صالون الرأي
الحل السحري للقضاء على الفقر
By mkamalأكتوبر 15, 2018, 11:36 ص
1738
قالوا: «العجز مفتاح الفقر».. و«الحاجة أم الاختراع».. و«إذا كان الفقر أبا للجرائم فإن قلة العقل أمها»، وتفضى كل هذه الأقوال إلى معنى الاستسلام إلى الفقر واستمرار العيش داخل دائرته، وتوضح ظاهرة الإجادة للغة واحدة وهى استجداء لقمة العيش، وتكشف عن رغبة لدى الفقير فى أن يظل طوال حياته يعمل «كفاعل حفر أو مناول بني»، ولكى يتغير شأنه فلابد من إيقاظ عقله وتنمية ذكائه، وقد يقول قائل إن الفقر واقع وقرار مفروض على الفقراء لعدم تكافؤ الفرص، وقد يكون صحيحًا إلى حد ما، غير أن اعتقادك به يجعلك محلك سر، ويلقى فى نفسك اليأس، فبادر وتحرك وإنحت فى الصخر وأخرج منه ذهبك.
وقد يطرح آخر تساؤلاً كيف لا نرضى بالقضاء فى الابتلاء بالفقر؟ نعم عليك الرضى بقضاء الله، ولا يعطى لك هذا مبررًا بالخنوع والاستسلام له، فكما أن الفقر ابتلاء فالمرض ابتلاء، وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: «لكل داء دواء»، فالتداوى للشفاء والاجتهاد فى إجراء الأبحاث لاكتشاف الدواء، واجب شرعى وعلمى لاستمرار الحياة، فالمؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وركونك إلى الفقر دليل على الغباء، وأنك اخترت الجهل والتواكل بإرادتك، وألحقت الضرر بأولادك وأسرتك، بسبب بثك لروح الهزيمة بداخلهم، وصبرك على الابتلاء والركون إليه طويلا، وهو ما يسمى بالصبر السلبي، أما الصبر الجميل يتجلى عند مواجهتك للتحديات التى تمر بها، ولا يعنى أيضا أن هزيمتك للفقر تجهد نفسك بحثا عن الثراء، وإنما كتب عليك السعى نحو حياة كريمة لك ولأسرتك.
وحول تلك المعاناة التى أصابت حيرة المفكر الأمريكى «إيريك جنسن» وأخذ يتردد إلى ذهنه سؤالا بسيطا بعد تجواله فى بلدان كثيرة، وهو إذا كانت خبرات الحياة تسوق بأطفال الفقراء إلى الأسوأ فلماذا لا تغيرهم خبرات الحياة إلى الأفضل؟ وهذا التساؤل ما دفعه إلى كتابة مؤلفه «الفقر والتعليم»، ويطرح فيه سؤالا آخر ماذا يصنع الفقر فى عقل الأسرة والطفل؟ ثم يعرض فيه مواطن الداء لدى الفقير، ثم يعرج إلى تقديم روشتة العلاج بشكل تجريبى وبأسلوب حرفى، ولذا يعد الكتاب فريدًا من نوعه، وذكر أن أطفالا كثيرون ينتمون إلى أسر محرومة، استطاعوا النجاح والتفوق فى الدراسة، ورسموا لمستقبلهم خططا منهجية وعملية، فأنجزوا أعمالا كبيرة، وكثيرًا منهم صاروا روادًا فى تخصصاتهم، وعبروا خط الفقر وأخذوا بأيدى آخرين، وأضاف جنسن أن الفقر الحقيقى فى الافتقار إلى التفكير، أما التوجه السليم فى العمل بأنماط وأساليب عقلية، تعبر بالفقير من حالة التخلف والاحتياج إلى الحياة الكريمة.
