رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

نحن أمة.. لا تقرأ !

2097

أصابنى فزع شديد بعد أن قرأت على شبكة الإنترنت أن كل 80 مواطنا عربيًا يقرأون كتابًا واحدًا فى العام، بينما المواطن الأوروبى يقرأ 35 كتابا، وبحثت عن مصدر تلك المعلومات فوجدتها فى تقرير التنمية البشرية الصادر عن منظمة اليونسكو عام 2003.. فبحثت عن تقرير أحدث حول ذات الموضوع، فوجدت مؤسسة الفكر العربى تكشف فى تقريرها الصادر عام 2011؛ أن المواطن العربى يقرأ 6 دقائق سنويا، بينما يقرأ المواطن الأوروبى 200 ساعة.
ثم كانت الطامة الكبرى فى تقرير التنمية الثقافية لليونسكو فى ذات الفترة، والذى كشف أن كتب الثقافة العامة فى الوطن العربى لا تتجاوز خمسة آلاف كتاب فى العام، بينما يصل الرقم فى أمريكا الشمالية إلى أكثر من 300، والأدهى والأمر أن الناشر العربى لا يطبع أكثر من ألف نسخة من أى كتاب جديد، فى حين أن الكتاب الأجنبى يصدر منه 50 ألف نسخة – على الأقل – فى طبعته الأولى، ثم بحثت فى بعض دول الجوار للمقارنة، فوجدت الأتراك طبعوا حوالى 561 مليون نسخة عام 2014، وارتفع هذا الرقم فى عام 2015 إلى 641 مليونًا.
وفى إسرائيل كان الأمر مختلف.. واكتفى فقط بالإشارة إلى أن المواطن الإسرائيلى يقرأ 40 كتابا فى العام.
لقد أحزننى ما قرأته على تلك الشبكة (الإنترنت) التى أصبحت أحد المصادر الأساسية للمعلومات فى جميع أنحاء العالم، حيث كشفت عن «الصورة الذهنية» للمواطن العربى من حيث معدل القراءة والحصول على المعرفة.. وهى المكون الأساسى للثقافة الحقيقية بدلا من «القشور» التى يحصل عليها البعض من قراءة العناوين فى الصحف أو فى بعض المواقع الإخبارية على الشبكة.
ولكن لماذا وصلنا إلى هذا الحال؟ والأرقام تقول إن لدينا أكثر من 600 ناشر عربى يجمعهم اتحاد للناشرين العرب، ومثل هذا العدد أيضا يجمعهم اتحاد للناشرين المصريين.
لقد حاولت الحصول على إجابة شافية فى الندوة التى دعتنى مكتبة الإسكندرية لإدارتها، والتى شارك فيها كل من الأستاذين محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين العرب، وسعيد عبده رئيس اتحاد الناشرين المصريين، وكان عنوانها «تحديات صناعة النشر فى الوطن العربى».. وعندما عرضت ما لدى فى التقديم سارع رئيس اتحاد الناشرين العرب بالنفى، مشيرًا إلى أن هذه الأرقام ليست صحيحة على إطلاقها، فلا يوجد لدينا مؤسسات يعتد بها للقياس أو استطلاع الآراء حول مثل هذه الموضوعات، وتساءل ما معنى أن يكون لدينا برنامج سنوى لإقامة معارض مختلفة للكتاب فى أغلب البلاد العربية إلا لم يكن هناك كتب جديدة تصدر، وقارئ يحرص على اقتنائها؟ وضرب مثلا بما حدث فى معرض القاهرة الدولى للكتاب فى يناير الماضى حيث تجاوز زواره المليونين فى عشرة أيام فقط.
كذلك كان رأى رئيس اتحاد الناشرين المصريين مؤكدًا على غياب الأبحاث الميدانية عن اتجاهات القراءة، فضلا عن خروج أربع دول عربية على الأقل من هذا السوق فى السنوات الأخيرة ومنها ليبيا والعراق واليمن وسوريا، موضحًا أن بعضها عاد إلى السوق مثل العراق وسوريا ولكن ليس بالقوة التى كانوا عليها قبل ثورات الربيع العربى، ومع ذلك فقد شهدت بغداد معرضا ضخما للكتاب العربى فى شهر أبريل الماضى، وسوف تشهد دمشق مثله فى يوليو المقبل.
