ليس هناك أى خدعة فى العنوان، ولا محاولة لتوظيف أى مهارة للكاتب فى الانحراف بالحقيقة، وسؤالى مباشرة وبدون مواربة: كيف كانت المعارضة لحكم الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال السنوات الست المنقضية.
(1)
لابد أن نعترف أولا أننا لم نساهم فى التأسيس للنظم الديموقراطية الحديثة، ولكن استوردناها جاهزة من الغرب، والشرق، وألبسناها تجاربنا فى الحكم.
والمعارضة مرتبطة بالنظم النيابية، ومصر عرفت لأول مرة فى تاريخها الحديث هذه النظم عام 1824 وفى هذا العام تم تأسيس ما يسمى “المجلس الأعلى” لكن شهد عام 1866 التطور الأكثر أهمية في الحياة البرلمانية المصرية عندما أنشأ الخديوي إسماعيل مجلس النواب الاستشاري، ليخلق حياة نيابية تمثيلية على غرار النظم البرلمانية الأوروبية المعاصرة، ولاسيما الفرنسية، ثم تطورت الحياة النيابية وعرفت مصر الملكية نظام الأحزاب وتداول السلطة، وأشيع على غير الحقيقة أن مصر عاشت أزهى فتراتها الليبرالية مع بدايات الربع الثانى من القرن العشرين وحتى تعطيل عمل البرلمان، وحل الأحزاب مع ثورة 23 يوليو، التى تم اتهامها على هذا الأساس بالديكتاتورية، والسؤال: كيف تكون حياة نيابية وحكم سليم تحت سلطة احتلال أجنبى (البريطانى)، وحاكم أجنبى (المندوب السامى)، كلمته نافذة على الملك نفسه بالجبر والإذعان (نذكركم بحادث 4 فبراير 1942)، وتحت ظل نظام ملكى اشتهر عنه الفساد، وتحولت العملية الديموقراطية إلى لعبة بين الإنجليز، والقصر، وحزب الوفد، وهو ما أفسد الحياة الحزبية، وصرفها عن مصالح مصر العليا وأهمها قضية الاستقلال!
(2)
فى 23 يوليو 1952 قامت حركة الجيش لتطهير مصر من الفساد، وبمساندة شعبية طاغية تحولت إلى ثورة أغرت قوادها وعلى رأسهم جمال عبد الناصر أن يحولها إلى ثورة شاملة أول أهدافها طرد الاستعمار البريطانى، وكان لابد من توحيد الجهود للوصول إلى أهداف الثورة، واسترداد مصر وثرواتها من يد الغاصبين الأجانب الذين مثلوا فى مصر دولة فوق الدولة، وجعلوا لأنفسهم امتيازات تفوق حقوق أصحاب البلد الحققيين، وأخرجتهم القوة الدافعة للتغيير الحقيقى وهى ثورة 23 يوليو التى وجدت أنه من المستحيل تنفيذ التغيير المنشود إذا عادت لعبة الأحزاب القديمة، تمارس السياسة للسياسية، وليس للحكم الرشيد، والإصلاح الحقيقى، فجمدت الثورة الأحزاب لتجمع المصريين فى لحظة تستوجب الجمع وليس التفرقة.
(3)
ولم يملك ثوار يوليو الشبان خبرة سياسية ليطرحوا سريعا نظام سياسى بديل، خاصة وأنهم يريدون أن يجمعوا كل القوى الوطنية على هدف واحد، فراحوا يدرسون تجارب حكم، ونظم عديدة وخاصة فى البلدان الاشتراكية، وخلال مشوارهم فى الحكم عرفت مصر ما يسمى النظام السياسى الواحد الذى بدأ بـ “هيئة التحرير” وأنشئت عام 1953، ثم “الاتحاد القومى” وتأُسس عام 1957، ثم الاتحاد الاشتراكي العربي، وتأسس عام 1962 ، ولم يلغ هذا النظام الواحد وجود مجلس نيابى، كان يحمل اسم مجلس الأمة تأسس فى 1957، وظل قائما إلى أن ورثه مجلس الشعب، عام 1971، وعقب ثورة 25 يناير 2011 عرفنا المجلس المسمى ببرلمان الثورة، حتى استقر الوضع بعد دستور 2014 على النظام الحالى لمجلس النواب.
(4)
الهدف من الاستعراض السريع لهذا التاريخ هو الوصول إلى نتيجة مفادها أن الحياة البرلمانية فى مصر التى اقترب عمرها (نظريا) من قرنين من الزمان، لم تغيب خلالها تقريبا البرلمانات، مع اختلاف تأثيرها، لكن غابت فى فترات عديدة لحمة الأمة المصرية، وتوحدها تجاه أهداف محددة يمكن أن نطلق عليها أهداف الدولة العليا.
وإذا ما وصلنا إلى السنوات التى سبقت 25 يناير 2011 سوف نرصد قوى منظمة فى الداخل المصرى تساند المشاريع الاستعمارية الأممية وتتحد مع قوى خارجية لأجل هذا الغرض، وتمثلت هذه القوى فى اليمين الليبرالى واليمين المنسوب للإسلام؟!،
وهذه القوى السابقة هى التى مثلت، ومازالت تمثل خطرا حقيقيا على مصر، تساندها دول نعرفها جميعا الآن حق المعرفة، وهى التى قامت ضدها ثورة 30 يونية، ومازالت فى حرب ضد إرادة المصريين التى أسقطتها من الحكم، فعملت على أن تنشر الفوضى وتسقط الدولة، هذه المعارضة غير الشرعية التى تقودها جماعة الإخوان الإرهابية، وحلفائها، وبالتواز يعمل الليبراليون الجدد المساندون للمشروع العولمى الغربى، وشرذمة الشيوعيين من الأناركيين.
.. وللحديث بقية.