صالون الرأي
الدكتور “عصفور” والذين معه في الافتراء على الأزهر والبخاري
By amrأغسطس 25, 2019, 14:40 م
2430
بقدر ما استوقفنى بشدة حديث الدكتور جابر عصفور مع جريدة الأخبار قبل أسبوعين، والذى شن فيه هجومًا ظالمًا على الأزهر الشريف ثم على صحيح البخارى، فقد استوقفنى بنفس القدر رد الدكتور عبد المنعم فؤاد أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر.. مفندًا وداحضًا هجوم وادعاءات عصفور غير الموضوعية وغير المستندة على أدلة علمية موضوعية.
لقد بدا الحديثان.. مناظرة غير مباشرة.. نشرتها جريدة الأخبار على صفحتين متقابلتين وعلى نحو يتفق – وحسبما أشارت الجريدة – والأمانة الصحفية والدينية، وهو مسلك يستحق الإشادة بهذه المهنية الواجبة التى كدنا نفتقدها فى كثير من صحافتنا وإعلامنا.. إلا قليلاً مثلما فعلت «الأخبار» وحسنًا فعلت.
عندما يتهم الدكتور عصفور الأزهر بأنه ضد الدولة المدنية ولا يعترف بها، فإنه بذلك الاتهام الظالم يفتئت على هذه المؤسسة الدينية الإسلامية بالغة العراقة، بل إنه يضع نفسه ضمن الحملات المتكررة التى يشنها الذين معه فى هذا التوجه غير المبرر وربما المتعمد ضد الأزهر، وهو أمر من شأنه أن ينال كثيرًا من قامته وقيمته الأكاديمية والفكرية وعلى النحو الذى يُفقده الكثير من هذه القيمة.
ثم إنه بادعائه أن خريجى الأزهر من الدعاة والوعاظ غير مستنيرين لأنهم درسوا كتبًا غير منقّحة وتحتاج لمراجعة جديدة – على حد تعبيره – إنما ينصّب نفسه بغير مسوّغ علمى وعلى غير الحقيقة عالمًا إسلاميًا متخصصًا فى علوم الدين من فقه وشريعة وعقيدة وحديث، بينما تخصصه الأكاديمى لا يؤهله بأى معيار أو مقياس لانتقاد المناهج الدراسية الأكاديمية الأزهرية التى خرّجت دعاة وعلماء عظامًا ليس فى مصر فقط ولكن فى العالمين العربى والإسلامى أيضًا.
والذى لا يعلمه الدكتور عصفور ويتعيّن أن يعلمه هو أن الأزهر يدرّس لطلابه كل المذاهب والآراء الفقهية بما فيها المتشددة وغير الوسطية بل الشاذة أيضًا، ولكن ذلك لأسباب واعتبارات أكاديمية ودراسية للتعرّف عليها وليس لاعتناقها أو الموافقة عليها وإنما بقصد التفريق بينها وبين المذاهب والآراء الفقهية الوسطية التى أجمع عليها أهل السُنّة والتى هى منهج الأزهر ومنهج علمائه وآئمته منذ مئات السنين، وذلك ما كان يجدر بالدكتور عصفور أن يتفهمّه أو يستوضحه من مصدره الأزهرى ولا يصطاد فى الماء العكر بغير قصد ولا أقول بقصد.
حتى صحيح البخارى لم يسلم من افتئاته عليه بادعاء أنه يحتاج أيضًا إلى تنقيح، وهو بذلك يتجاوز علماء الأزهر الكبار المتخصصين فى علم الحديث الشريف والسُنّة المشرفة الحافظين لهذا العلم منذ اثنى عشر قرنًا، والذين أجمعوا ومعهم علماء الإسلام فى العالم على أنه أصح كتب الحديث على الإطلاق، وقد غاب عنه أن منهج علم الحديث يُعدّ أقوى المناهج العلمية التى أبهرت جامعات العالم الكبرى باعتبـاره منهجًا علميًا بالــغ الدقــة فــى الإسناد بحيث لا يأتيه الباطل من بين يديه.