وضرب مثلا فى كتابه «الفقر والتعليم» أن القيمة التسويقية حاليًا لموقع الفيس بوك بلغت 362 مليار دولار، وفاقت بذلك ميزانية دول عديدة، مع أن أول ما تلقاه زوكربيرج فى عام 2004 خمسين ألف دولار، وقد توصل إلى مشروعه العبقرى بعد عامين من التحاقه بجامعة هارفارد، وحين نسأل أنفسنا ما القول فيمن توقف عقله عن النمو ولم يعرف فى حياته معنى للإبداع أو للتطوير نتيجة الفقر المطبق على تفكيره؟ فيجيب الكاتب أن كل أمثال هؤلاء يمكن تعديل مستوى ذكائهم وتفكيرهم، بواسطة تدريسهم برامج لتنمية الذكاء، وبتدريبهم على طرق التفكير، وأثبتت خطوات علاجه أن دولا سبقت فى تطبيقها على مجتمعاتها، وشهدت تراجعا فى نسب الفقر، وارتفع فيها مستوى ذكاء الأفراد، وحين النظر فى تجاربهم لتخطيهم الفقر، نرى أن الصين رفضت فى بدايات القرن العشرين استمرار معاناة 756 مليونًا من مواطنيها للفقر المدقع، وكذلك الهند يهبط فيها مؤشر عدد الفقراء بشكل ملحوظ، وهذا طبقا لتقارير البنك الدولي.
وتوضح تجارب تلك الدول وغيرها كسنغافورة وماليزيا أن جودة التعليم والإنتاج الحقيقي، بمفهوم التصنيع المحلى لجميع المستلزمات والمستخرجات، قد مكنها من تجاوزها الفقر والبطالة وانتشار الأمراض الجاثمة على صدرها منذ عدة عقود، واستطاعت مواجهة الإرهاب والتطرف والصراعات الداخلية، ويتطابق نفس الأمر فى وقتنا الحالى على دولة فى قلب قارة إفريفيا وهى رواندا، ونلاحظ أن الكاتب فى عنوانه ذكر الأزمة وحلها، أقرن الفقر بالتعليم، لسبب بسيط أن الأجيال القادمة فى الشعوب الفقيرة، لن تنتقل إلى مرحلة الازدهار إلا بالتعليم الحديث الذى يجذب ولا ينفر، والذى يتوافر فيه كل مقومات النجاح، ويشير خبراء البنك الدولى إلى أن هناك مليار ومائة ألف شخص يعيشون فى فقر مدقع، ويتوافقون مع رؤيته فى أن تعليم الأطفال أكبر استثمار فى أى مجتمع وخاصة الفقير، ويرون انحصار أزمة المجتمعات الفقيرة فى الجهل والتسريب من التعليم، ورصدوا مئات الملايين من الكبار والشباب فى البلدان النامية يجهلون القراءة والكتابة، ومثلهم كذلك من الأطفال لا يملكون أبسط المهارات العملية.
وعلى العكس تمامًا دول فى شرق آسيا تسعى لإنهاء الفقر المدقع لديها مع حلول عام 2030، ورؤيتها ترتكز على خطتها فى استثمار البشر من خلال التعليم، بعد علمها يقينا فى أنه الحل السحرى للقضاء على الفقر، وعند قراءة حياة الفقراء داخل البلدان النامية، نجدهم يجبرون بشكل روتينى على اختيار الإنفاق من ميزانيتهم القليلة على الرعاية الصحية والضرورات الأخرى لأسرهم من الغذاء والتعليم، ويعيشون على أقل من 3 دولارات يوميًا، وهؤلاء ممن يطلق عليهم أصحاب الفقر المعتدل وليس المدقع، وهذا ما رصدته منظمة الصحة العالمية، حيث وصل تعدادهم إلى 100 مليون شخص، ومن ناحية أخرى قامت الأمم المتحدة بتصنيف البلدان إلى فقيرة وغنية طبقا لعدة معايير، ومقياس الفقير لديها فى إحدى الدول يختلف عن المعايير التى يقاس بها الفقير مثلا فى أمريكا، ودائمًا ما توجه الأمم المتحدة انتقاداتها إلى الشركات عابرة القارات بالتوقف عن استغلال ثروات الشعب الفقيرة، وأقول إن طريقة الخلاص لتلك الشعوب من سيطرة هذه الشركات على اقتصادياتها فيما ذكره جنسن، وأن الاعتقاد الخاطئ لدى كثير من الفقراء فى أن الغنى لمن يمتلك المال، أما القول الصائب فى أن أغنى الغنى لمن يمتلك العقل وأن أشد الفقر لمن يصر على الحمق.