وبالطبع حدث نقاش وجدل حول الأسباب والمعوقات والتحديات بين المشاركين فى الندوة وبين رئيسى الاتحادين المعنيين بالأمر..، وأوضحا أن هناك محاولات جادة لإعادة تنظيم السوق، ومواجهة ظاهرة التزوير التى انتشرت بشكل مزعج فى السنوات الأخيرة، إلى جانب البحث عن حلول مناسبة لمشكلات ارتفاع تكاليف الشحن والاشتراك فى المعارض وكذلك الضرائب والرسوم المختلفة، مع الأخذ فى الاعتبار ارتفاع أسعار ورق الطباعة والخامات الأخرى.
على أية حال.. وبالإضافة إلى ما قيل فى تلك الندوة التى لم يتسع وقتها لكافة التفاصيل، فإننى أعتقد أن شبكة التواصل الاجتماعى بتفريعاتها المختلفة، وشاشات القنوات الفضائية أصبحتا منافسا قويا لفضيلة القراءة فى العالم العربى، بل يمكن الجزم أنهما احتلا الأولوية وسرقا الوقت من القارئ العربى الذى لم يعد يقرأ سوى ربع صفحة فقط سنويا طبقا لبعض الإحصائيات غير المؤكدة!
هذا بالإضافة إلى توقف أو غياب – فى مصر كمثال – بعض المشروعات التى كانت عاملا جاذبا للقراءة.. مثل مشروع «مكتبة الأسرة»، فقط خلط البعض بين السياسة والثقافة، وأوقف المشروع المحسوب على النظام السياسى السابق فى مصر!
نعم.. هناك محاولات تقوم بها هيئة قصور الثقافة المصرية لتوفير بعض أمهات الكتب بأسعار مناسبة فى السوق المصرى، ولكن المشروع مازال فى بدايته وليس بالحجم الكبير الذى كانت تصدر به كتب المشروع السابق.
وأيضا.. هناك مشروع «تحدى القراءة» الإماراتى، ولكنه مازال فى عامه الأول.. ونأمل أن يستمر.. ويتوسع فى أغلب البلاد العربية، ولكن المشكلة الأساسية.. أن الجيل الجديد ليس شغوفا بقراءة الكتب كما كانت الأجيال السابقة.
أيضا غياب المؤلف الفذ الذى كان يقوم البعض بحجز نسخ كتبه الجديدة وهى بالمطبعة، مثل أنيس منصور، أو مصطفى محمود، أو نجيب محفوظ وغيرهم.
نعم.. لدينا مؤلفون شباب يبشرون بالخير.. وبعضهم صدرت لمؤلفاته أكثر من طبعة.. ويحرص الشباب على متابعتهم واقتناء كتبهم، ولكنهم – حتى الآن – يبدون كأنهم «ظاهرة مؤقتة» غير قابلة للاستمرار والتطور.
إذن.. لا بديل من اعتبار «الثقافة» مشروعًا قوميًا.. سواء على المستوى المحلى أو العربى، وما يعنيه ذلك من إعادة انتشار المكتبات العامة فى الأحياء والمدارس، والبحث عن المواهب من المؤلفين الشباب ونشر مؤلفاتهم ودعمهم أدبيا.
وإعادة النظر فى كافة الرسوم والضرائب وغيرها من التكاليف غير المبررة والتى تحد من إعادة انطلاق صناعة النشر فى مصر والعالم العربى.
فالثقافة.. هى غذاء العقل.
فهل يجوز التضحية بالعقل السليم؟
حفظ الله شبابنا.. وألهمهم الرشد والصواب




503 Service Unavailable

Service Unavailable

The server is temporarily unable to service your request due to maintenance downtime or capacity problems. Please try again later.

Additionally, a 503 Service Unavailable error was encountered while trying to use an ErrorDocument to handle the request.