صالون الرأي
مأزق إيران بعد اغتيال سليماني
By amrيناير 12, 2020, 15:44 م
1138
خلال الأسابيع الأخيرة من العام الماضى وبداية العام الجديد، بدأت الولايات المتحدة فى تغيير أسلوب التعامل مع الاستفزازات الإيرانية، فطوال عام 2019 التزمت الولايات المتحدة بأسلوب فرض عقوبات اقتصادية على إيران كلما أقدمت على تنفيذ عملية إرهابية جديدة.. فقد عمدت إيران إلى إجبار عدد من السفن الأجنبية على التوجه إلى موانئ إيرانية، وبما هدد أمن الملاحة فى الخليج العربى، كما هاجمت عددا من السفن بموانئ دولة الإمارات.
وأطلقت عددًا من الصواريخ على أهداف ومنشآت بترولية بالمملكة السعودية ولم تلجأ الولايات المتحدة لتنفيذ تهديدها برد عسكرى ملائم.
وكان منطقيًا أن تتمادى إيران دون أن تخشى ردًا أمريكيًا، ثم كانت المفاجأة عندما قصفت الولايات المتحدة أهدافًا عسكرية لحزب الله فى كل من العراق وسوريا.
وعندما تمكنت القوات الموالية لإيران من قتل متعهد مدنى أمريكى، فوجئ العالم كما فوجئت إيران بنجاح أمريكا فى اغتيال الجنرال قاسم سليمانى قائد فيلق القدس أحد أهم فيالق الحرس الثورى الإيرانى بالإضافة إلى المهندس نائب رئيس قوات الحشد العراقى التابعة لإيران، كما سقط أربعة من القادة كانوا برفقة سليمانى.
وسيلمانى هو من أهم القيادات العسكرية إن لم يكن أهمهم، فقد كان يلعب دور وزير المستعمرات والمندوب السامى لإيران الذى يتحمل المسئولية عن النفوذ الإيرانى فى كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، وعن إدارة العمليات العسكرية والسياسية وكان من أهم عناصر بناء الهالة والهيبة الإيرانية فى المنطقة والتى ظلت إيران تبنيها منذ عام 1979 حتى الآن.
وباغتيال سليمانى انكسرت هذه الهالة وتبعثرت الهيبة وانكشفت إيران تمامًا.. فها هو رجلها القوى يسقط صريعًا فى مفاجأة مدوية.
وليس سرًا أن الولايات المتحدة كانت قد خططت لمثل هذه العملية منذ فترة طويلة، وأنها كانت فى انتظار أوامر الرئيس ترامب بتنفيذها.
وعلى امتداد هذه الفترة كانت تتوافر لديها معلومات دقيقة عن تحركات الرجل وفى رحلته الأخيرة من مطار دمشق وحتى لحظة هبوط الطائرة التى تقله ببغداد، كان تحت المراقبة تمامًا.
وكان مركز العمليات الذى يتابع الأمر بقاعدة فى ولاية نيفادا الأمريكية وبمجرد الإقلاع بدأت سلسلة من الأقمار الصناعية فى متابعة الطائرة وتم إسناد التنفيذ للقوات الموجودة بقاعدة العيديد الأمريكية بقطر وما أن هبطت الطائرة، ونزل منها سليمانى ومرافقوه كان فى استقباله نائب رئيس قوات الحشد العراقية وركب الجميع فى سيارتين خرجتا من الباب الجنوبى، فى نفس اللحظة تمت إصابة العربتين إصابات مباشرة بواسطة طائرة مسيرة وتحولت معظم أجساد الضحايا إلى أشلاء ولم يتم التعرف على جثة سليمانى إلا من خاتم كان يضعه فى إصبعه دائمًا.
وباغتيال سليمانى فقدت إيران أبرز نجومها وأفضل من عمل لنشر مبادئ الثورة الإيرانية.
ولكن للأمر وجوه أخرى، فقد انتشر الخوف من مواجهة نفس المصير بين معظم إن لم يكن كل قادة الصف الأول فى كل من إيران والعراق.
ففى العراق على سبيل المثال قام قادة الميليشيات التابعة لإيران بترك منازلهم ومقارهم العسكرية ولجأوا إلى مواقع تحت الأرض كما خففوا من ظهورهم العلنى، وإذا ظهروا تقوم مجموعات كبيرة بالإحاطة بهم لتوفير الحماية لهم.
ولكن الخوف الأكبر هو مما يمكن أن يقدم عليه ترامب فيما لو لجأت إيران إلى الرد على اغتيال سليمانى.. وهنا نتبين أن الملالى بين اختيارات شديدة المرارة فهم فى حاجة إلى الرد على الاغتيال المفجع لاستعادة الهالة والهيبة ولإنقاذ صورتهم أمام الرأى العام فى الشرق الأوسط والعالم، وهم فى حاجة شديدة للحفاظ على صورتهم فى الداخل الغاضب بشدة من سياستهم.
ولكن مثل هذا العمل يجب أن يكون عسكريًا وواضحًا حتى وإن لم يكن مساويًا لما جرى لسليمانى ولكن ماذا سيكون رد الفعل الأمريكى؟
لقد أعلن ترامب أنه فى المرة القادمة سيكون الرد فى إيران، وإن هناك 52 هدفًا تم تحديدها ليتم قصفها إذا ما غامرت إيران وقامت بالثأر لعملية اغتيال سليمانى..فهل يدركون أن ترامب جاد فى هذا التهديد الذى كرره كثيرًا بصورة أو بأخرى؟
وهذا ما لايمكن معرفته الآن.. ولكن هناك عاملًا شديد الأهمية يجب وضعه فى الاعتبار فترامب يستعد لخوض معركة الفوز بفترة رئاسة ثانية، وهو يحتاج إلى تأكيد صورته كبطل أمريكى لا يهاب المواجهة.
وكان قد بدأ هذا المشوار بالنجاح فى اغتيال
أبو بكر البغدادى قائد داعش وهذا نجاح كبير، زاد من شعبية الرجل التى حاول الحزب الديمقراطى النيل منها بالسير على طريق عزله من منصبه، بجانب حملاته الإعلامية الضارية التى يشارك فيها الإعلام الأمريكى المعادى بصفة عامة لترامب وقد أتى اغتيال سليمانى ليرفع من شعبية ترامب.
والرأى العام الأمريكى الذى رحب باغتيال البغدادى، رحب أيضًا بالنجاح فى اغتيال سليمانى.. ويمكن القول بأن الرجل سيحافظ على صورته كبطل شعبى محارب ومدافع عن المصالح الأمريكية طوال الفترة المقبلة.
ومثل هذا العامل والتغيير الرئيسى فى سياسة وأسلوب المواجهة الأمريكى يضع إيران فى مأزق كبير.
وخلال الأسابيع القادمة سنتابع.. هل ينتصر العقل أم لا؟!!