رغم أن الحديث عن مؤشرات الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة
لا يزال مبكرا، إلا أن منافسة حامية تدور حاليا بين نحو 20 مرشحًا في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، للحصول في النهاية على ترشيح الحزب لمواجهة ترامب، إلا أن تطورات الأحداث على الساحة، بما تشمله من مناظرات، وتصريحات متبادلة، واستطلاعات رأى، ربما تكشف عن مؤشرات عامة لما سيكون عليه المشهد في الفترة القادمة.
وأكدت المناظرة الثانية بين المرشحين الديمقراطيين المخاوف السابقة بشأن عدم وجود مرشح واحد قوي قادر على تحقيق حلم الديمقراطيين في العودة مرة أخرى للبيت الأبيض، وهذا ما أكدته العديد من وسائل الإعلام العالمية في مشاهداتها وتحليلاتها.
كتبت: روضة فؤاد
قبل التطرق بشكل تفصيلى لما جاء فى المناظرة، من المهم إعطاء نبذة صغيرة عن أبرز المرشحين الديمقراطيين الذين يمتلكون فرصًا «حقيقية» فى الحصول على ترشيح الحزب الديمقراطى فى الانتخابات الثالثة.
بايدن.. الفرصة الأخيرة
بلا شك هذه هى فرصة جو بايدن الأخيرة، فنائب الرئيس السابق الذى يبلغ من العمر 77 عامًا ويعتبر المرشح الأكبر سنًا الذى ينافس على البيت الأبيض، يثير الجدل منذ إعلان ترشحه بسبب سنه، وقدرته على المواصلة إلى آخر الطريق فى مقابل منافسيه الأصغر سنًا.
ويتصدر بايدن استطلاعات الرأى، ويعتبر الأوفر حظًا فى نيل ثقة الحزب الديمقراطى لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ولكنه أثار مخاوف العديد من الديمقراطيين بسبب أدائه السلبى خاصة فى المناظرة الأولى، مما جعل أحد أعضاء مجلس الشيوخ من الديمقراطيين يقول «كنت قلقًا أنه ربما يكون فقد قدرته على التفكير وهو واقف»، ورغم ذلك، لا يزال بايدن المرشح الديمقراطى الأبرز الذى يتقدم على منافسيه فى استطلاعات الرأى بنحو 15 نقطة.
ومن أبرز نقاط القوة التى يمتلكها بايدن خبرته السياسية الكبيرة، وتعتبر انتخابات 2020 ثالث حملة انتخابية له فى تاريخه، حيث خاض حملته الأولى عام 1998، والثانية 2008، وها هو يخوض حملته الثالثة والأخيرة، كما أنه أكثر سيناتور استمر فى مجلس الشيوخ الأمريكى، وكان نائبًا للرئيس أوباما فى الفترة الأولى والثانية حتى عام 2016.
أما عن أبرز مواقفه السياسية، فهو يؤيد بشكل كامل مشروع «أوباما كير»، ففى تجمع انتخابى لنقابات العمال فى نيفادا، دافع بايدن بحماس عن الرئيس السابق أوباما، وإنجازه التشريعى الأبرز المتعلق بالرعاية الصحية المعروف باسم «أوباما كير»، حيث قال نصًا «أعارض أى ديمقراطى يريد التخلص من مشروع أوباما كير»، أما عن موقفه من الهجرة، فهو غير واضح، ففى الوقت الذى اعترض فيه على جدار المكسيك الذى يريده ترامب، فإنه صوت عام 2006 لقانون السياج العام الذى يدعم بناء جدران وحواجز أكثر على حدود المكسيك، كما يرفض أيضًا منح رخص قيادة للمهاجرين غير الشرعيين منذ 2007.
