حوار : حسام عبد القادر
فى بعض الأحيان عندما يتحدث شخص عن حاجته لقضاء إجازته فى العين السخنة أو فى شرم الشيخ مثلا، يجد بعدها مباشرة إعلانًا يظهر له على الفيس بوك عن رحلات للعين السخنة وشرم الشيخ، وعندما نتحدث مع الأصدقاء عن عزمنا الذهاب لمطعم لتناول وجبة سمك، فنجد أيضًا صفحتنا على الفيس بوك بها إعلانات لمطاعم سمك.
فهل يقوم الفيس بوك بالتجسس علينا وتسجيل صوتنا، وهل يصورنا ونحن نتحدث؟ وما مدى تفاعل وسائل التواصل الاجتماعى مع الجمهور، وما مدى تأثير هذه المواقع على الناس وفى تغيير إرائهم ومقتنعاتهم.
هذا ما توجهنا به إلى خبير نظم المعلومات المهندس محمد حنفى عبد القادر نائب مدير معهد تكنولوجيا المعلومات التابع لوزارة الاتصالات بالإسكندرية ليعرفنا حقيقة هذه المواقع التى نطلق عليها مواقع التواصل الاجتماعى.
فى البداية هل الفيس بوك يراقبنا ويسجل حوارتنا ويصورنا؟
الفيس بوك لديه كل البيانات الديموجرافية التى نقوم بتسجيلها بأنفسنا من سن ووظيفة وتعليم وشهادات وحالة اجتماعية، بالإضافة إلى قدرته فى معرفة معلومات عن الموقع الجغرافى الذى نتحدث منه، بالإضافة إلى معرفته مدى التفاعل للمستخدم على مجموعات وصفحات ومنشورات الفيس بوك.
من خلال هذه البيانات، يتمكن الفيس بوك من معرفة اهتماماتنا بالمواضيع المختلفة واهتماماتنا ببعض، كذلك المواقع الإلكترونية وتطبيقات الموبايل ترسل للفيس بوك التفاعلات المهمة عليها، بمعنى أن موقع مثل «سوق» يرسل للفيس بوك إنك أطلعت على منتج معين ولو وضعته فى السلة للشراء أو لاحتمال الشراء، يرسل للفيس بوك يخبره أنك وضعت المنتج فى السلة، ولو اشتريت يخبر الفيس بوك إنك اشتريت منتجًا، وما هو أسمه وتصنيفه وسعره أيضًا، بالإضافة إلى أن الفيس بوك يقوم بشراء بيانات عن المستخدمين من شركات البيانات مثل شركة ACXIOM و EXPERIAN و EPSILON وهى شركات بتجمع معلومات عن المستخدمين مثل الرصيد فى البنك، حجم الثروة، نوع المنزل وثمنه، والعديد من البيانات التى تختلف من دولة إلى أخرى، فمثلا عندما حدثت فضيحة التطبيقات التى تسجل جزءًا من المحادثات، حاول الخبراء الربط بينها وبين الشركات التى تبيع البيانات للفيس بوك، ولكن دون جدوى، لم يتمكن أحد من العثور على دليل يربط بين هذه الشركات والتطبيقات التى تقوم بالتجسس، بالعكس من قرأ فى الموضوع عرف إن طبيعة البيانات التى ترسلها الشركات للفيس بوك مختلفة عن البيانات التى كانت تُسجل.
ومن ثم كل البيانات الموجودة عند الفيس بوك تكون تحت تصرف المسوق علشان يوجه إعلانه للعميل المحتمل، فالمسوق الشاطر يعرف من المعلومات المتاحة عنده من هو العميل المحتمل.
ولكن أحيانا مجرد الحوار عن موضوع نجده مباشرة على الفيس بوك، بشكل يصعب تصديقه مما يزيد درجة التعجب، فما السبب؟
المستخدمون للفيس بوك فى مصر يقضون أكثر من ثلاث ساعات يوميا على شبكات التواصل الاجتماعى، وتقريبا الفرد الواحد يرى حوالى 1500 إعلان فى اليوم، وبالتالى عندما تشاهد إعلانا منهم، كان محور حديثك من دقائق، فهى صدفة، أو بمعنى أدق استهداف ناجح من المسوق.
هل معنى ذلك أن الفيس بوك لا يتجسس علينا؟
على العكس الفيس بوك أكبر جهاز استخباراتى فى العالم، ويتم من خلاله تجارب للتحكم فى مزاج الجمهور وأى بيانات تخرج من جهازك يمكن تتبعها، وهناك مجموعة من الخبراء يراقبون أى سلوك مشكوك فيه يخرج من المواقع الإلكترونية وتطبيقات الموبايل، وفى النهاية الفيس بوك سلاح ذو حدين، استخدامه مليء بالمخاطر ما عدا الاستخدام النافع له فى التسويق لفتح أسواق عالمية.
