صالون الرأي
دراما مدفع رمضان بزاوية 90 درجة
By amrمايو 13, 2018, 20:36 م
1931
لم يكن يعلم مهندس المدفعية الفرنسى «جان بابتيست» أول من وضع تصميمًا موحدًا للمدفع أن لإبتكاراته فى أساليب الضرب غير المباشر والتى تعتمد على تقنية إصابة العدو دون أن يكون فى مرمى البصر وإنما فى مرمى النيران،قد استخدمت أجهزة المخابرات ذات التكتيك فى تنفيذ أعمالها لإصابة أهدافها بواسطة «العملاء» أوعن طريق وسائل غير مباشرة وغير متعارف عليها كالدراما «مثلًا» فى هزيمة الشعوب «وجدانيًا وثقافيًا» والتى استعصت جيوشها على الانكسار! هكذا كان حال الدراما الوافدة على المصريين كدانات المدافع التى تحرق الأرض وتجبر الرؤوس على الانخفاض والانكسار فبعد أن كانت دراما رمضان أحد أهم أسلحة القوى الناعمة المصرية ليس فى المنطقة العربية فقط بل للقارة السمراء ولمساحات شاسعة فى أراضى وجزر الشرق الأسيوى، وليس طرافة أن أتحدث عن إعجاب العديد من الزملاء فى إحدى الفرق الدراسية منذ أكثر من عشرين عامًا عندما أكد أحدهم أن رمضان فى السودان نعرفه مع فوازيرعمو فؤاد ونيللى ومسلسل محمد رسول الله y وجمعه الشوان والهجان وحديث الشعراوى وأذان الشيخ رفعت و.. ويقاطعه أخر من الخليج ليقول بالحرف: رمضان فى مصر فقط !الواقع أننا ننادى بإصلاح الخطاب الدينى ونعول عليه ماوصل إليه الحال إنما الحقيقة أن الخطاب الدينى جزء من النسق الثقافى العام الذى يشكل مع الموروث من العادات والتقاليد والمكتسب من التعليم والاطلاع من جانب والاستسلام المنبطح للوافد من الثقافات السوداء تحت مظلة عباءة الانفتاح والتشدق بحوار الحضارات ونكتفى أن نكون متلقين حتى دون وعى وتعديل لما يتناسب مع الهوية الوطنية، زملاء الأمس البعيد كانوا فى حديثهم العابر يوثقون حال الدراما الرمضانية فى مصر وتأثيرها المشابه لقذائف المدفعية بعيدة المدى والتى تفرض اللهجة المصرية كلغة عامة للعرب «إذ كنا أصحاب فعل» ويجسد مدى انفعالهم بخطوط الدراما المتصاعدة فى مسلسلات صالح مرسى تماما كأن القضية ليست مصرية فقط بل عربية يسعى الجميع لحلها فى الشوان والهجان ومدى بحث المشاهد العربى باهتمام عن حلول للعقد الدرامية، حتى كان الترويج الدرامى الجيد لطمأنة المنطقة بأكملها بقوة المؤسسات الأمنية المصرية واعتمادية العرب عليها,وكانت الأجزاء الخمسة لمسلسل محمد رسول الله y والتى استهلت الثمانينيات حتى خمس سنوات متتالية للمبدع عبدالحميد جودة السحار والمخرجين أحمد طنطاوى وأحمد توفيق ونور الدمرداش وكتيبة الممثلين الذين تنافسوا باقتدار ليقدموا ثقافة دينية دسمة وسلسلة فى حرفية لا يخفى منها روح المسئولية والإيمان بدور الفنان ورسالته تجاه مشاهدينه الذين استقبلوه ضيفًا مقيما مع أسرهم صغارًا وكبارًا يثقف ويوعى ويحصن الفكر من خلال تقديم حياة الأنبياء وفى تجربة مشابهة يقدم التليفزيون المصرى مسلسل الوعد الحق للأديب طه حسين إلا أننا تركنا الدراما الدينية التوعوية فحلت دراما «إيران» لتنشر الثقافة الدينية من وجهة نظرها وبألياتها والعجيب أنها استهلت ضربها غير المباشر بنقل تاريخ مصر القديمة نيابة عنا للعالم من خلال مسلسل يوسف الصديق لمدة ثلاث سنوات متتالية ويعدون الأن لمسلسل المشخص لحياة