أعتقد أن حرص المصريين على المشاركة فى الانتخابات الرئاسية وبهذا الحضور المكثف كان رسالة لكل من يعنيهم الشأن المصرى.
نعم.. كانت رسالة واضحة ومعبرة، لا تخطئها عين المتابع، إلا من كان فى قلبه مرض أو فى نفسه غرض.
فالمصريون لديهم ميراث قديم من شجاعة المواجهة وإظهار التحدى، حرصا على تثبيت دعائم الدولة والاستمرار فى مواصلة المسيرة..، خاصة عندما تتوفر الثقة فى القيادة النزيهة والقادرة على تحمل المسئولية.
وقد يتذكر بعض كبار السن ما فعله المصريون فى مواجهة سراى الحكم والأحزاب التابعة لها قبل 1952، عندما اختارت مرشحى حزب الوفد القديم دون غيرهم، وأجبرت الملك على تكليف الحزب بتشكيل الوزارة.
نعم.. قد نختلف وتتباين وجهات النظر السياسية، وقد تتعثر الأحوال الاقتصادية ويثقل العبء على البعض منا، وقد يتكاسل الشباب عن المشاركة فى العمل العام بمقولة «البركة فى الكبار».
قد يحدث كل ذلك.. وهو من طبيعة المجتمعات الحيوية الراغبة فى الأفضل دائمًا، ولكننا فى كل الأحوال وطنيون من نسيج واحد.. نحب بلدنا بكل ما نملك، وعندما يجد الجد وتحين ساعة الحسم نجد «هبة» مصرية مفاجئة تعيد الأمور إلى مسارها الصحيح، وأعتقد أن ما حدث فى 25 يناير 2011 مثال واضح على حيوية الشعب المصرى وحبه لبلده.
أقول ذلك بعد أن تابعت ما يقال فى بعض القنوات التليفزيونية الإقليمية والدولية، وأزعجنى كم الحقد والتربص بمصر وتشويه ما يجرى على أرضها، مع أن المثل الشهير يقول «من كان بيته من زجاج.. فلا يجب أن يقذف الآخرين بالحجارة»!
وبالطبع لا يخفى على أحد هذا الموقف البائس لبعض القنوات المعبرة عن قوى الشر الإقليمية والدولية، فقد أفشل المصريون خططهم، وأوقفوا بعضهم عند حده ليعرف حجمه الطبيعى بين عمالقة التاريخ والحضارة والمستقبل الواعد والمشرق.
ولكنى لا زلت مندهشا من استمرار الثعلب الماكر فى تحدى الأسد الجسور، ومناكفة النملة التى قد لا ترى بالعين المجردة لفيل ضخم يستطيع أن يهرسها وأهلها ومساكنها بلمسة من قدمه!
لقد عبر الشعب المصرى بمشاركته الواضحة والراقية فى الانتخابات الرئاسية عن التعبير الصادق الذى سكه «جنودنا فى الميدان.. والشعب فى اللجان»، لأن الهدف واحد مشترك، فأبناؤنا وأشقاؤنا على خطوط المواجهة مع الإرهابيين المدعومين من قوى الشر المختلفة، بهدف حماية مواطنيهم وسلامة وطنهم..
وبالطبع لم يترك المصريون أبناءهم وأشقاءهم على جبهات المواجهة، بل كانوا فى ظهرهم داعمين مؤيدين واجبهم بالمشاركة فى تثبيت دعائم الوطن واستقرار أوضاعه وحماية مكتسباته.
وأعتقد أن الكل يعلم أن المصريين لا يقبلون أن يتدخل أحد فى شئونهم أو أن يملى عليهم إرادته، وأتذكر الغضب الشديد الذى ملأ النفوس الثائرة فى يناير 2011 عندما أعلن الرئيس الأمريكى السابق ضرورة أن يرحل الرئيس المصرى الأسبق مبارك «الآن»، ولولا أن السيف قد سبق العزل وقتها لكان هناك رأى آخر عليه، فقد غضب البعض من تلك اللهجة الأمريكية الآمرة وكأننا إحدى جمهوريات الموز فى أمريكا اللاتينية!
نعم.. الوقت لم يكن مناسبا للرد وقتها ولكنه لم يتأخر كثيرًا حيث أسقط المصريون حُكم الإخوان الذين أوصلهم الأمريكان للحكم، بعد أن تكشفت حقيقتهم وبانت نيتهم وتسربت أخبار اتفاقياتهم السرية والمشينة وأنهم ليسوا إلا «واجهة» أو ستارة يختفى خلفها كل قوى الشر الرافضة للدور المصرى الرائد والمؤثر فى المنطقة والعالم.
ومن ثم.. كان الاندهاش من العودة إلى ذات الأسلوب والتوسع فى ترديد الأكاذيب، مرة تحت دعوى انتهاك حقوق الإنسان، وأخرى فى التهديد بمنع المعونات، وثالثة بالتحريض على عدم المشاركة فى الانتخابات.
وللأسف.. فقد وجدنا بعض المحبطين فى الداخل من الذين لفظهم الشعب وكشف أحجامهم ونواياهم يرددون ذات الأكاذيب ويدعون المواطنين إلى البقاء فى المنزل!
للأسف مرة أخرى.. لقد نظر البعض تحت أقدامه فقط، وغلبته شقوته ومصالحه الخاصة وطاوع نفسه الأمارة بالسوء.. وشارك قوى الشر فى العوم ضد التيار!
نعم.. يجوز أن نختلف حول الأفضل لبلدنا، ولدينا أحزاب وصحف ووسائل إعلام مختلفة يمكن أن يعبر من خلالها من لديه رؤية مختلفة ويشرحها ويعرضها على المجتمع للنقاش العام.. والذى قد يسفر عن الاتفاق أو الاختلاف.. ثم يعير الناس عن قناعتهم لما سمعوه أو قرأوه.. بالتصويت لمرشح دون الآخر.. وهكذا تجرى الأمور فى كل دول العالم ولكن أن يحرضوا على عدم أداء الحق الدستورى الذى هو واجب فى ذات الوقت.. فتلك فى أقل ما توصف به «خطيئة لا تغتفر» إن لم تصل لدرجة الخيانة الوطنية!
أقول ذلك بعد أن أديت واجبى الوطنى وشاركت فى الانتخابات واخترت الرئيس السيسى لقناعتى الموضوعية بما بذله وما يتوقع أن يحققه فى مدة الرئاسة الثانية.
ولكنى هنا أكتب عن «المبدأ».. فالأشخاص زائلون ولكن الأوطان مستمرة وباقية.. ولا يجب أن نخذلها وقت الجد فى اللحظات المفصلية فى تاريخها وخاصة عندما تكون فى خطر تربص البعض بها.
لقد كنت أتمنى ألا يقل عدد المشاركين فى تلك الانتخابات عن الخمسين مليون مواطن، حتى تكون الرسالة معبرة عما أراد شاعر النيل قوله فى قصيدته الشهيرة مصر تتحدث عن نفسها:
وقف الخلق ينظرون جميعا
كيف أبنى قواعد المجد وحدى
أنا تاج العلاء فى مفرق الشرق
ودراته فرائد عقدى
ما رما فى رام وراح سليما
من قديم عناية الله جندى
نظر الله لى فأرشد أبنائى
فشدوا إلى العلا أى شد