https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

اللواء محمد عبد الواحد:الجاليات العربية غير قادرة على نقل صحيح الدين (4)

2459

حوار : د. نسرين مصطفى

تصوير : رمضان على

أكد اللواء محمد عبد الواحد المتخصص فى شئون الأمن القومى ومكافحة الإرهاب ، أن تمويل بعض الدول أسهم فى تجنيد عناصر «داعش» ، وأن الجاليات العربية بالخارج غير قادرة على نقل صحيح الدين الإسلامى ، وذلك فى إطار حديث الخبير الاستراتيجى لـ “أكتوبر” عن “الإرهاب”، وكيف أصبح ظاهرة عالمية لابد من مواجهتها ، وكيف شجع الغرب التنظيمات الإرهابية وكان مساهمًا فى بنائها لخدمة مصالحه.

وفى هذه الحلقة، يتناول اللواء عبد الواحد طبيعة التواجد الإسلامى فى أوروبا، والفوارق الثقافية بين الشخصية الأوروبية والشخصية العربية، محددًا ما يجب على المسلمين فى الغرب لتصحيح صورة الإسلام ونقل الفكر الصحيح للدين، وكيف تندمج الجاليات العربية مع الفكر الأوروبى والثقافة الأوروبية، وحقيقة المعضلة بين الغرب والعالم الإسلامى، ولماذا يُضطهد المسلمون فى أوروبا، وكيف يتم نقل العناصر الأوروبية المجندة إلى سوريا والعراق.
ما شكل التواجد الإسلامى فى أوروبا وماذا يمثل كمكون من تعداد المجتمعات الأوروبية؟
الإسلام متواجد فى أوروبا منذ القرن السابع الميلادى، ثم انتشر بكثافة أثناء عصر الدولة الإسلامية فى الأندلس، كما انتشر الإسلام فى دول البلقان ودول جنوب شرق أوروبا خلال توسع الإمبراطورية العثمانية، ولا ننسى موجات الهجرة المتلاحقة لدول المغرب العربى وتركيا وإفريقيا والهند وباكستان من المسلمين لأوروبا فى القرن الـ 19، والذى ازداد فى فترة الستينات من القرن الماضى.
أما عن عدد المسلمين فى أوروبا فهو غير معروف وغير دقيق ودائمًا ما تقدم مراكز الإحصاء فى أوروبا أرقامًا غير حقيقة عن الوجود الإسلامى بها، كما تقوم بعض المراكز بحذف المسلمين الأتراك من التعداد حيث يمثل الأتراك ما يقرب من 80 مليون نسمة ، ووفقًا لتقرير معهد «دى» الألمانى والذى يؤكد أن عدد المسلمين فى أوروبا حوالى 53 مليون نسمة، أى 5.2% من سكان روسيا والقسم الأوروبى من تركيا، بينما عدد المسلمين فى دول الاتحاد الأوروبى حوالى 16 مليون نسمة وفقًا لإحصاء سنة 2010.
وترجع المراكز البحثية زيادة عدد المسلمين إلى تدفقهم فى الفترة السابقة نظرًا لتعرض بلادهم لحروب وعدم استقرار، فضلًا عن زيادة عدد المواليد من المسلمين مقارنة بالأوروبيين، وكذلك اعتناق عدد من الدول الأوروبية للدين الإسلامى، بالإضافة إلى اعتناق الأوروبيين للدين الإسلامى، ففى تركيا يتراوح عدد المسلمين بين 95، 99%، وفى اذربيجان 93%، وفى الجبل الأسود وصل إلى 20%، وألبانيا 58.8%، وفى كوسوفو 98.5%، وفى البوسنة والهرسك وصل إلى 50.5 % وأصبح المسلمون يمثلون 16% من عدد سكان أوروبا.
