رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

أكتوبر «النصر» و«المجلة»

611

م/ رزق عبد السميع

سيظل نصر أكتوبر المجيد الذى سحق فيه الجيش المصري الباسل قوات الاحتلال الإسرائيلي، علامة فاصلة فى التاريخ المعاصر، وأصبح التقويم العسكري يتم تأريخه طبقا لما قبل أكتوبر ١٩٧٣ وبعد نصر أكتوبر المجيد.

النصر العظيم غير مفاهيم العسكرية العالمية، فمن المستحيل أن تحقق مصر نصرًا كهذا بعد أن أصابتها نكسة ١٩٦٧، وأتت على ٩٠٪ من سلاح الطيران، والاستيلاء على سيناء التى تبلغ مساحتها ٦١ ألف متر وتحتل ٦٪ من مساحة مصر الإجمالية، بالإضافة إلى كسر الروح المعنوية للجنود، ووفاة الزعيم جمال عبد الناصر وتولى رئيس جديد للبلاد الرئيس أنور السادات.

بكل المعايير العسكرية والمنطقية، فإنه لم يكن لهذا البلد أن ينهض مرة أخرى، ويستعد للدخول فى مواجهة مع عدو تدعمه الولايات المتحدة والعالم الغربى بأكمله، وكيف تعبر قناة السويس وقد بنى العدو خط بارليف المحصن، وبعد أن لغم القناة بمواسير النابلم لتعمل على تحويل مياه القناة
إلى كتلة لهب تحرق من عليها.

لكن هذه معايير البشر العاديين والجيوش التقليدية.. لا تنطبق على شعب مصر الأبى الذى لا يقهره بشر ويتحدى التحدى، فالجيش أعاد بناء نفسه وأعاد تنظيم صفوفه وتجديد سلاحه، بعبقرية وسرية تامة، وبنى حائط صواريخ على الجبهة فى ملحمة تحتاج إلى مجلد لسردها.

الزعيم الشهيد أنور السادات أصدر قرار الحرب بعد ٣ سنوات من توليه المسئولية، وكان رهانه على الحصان الرابح، على جيش مصر العظيم الذى لم يخب ظنه ولم يخب رجاء الشعب المصرى والشعوب العربية كلها.. عبرنا وانتصرنا بكلمة السر المقدسة «الله أكبر»، وسطرت بسالة الجنود وعبقرية التخطيط وحكمة القرار حكاية النصر الكبرى.

ولأنه مارس العمل الصحفى عندما تولى رئاسة تحرير جريدة «الجمهورية» التى صدرت فى أعقاب ثوره يوليو ١٩٥٢، لتصبح الثورة حاضرة فى الأذهان إلى الأبد.. فأصدر الرئيس السادات قراره بإصدار مجلة «أكتوبر»، لتكون هى الأخرى محفزة للذاكرة دائمًا بنصر أكتوبر المبين.. وكلّف الكاتب الصحفى المميز أحد نجوم مدرسة «أخبار اليوم» الصحفية ليتولى مسئولية رئاسة تحريرها، لتصبح صوت النصر ومعبرة عن نبض جيل أكتوبر ومعبرة عن مشاعر وهموم الشعب المصرى.

واختار السادات «دار المعارف» كبرى دور النشر فى العالم العربى وأكثرها احتراما لتنطلق منها «أكتوبر»، لأن  دار أخبار اليوم يصدر عنها مجلة «آخر ساعة» العريقة صاحبة الخبطات الصحفية الكبرى والتى كان يتولى رئاسة تحريرها من قبل أنيس منصور، ولأن دار الهلال تصدر مجلة «المصور» أقدم المجلات المصرية، ولأن مؤسسة روزاليوسف تصدر مجلة «روزاليوسف» العتيدة السياسية المشاغبة، ورغم أن مؤسسة الأهرام التى لم تكن تصدر عنها مجلة  فى هذا الوقت فإن ظنى يقودنى إلى أن السادات تفادى أن يرتبط صدور المجلة بمؤسسة الأهرام المرتبطة تاريخيا وحتى الآن باسم الأستاذ محمد حسنين هيكل حيث كان بينهما خلافات سياسية فى وجهات النظر، وقد برزت منذ أن بدأت مباحثات فك الاشتباك، وبدء مسيرة السلام، وربما تكون هناك أسباب أخرى لا أعرفها ولم تعلن، ودفنت مع «الرئيس» و«الأستاذ».

تجربة «أكتوبر» كانت صعبة، حيث لم تصدر أى مجلات فى مصر على مدار العشرين عاما السابقة لصدورها، ولم يكن لها هيكل تحريرى، والمنافسة صعبة ولكنها لم تكن مستحيلة مع المجلات التى ذكرتها فى السطور السابقة، وكما ذكر الأستاذ أنيس منصور وهو يروى حكاية بدء المسيرة فإنه استعان بتلامذته وزملائه فى الصحف الأخرى، وكون كتيبة من ٨٠ محررًا ومصورًا ومصححًا لغويًا، لينطلق العدد الأول فى ٣١ أكتوبر عام ١٩٧٦، وتحوى عدة أبواب من بنات أفكار واقتراحات السادات، بل ودعم المجلة أيضا من أوراقه الشخصية (مذكراته)، وتضم أيضا رواية «الحرافيش» لصاحب نوبل نجيب محفوظ، ومقال سياسى لإحسان عبد القدوس، بالإضافة إلى موضوعات أخرى متنوعة فى مختلف المجالات.

واليوم يصل القطار بنا إلى العدد (٢٥٠٠) والمجلة تستعد لاستقبال عامها الـ49.. والذى نحتفل به بعدد تذكارى نقدمه للقارئ الجليل الذى سعت المجلة منذ يومها الأول – وما زالت وستظل – تسعى لإرضائه، وتقديم المادة الصحفية له بما يلبى مطالبه من المعرفة ويحقق له زيادة وعيه وتوسيع مداركه وحل مشاكله، وذلك من خلال الخبر والتحقيق والحوار والتقرير والمقال والصورة والكاريكاتير، ونحن ملتزمون بمدونات السلوك الصحفية، وبمعايير الحيادية فى كافة القضايا عدا القضايا الوطنية التى ننحاز فيها إلى بلدنا.

من دواعى فخرنا فى دار المعارف ومجلة أكتوبر هو ارتباطنا كمجلة بمعنى النصر والفخر وروح التحدى والعزة والكرامة.

عزيزى القارئ، كل ٢٥٠٠ عدد ومصر وشعبها منصورون.