لدينا فى التراث الشعبى المصرى أمثال عديدة تحض على عقاب المقصر فى عمله، منها مثلًا «من أمن العقاب .. أساء الأدب» والإساءة هنا تعنى «الخطأ» والتبجح فيه، حيث يتوقع المخطئ أو المقصر فى عمله العقاب الذى سيناله والذى لا يزيد فى أغلب الحالات عن اللوم أو التوبيخ، وقد يصل إلى «الإنذار: فى بعض الحالات!
وذلك نظرًا للطبيعة «العائلية» للمجتمع المصرى، ومراعاة الصلة القائمة سواء كانت قرابة أو جيرة أو زمالة إلى آخره.
ولكن لدينا أيضًا أمثال أخرى تشجع وتحفز على المهارة والابتكار، منها مثلًا «الشاطرة تغزل برجل حمار»!
والمعنى هنا أن من يرغب فى النجاح سوف يستفيد من كل ما حوله من أشخاص وظروف وإمكانيات لمساعدته على نجاح مهمته، ولن يتعلل بغياب الإمكانيات أو نقص التمويل.. إلخ.
ولكن أيضًا.. لابد أولًا «أن نعطى العيش لخبازينه.. ولو أكلو نصفه»! أى نراعى الخبرة والتخصص، مع التأكيد على الجدية والكفاءة الإدراية.
أقول ذلك.. لأنه للأسف الشديد – البعض يجيد «التنظير» ويعملك من البحر طحينة!، ولكن عندما يتولى المسئولية تكتشف أنه «بطيخة قرعة»، ونكون كمن ضيعوا وقتهم فى تعبئة الهواء فى زجاجات!
فحسن الإدراة لا يقوم على «الفهلوة» أو مجرد القدرة على التنظير فى وسائل الإعلام المختلفة، وإنما على الموهبة الإدارية وحسن تعبئة الإمكانات المتاحة، واتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب، وهؤلاء من يصفهم المجتمع بأن «إيديهم تتلف فى حرير»! دليلًا على قدراتهم الذاتية وكفاءتهم الشخصية.
وما أقوله هنا ليس جديدًا وقد أشار إليه رئيسنا المحنك فى أكثر من لقاء جماهيرى بمقولته الشهيرة «أحيانًا نسمع كلام جميل ومرتب، ولكن عند التطبيق نجد حاجة تانية خالص»!
والمعنى أن «الفهلوة» والكلام المزوق لم يعد مقبولًا، فالمجتمع أحق بالوقت الذى يضيع فيما يسمى «بالتجربة والخطأ»، ولا يجب أن نخترع العجلة فى هذا المجال، ومن حسن الحظ أن الإصلاح الإدراى الذى يجرى فى مصر الآن يعتمد على رؤية استراتيجية وخطط تنفيذية بمدد محددة، ويعتمد على «معايير» موضوعية واضحة وشفافة.
فنحن نستهدف تحقيق تنمية شاملة ومستديمة، وهذا الهدف يتطلب رفع كفاءة المؤسسات وتهيئة البيئة المواتية لممارسة الأعمال والأنشطة المختلفة.
وهذا معناه أن يتسم الجهاز الإدارى للدولة بالكفاءة والفاعلية، وتتوفر فيه المهنية والشفافية والعدالة لكى يحسن إدارة موارد الدولة، ويقدم خدماته للمواطنين بجودة عالية.
والأهم.. أن يخضع للمسائلة.. والتقييم، ويطبق على جميع العاملين فيه مبدأ «الثواب.. والعقاب».
ولقد قطعت وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى بقيادة الصديقة د. هالة السعيد شوطًا طويلًا فى تنفيذ ما يسمى بالتطور المؤسسى والتدريب وبناء القدرات وتحسين وميكنة الخدمات الحكومية وبالتزامن مع ذلك إعادة صياغة ما يسمى بـ «مدونة السلوك الوظيفى» والتى تتضمن مؤشرات الأداء، والتزامات جهة العمل تجاه الموظف، وواجبات الموظف العام والتزاماته.. وخاصة عدم ممارسة نشاط سياسى والالتزام بجودة تقديم الخدمات والالتزام بحسن المظهر وأدب التعامل والابتعاد عن تضارب المصالح والحفاظ على أسرار العمل وأيضًا على المال العام والممتلكات والموارد العامة.