وهل ساعد فيس بوك الرئيس الأميركى دونالد ترامب فى الوصول إلى البيت الأبيض؟
بالتأكيد حيث تم الاعتماد فى حملة ترامب على تحديد الشخصيات ذات الصفات المراد استهدافها، من خلال إيجاد العلاقة بين صفات الشخصيات والمتاح من بيانات لهم على الفيس بوك، ومن خلال هذه العلاقة أستطاع الفيس بوك عمل استهداف متقدم للشخصيات، ويتضح لنا هذا الأسلوب من خلال تجربة قام بها الدكتور ديفيد ستلويل نائب مدير مركز القياسات النفسية فى جامعة كامبردج هو وفريق بحثى ويعد هذا المركز أقدم وأهم المراكز فى القياسات النفسية فى العالم، حيث ابتكر ديفيد تطبيقًا صغيرًا اسمه (شخصيتى MYPERSONALITY) يعمل كتطبيق على الفيس بوك ليجمع المعلومات التى يتطوع المستخدمون بتقديمها، هذا التطبيق يحوى اسئلة مختلفة متعلقة بالقياس النفسى وهو مجموعة من الأسئلة السيكولوجية المرتبطة باختبار «الخمسة الكبار» أو الـ «BIG FIVE»، وهذا الاختبار عبارة عن تجمع هرمى لأبرز سمات الشخصية للإنسان وهى الانفتاح، والاجتماعية، والتوافق، والاضطراب (أو القلق)، والضمير أو الوعى. وكل عنصر من العناصر الخمسة تحته مجموعة أخرى من السمات الشخصية، كان يتصور ديفيد أن هذا الاستبيان سوف يستكمله فقط زملاء الجامعة لأنه استبيان شديد التعقيد والخصوصية، ولكن المفاجأة أن هذا الاستبيان استكمله 6 ملايين شخص وسمح منهم 4 ملايين شخص بالحصول على البروفايل الشخصى على الفيس بوك بما يحويه من تفاعلات من إعجاب أو مشاركة.
ماذا عن نتائج تلك الدراسات؟
أصبح لدى مركز كمبريدج للقياسات النفسية ثروة من البيانات، استطاع من تحليل البيانات أن يجدوا علاقة بين السمات الشخصية والبروفايل الشخصى على الفيس بوك، فيمكن استنتاج من البروفايل الشخصى على الفيسبوك إذا كان الشخص طموحا أو إذا كان منطويا أو مدى ذكائه، ديانته، انتمائه، وعلاقته بالكحول والسجائر والمخدرات أو حتى إذا كان أبواه منفصلين والعديد والعديد من الصفات.
ووصل الأمر إلى مستويات مذهلة، فى 2012 من خلال دراسات علمية استطاع أن يثبت بالدليل أنه بفحص متوسط 68 «إعجابًا» على الفيس بوك لأحد المستخدمين، يمكن التنبؤ بعرق الشخص (بنسبة دقة تصل إلى 95%)، وتوجهه الجنسى (بنسبة دقة 88%)، وانتمائه الحزبى (بنسبة 85%)، كما توجد دراسة أخرى أثبت المركز من خلالها أنه بدراسة «عشرة إعجابات» فقط على الفيسبوك يمكن معرفة شخص وتقييمه «بصورة أدق من معرفة زميله فى العمل، أما 70 إعجابًا» فهى كافية لتقييم الشخص بشكل أدق من تقييم أصدقائه له، و «150 إعجابًا» تقييم أفضل من والدى الشخص له، و «300 إعجاب» معرفة أكثر مما يعرفه الأزواج عن بعض.
والمزيد من «الإعجابات» تتجاوز فى بعض الأحيان ما يظن الشخص أنه يعرفه عن نفسه، جزء كبير من الأبحاث والبيانات متاح على شبكة الإنترنت وجزء آخر متاح للدارسين عند التواصل مع المركز.
ثم أجريت تجربة أخرى لشركة «كامبريدج أنالاتيكا» من خلال استخدام تطبيق آخر اسمه ISISYOURDIGITALLIFEأو «هذه هى حياتك الرقمية» هذا التطبيق قام بتنزيله 270 ألف مستخدم ولكن التطبيق كان له صلاحية للوصول لبيانات الأصدقاء فوصل تقريبًا إلى 50 مليون مستخدم، وكشف ألكسندر جيمس أشبورنر نيكس، رئيس مجلس إدارة شركة «كامبريدج أنالاتيكا» فى قمة كنكورديا عن قدرات الاختبارات النفسية فى العملية الانتخابية، وقال إن الاستهداف يعتمد على القياس النفسى اعتمادا على مقياس استبيان الخمسة الكبار، كما أكد نيكس أن الحملة استخدمت175 ألف تنويعة إعلانية مختلفة فى يوم المناظرة الرئاسية الثالثة بين ترامب وكلينتون، لتخصيص كل تنويعة لفئة محددة من الجمهور اعتمادا على الاستهداف النفسى.
وفى النهاية قدرات الفيس بوك المتاحة لنا واستخدامه فى النمو والتطوير مذهلة وعظيمة، ويكون لتلك الاستراتيجية محور مهم فى التوعية.
