عقب النصيحة التي وجهها له القائد الفرنسي الكولونيل سيف (Seves) بأن يكون قادة الجند من المصريين في عام 1825 حرص محمد عليّ على تطوير المدرسة العسكرية التي أنشأها عام 1811، فنقلها من القاهرة إلى «أسوان» وطوَّرها وفق الأسلوب العلمي الذي تتخذه الجيوش الكبيرة؛ وقال الجبرتي عن ذلك: «إن الجيش هو الدعامة الأولى التي شيد عليها محمد علي كيان مصر المستقلة، ولولاه لما تكونت الدولة المصرية ولا تحقق استقلالها، وهو الذي كفل هذا الاستقلال وصانه نيفًا وستين سنة».
انتقلت المدرسة الحربية بين عدة مدن حتى استقرت فى مكانها الحالى عام 1952 وسُميت بالكلية الحربية بعد أن كانت تسمى الكلية الحربية الملكية.
فى عام 1961 تم إدخال التخصصات فى الكلية الحربية، وفى فبراير 1969 تم تسمية الطالب (طالب مقاتل) لتأكيد صفة الاحتراف فى القتال من لحظة دخوله الكلية.
تم تحديث أسلوب ومناهج التدريب والدراسات العلمية وتطويرها بالكلية منذ إنشائها لتواكب التطور فى المجال العسكرى وتطور الأسلحة.
شهدت ساحة الكلية الحربية (أرض العلم) العديد من الأحداث، سواء خلال فترات الدراسة والتدريب أو خلال حفلات التخرج، وما قام به طلاب الكلية الحربية خلال فترة حرب الاستنزاف وخلال فترة الاستعداد لحرب أكتوبر، فسطَّر الأبطال من خريجى الكلية الحربية بطولات نُقشت فى سجلات الشرف والفداء بأحرف من نور.
خلال حفل تخرج الدفعة 113 حربية، دفعة المشير محمد عبدالحليم أبو غزالة، قدم الخريجون فقرة تكتيكية أكدت مستوى الدقة العالية فى الأداء والكفاءة فى التدريب والمستوى الراقى الذى وصل إليه الخريجون.
فُرض موقف تكتيكى بتنفيذ أحد المهام التدريبية بمحاذاة الساحل، لمواجهة أحد العدائيات، (وهو موقف افتراضى مصمَّم وفق معلومات وفرضيات عقب انتهاء فترة الدراسة بالكليات والمعاهد العسكرية لبيان مدى جاهزية الطالب المقاتل ونجاحه فى التدريب).
قدم الخريجون عرضًا مبهرًا فى ساحة العرض تمثل فى دقة المعلومات حول حجم العدائيات التى تم رصدها ودقة التخطيط لإدارة المعركة والمواجهة وحجم التنسيق بين مختلف الأسلحة لإدارة معركة مكتملة، بدءًا من التوجيه الطوبوغرافى وانتهاء بالنجاح فى تنفيذ المهمة ورفع علم مصر عاليًا خفاقًا.
اتخذت مجموعة من الطلبة أوضاعها الدفاعية ممثلين جميع الأسلحة والأفرع الرئيسية للقوات المسلحة بعد انتهائهم من فترة التدريب والتأهيل التخصصى خلال دراستهم العلمية واكتسابهم المهارات الأساسية والتدريب التخصصى الراقي.
بدأت الفكرة التكتيكية بقيام عناصر الاستطلاع العام لقواتنا باكتشاف حجم وإمكانيات العدائيات والتبليغ عنها.
أعقب ذلك قيام العدو بإطلاق النيران على قواتنا أثناء اتخاذها الأوضاع الدفاعية لتكبديها أكبر قدر ممكن من الخسائر.
تلا ذلك قيام عناصر مدفعية قواتنا برصد العدائيات وتحديدها من خلال مراكز الملاحظات وقيامها بقصف الأهداف المكتشفة، بعدها تصدر الأوامر إلى القوات القائمة بالهجوم بتنفيذ المهمة والقضاء على العدائيات تحت غطاء من الصواريخ قصيرة المدى والمعاونة النيرانية من خلال عناصر المدفعية وتعاون تكتيكى ونيرانى مع القوات الخاصة البحرية.
تبدأ عناصر الصاعقة البحرية الإبرار خلف خطوط العدو لاستطلاع الهدف المعادى وفتح ثغرة بين القوات القائمة بالهجوم؛ ولغرض تأمين دفع القوة الرئيسية تتقدم عناصر التأمين المختلفة من الاستطلاع العام والهندسى والكيميائى لتأمين طرق التقدم ضد أية عدائيات.
نفذت عناصر الحرب الإلكترونية أعمال الاستطلاع اللاسلكى وتحديد الاتجاه للشبكات اللاسلكية المعادية.
حققت عناصر الإشارة السيطرة الإشارية على عناصر تشكيل المعركة، وباستغلال أعمال القتال الجوية والدفاع الجوى وقصفة تأمين الدفع للمدفعية تتقدم القوة الرئيسية القائمة بالهجوم من المشاة والمدرعات بمهمة تدمير العدائيات.