بيرني ساندرز.. عودة الاشتراكي
قبل نحو 4 أعوام، عندما أعلن السيناتور «بيرنى ساندرز» ترشحه فى الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطى لاختيار مرشح الحزب فى الانتخابات الرئاسية 2016، لم يثر الأمر اهتمامًا كبيرًا فى البداية، ولكنه استطاع أن يحقق المفاجأة، وكاد ساندرز الذى يصف نفسه بالديمقراطى الاشتراكى أن يهزم هيلارى كلينتون، إذ فاز بـ23 من الانتخابات التمهيدية أو الاجتماعات الحزبية لاختيار المرشحين أمام كلينتون التى كانت تحظى بتمويل أفضل، ونجح ساندرز حينها فى كسب المؤيدين عبر خطابه المناهض لـ«وول ستريت»، وحديثه عن ثورة سياسية، ودعوته لتقديم رعاية صحية شاملة لجميع الفئات، وتحديد الحد الأدنى للأجور عند 15 دولارًا فى الساعة، وتوفير دراسة جامعية مجانية.
والآن، يكرر ساندرز التجربة مرة أخرى، إذ انضم إلى المرشحين الديمقراطيين الساعين إلى هزيمة الرئيس ترامب فى انتخابات 2020، ومنذ اللحظة الأولى لإعلان ترشحه هاجم ترامب قائلًا إنه مصدر عار على الصعيد الوطنى، ومريض بالكذب، مضيفًا «أعتقد كذلك أنه عنصرى ومتحيز جنسيًا، ويعانى من رهاب المثليين والأجانب، وبأنه شخص يكتسب نقاطًا سياسية رخيصة عبر التهجم على الأقليات، والمهاجرين الذين لا يحملون وثائق أساسًا».
وإذا كان ساندرز اقترب من تحقيق المفاجأة فى الانتخابات الماضية، فما هى فرصه هذه المرة؟، الواقع أنه لا يزال يتمتع بشعبية فى أوساط كثير من الديمقراطيين، ولكن المعركة ليست سهلة بأى حال من الأحوال، خاصة أنه مثل بايدن فى عمر الـ77، كما تعرض للانتقاد من قبل حركة ME TOO بعدما اشتكت نساء فى فريق حملته الانتخابية فى 2016 من تعرضهن للتحرش الجنسى من قبل موظفين ضمن الفريق، مما دفع ساندرز للاعتذار لهؤلاء النساء اللاتى تعرضن للتحرش أو سوء المعاملة.
ويتساوى ساندرز وإليزابيث وارن فى استطلاعات الرأى، إذ يحظى كل منهم بتأييد حوالى 15% من الناخبين الديمقراطيين، لكن جو بايدن يتقدم عليهما بفارق كبير، وحصل على 32% من نوايا التصويت.
وقد أعلن ساندرز مؤخرًا أنه فى حال فوزه بالرئاسة، فإن أولى قراراته ستكون العودة إلى الاتفاق النووى الذى انسحب منه ترامب، وقال فى مقابلة، إن الاتفاق النووى مع إيران، والذى وقعت عليه أمريكا مع عدة دول أوروبية، بالإضافة إلى روسيا والصين يعتبر أحد أهم الاتفاقيات الدولية، للحد من نشر الأسلحة النووية فى التاريخ الدبلوماسى، مضيفًا أن واشنطن ستعود إلى الاتفاق النووى فى اليوم الأول من رئاسته إذا ما نجح فى الانتخابات المقبلة.
إليزابيث وارن.. أزمة بوكاهونتاس
يبدو أن انتخابات 2020 سيكون أبطالها فوق سن السبعين، فثالث المرشحين الديمقراطيين المتنافسين على الرئاسة فى 2020 السيناتور «إليزابيث وارن» 69 عامًا، ولكن لا يبدو السن أزمة حقيقية تواجه وارن، فحتى الآن تدير المعركة الانتخابية بكفاءة رغم بعض الانتقادات، فمن بين نحو 20 مرشحًا، صعدت وارن لتتساوى مع بيرنى ساندرز فى منافسة المرشح الأقوى جو بايدن.