وقد حددت «المدونة» العقوبات المستحقة على جرائم المال العام مثل الرشوة والتربح واستغلال الوظيفة ولم تهمل العقوبات المقررة للتحرش!
والمفيد من كل ما تقدم.. أن الوزارة أحاطت الموظف العام علمًا بكل ما يخصه من حقوق وواجبات، وما يجب أن يلتزم به من أداء وسلوك، فضلًا عن الإشارة إلى العقوبات المتوقعة عند مخالفة القوانين واللوائح والقرارات، كل ذلك فى «كتيب» صغير تم توزيعه على الجميع.. حتى لايدعى أحد العذر بالجهل بالقانون!
وأوضحت الوزارة أيضًا للجميع أنه سيكون هناك تقييم.. آداء وسلوك» وسيتم مكافأة المحسن ومجازاة المخطئ.
ولم تكتف الوزارة بالإنذار والأعذار ولكنها قررت منح «المتميزين» جائزة خاصة.. منها ما هو مخصص للمؤسسات، ومنها ما هو مخصص للأفراد.
وللعلم.. فالجهاز الإدارى للدولة يضم 33 وزارة ملحق بها 14 مصلحة حكومية، هذا بخلاف 217 هيئة عامة.. ثم لدينا 27 محافظة، و188 مركزًا، و126 مدينة و91 حيًا و1325 قرية، بالإضافة إلى 25 جهاز مدينة.. مثل العاشر وأكتوبر وبدر وزايد وغيرهم.
والجائزة تستهدف نشر ثقافة الجودة والتميز بين الجهاز الإدارى للدولة من خلال تشجيع المنافسة بين جميع وحداته الإدارية وبالطبع سوف تؤدى هذه المنافسة إلى خلق روح الابتكار والإبداع وتحسين الأداء وتطوير الخدمات المقدمة للمواطنين، وسوف ينعكس كل ذلك على معدلات «رضاء» المواطنين عن الخدمات الحكومية.
أى أن هناك منافسة بين المحافظات وكذلك المدن داخل كل محافظة والأحياء داخل كل مدينة وكذلك القرى التابعة.
ومنافسة أخرى بين المؤسسات التعليمية وخاصة الكليات والمعاهد الحكومية ، ومنافسة ثالثة بين الوحدات الإدارية التى تقدم خدماتها للمواطنين كمكاتب البريد والشهر العقارى ومراكز التأهيل المجتمعى لذوى القدرات الخاصة، والمراكز التكنولوجية.
ومنافسة بين المؤسسات التى تقدم الخدمات الذكية، مثل المواقع الإلكترونية وتطبيقات التليفون المحمول.
أما المنافسة على جوائز الأفراد فسوف تتم بين القيادات الحكومية، ولكن بين أربع فئات فقط، وهم رئيس قطاع، رئيس إدارة مركزية، مدير عام، مدير إدارة.
وبالطبع لم تنس الوزارة تخصيص جائزة للابتكار والإبداع، أو بحث أدى إلى حل مشكلة أو تبسيط إجراءات أو تخفيض تكلفة.
والخلاصة.. أن الإصلاح الإدارى الحالى يتم من خلال رؤية علمية، وخطط زمنية، ومعايير موضوعية.
والأهم.. بدء تطبيق مبدأ العقاب لمن يخالف مدونة السلوك، والثواب لمن يتميز فى عمله أويقدم فكرة جديدة أو اختراعًا يمكن تطبيقه.
فيا أيها الموظفون اتقنوا عملكم وأحسنوا سلوككم، فالعقاب وارد، والثواب ممكن!