هل يوجد فوارق ثقافية وعقلية بين الشخصية الأوروبية والعربية؟
خلق الله الإنسان مستعدًا للرقى وقادرًا على التقدم، وأؤكد أنه لا توجد فوارق بين الشعوب الأوروبية أو العربية فكلاهما تشبع بالحضارة اليونانية والرومانية والمسيحية، ويتميز العقل المصرى بحضارته الإسلامية ومن قبلها الفرعونية وهى أسباب تجعل العقل المصرى منفردًا عن غيره، إلا أن العقل المصرى مر بظروف عصيبة أفسدت عليه أمره ومكنت لأوروبا المُضى فى نهضتها فقطعت شوطًا بعيدًا، فى حين أن الشرق والعرب تأخروا فكريًا وثقافيًا.
كيف يتعايش الوجود الإسلامى فى أوروبا مع الثقافة الأوروبية؟ وهل مر بأزمات خاصة خلال العقد الأخير؟
الوجود الإسلامى فى أوروبا مر بمراحل عديدة ولكن أهم مرحلتين هما خلال الحرب الباردة والتى تلت الحرب العالمية الثانية وحتى انهيار الاتحاد السوفيتى، وكان المسلمون فى أوروبا ينظر لهم على أنهم مهاجرين باعتبارهم عمالًا مؤقتين يعملون ثم يعودوا لأوطانهم ولم تكن قضية التهديد بارزة على سطح الأحداث، أما المرحلة الثانية فبدأت بعد انهيار الاتحاد السوفيتى وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالسيطرة على العالم ومر خلالها المسلمون بأزمات مع الثقافة والفكر الأوروبى، وكان معظمها مصطنعة لاستفزاز المسلمين، ومن ظواهر هذه الأزمات أزمة سلمان رشدى فى بريطانيا، والتى أثارت جدلًا واسعًا بسبب كتاب «آيات شيطانية»، وكان أول صدام حقيقى بين الإسلام والثقافة الأوروبية فى ضوء الصراع بين قضية التغيير فى أوروبا، والمسلمات الدينية غير القابلة للنقاش عند المسلمين، ثم توالت الأزمات بعد ذلك منها أزمة الحجاب التى اندلعت فى فرنسا بسبب تناقض الحجاب مع المبادئ العلمانية الفرنسية، وكانت بداية لصراع الهوية بين المسلمين والمجتمعات الأوروبية، ثم ظهرت أزمة الرسوم المسيئة للرسول عام2005، فضلًا عن أحداث إرهابية كثيرة منها أحداث 11 سبتمبر وتفجيرات مدريد 2004 والتى راح ضحيتها 191 قتيلًا، وتفجيرات لندن 2005 كل هذا أسهم فى توتر العلاقة بين المسلمين والسلطات الأوروبية، كما بدأ الإعلام الغربى يصعد من هذه المشكلة بالإضافة إلى جماعات الضغط غير المرئية التى عملت على زيادة الوقيعة بين المسلمين والغرب وركزت على الفوارق فقط دون طرح للقواسم المشتركة.
ما هى أوجه الخلاف والاتفاق بين فكر المسلمين فى أوروبا والفكر والثقافة الأوروبية؟
الثقافة الأوروبية تنتهج مبدأ الفصل بين الدين والدولة، وهو ما عرف باسم العلمانية مما يعنى توقف دور الدين عن لعب دور المحرك فى التفاعلات السياسية والاجتماعية، مما أدى لخروج الدين أو المقدس من الإطار العام ليبقى فى الإطار الفردى الخاص، أما الإسلام فهو من نمط حياة عام سواء على المستوى الفردى أو الجماعى وهو ما يراه الغرب مخالفًا لنمط حياتهم التى تنتهج فيه الحياة المدنية والذى يجعل الإطار الدينى فى الفعل الفردى فقط.
