزيد من الأكاذيب وتزييف الوعى.
كما يأتى فى إطار محاولة لتشويه المشهد بعد أن استطاعت مصر مواجهة أكبر التحديات الاقتصادية، فقد سجلت 52.33 مليار دولار من الموارد الدولارية فى أول 6 شهور من العام المالى 2024 – 2025، بزيادة 19% على نفس الفترة من العام الماضى.
فارتفعت الصادرات المصرية، كما ارتفع حجم تحويلات المصريين بالخارج ليصل الى 17.1 مليار دولار ليعوض العجز الذى حدث فى إيرادات قناة السويس بسبب أحداث جنوب البحر الأحمر.
لقد تجاهل المقال الدور المصرى فى القضية الفلسطينية فى الوقت الذى قدمت فيه مصر أكثر من 80% من حجم المساعدات لأهلنا فى غزة.
إن محاولات التزييف لن تنجح لأن العالم يدرك حجم ما وصلت إليه الدولة المصرية من نجاح فى مواجهة التحديات رغم أنها تتواجد فى منطقة مضطربة.
كما أن الجميع يدرك دور مصر الاستراتيجى والمحورى فى كافة قضايا المنطقة.