عبده مباشر
فى الثانى من أغسطس عام 1990، أقدم الرئيس العراقى صدام حسين على غزو الكويت، واندفعت قواته بعد أشهر من التوتر المتصاعد والضغوط والمناورات السياسية والعسكرية لتجتاز خط الحدود باتجاه العاصمة وحال صوت الجنازير الخاصة بالدبابات وهى تهدر على الطريق بيد صدام وتبين حقيقة المستنقع الذى دفع إليه العالم العربى والأمة العربية بهذه الخطوة.
والذى لاشك فيه أن صدام قد أخطأ فى حساباته وهو يخطط للغزو، وفشل فى تقدير موقف الأطراف العربية والعالمية، ولم يحالفه التوفيق وهو يحاول قراءة خريطة المصالح الغربية فى المنطقة خاصة فى الكويت والسعودية وعندما عبأ صدام شراع المنطقة برياح الحرب ابتداءً من ربيع عام 1990، عملت قوى دولية وعربية وإسلامية على تشجيعه استدراجا أو طعما أو ممالأة.
ويمكن القول أن مصر سعت بقوة لحماية العراق والشعب العراقى من مخاطر مخططات صدام، ولم تدخر أى جهد لإثناء الرجل عن وضع خططه موضع التنفيذ كما توسطت لحل خلافاته التى أعلن عنها مع الكويت.
وعلى طريق المناورة للإيحاء بأنه لا يفكر فى الحرب، قال.. لو حدث لا سمح الله أن اعتدى العراق على دولة أخرى، فعلى العرب أن يجيشوا جيوشهم ضد العراق.
ولم يكن العرب وحدهم هم الذين جيشوا جيوشهم بل لقد جيش العالم كله جيوشه لمواجهة أطماع صدام.
ولكن تجييش الجيوش لم يكن أبدًا أمرًا سهلًا أو فى المتناول، أو أنه يمكن تحقيقه بمجرد الضغط على عدة أزرار وكانت هناك عقبات.
وفى البداية وبعد أن أصبح تهديد المصالح الغربية، خاصة الأمريكية فى منطقة الخليج أمرا واقعا بعد نجاح العراق فى احتلال الكويت، وبعد أن أصبحت المملكة العربية السعودية تتعرض لمخاطر حقيقية بعد أن أصبحت مناطقها الشرقية فى متناول القوات العراقية، وهذه المناطق هى الأغنى بتروليا، أى أن أهم منطقة بترولية سعودية، تبينت القيادة الأمريكية أن عملية حشد قواتها على الحدود السعودية – العراقية، والسعودية – الكويتية – تحتاج إلى وقت ليس بالقصير، فالقوات البرية الأمريكية المتاحة والمستعدة فى هذا الوقت لأداء هذا الواجب وتحمل هذه المسئولية وهى قوات الانتشار السريع موجودة فى معسكراتها بمدينة تامبا بولاية فلوريدا. ولكن نقلها من معسكراتها جوا وبحرا وإعادة تمركزها بمنطقة العمليات المنتظرة يستغرق وقتا لا يقل عن شهرين. وفيما لو لجأت القيادة الأمريكية لاستخدام قواتها الموجودة بقواعد حلف الأطلنطى فى عدد من الدول الأوروبية مثل ألمانيا وإسبانيا واليونان وتركيا، فإن ذلك سيحدث بالضرورة خللا فى خطط الحلف الدفاعية الاستراتيجية، وهذا ما لا يمكن الإقدام عليه أو حتى التفكير فيه.
واتجهت أنظار القيادة الأمريكية فى هذا الوقت البالغ الدقة والحرج للاعتماد على قوات برية من الدول المجاورة بشرط أن يكون تسليحها أمريكيا وأن تكون حسنة التدريب وذات كفاءة قتالية مرتفعة ومن خلال عمليات الدراسة والتحليل والتقييم برزت أهمية القوات البرية المصرية عالية التدريب، وصلاحياتها لتنفيذ مهمة الحشد وبسرعة إلى أن يجرى حشد باقى القوات. وارتاح المخططون الأمريكيون وهم يتابعون الموقف المصرى الرافض للغزو والمطالب بسرعة انسحاب القوات العراقية من الكويت واستعادة الدولة لسيادتها على أراضيها، والمساند للسعودية فى مواجهة التهديد الذى تتعرض له.
وأدركت القيادة الأمريكية والرئيس بوش الأب أن مصر على استعداد للمشاركة فى عمل عسكرى لتحرير الكويت إذا ما فشلت كل الجهود السلمية فى تحقيق هذا الهدف.