رغم أن أصحاب الديانات الأخرى الهاربة من أنظمة قمعية فى دولها يعيشون فى أوروبا بحثًا عن الحرية إلا أننا نجد حالة من الاضطهاد والتشدد ضد معتنقى الإسلام.. فكيف نفسر ذلك؟
طبيعة الثقافة العلمانية فى أوروبا تنتهج مبدأ الحياد الدينى والحرية الدينية جميع الديانات، ولكن بضوابط محددة بما فى ذلك حرية اعتناق الدين لكل الديانات أو تغييرها، ولكن بشرط ألا يتعارض ذلك مع القيم الأوروبية بما لا يؤثر على النظام العام وعلى حرية الآخرين، وبالتالى فالقيود الأوروبية ليست مفروضة على اعتناق الديانة ولكن على وسائل التعبير عنها مثل بناء المساجد وارتداء الحجاب والنقاب وكذلك فى حالة تعارض بعض النصوص الدينية مع القيم الأوروبية كما فى حالة تعدد الزوجات فى الإسلام والآيات التى تحث على الجهاد ويراها الأوروبى أنها تحث على العنف، فكلا الطرفين فى معضلة مزدوجة ناتجة عن متطلبات الفصل بين الدين والدولة وهى تمثل عائق ثقافى بنفس القدر الذى يمثله تعارض الإسلام مع الحياد الدينى فى أوروبا وهى معضلة موجودة منذ القدم ولكن طغى عليها وجود المتطرفين الجدد بأفكارهم العنيفة واستخدامهم لأساليب العنف مما يشكل خطورة على المسلمين خلال الفترة القادمة.
هل وقعت الجاليات المسلمة فى أوروبا فى خطأ أنها غير قادرة على تدعيم أفكارها ونقل المفهوم الصحيح عن الدين الإسلامى؟
الجاليات المسلمة فى أوروبا لم تنجح فى استغلال فكرة الحريات فى الثقافة الغربية، فهى تعمل على التنديد و الإدانة وتنظيم مسيرات ونشر بيانات ولكن فى أوروبا يوجد جو من الحريات يمكن استثماره وإنشاء جمعيات مبنية على فكر دينى أو عقائدى أو الانخراط فى الأحزاب السياسية تدريجيًا فى أوروبا كما كانت تستطيع إنشاء «لوبى» قوى لها فى أوروبا خاصة أن لديهم الجنسية وجواز السفر الأوروبى بعيدًا عن التصنيف الدينى والجغرافى وكلها وسائل تساعد فى الدفاع عن آرائهم والوصول لحل وسط للتعامل مع العلمانية الأوروبية وفق مناهج إسلامية.
تصاعد تنظيم داعش وسيطرته على أجزاء كبيرة من الأراضى السورية والعراقية شكل تحديًا كبيرًا خاصة عندما قرر التنظيم أن يصدر الإرهاب إلى أوروبا.. كيف ترى ذلك؟
تنظيم داعش عندما توسع وسيطر على مساحات كبيرة من الأراضى فى سوريا والعراق أراد أن يؤكد على أنه باستطاعته شن أى عملية إرهابية خارج حدوده الإقليمية وفى أى مكان فى العالم حسب تخيله فى فترة تصاعد التنظيم، ومن جهة أخرى انضم للتنظيم أكثر من 5 آلاف شخص خاصة من دول أوروبية مثل بلجيكا وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، انضموا إلى التنظيم بالعراق وسوريا.
وتجدر الإشارة إلى أن حوالى 50% ممن يتوجهون للقتال فى صفوف داعش كانوا من دول أوروبية ومعظمهم لديهم ملفات قضائية وسجلات إجرامية فى فترات سابقة، ووجدوا فى تنظيم داعش توفير بداية جديدة لهؤلاء المقاتلين «المجرمين» من خلال المشاركة فى بناء الدولة الإسلامية عبر خلق هوية إسلامية عابرة للوطنية تذوب فيها الفوارق بين الدول فى مقابل الدفاع عن الخلافة الإسلامية.