إبان ذلك بدأ العدو إطلاق النيران لعرقلة تقدم قواتنا المهاجمة.
حددت عناصر القوات الخاصة البحرية الخدمات قبل إعطائها إشارة للقوات المهاجمة بتنفيذ المهمة، وبدأت الدبابات الاشتباك مع الأهداف المكتشفة.
بدأ طلبة جناح المشاة التقدم بالوثبات التكتيكية باستخدام المدرعات مستغلين طبيعة الأرض والمهارة فى تحركات الأفراد فى الميدان وإطلاق كافة النيران المتيسرة على الأهداف المعادية استعدادًا للهجوم.
تولت جماعة الإخلاء الطبى التعامل مع المصابين وإجراء الإسعافات الأولية لهم ونقلهم إلى نقطة الإسعاف، فيما بدأت مجموعة من الطلبة بمهاجمة العدائيات بالتعاون مع عناصر الصاعقة البحرية وتحت ستر نيران الدبابات.
اقتحم جناح المشاة تجهيزات العدو الهندسية بجرأة وجسارة ونجح فى تدمير دباباته وعرباته المدرعة واقتحام موقع العدو الدفاعى والاستيلاء عليه منجزين بذلك المهمة المكلفين بها.
لم تتجاوز المعركة خلال العرض 5 دقائق منذ بدء وصول القوات إلى أرض المعركة فى ساحة طابور العرض بالكلية الحربية حتى رفع العلم المصرى على الموقع المعادى، كانت المعركة تحمل عدة رسائل مهمة:
الرسالة الأولى:
ما وصل إليه الخريجون من احترافية فى التدريب والقتال خلال فترة دراستهم بالكلية الحربية وإتمامهم فترة التدريب التخصصى خلال فترة دراستهم العملية، وقد ظهر ذلك جليًا عندما عرض أحد الخريجين بالقسم النهائى التوجيه الطوبوغرافى للمعركة، وهو ما يتم خلال مشروعات التدريب الكبرى فى ميادين القتال.
الرسالة الثانية:
ما وصل إليه الخريجون من احترافية فى إدارة المعركة بدءًا من عملية الرصد الدقيق لأحد العدائيات الساحلية والتنسيق مع كافة الأسلحة والأفرع المختلفة لإدارة معركة تعد من أقوى وأنجح معارك الأسلحة المشتركة.
الرسالة الثالثة:
سرعة الرد على العدو ودقة إصابة الهدف، مما كان له عظيم الأثر فى الانتصار على العدو وانتهاء المعركة خلال دقائق.
الرسالة الرابعة:
ما تمتع به الخريجون من قدرة قتالية سواء فى مواجهة العدو بالسلاح أو القتال المتلاحم عند نفاد الذخيرة وتكبيد قوات العدو خسائر كبيرة فى الأفراد، الأمر الذى يعكس مدى التدريب الراقى للطلبة بما يؤهلهم ليكونوا خير دماء جديدة تتدفق فى شرايين القوات المسلحة.
الرسالة الخامسة:
يقظة أفراد القوات المسلحة المصرية، وقدرتهم على مواجهة أية عدائيات تستهدف الدولة المصرية موجهين رسالة مفادها «من يقترب من حدود الدولة المصرية يحترق».
لم تكن رسائل خريجى الكلية الحربية بعيدة عن الرسائل التى قدمها المصريون خلال الفيلم التسجيلى «شعب أصيل» الذى أعدته إدارة الشئون المعنوية.
كان مفاد هذه الرسائل أن سنظل نقدم أبناءنا لينالوا شرف الانضمام إلى مصانع الرجال فى الكليات العسكرية ليكونوا فى طليعة المدافعين عن تراب هذا الوطن، فالالتحاق بالجندية داخل صفوف القوات المسلحة شرف لا يضاهيه شرف.
جاءت كلمات الأب الذى وقف إلى جوار ابنه طالب الكلية الحربية معبرة عن رسالة الشعب المصرى كافة عندما قال «كلنا فداء للبلد دى.. قلت لابنى مصر أمانة فى رقبتك، ودم الشهداء أمانة فى رقبتك، كلنا فداء مصر».
جاء احتفال تخريج الدفعات الجديدة من خريجى الكليات العسكرية حاملًا رسالة أخرى مهمة هى التلاحم بين جناحى الردع والأمن للأمة خلال مشاركة مجموعة من خريجى كلية الشرطة لزملائهم فى الكليات العسكرية خلال طابور العرض العسكري.
فهما الصخرة التى تحطمت عليها مخططات هدم الدولة، واستهداف مؤسساتها.
خلال حفل تخريج كلية الشرطة نفذ الخريجون عملية تطهير لأحد البؤر الإرهابية بمشاركة زملائهم من طلبة الكلية الحربية، ليؤكدوا قوة وصلابة العلاقة بين جناحى الردع والأمن.