ومتواصلاً مع الذين معه فى توجهه المفترى على الأزهر والمجترئ على الحديث الشريف والسُنّة المطهرة فإنه يبلغ ذروة التطاول بقوله إن الحديث الشريف عن الحجاب قد عفا عليه الزمن وأنه من الأحاديث المشكوك فيها، وهو اجتراء فج.. متغافلاً عن بديهية أن الحجاب من المعلوم من الدين بالضرورة، وهو فرض لا يمكن للأزهر أن يفتى بتجاهله أو يدعو النساء للتبرج، ثم إن الدكتور عصفور كشف عــن أنه لا يقرأ القرآن الذى تضمنت آياته فى مواضع مختلفة أن الحجاب فريضة دينية إلهية قبل أن يرد فرضه فى الحديث الشريف.
وفى حديثه عن دور المجتمع والأزهر والمثقفين فى مواجهة التطرف والإرهاب فإنه أوقع نفسه فى الفخ دون قصد حيث ألقى مسئولية التقصير على المثقفين والذى يُعدّ من بينهم أو بالأحرى فى مقدمتهم.. واصفًا الحياة الثقافية بأنها «محلك سر» مبررًا ذلك حتى لا يوجه اللوم لنفسه وللمثقفين بأن الثقافة لا تستطيع تعويض من رحلوا بسبب «عجز أدوات الثقافة»!، وفى نفس الوقت فإنه تغافل عن دور الأزهر الذى يمثل حائط الصد ضد التطرف والحافظ لوسطية الإسلام.
معتذرًا عن أن التعليق على حديث الدكتور عصفور قد انتقص من مساحة رد الدكتور عبد المنعم فؤاد الذى جاء موضوعيًا هادئًا وإن كان مفحمًا، وأهم ما جاء على لسانه أنه طالب د. عصفور بالتركيز على تخصصه الأكاديمى وأن يترك أمور الأزهر والدين للعلماء المتخصصين.
ومبديًا بالغ الدهشة مــن اتهــام عصفور للأزهـر بأنه لا يعترف بالدولة المدنية ويقف ضدها جاء تساؤل الدكتور فؤاد داحضًا لهذا الاتهام المرسل بقوله: من أين جاء الدكتور عصفور بهذا الكلام، هل سمع شيخ الأزهر وهو الرمز الأعلى يقول ذلك؟!، وفيما تشبه الضربة القاضية فى تلك المناظرة قال إن من يقول ذلك إما عالم وإما جاهل، ولأن د. عصفور عالم فإن عليه أن يأتى بدليل على اتهامه هذا.
وفى إيضاح بات مكررًا فى مواجهة الحملة الممنهجة للتشكيك فى صحيح البخارى قطع الدكتور فؤاد قول كل مشكك بقوله: إن علماء وأئمة الأمة الإسلامية «أعطوا البخارى رقم (1) فى الحديث»، حيث وصفوه بأنه أمير المؤمنين فى الحديث.
إن افتراء الدكتور عصفور على الأزهر الشريف ومناهجه يمثل أكبر إساءة لمصر قبل الإساءة لتلك المؤسسة الدينية المصرية العالمية، وهى الإساءة التى تلقى ترحيبًا ورواجًا لدى أعداء الإسلام الوسطى الذى تمثل مصر قاعدته الصلبة فى العالم الإسلامى كله.
ثم إن افتراء الدكتور عصفور على الأزهر والتشكيك فى مناهجه وعلمائه ودوره يُعد ودون مبالغة مساسًا بأمن مصر القومى باعتبار أنه ينال من مكانة مصر ومكانة الأزهر فى العالم الإسلامى، بل فى العالم الذى ينظر إلى الأزهر بوصفه حصن الإسلام الوسطى والحافظ لعلومه والذى تخرّج ويتخرّج فيه علماء الإسلام فى أرجاء المعمورة. n