في الثامن والعشرين من يناير 2018، انتخبت مصر وبالإجماع لرئاسة الاتحاد الأفريقي خلال الدورة الثانية والثلاثين.
لم تكن نتيجة التصويت مفاجأة لمن يتابعون التحركات المصرية نحو القارة الأم خلال السنوات الأربع التي سبقت انتخابها.. فقد قررت الدولة المصرية أن تستعيد دورها في تنمية القارة وإعادة الشراكة الاستراتيجية مع دولها من أجل غد أفضل لأبناء القارة السمراء.
وما بين 2013 و2014 تغيرت رؤى ومواقف واتضحت الصورة بشكل كبير لدى العديد من دول أفريقيا حول ما تم في مصر من تغيير.
وخلال السنوات الخمس الأخيرة، عادت مصر إلى جذورها القارية، وتحسنت علاقاتها بالأشقاء فى القارة، واستعادت مكانتها فى عمقها الاستراتيجى الذى غابت عنه بعض الوقت.
واليوم (الأحد) تتسلم مصر رئاسة الاتحاد الأفريقى فى دورته الـ 32، حاملة معها ملفات ورؤى وطموحات وآمال شعوب 54 دولة فى غد أفضل.
ولأن مصر الجديدة لا تترك الأمور تسير دون تخطيط وعمل محكم.
استعدت بدراسة ملفات متعددة ومتنوعة جاء على رأسها التنمية الاقتصادية والعلاقات السياسية وتنمية الموارد الطبيعية والبشرية والقضاء على الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب ومواجهة النزاعات التى تسببت فى عدم استقرار العديد من دول القارة.
(1)
قارة إفريقيا إحدى قارات العالم القديم، كما يصفها الجغرافيون، بل إن علماء الجيولوجيا يقولون إن الأخدود الأفريقى العظيم هو الذى فصل القارة عن قارة آسيا، ليخلق منها مكونا خاصا فهى تحتوى على العديد من الأقاليم المناخية يجعلها قارة تمتلك موارد طبيعية ضخمة، تمكنها عند استغلالها بالشكل الأمثل من ريادة العالم.
ورغم وصف الاقتصاديين لها بأنها سلة غذاء العالم.. إلا أنها ما زالت تعانى من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة التى تتفوق بها على النسب العالمية بحسب تقرير الأمم المتحدة لتبلغ 11.6%.
وأظهر التقرير أن 39.1% من السكان الكينيين ممن فى سن العمل عاطلون عن العمل مقابل 24% فى تنزانيا و21.6% فى إثيوبيا و18.1% فى أوغندا و17.1% فى رواندا.
(2)
تمتلك قارة أفريقيا موارد طبيعية لا تنعم بها قارة أخرى فى ظل مساحة ضخمة تبلغ 30 مليونا و190 ألف كيلو متر مربع، فهى ثانى قارات العالم من حيث المساحة بعد قارة آسيا، وتنوع مناخى فريد يجعلها قادرة على خلق حالة توازن لا تمتلكه قارة أخرى من قارات العالم الـ 6.
وأدى التنوع المناخى إلى تنوع المحاصيل ومواسم الإنتاج ما بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، وهو ما جعل من الربط البرى ضرورة بين دول القارة، من أجل نقل المنتجات وتوافرها بأسعار مناسبة علاوة على جودة الإنتاج، وهو ما جعل البعض يطلق عليها «سلة غذاء العالم».
ورغم توافر البيئة المناسبة للزراعة (مياه رى ومساحات شاسعة من الأراضى الزراعية ذات التربة الخصبة وإقليم مناخى مختلف) إلا أن الاستثمار الزراعى فى أفريقيا ما زال يعانى من انخفاض شديد خاصة من قبل الدول الأفريقية، عدى استثمارات عدد من الدول الأوروبية التى تحاول استغلال الموارد الزراعية المتاحة فى القارة.
(3)
يبلغ عدد دول قارة أفريقيا 54 دولة وعدد الدول المنضمة للاتحاد الأفريقى 53 دولة انضمت إليه مؤخرًا دولة جنوب السودان ليبلغ عدد الدول الأعضاء بالاتحاد الأفريقى 54 دولة، بإجمالى عدد سكان يبلغ 1.2 مليار نسمة.
يوجد بالقارة أكثر من تكتل اقتصادى أهمها السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقى «الكوميسا»، وتجمع الساحل والصحراء، وتجمع منظمـة تنميـة الجنـوب الأفريقـى (سادك)، وتجمع شرق أفريقيا (إياك) والتجمع الاقتصادى لدول غرب أفريقيا «إيكواس» ويبلغ حجم اقتصاده نحو 78 مليار دولار، الاتحاد الاقتصادى والنقدى لغرب أفريقيا (الإيموا) والهيئة الحكومية العليا للتنمية (إيجاد).
ورغم ضخامة عدد سكان القارة السمراء والذى يجعلها سوقًا رائجًا للمنتجات إلا أن حجم التجارة البينية بين دول القارة لم يتعدى 22 مليار دولار بحسب تصريحات صحفية لرئيس مجلس أعمال الكوميسا د. أمانى عصفور خلال شهر ديسمبر الماضي.