سيدنا محمد yورغم أن تشخيص الأنبياء رفضه أزهر المسلمين كما فى تجربة عميد المسرح يوسف وهبى والذى ابدى احتراما جليلاً لأزهر المسلمين، وفى سياق الدراما الاجتماعية الساعية لإصلاح السلوكيات كانت رحلة السيد أبوالعلا البشرى للمتألق رغم فراقه محمود مرسى وأستاذ الدراما التليفزيونية أسامة أنور عكاشة الذى أبهرنا بتوثيق درامى لتاريخ مصر منذ نهايات الملكية وحتى حرب أكتوبر بشجن الرائع سيد حجاب، وفى 79 عامًا مسلسل إجتماعى يصون وحدة الأسرة المصرية كنموذج للأسرة الأكبر «أبنائى الأعزاء شكرًا» للراحل العظيم مدبولى والمبدع محمد فاضل صاحب «ناصر56» وكفى!وصولاً لهوانم جاردن سيتى لأحمد صقر، وتراجعت الدراما الاجتماعية ليأتى ضربًا غير مباشر من جبهة درامية ثانية فقدمت «تركيا» العشق الأسود والممنوع لينتشر بالفضائيات المصرية بما يسمى فى قتال المدفعية بالضرب المساحى الذى يضرب مساحات واسعة من الأرض ليحقق أكبر خسائرممكنة بواسطة عشق المحارم وعلاقات شاذة تهدم قيم أعتى المجتمعات وبالأخص عندما تنسحب أسلحة الثقافة المشابهة لأسلحة العدو كالدراما التليفزيونية وتتخلى عن المعركة وتترك دورها ورسالتها، ولم تكن الدراما الترفيهية أقل اثرًا فى وجدان الأسرة المصرية بدءًا من المتدفقة بهجة نيللى إلى الشاملة شريهان مع العبقريين سمورة وعمو فؤاد والتى غابت تمامًا وحل محلها برامج تبدو «بنظرة ساذجة» أنها تافهة وسطحية إلا أنها تستهدف قتل براءة البسمة فى نفوس المشاهدين، ولم تكن الخريطة الرمضانية خالية من الخطاب الدينى الشعبى والرسمى فكان حديث الشعراوى الذى جمع ليس الأسرة المصرية حوله بل العربية ولو كان فى الثمانينيات تقنية الوصول المتاحة حاليًا لجمع طرفى الكرة الأرضية وكان لعالمنا الجليل وإمامنا الشيخ جاد الحق ومن بعده الشيخ المستنير الإمام سيد طنطاوى أحاديث رمضانية لا تغيب عنها مهابة الشهر الكريم كما أننا لاننسى الهادىء غير المتكلف الواعظ الذى لايتقن التمثيل على الإطلاق الأستاذ الدكتور عبد الله شحاتة وشيخ الفتوى عطية صقر وإمام الحديث الاستاذ الجليل أحمد عمر هاشم وغيرهم الكثير والكثير ممن أفاضوا بثقافاتهم المتنوعة على المصريين والعرب والأفارقة والآسيويين دعما لقوة مصر الناعمة وتعضيدًا لجعلها منارة الثقافة من فنون وأداب وعلوم فى المنطقة فكان مدفع رمضان بمثابة انطلاقًا كل عام لتجديد طاقة الاستيعاب للغير وحيوية الوصول إلى القلوب والعقول وخلق أنماط تبعية ثقافية لمصر وثقافاتها المبهرة، كان مدفع رمضان يضرب بزوايا حادة ليصل إلى مدايات بعيدة لم تطولها السياسة ومن غير الواجب أن يمخر عباب فضائها البارود لذا كانت الدراما الرمضانية سلاحا ومدفعًا أكثر تأثيرًا، أما الحال الأن يعود بنا إلى دروس المدفعية التى تعلمنا فيها أن الضرب غير المباشر هو أن تقتل وتدمر وتؤثر على عدوك دون أن يراك كما تراه من خلال العملاء والأعين التابعة فكانت الدراما الوافدة علينا، والدرس الثانى هو أن زاوية ماسورة المدفع كلما اقتربت من 90 درجة شكلت خطرًا داهما على حياة طاقم المدفع والأرض التى يقفون عليها وحياة من حولهم لأن الدانة ستسقط على رؤوسنا جميعًا نقتل أنفسنا بأيدينا ونحرق أرضنا ويضيع مستقبلنا عند زاوية 90 درجة دراما!!.