رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

سقطة إعلامية فادحة.. وإنذار أخير وخطير

1478

ذلك الخبر الذى تداولته مؤسسات إعلامية وصحفية الأسبوع الماضى عن تعيين وزير جديد للنقل اسمه محمد وجيه عبد العزيز ثم سرعان ما اتضح أنه خبر كاذب.. كان سقطة إعلامية فاضحة وفادحة بالمقاييس والمعايير المهنية فى أدناها، وعلى النحو الذى عكس بكل وضوح الأزمة الحقيقية التى يمر بها الإعلام المصرى فى السنوات الأخيرة والتى بلغت ذروتها فى واقعة ذلك الخبر الكاذب.

الكارثة المهنية هى أن هذا الخبر كان مصدره الوحيد تغريدة على «تويتر» لشاب مصرى يعيش فى الخارج تحت اسم «خالد عنخ آمون» تضمن تعيين الدكتور مهندس محمد وجيه عبد العزيز خبير السكك الحديدية والذى قام بتطوير سكك حديد فرنسا والسويد وأنه سيؤدى اليمين الدستورية بعد غد، ثم سرعان ما نشر تغريدة لاحقة سخر فيها من الإعلام المصرى الذى توّرط فى نشر هذا الخبر «الشائعة» بعد أن أوضح أن هذا الوزير المزعوم هو والده المتوفى منذ 11 سنة وأنه لا هو دكتور ولا هو مهندس ولا علاقة له بالسكك الحديدية ولا فرنسا ولا السويد!.
هذه التغريدة الثانية.. سبقها تداول ونشر الخبر على نطاق واسع بعد أن أذاعه إعلامى على إحدى الفضائيات مفترض أنه وثيق الصلة بالمصادر والجهات الرسمية والعليا فى الدولة وعلى الهواء مباشرة دون التدقيق الواجب فكانت بداية الفضيحة الإعلامية.

ثمه سقطة أخرى ولكن سياسية وقع فيها نائب برلمانى «فى لجنة النقل بمجلس النواب» كان أحد ضيوف الإعلام إذ تطوع باستحسان اختيار الوزير المزعوم..مدعيا معرفته به كخبير دولى فى السكك الحديدية قام بتطوير سكك حديد فرنسا والسويد.. مرددًا ما جاء فى الخبر الكاذب بل إنه أضاف بكل ثقة توحى بمعرفته الكاملة بالرجل بأنه تخصصه الطرق والكبارى!.
سقطة النائب السياسية المضافة إلى السقطة الإعلامية بادعائه معرفة الوزير المزعوم بل إضافة المزيد من المميزات التى تؤهله لتولى المنصب.. لا تفسير لها فى واقع الأمر سوى أنه حرص على منح تأييده المسبق وعلى بياض لهذا الاختيار، ثم بدا بعد كشف المستور «شاهد ماشفش حاجه» أو «عارف مايعرفش حاجه» ولذا أحسب أن سقطه هذا النائب يتعين ألا تمر دون محاسبة برلمانية عنيفه».

المثير أيضا أن الإعلامى الذى وقع فى هذه السقطة المهنية بل السياسية أيضا أوقع معه عددًا من وسائل الإعلام وبعض المواقع الإليكترونية لصحف قومية وخاصة وورطها فى نشر وتداول هذا الخبر الكاذب.. اعتمادًا وثقة فى هذا الإعلامى والمعروف بعلاقته الوثيقة بالمصادر والجهات الرسمية العليا فى الدولة واعتقادًا أكيدًا فى صحة الخبر.

هذه السقطة الإعلامية والصحفية سواء التى وقع فيها الإعلامى الذى كان أول من أذاع الخبر الكاذب نقلًا عن مصدر مجهول أو الذين اتبعوه وتداولوا الخبر.. هذه السقطة لا تغتفر، إذا غاب فيها «ألف باء» الخبر الصحفى والذى يتعين الحصول عليه من مصادره العليمة والموثوقة والمختصة، ثم إنه يتعين فى كل الأحوال التأكد من صحة الخبر من أكثر من مصدر.

لقد تابعت تطورات هذه السقطة المهنية بينما « فى الفم ماء» بوصفى صحفيًا منذ أكثر من «45» عامًا، وما زلت أذكر ويذكر جيلى من الصحفيين والإعلاميين أول دروس فى الصحافة ألقاها علينا الأستاذ الكبير جلال الدين الحمامصى أحد أهم رموز الصحافة المصرية ومعلميها.. نحن أول دفعة فى كلية الإعلام بجامعة القاهرة فى السنة الدراسية الأولى وكانت عن الخبر ومصادره والذى كان عنوان كتابه الجامعى المقرر علينا.
لقد تكلمنا ثم طبقّنا أن نشر خبر نقلًا عن مصدر غير موثوق خطأ صحفى فادح وخطيئة مهنية لا تغتفر ومن ثم ضرورة التدقيق والتأكد من صحة الخبر من مصادره العلمية والموثوقة، بل إنه من الأفضل أن يفوتك سبق صحفى على أن تنشر خبرًا غير صحيح يتم تكذيبه لاحقًا، وذلك هو الدرس الأول الذى يتعلمه الصحفى والإعلامى فى بداية التحاقه بالمهنة، وهو الدرس الذى نسيه وغفل عنه الصحفيون والإعلاميون الذين وقعوا فى تلك السقطة المهنية الفاضحة.

إن خطورة وكارثية تلك السقطة الإعلامية والصحفية هى أنها لا تتعلق بخبر من الأخبار العادية أو شائعة من الممكن تكذيبها، ولكن لأنها تتعلق بشأن سياسى بالغ الأهمية خاصة بعد حادثة محطة مصر واستقالة الوزير المسئول عن النقل هشام عرفات، أى أنها تمس الأمن القومى الذى لا يحتمل ذلك العبث والإهمال والاستهانة بنشر خبر عن تعيين وزير جديد فى الحكومة.
ولذا فإن أى اعتذار يصدر عن كل الذين أذاعوا ونشروا هذا الخبر الكاذب لا يعفيهم من التقصير والإهمال ولا من عقوبات صارمة وواجبة من جانب المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام باعتباره الجهة المسئولة عن ضبط الأداء.

ولعلى لا أبالغ إذا قلت أن ثمة مسئولية سياسية مع المسئولية الإعلامية فى هذه السقطة على وجه الخصوص.. تقتضى إقالة أو استقالة الإعلاميين والمسئولين فى المواقع التى أذاعت وتداولت هذا الخبر الكاذب قياسًا منطقيًا وموضوعيًا على تحمل وزير النقل المستقيل للمسئولية السياسية عن حادث محطة مصر، مع ملاحظة أن مسئولية الوزير السياسية تقل كثيرًا جدًا عن مسئولية الإعلاميين المتورطين فى ارتكاب تلك السقطة إذ أن ما ارتكبوه من خطأ وإهمال لا يغتفر ولا يُبرر. ما ارتكبوه بأنفسهم ومن ثم فهم مدانون أصليون.

يبقى أن هذه السقطة المهنية الفادحة هى الإنذار الأخير لإنقاذ الإعلام والصحافة من الانهيار، وهى درس قاس يتعين استيعابه جيدًا حتى تعود للإعلام المصرى مصداقيته ويعاود ريادته فى المنطقة العربية حسبما كان منذ عقود طويلة.

لذا لزم التنوية والتنبيه




503 Service Unavailable

Service Unavailable

The server is temporarily unable to service your request due to maintenance downtime or capacity problems. Please try again later.

Additionally, a 503 Service Unavailable error was encountered while trying to use an ErrorDocument to handle the request.