تتبنى وارن– الأستاذة فى كلية الحقوق بجامعة هارفارد، وعضوة مجلس الشيوخ منذ عام 2012- المواقف الأكثر تقدمية فى الحزب الديمقراطى، حيث تؤيد فرض ضرائب أعلى على الأغنياء، وتتبنى إجراءات أكثر لحماية المستهلكين، وكما ذكرت سابقًا فإن برنامجها يتضمن فرض ضريبة على أغنى 75 ألف مواطن أمريكى، مما يجعلها تمتلك قاعدة قوية من الناخبين الديمقراطيين، لكنها تواجه انتقادات من المحافظين الذين سعوا إلى تصنيفها على أنها ليبرالية متأثرة بالأوساط الأكاديمية.
ومنذ إعلان ترشحها، تبادلت وارن وترامب الانتقادات والهجوم، فوصفته بأنه نتاج نظام مزور يدعم الأغنياء والأقوياء، ويتخلى عن الباقين، ليرد عليها ترامب بسخرية، إذ أطلق عليها اسم «بوكاهونتاس»، وهى شخصية معروفة فى التاريخ الأمريكى، فهى ابنة لزعيم قبيلة من قدامى الأمريكيين عاشت فى القرن السابع عشر الميلادى، وأُسرت أثناء المعارك بين الإنجليز والهنود الحمر سنة 1613، وترمز للتراث الأمريكى، وأنتجت حولها أفلام كارتون، وقد أطلق ترامب على وارن هذا الاسم، لأنها كانت تُعرف نفسها سابقًا بأنها تنحدر من سكان أمريكا الأصليين، وهو الأمر الذى سبب جدلًا أضر بها خلال الاستعداد للترشح.
وقال ترامب «إذا كان يمكن لها أن تصبح مرشحة الديمقراطيين.. وأشك فى ذلك.. فسوف نعود للكلام مرة أخرى»، مضيفًا «لكن الأمريكيين الأصليين اجتمعوا وقالوا لا نريدها».
وبعيدًا عن سخرية ترامب، يرى محللون أن وارن هى الأكثر دقة فى حملتها الانتخابية، من حيث توظيف التقنيات الحديثة والإنترنت فى الدعاية، كما أنها من دون باقى المرشحين الديمقراطيين التى تطرح برنامجًا اقتصاديًا، ولا تتلاعب على مجرد العواطف وسياسة الهوية، وقال «بيتر ثيل» الملياردير ورجل الأعمال الأمريكى، إنه إذا كان هناك مرشح من الديمقراطيين المطروحين حاليًا له القدرة على المنافسة فى انتخابات 2020 الرئاسية فهى إليزابيث وارن.
كامالا هاريس.. البراجماتية
فى المناظرتين اللتين جريا بين الديمقراطيين، استطاعت أن تلفت الأنظار بأدائها اللافت.. إنها السيناتور كامالا هاريس التى تطمح فى أن تكون أول امرأة سوداء تترأس الولايات المتحدة متسلحة بماضيها كمدعية عامة دؤوبة، وبتاريخ عائلى يشكل خير تمثيل لـ «الحلم الأمريكى».
وتختلف هاريس عن المرشحين السابقين أنها لا تحمل فلسفة أيديولوجية واضحة، فعلى سبيل المثال يُصنف ساندرز نفسه مع السيناتور إليزابيث وارن كممثلين للتيار اليسارى، فى حين أعلن بايدن أنه يمثل تيار الوسط، أما هاريس فتشتهر بأنها مدعية عامة سابقة، تشارك كعضو مجلس شيوخ فى الجلسات العامة للمجلس، وليس للدفاع عن أى نهج سياسى معين، ويقول البعض عنها إنها براجماتية أكثر منها آيديولوجية.
تتميز هاريس عن المرشحين الآخرين بصغر السن، حيث تبلغ من العمر 54 عامًا، وتفخر دائمًا بنضال والديها المهاجرين من أجل الحقوق المدنية، فوالدها أستاذ اقتصاد جامايكى، ووالدتها المتوفاة هندية، كانت باحثة متخصصة فى سرطان الثدى، وتقدم هاريس نفسها على أنها صاحبة حلول عملية بدلًا من الرؤى الشاملة، وعُرفت بحزمها الشديد فى قضايا تهريب المخدرات والعنف الجنسى.