وشهدت أوروبا العديد من الهجمات الكبرى تضاعفت عام 2017 مقارنة بعام 2016، وكان عام 2017 عام الإرهاب فى العالم كله وذلك طبقًا لتقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن فى ديسمبر 2018، والذى جاء بعنوان «تطور التهديد الإرهابى فى أوروبا» والذى جاء بالتزامن مع العمليات الداعشية فى أوروبا وتزامن معه كذلك ارتفاع هجمات اليمين المتطرف ضد المسلمين، فمثلًا من 9 هجمات عام 2013 إلى 21 هجمة فى 2016 ثم تصاعد ليصبح 30 هجمة فى 2017 ومعظم هذه الهجمات ركزت على المهاجرين خاصة المسلمين وركزت على دور العبادة خاصة المساجد كذلك نجد هجمات فى المملكة المتحدة وألمانيا والتشيك وبلجيكا والبرتغال وهم من أهم مسارح عمليات اليمين المتطرف، كما أن انخفاض العمليات الإرهابية عام 2018 من قبل التنظيمات السلفية الجهادية سبب الخسائر التى تكبدها تنظيم داعش فى سوريا والعراق، سواء فى الأرواح أو المعدات وكذلك خسارته للأراضى.
كيف يتم نقل من يجندوا فى صفوف التنظيمات الإرهابية من الأوربيين ونقلهم إلى سوريا والعراق عبر الحدود المختلفة لأوروبا؟
تعد منطقة البلقان التى تشمل منطقتى جنوب شرق أوروبا وتحديدًا فى إقليم غرب البلقان، أحد قواعد التجنيد الرئيسية لتنظيم داعش بسبب ارتفاع نسبة البطالة مما أدى إلى اتساع رقعة الطبقات المهمشة والتى أصبحت جزءًا مهمًا لتنظيم داعش ومعظمهم ينتمى إلى ألبانيا ومقدونيا والبوسنة وإقليم كوسوفو، وبالتالى فهم بيئة خصبة لتجنيد الشباب خاصة أن هناك عصابات تقوم بتهجير الشباب، كما يعد إقليم القوقاز هو المنطقة الفاصلة بين أوروبا وآسيا ومفترق طرق عسكرى واستراتيجى وتجارى كما أن وجود حدود مشتركة مع جورجيا مع كل من الشيشان و داغستان وهما بؤرتين رئيسيتين للجماعات الإرهابية مما جعل من جورجيا منطقة ترانزيت للمقاتلين الأجانب المتجهين إلى سوريا والعراق بواسطة الحدود المشتركة مع تركيا وصولًا إلى سوريا والعراق وهى المحطة الأخيرة للمقاتلين الأجانب قبل الوصول إلى سوريا.
فى رأيك ما هى الأسباب الحقيقية لهجرة الشباب من أوروبا للقتال داخل صفوف تنظيمات إرهابية؟
هناك عدد من الأسباب والدوافع لانضمام هؤلاء الشباب سواء رجالًا أو سيدات وعلى رأس تلك الدوافع الدافع المادى وهو أحد أهم الأسباب خاصة مع وجود طابع دولى للأزمة السورية والعراقية حيث تدعم وجودهم دول، مما يسهم فى توفير الجانب المالى اللازم لهؤلاء المقاتلين للاستمرار فى القتال خاصة فى ظل تأجيج الصراع فى المنطقة وقلب الصراع إلى صراع طائفى سنى وشيعى وبالتالى فهناك أموال تتدفق على هؤلاء المقاتلين الأجانب بالإضافة إلى وجود أزمة هوية فى الأجيال الجديدة بالمجتمعات المسلمة الموجودة فى أوروبا وإخفاق الدول الأوروبية فى دمج المسلمين فى مجتمعاتهم كذلك استعداد الفرد المهاجر للجوء للعنف نتيجة عوامل اجتماعية ونفسية فى البيئة وداخل الأسرة.