رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

مواقع التواصل منصات هجوم

1315

 

بالعودة لقراءة التاريخ من منظور اجتماعى، وتلك المدرسة فى دراسة التاريخ تتلمذت فيها على يد المؤرخ الفذ رؤوف عباس، فقد علمنى أن التاريخ على علته ليس بالثراء الكافى لنغتنم منه العلوم والمعارف، إنما عندما نستذكره طبقا لرؤى نقدية اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية وهكذا يمكننا أن نرى المستقبل ونستبصره من هذه النافذة النقدية أو تلك، وربما برؤية علوم الانثربولوجى والجيوبولوتكى قد نرى مزيدا من المعارف عن ظواهر وحقائق قد تبدو بديهية لأول وهلة، واعتمادا على ما سطره العظيم جيمس بريستيد عن المصريين وأخلاقهم ومن قبله بخمس قرون قبل الميلاد يتحدث عن مصر أبو التاريخ المؤرخ الإغريقى هيرودت، وتاليه علماء فرنسا فى مجلداتهم العشرين «وصف مصر» وبعدهم المترجم شامبليون – ولى شخصيا اعتراض أخلاقى على تمثاله فى باريس – ومن بعدهم الجبرتى فى موسوعته «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» وغيرهم ممن تحدثوا عن المصريين وتماسكهم ووحدتهم وترابطهم الاجتماعى الذى لا يقابله مثيل بين شعوب المعمورة على الإطلاق ربما شخصيا أرجع السبب للطبيعة الجغرافية لأرض المصريين التى قد تُلهم بعض المفكرين من المؤرخين والكتاب بالحديث عن عبقرية المكان كما المخلص لوطنه الراحل جمال حمدان، وبوجه عام يتواصل المصريون فيما بينهم بعدة آليات للتواصل منها اللغة وبها العديد من المفردات والأمثلة الشعبية المتوارثة والقوالب الأدبية على اختلاف مسمياتها من حكى إلى غناء مرورا بالسرد الروائى والقصصى والنظم المقفى والحر وغير تلك القوالب كثير جدا، وهى التى تعنى بتوصيل مشاعر الود والمحبة والانسجام والتراحم والتكاتف والتعاطف بين المصريين حتى أن الراصد لحديث المصريين ومفرداتهم لا يكاد يفرق بين المتكلم والمخاطب فى الفصيلات الدينية أو القروية أو البدوية أو التعليمية أو الاقتصادية فعموم المصريين يتحدثون لبعضهم البعض ليس لأغراض تبليغ القصد والمطالب، أو بهدف مصالح التعايش، بل للوصال والتواصل، كما تجد بين المصريين من يتحدث عن آخر وكأنه يعرفه كما يعرف من هم من ذوى الأرحام والجيران والأصدقاء والزملاء، ولا يكاد يتعارف مصريان فى إحدى المواصلات العامة إلا ويتحولا إلى صديقين وهذا المشهد تجده فى دور العبادة والتعليم، ومحلات العمل على تنوعها وتمايزها، حتى أن المصريين يشتهرون بالمثل القائل «مصر أوضة وصالة» و«مسير الحى يتلاقى»، كما يستهل المصرى حديثه للمرة الأولى مع غيره من المصريين ابتداء بمفردات تقريبية ومسالمة وراغبة فى التواصل الإنسانى كما تسمع فى كثير من الأحيان: «حبيبى» و«عمى» و«والدى» و«ويا أمى» وربما لم تكن بين المتكلم والمخاطب أدنى صلة سابقا، والمدهش هو أن تجد زميلا لك يذكرك بمناسبة اجتماعية لابنة زميل آخر بالعمل ويحثك على التهادى من باب التكافل والدعم والعون لهذا الثالث صاحب المناسبة أيا كانت طبيعتها، وكما تجد نفسك مدعوا من جانب جار لك لاصطحابك لزيارة جار ثالث مريض أو فقط لتغيبه عن (ناظريكما) أكثر من يومين، وفى مصر وحدها يمتلىء سرادق العزاء بمشاركين لا علاقة لهم بأهل المتوفى وليسوا من معارفه، وأيضا ربما لم يعرفوه على الإطلاق ولكن اصطحبهم صديق مشترك بينهم وربما هو الآخر ليس على علاقة وطيدة بأهل المتوفى أو المتوفى ذاته، إنما هى سلوكيات التراحم والتواصل وكأننا جميعا أسرة واحدة وليس من الدراما فى شىء عندما تجد مشهد العزاء هذا متشابكا فى قاعات المناسبات بالمساجد والكنائس فلا تفرق بين درجات القرابة أو مستويات المعرفة بين هؤلاء وهؤلاء، فقط جميعنا مصريين، وربما هذا ما أغضب هؤلاء الأباعد، والحاقدين، والمشردين على مدار تاريخهم القزم القصير، وآثار غلهم العظيم الدفين، فدبروا سرا وجهرا وخططوا فرادى وجماعات لتفرقة وحدة المصريين وتوهموا عندما يختلقون مواقع التواصل الافتراضى أنهم سيكسبون معركة لم تخطر على بالـ «الأبالسة الملاعين»، فأغدقوا إنفاق الأموال، وأوفدوا الدارسين الميدانيين، وانكب الباحثون الاجتماعيون على دراسة تلك الظاهرة الفطرية فى وحدة المصريين وكيفية هدمها، وتوهموا أن المصريين سوف يعزون بعضهم البعض على مواقع التواصل، وسيتكاسلون عن مواساة بعضهم البعض وستخلوا سرادقات العزاء!

وتوهموا أن المصريين سيتشاركون مناسباتهم بتعليقات الإعجاب وسيكتفون بإرسال صور من الحلوى والورود، ويبخلون بهداياهم الحقيقية الداعمة والتى بمثابة دين وجب سداده، أو جمعية ترد وقت طلبها بالمثل فى ذات المناسبات أو غيرها.

وتوهموا أن المصريين سيتباعدون وينفصلون ويفقدون وصالهم الفطرى والغريزى عندما يتعاملون مع وسائل التواصل الاجتماعى.

تُرى من سيكسب تلك المعركة؟ وما هى نتائجها؟ هل ستبقى مواقع التواصل (افتراضية، لا فاعلة، ولا وجود لها بيننا ولا أثر لها علينا) أم سنتحول الى مجتمع (لا موجود افتراضى – مفعول به)، من ستكون له الغلبة (هم الأباعد) أم (نحن المصريين)!  (ليس هذا سؤالا).




503 Service Unavailable

Service Unavailable

The server is temporarily unable to service your request due to maintenance downtime or capacity problems. Please try again later.

Additionally, a 503 Service Unavailable error was encountered while trying to use an ErrorDocument to handle the request.