وساعد كل ذلك على تشجيع الأمريكيين على طرق أبواب مصر لبحث إمكانية الاستعانة بالقوات المصرية البرية.
وبالضرورة وبما أن الولايات المتحدة تسهم بقوة فى تسليح القوات المسلحة المصرية منذ توقيع اتفاقية السلام فى كامب ديفيد عام 1979، فإنها تعلم أن الجيش المصرى هو الوحيد القادر على القيام بهذه المهمة لما يمتلكه من قدرات تدريبية وعسكرية.
واتجهت أنظار القيادة العسكرية الأمريكية نحو نقل القوات المصرية التى سيتم الموافقة على مشاركتها من قبل القيادة المصرية للاستعانة بها ونقلها للاحتشاد والتمركز بالقرب من الحدود السعودية المشتركة مع كل من العراق والكويت.
وأمام حاجة القيادة الأمريكية للقوات المصرية الأقوى تدريبًا وتسليحًا وعملياتيًا لسد هذا الاحتياج الفورى الذى فرضه اجتياح العراق للكويت وتهديده للسعودية، خاصة للمنطقة الشرقية بكل ما بها من ثروة بترولية سعت لجس نبض مصر، ومعرفة المدى الذى يمكن أن تذهب إليه مع وضع كل الظروف فى الاعتبار.
وسارت خطوات جس النبض فى البداية على محورين أو عبر قناتين – الأولى قناة الملحق العسكرى الأمريكى، والثانية قناة ضابط الاتصال الأمنى.
ومن خلال القناة الأولى أبلغ جون ليمون الملحق الحربى الأمريكى نظيره الذى يتصل به فى مصر بالمطلب الأمريكى، وفعل نفس الشىء شارك ماكوى ضابط الاتصال الأمنى.
وبسرعة انتهت مرحلة جس النبض، التى عرفت خلالها مصر أن الولايات المتحدة تقترح على مصر المشاركة بقوات فى إطار قوة عالمية تعمل تحت مظلة الأمم المتحدة لمواجهة الأخطار والتهديدات العراقية لمنطقة شبه الجزيرة العربية، خاصة المملكة السعودية بعد أن سيطرت على الكويت، وبدأت مرحلة شاقة وصعبة من التفاوض والاتصالات وكان منطقيا أن تتم مناقشة الوضع السياسى والعسكرى بالمنطقة على ضوء الوجود العسكرى العراقى على أرض الكويت، وحقيقة الأطماع العراقية وطموحات الرئيس صدام وأهدافه العلنية والسرية، ودور الأطراف المختلفة.
وبدأ واضحا أن الإدارة الأمريكية تعتمد اعتمادا كليا على الدور المصرى، وأنها تقدر موقف مصر الإيجابى الرافض للاحتلال العراقى للكويت، بالرغم من كل العروض المالية السخية التى عرضها صدام على مصر لمجرد الوقوف على الحياد وقد نقلت أطراف عراقية مسئولة وأردنية استعداد صدام لتمويل مبالغ تصل إلى 30 مليار دولار إلى مصر إذا ما وافقت على اتخاذ موقف الحياد فى هذا الصراع، بالإضافة إلى استعداده لعقد صفقات سلاح من إنتاج المصانع الحربية المصرية بمليارات الدولارات.
وكان الأمريكيون على علم بكل هذه العروض وبالرفض المصرى تمسكا بمبدأ رفض العدوان واحتلال أرض دولة عربية بالقوة المسلحة.
ولم يكن الأمر سهلا بالنسبة للقيادة المصرية فمن جانب كانت تتبنى سياسة عدم الزج بالقوات المسلحة المصريه فى صراعات عسكر ية خارج أرض مصر ومن جانب آخر كانت مقتنعة أو فلنقل أنها كانت على يقين أن الرئيس صدام لن ينسحب من الكويت إلا بالقوة وأن دول العالم العربى لا تملك من القوة ما يكفى لإرغام القوات العراقية على الانسحاب وبالتالى فإن الموقف الذى يتفق والخط السياسى المصرى الرافض للعدوان العراقى على دولة جارة وعربية يتطلب التعاون مع الولايات المتحدة التى بدأت فى تشكيل تحالف دولى تحت مظلة الأمم المتحدة لتحرير الكويت إما سلما أو حربا. وكانت القيادة المصرية تأمل أن يقنع الحشد العسكرى لقوات التحالف فى السعودية الرئيس صدام بالانسحاب حماية للعراق والشعب العراقى والقوات المسلحة العراقية.
ولكن الإقدام على تحريك قوات مصرية كان يتطلب عدة خطوات رئيسية ومهمة منها: