الصناعة.. عصب الاقتصاد، وقوته الضاربة، فالماكينات هي من ترسم ملامح قوة أو ضعف اقتصاديات الدول.. اليابان استطاعت أن تستعيد قوتها بعد الحرب العالمية الثانية بما حققته من تقدم صناعي. وألمانيا تفوقت صناعيا على من هزموها واقتحمت أسواقهم، وباتت الماكينات الألمانية يضرب بها المثل.
الصناعات الوطنية الناجحة تعد الذراع القوية للاقتصاد، فتوفر فرص العمل.. وتقلل التضخم.. وتزيد من حجم الصادرات، فتصبح أحد مصادر النقد الأجنبي .
عقب ثورة يوليو 1952 كان النهوض بالصناعة الوطنية أحد أهداف الثورة، واستطاعت مصر أن تنطلق بقوة في هذا المضمار فأنشأت العديد من القلاع الصناعية الكبرى بالتعاون مع عدد من دول الشرق.
أنشأت مجمع الحديد والصلب بحلوان، وأقيمت أكبر قلعة لصناعة النسيج فى المنطقة إن لم تكن فى الشرق الأوسط آنذاك فى مدينة المحلة الكبرى وكان يضرب بها المثل فى المنسوجات، وبدأت باكورة صناعة السيارات 1960 التى أنتجت بالتعاون مع الجانب الإيطالى والألمانى واليوغسلافى، عدد من سيارات الركوب والنقل والجرارات الزراعية على التوالى.
وتحرك المشروع الصناعى الوطنى بخطى ثابتة محققا إنتاجا نافس بقوة فى الأسواق الإفريقية.. إلا أن هزيمة يونيو 67 أثرت على المشروع.. بعد تحول اقتصاد الدولة إلى اقتصاد حرب.
كان المقاتلون خلف ماكينات المصانع لهم دور وطنى، يساندون المرابطين على الجبهة، واستطاعت المصانع الحربية أن تساهم فى توفير الذخيرة والصيانة وأعملت قلعة صناعة النسيج على توفير الأفرولات للمقاتلين (الزى العسكرى)، خاصة أن القوات المسلحة قامت بتعديل تصميم وشكل الملابس العسكرية قبل حرب أكتوبر مستمدة ذلك من خبرة حرب الاستنزاف والعمليات خلف خطوط العدو.
وقام العمال فى المصانع بالعمل 4 ساعات إضافية يوميا، بلا مقابل لصالح المجهود الحربى فى كافة القطاعات الإنتاجية لمضاعفة الإنتاج فى الصناعات الغذائية والنسجية والصناعات الثقيلة والعسكرية.
أدرك من هم فى الحياة المدنية أنهم شركاء فى الميدان، بل فى خندق واحد مع الأبطال من أبناء القوات المسلحة على جبهة القتال.. فكانوا على قدر المسئولية، واستطاعت الصناعة (الجبهة الداخلية) أن تقوم بدور مهم فى المعركة.
وخلال الأسبوع قبل الماضى وفى افتتاح المرحلة الثانية من محطة معالجة مياه الصرف الصحى بالجبل الأصفر، أصدر الرئيس توجيهًا مهما للواء كامل الوزيرى، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بضرورة تشجيع الصناعة الوطنية خاصة ونحن دولة تبنى مستقبلها من خلال خطة تنمية واسعة فى كافة أنحاء البلاد.
وطلب الرئيس بضرورة أن يتم البحث مع رجال الأعمال المصريين ورجال الصناعة الوطنية لتوفير مستلزمات المشروعات التى يجرى العمل بها من المنتج المحلى، مما يساهم فى تطوير الصناعة المصرية، ويوفر فرص عمل أكبر ويزيد من حجم المكون المصرى فى المنتجات الصناعية المختلفة.
التوجيه الذى قاله الرئيس كان عقب الحديث عن التوسع فى إقامة عدد من محطات تحلية مياه البحر وافتتاح محطة التحلية بمدينة الطور، واستعراض الموقف بشأن محطة تحلية مياه البحر بمدينة العلمين الجديدة والتى تعد من أكبر محطة لتحلية المياه المالحة فى المنطقة.
وتم بالفعل العمل على أن يكون للدولة وللصناعة الوطنية دور مهم فى تصنيع المرشحات الخاصة بمحطات التحلية، الذى يعد من أهم مكوناتها.
وما بين الجبل الأصفر وافتتاح الرئيس لمشروع الصوبات الزراعية بالعاشر من رمضان، لم يمر سوى أسبوع واحد.. و خلال كلمة اللواء محمد عبد الحى رئيس مجلس إدارة الشركة الوطنية للزراعات المحمية سأل الرئيس: ما هو سبب تأخير منظومات التهوية العلوية؟
رد رئيس مجلس إدارة الشركة الوطنية للزراعات المحمية: سيتم تسلمها من الإنتاج الحربى خلال شهر ويتم الانتهاء من تركيبها خلال شهرين.
ليعلق الرئيس قائلا: «إحنا لما طلبنا إن شركاتنا الوطنية كلها تكون شغالة فى الموضوع ده.. والناس اللى شغالة فى الشركات يجب أن تكون متأكدة أنها تساهم فى مشروع مهم وعمل كبير».. كلمات الرئيس عبرت عن حالة يجب أن ندركها جميعًا كل منا فى موقعه.
فخلال فترة حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر استطاعت الشركات الوطنية العاملة فى مجال المنتجات الغذائية أن توفر للقوات على جبهة القتال ما تحتاجه من مواد غذائية (تعيين قتال) للمقاتلين، وكذا الملابس، واستطاعت المصانع الحربية أن توفر قدرا كبيرا من الذخائر.
لقد أدرك وقتها الصناع أنهم أمام معركة كبيرة يجب أن يقوموا بدورها فيها حتى يتحقق النصر.
وبالفعل استطاعت مصر أن تنتصر وأن تسترد كامل ترابها بعزيمة وإيمان وتضحية وفداء امتلكها المقاتلون على الجبهة، وعمل متواصل بجد وإخلاص لمقاتلين فى المصانع وفى كافة قطاعات الإنتاج من أجل تحقيق الهدف (النصر).
مصر حاليًا أمام تحد عظيم ومعركة وجود استطاعت خلال السنوات الخمس الماضية أن تخطو فيها بقوة.