ماذا عن التلاعب بالعقول بواسطة التسويق الإلكترونى؟
التسويق علم لا يستخدم فقط لتسويق المنتجات والخدمات بل لتسويق الأفكار والآراء والمعتقدات والأشخاص والأحزاب والمرشحين السياسيين والأنظمة السياسية وغير ذلك، ففى كتاب «أساسيات التحليل السياسى» لفيليب بولوك وهو أحسن كتاب فى أبحاث العلوم السياسية، تم تغطية أساسيات وطرق الأبحاث السياسية التى تقيس الرأى العام وتحدد الحجم الحقيقى للمؤيدين والمعارضين لكيان أو شخصية أو معتقد أو نظام سياسى فى شريحة معينة فى المجتمع.
ومع وجود تمثيل لأجزاء كبيرة من شرائح المجتمع على شبكات التواصل الاجتماعى، أصبحت المنصات الإلكترونية أداة قوية للدراسات السياسية ووسيلة لقياس الرأى العام، فكل تفاعل من إعجاب أو مشاركة أو تعليق سلبى أو إيجابى تقوم به مسجل، وكل كلمة بحث أو زيارة لموقع إلكترونى أو وقت تقضيه على صفحة أو مشاهدة فيديو مسجل، ويمكن عمل تشريح دقيق لكل شريحة فى المجتمع الإلكترونى لمعرفة اهتماماتهم ومخاوفهم وسلوكهم ومن ثم القدرة على التلاعب بآرائهم واتجاهاتهم، وخير مثال على هذا التلاعب، إذا أنتج المجتمع «هاشتاج معين» وأصبح ذا تفاعل عالٍ على شبكة اجتماعية مثل تويتر، قد يظهر هاشتاج مضاد له مما يوهم الفرد وحتى الجهات البحثية غير المحترفة بوجود اتجاه واتجاه مضاد له بنفس القوة على غير الحقيقة.
وتوصلت دراسة لجامعة أكسفورد إلى وجود استخدام واسع النطاق لوسائل التواصل الاجتماعى لتعزيز الأكاذيب والمعلومات المضللة والدعاية من جانب أحزاب وحكومات للتلاعب بالرأى العام من خلال حسابات وهمية وروبوت أى برامج للنشر الآلى تقوم بالنشر والإعجاب والمشاركة على شبكات التواصل الاجتماعى، حيث وجدت الدراسة أن 45% من أكثر الحسابات الأعلى نشاطًا على تويتر فى روسيا هى حسابات وهمية لبرامج آلية، أيضًا التقرير الخاص بالولايات المتحدة يقول إن الداعمين الوهميين على شبكات التواصل الاجتماعى للمرشح السياسى كان حافزا للداعمين الحقيقيين لاختيار ذلك المرشح ذا الداعمين الوهميين، وتؤكد نتائج التحليل الكمى أن البرامج الآلية كانت ذات تأثير خلال الانتخابات الأمريكية لعام 2016، كذلك قال سمول وولى مدير المشروع البحثى إنه يتم استخدام الوسائل نفسها لخلق شعبية وهمية للمرشح السياسى ليكون فى النهاية عنده القابلية للانتشار والنجاح التى لم تكن موجودة من قبل، وفى النهاية تؤكد الدراسة أن وسائل الإعلام الاجتماعية هى ساحة معركة دولية للسياسة القذرة.
الإرهابيون الجدد
ما علاقة وسائل التواصل ببعض الأخطار المضادة والهدامة لتحقيق أغراض محددة؟
هناك نوع جديد من الإرهابيين الجدد مهمتهم مهاجمة أى اتجاه أو فكرة مضادة لما يؤيدونه، وأسلحتهم التخوين والألفاظ النابية حتى تتوهم وجود اتجاه مضاد قوى لما تعتقد أو لآرائك، كما يوجد العديد من المشاهير والمؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعى يتم استخدامهم بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال ما يسمى التسويق بالمؤثرين، فيمكن استخدامهم بطريقة مباشرة من خلال الطلب منهم لتبنى رأى أو الدفاع عن مرشح أو نظام، أو بشكل غير مباشر بمحاصرة هذا المؤثر بالمنشورات والفيديوهات ووسائل الإقناع المختلفة وذلك بعد دراسته ومن ثم التأثير عليه بشكل ممنهج حتى يتبنى وجهة النظر المطلوبة.
ويمكن أن تكشف بعض الأساليب بنفسك من خلال بعض الأدوات البسيطة فمثلاً إذا وجدت هاشتاج أخذ فى الانتشار على تويتر غير متسق مع الرأى العام من وجهة نظرك فاستخدم تلك الأداة CTRLQ.ORG/FIRST لمعرفة أول من أطلق هذاالهاشتاج، ومن خلال أدوات التحليل مثلKEYHOLE.CO و SOCIALBEARING.COM
و TWITONOMY.COM تستطيع معرفة الحسابات الأكثر استخدامًا لهذا الهاشتاج وتحليل تلك الحسابات وحسابات أصدقائه، لتعرف فى النهاية إذا كانت شعبية الهاشتاج حقيقية أم وهمية، وسوف تفاجئك النتائج، لأنك ستجد العديد من الهاشتاجات التى انتشرت وراءها حسابات وهمية وبرامج آلية.