رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

حكاية “سوء” العمل !

1868

كالعادة.. تتباين الآراء.. وتختلف وجهات النظر.. حول الموضوع الواحد..، بينما نصاب – نحن الصحفيين – بالحيرة والصداع عندما نحاول فهم الموضوع وتبسيطه وشرحه للقراء.
وقد احترت وغُلب حمارى فى فهم مشكلة البطالة وطبيعة سوق العمل فى مصر.
حيث أجزم البعض أن المشكلة ليست فى سوق العمل، وإنما فى مخرجات التعليم التى لا تتناسب مع متطلبات هذا السوق.
البعض الآخر أفتى بأن المشكلة ليست فى السوق.. ولا فى التعليم، وإنما فى السياسات.. مشيرًا إلى ضرورة التركيز على الاستثمارات كثيفة العمالة.
وقد كشف الجهاز المركزى للمحاسبات مؤخرًا، أن السكان زادوا بنسبة 3.1% فى الفترة من 2010 إلى 2015، بينما لم تزد فرص العمل فى تلك الفترة سوى بنسبة 0.9% فقط.
وهو ما يعنى أن على مصر توفير ما يجاوز مليون فرصة عمل سنويا، بواقع 90 ألف فرصة شهريا، لكى تستوعب الحجم المتراكم من البطالة.. والداخلين الجدد لسوق العمل.
طيب.. ولو توفرت المليون فرصة سنويا.. تتحل المشكلة؟، خبراء منظمة العمل الدولية يقولون: لا.. ولا يجب أن تختزل المشكلة فى إيجاد فرصة العمل للباحث عنها، ولكن يجب أن تكون هذه الفرصة «لائقة»، أى أن تكون منتجة وتتناسب مع قدرات ومؤهلات العامل، وأن تتم فى بيئة مناسبة، مع التزام أطراف التعاقد بكامل الواجبات والحقوق.
كلام جميل ومحترم.. ولكنه ينتظر «المدينة الفاضلة».. لكى يتحقق!
وعود على بدء.. وفى محاولة جديدة للفهم حضرت ندوة جمعية «شراع» بدعوة كريمة من الصديق د.زياد بهاء الدين، حيث شرح د. راجى أسعد – أكثر المصريين تخصصا فى هذا المجال – طبيعة المشاكل فى سوق العمل المصرية.
وقد أجمل هذه المشاكل فى ارتفاع حجم البطالة، وتدنى مستوى العمالة، ووجود اقتصاد غير رسمى، وعدم ملائمة مخرجات التعليم لمتطلبات السوق، ثم انخفاض نسبة مشاركة المرأة فى العمل.
تمام.. وماذا بعد؟
قال: المشكلة فى العرض وليست فى الطلب! وهو ما يؤدى إلى عدم الربط بين الاثنين، وإذا كانت هناك مشكلة فى الطلب تتمثل فى تباطؤ معدلات النمو، وطبيعة النمو ذاته..، إلا أن المشكلة سببها جانب العرض..
كيف يا دكتور؟!
فأجاب: صبرا آل ياسر.. موضحًا أنه إذا كانت هناك قيود على زيادة الطلب فى سوق العمل.. تتمثل فى المراوحة بين الملكية العامة والخاصة فى الاقتصاد المصرى، وعدم نمو القطاع الخاص بشكل كاف، وأن القطاعات النشطة فى الاقتصاد لا تتطلب عمالة مؤهلة.. وخاصة قطاعات التشييد، وتجارة التجزئة، والنقل والمواصلات.. فما زالت المشكلة أيضا فى جانب العرض بسبب ما أسماه «توازن الشهادات»!
موضحا أن هناك تفضيلا للوظيفة الحكومية عن العمل فى القطاع الخاص.
وهناك أيضا توسع فى التعليم الجامعى.
فالتعليم الجامعى خلال السنوات القليلة الماضية زاد بنسبة 5.6% سنويا، أى ما يمثل ثلاثة أضعاف نسبة الزيادة السكانية.
والمشكلة أن النسبة الأعلى فى هذه الزيادة كانت فى الكليات النظرية.. مثل العلوم الإنسانية والاجتماعية.. أى كليات الحقوق والآداب والألسن وغيرها.
وذلك بسبب ارتفاع تكلفة خلق «مقعد» دراسى جديد فى الدراسات التطبيقية.. مثل الهندسة.
ففى الكليات النظرية يكون هناك «أستاذ» لكل 350 طالبًا، بينما فى الكليات التطبيقية يجب أن يكون «الأستاذ» لكل 15 طالبًا فقط.
ولذلك تكون النسبة الأعلى بين المتعطلين بين خريجى الجامعات.. والتى تصل إلى حوالى 25% من حجم البطالة الموجودة، أضف إلى ذلك تأثير العادات والتقاليد فى المجتمع بالنسبة لعمل المرأة فى بعض المهن أو الوظائف.
وهو ما ينعكس على نسبة مشاركة المرأة فى العمل والتى تصل إلى أقل من 25%، ونصف هذه النسبة تعمل فى الحكومة والقطاع العام، والنصف الباقى فى القطاع العائلى!
طيب.. وبعدين؟
قال: إن هناك خللا فى هذا السوق، سواء فى العمل المؤقت، أو فى انخفاض نسبة عمل المرأة، أو فى عدم تلبية مخرجات التعليم لمتطلبات السوق.
ومن ثم.. لابد من تغيير هيكلى فى القطاعات والسياسات، والاهتمام بالقطاعات كثيفة العمالة وخاصة القائمة منها على التصدير.
وأيضا التوسع فى الأنشطة الجديدة مثل الطاقة المتجددة والخدمات غير المصرفية، والاهتمام بما يسمى باقتصاد الرعاية.. المتمثل فى التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية.
هذا ما قاله د. راجى أسعد.. وهى محاولة جديدة لفهم الأسباب لاختصار وقت المعالجة.
وأعتقد أن المشكلة مازالت قائمة.. وفى رأيى وكما يقول المثل.. الحاجة أم الاختراع.. وطالما تدب الأرجل على الأرض.. فسوف يبحث الناس عن حلول مبتكرة لمشاكلهم وسوف يهتدون إلى أن التصنيع والإنتاج هو الحل.