وتؤيد السيناتور الأمريكية الرقابة على الأسلحة الفردية، وحل قضية المواطنة بالنسبة لأطفال المهاجرين غير الشرعيين وأوليائهم، عبر قرارات تنفيذية رئاسية، كالتى اتخذها ترامب وقبله أوباما فى مواجهة اعتراضات الكونجرس.
بالطبع، ليس هؤلاء فقط المرشحون الديمقراطيون فهناك أسماء عديدة أخرى، ولكن طبقًا لاستطلاعات الرأى، وتحليلات وسائل الإعلام والصحف، فإن المنافسة تنحصر بين هؤلاء المرشحين.
والسؤال هو، هل يملك أحد منهم فرصا حقيقية لمنافسة الرئيس ترامب؟ كثير من التحليلات تذهب لصعوبة ذلك، فعلى سبيل المثال، تحدثت مجلة «نيوزويك» الأمريكية عن وجود بدائل أفضل من هؤلاء المرشحين مثل السيدة الأولى السابقة «ميشيل أوباما»، فقد ذكرت المجلة الأمريكية أن ميشيل الوحيدة القادرة على هزيمة ترامب، ورغم أنها أعلنت مرارًا أنها لن تنوى الترشح للرئاسة فى مواجهة الرئيس ترامب فى الانتخابات الرئاسية 2020 قائلة «لا توجد أدنى فرصة على الإطلاق لذلك. هناك الكثير من الطرق لتحسين هذا البلد وبناء عالم أفضل، وأنا أقوم بالكثير منها، من العمل مع الشباب إلى مساعدة الأسر على عيش حياة أكثر صحة. لكن الجلوس خلف الطاولة فى المكتب البيضاوى لن يكون أبدا بين الأمور التى أرغب بها»، ورغم ذلك تشير المجلة إلى الدعوات المستمرة لها للنظر فى الترشح لمنصب رئيس البلاد، وآخرها من المخرج «مايكل مور»، حيث ذكر أن بيرنى ساندرز وإليزابيث وارن وكامالا هاريس وجو بايدن المرشحين الديمقراطيين فى الانتخابات التمهيدية، لديهم القدرة على الفوز على ترامب، لكن هذا لن يكون كافيا بالنظر إلى أن هيلارى كلينتون فازت فى الاستطلاعات الشعبية عام 2016 ولكنها خسرت الانتخابات، وأضاف أن أى ديمقراطى سيحتاج لسحق ترامب، وأن ميشيل أوباما هى الشخص الوحيد الذى يمكنه فعل ذلك، واصفا إياها بأنها محبوبة وقوية جدا، وقادرة على منافسة ترامب وهزيمته.
فى نفس السياق، علقت صحيفة «واشنطن بوست» على المناظرة الثانية بين الديمقراطيين، مشيرة إلى أنها كشفت بوضوح عن وجود خلافات أيديولوجية داخل الحزب، فذكرت أن المتنافسين الديمقراطيين للترشح فى سباق البيت الأبيض حولوا مناظرتهم الرئاسية إلى دوامة من الهجمات ضد بعضهم البعض، وأمضوا أكثر من ساعتين فى الشجار حول تفاصيل السياسة والتشكيك فى نزاهة بعضهم البعض، ولم يقوموا بدفع قضية قوية لهزيمة ترامب فى 2020 إلا فى فترات متفرقة.
وأضافت الصحيفة أن الحقيقة أن شيئا لم يتغير نتيجة لهذه المناظرة، فعدم وجود فائزين واضحين وغياب ظهور مرشح صاحب رسالة تبعث على الأمل بجذب مزيد من الجمهور أدى إلى نهاية الوضع الراهن.
وأشارت الصحيفة إلى أن المناظرة أبرزت الصدع الأيديولوجى داخل الحزب، لكن المرشحين ظلوا عموما على مستوى أعلى من الخلاف الجوهرى.