هذا الرقم يدل على أن القارة ما زالت تحتاج لمضاعفة حجم التجارة البينية وتسويق المنتجات المحلية وزيادة حجم التبادل التجارى بين دول الاتحاد الأفريقى خاصة إذا كانت هناك إعفاءات جمركية بين العديد من دول القارة.
(4)
تمتلك قارة أفريقيا 95% من الإنتاج العالمى للماس و65 % من الذهب و90 % من البلاتينيوم، و20% من الإنتاج العالمى لليورانيوم، و33% من الكوبالت، و33% من الكروم.
ورغم هذه الأرقام الضخمة من حجم الإنتاج العالمى من المعادن والتى تمتلكها القارة إلا أن عائداتها على التنمية فى الدول المنتجة لها ليست ذات تأثر واضح وهو ما جعل نسبة الفقر تزداد فى العديد من بلدانها.
ويعد ملف الاستفادة من موارد القارة وتعظيم حجم القيمة المضافة لها من خلال التعاون بين دولها وتجمعاتها الاقتصادية من الملفات المهمة التى تحظى بأولوية لدى رئاسة الاتحاد الأفريقى خلال الفترة القادمة.
لقد وجه الرئيس السيسى الحكومة المصرية بضرورة توسيع دائرة التعاون مع الدول الأفريقية الأشقاء ومد جسور التواصل الحضارى مع كافة شعوبها، وكذلك تفعيل القوى المصرية الناعمة بالقارة والانخراط بفاعلية فى صياغة وتطوير مبادئ وآليات العمل الأفريقى المشترك تحقيقًا للمنفعة لجميع الدول الأفريقية فيما يتعلق بالقضايا المحورية التى تمسها، خاصة الملفات التنموية وملفات صون السلم والأمن فى أفريقيا.
إن أولويات الرئاسة المصرية، خلال فترة رئاستها للاتحاد الأفريقى، والتى تنطلق من أجندة عمل الاتحاد الحالية، تستهدف وضع آليات ومبادرات العمل الجماعى المتفق عليها فى إطار الاتحاد الأفريقى، لا سيما أجندة التنمية فى أفريقيا 2063، ومختلف مبادرات التكامل الاقتصادى والاندماج الإقليمى وتعزيز التجارة البينية بالقارة، وآليات منع وتسوية النزاعات الأفريقية، وعملية الإصلاح المؤسسى للاتحاد الأفريقى.
تسخّر مصر إمكاناتها وخبراتها لدفع عجلة العمل الأفريقى المشترك لآفاق أرحب، مؤكدة حرصها على تحقيق مردود ملموس من واقع الاحتياجات الفعلية للدول والشعوب الأفريقية، خاصة من خلال خلق حالة من التوافق حول التحديات الرئيسية للسلم والأمن، وفى مقدمتها مكافحة الإرهاب، وقيادة مسار التنمية المستدامة بالقارة، ونقل التجارب والخبرات الفنية المصرية من خلال تكثيف الدورات والمنح التدريبية المختلفة للأشقاء الأفارقة، وهو الأمر الذى من شأنه أن يرسخ الدور المصرى المحورى فى أفريقيا بما لديها من أدوات مؤثرة وخبرات فاعلة ورؤى متوازنة.
(5)
خلال الدورة الحالية للاتحاد الأفريقى برئاسة مصر يأتى ملف اللاجئين كإحدى الأولويات المهمة، خاصة أن الدورة تحمل عنوان «سنة اللاجئين والعائدين والنازحين داخليًا: نحو حلول دائمة للنزوح القسرى فى أفريقيا» وبعد تسلم الرئيس السيسى رسميًا رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى لمدة سنتين من الرئيس الرواندى بول كاجامى، الرئيس للاتحاد المنتهية ولايته، عقب انتهاء الجلسات المغلقة للقادة الأفارقة وبداية جلسات القمة المفتوحة.
بعدها يتم عرض عدد من التقارير أبرزها تقرير الخطوات العملية نحو مبادرة إسكات البنادق فى أفريقيا بحلول عام ٢٠٢٠ وذلك فى جلستين مغلقتين.
ومع الاهتمام بتنمية القارة وزيادة حجم الشراكة والتعاون الاستراتيجى والتبادل التجارى بين دول القارة يتزايد حجم النمو الاقتصادى لدول القارة وتتوافر فرص العمل وينخفض حجم البطالة ومعها تنخفض أعداد النازحين والهجرة غير الشرعية وهو ما تهتم به مصر خلال رئاستها للاتحاد.. من أجل تحقيق التكامل بين دول أفريقيا.
وقد وجه الرئيس عبد الفتاح السيسى، قبيل انعقاد القمة، باستخدام جميع المنشآت التابعة للحكومة المصرية فى المدن الأفريقية، وكذا السفارات المصرية المتواجدة فى العواصم الأفريقية فى تنفيذ ما يتم بلورته من أنشطة متنوعة من قبل الاتحاد الأفريقى خلال الرئاسة المصرية لتحقيق أهداف الوصول إلى نتائج تخدم طموحات الشعوب الأفريقية.