رئيس التحرير
أقوى آلات سحق العظام وتدمير العقول
By mkamalمايو 08, 2022, 11:09 ص
1246
قبل ثلاثة أسابيع من الآن وبالتحديد فى 13 إبريل الماضى وصلتنى رسالة تحذير على البريد الإلكترونى الخاص بى من شركة جوجل كان عنوانه «إشعار مهم تعديل متعلق بأوكرانيا»، وجاء نص الرسالة عبارة عن تحذير من أكبر موقع بحث على الشبكة العنكبوتية (Google) «بسبب الحرب فى أوكرانيا، سنوقف مؤقتًا ميزة تحقيق الربح من المحتوى الذى يستغل الحرب أو يستهين بها أو يقبلها.
يرجى العلم بأننا ننفذ حَالِيًّا هذا الإجراء ضد المحتوى الذى يتضمّن ادعاءات ذات صلة بالحرب فى أوكرانيا فى حال انتهاكه السياسات الحالية (على سبيل المثال، تحظر سياسة المحتوى الخطير أو الازدرائى تحقيق الربح من خلال المحتوى الذى يحرّض على العنف أو ينكر الأحداث المأساوية).
تشمل عملية الإيقاف المؤقت هذه، على سبيل المثال لا الحصر، المحتوى الذى يتضمّن ادعاءات بأن الضحايا كانوا مسئولين عن مأساتهم أو الحالات المماثلة من إلقاء اللوم على الضحية، مثل الادعاءات التى تفيد بأن أوكرانيا ترتكب أعمال إبادة جماعية أو تهاجم مواطنيها عن قصد.
لم تكن تلك الرسالة من شركة جوجل فقط، هى الوحيدة التى وصلتني، إنما وفى نفس التوقيت وبالتزامن مع الرسالة التحذيرية السابقة قام موقع التواصل الاجتماعى FACEBOOK، أيضا بإخفاء الفيديو الذى نشرته فى 3 مارس الماضى والذى يحتوى على مشاهد لعدد كبير من الأكياس السوداء قيل إن بها جثث ضحايا القصف الروسى للمدنيين الأوكران، وفجأة وخلال التصوير أخرج أحد الأشخاص رأسه من الكيس، ليكشف الخدعة التى قدمت للعالم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فقام الموقع الأزرق بإخفاء الفيديو.
تذكرت مع كل تلك الأحداث ما قامت به إدارة الفيس بوك من حظر لكافة الفيديوهات التى توثق الانتهاكات الإسرائيلية وجرائم الحرب التى ترتكب ضد الفلسطينيين فى قطاع غزة من المدنيين العزل.
(1)
إنها ليست سياسة الكيل بمكيالين ولكنها الحرب وأدواتها وآلاتها المستخدمة فى تزييف الوعى وتدمير العقول، تتبعها عمليات سحق العظام والأبدان وتدمير الدول.
ودعونا نتوقف عند بعض النقاط المهمة التى أشرت إليها قبل ذلك خلال تلك المساحة بمجلة أكتوبر وانضم إلينا عدد كبير من الخبراء محذرين من خطورة الحرب الدائرة فى المنطقة والتى تعددت أدواتها ومعداتها ومسارح عملياتها.
النقطة الأولى: إن شبكات التواصل الاجتماعى باتت أكثر قدرة على التأثير فى بناء الوعى وتشكيل الصورة الذهنية للأفراد وتحريك الأجساد باتجاه معين، لما لها من تواجد دائم فى تشكيل الوعى، خاصة فى المجتمعات التى تعتبرها مصدرا مهما من مصادر المعلومات لديها.
النقطة الثانية: حالة التوتر المستمرة فى المنطقة فى ظل عدم قدرة بعض الدول على الخروج من مأزق الفوضى الذى دخلته عام 2011.
النقطة الثالثة: ضرب المنطقة بمجموعة من الأزمات المتلاحقة التى تعد أرضا خصبة لصناعة حاجز ضخم من انعدام الثقة بين المواطن والحكومة.
النقطة الرابعة: أهمية دور الإعلام فى بناء الوعى ليصبح بمثابة حائط الصد رقم واحد فى المواجهة، فى ظل قوة الحروب غير النمطية.
النقطة الخامسة: ضرورة إدراك الجميع أنه إحدى أدوات الحرب فإن لم يحسن استخدامها كان أداة مدمرة له ولوطنه، فالحروب غير التقليدية أو غير النمطية، تعتمد على تناقل الأخبار والمعلومات التى تصبح مثل كرة الثلج الضخمة بمجرد تحركها نحو المنحدر.
هنا علينا أن نتوقف بعض الشيء… فخلال السنوات العشر الأخيرة شهد العالم بشكل عام والمنطقة بشكل خاص مجموعة ضخمة من المتغيرات، ازدادت حدتها خلال السنوات الثلاث الماضية مع بداية جائحة كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية.
(2)
لقد ترتب على الجائحة، ومن بعدها الحرب الروسية الأوكرانية، حالة كبيرة من التضخم انتابت الاقتصاد العالمي، وخلقت موجة ضخمة من ارتفاع الأسعار، ستظل آثارها واضحة على الاقتصاد العالمى لسنوات قادمة.
الأمر الذى دعا دولا عدة إلى إطلاق حزمة قرارات اقتصادية فى محاولة منها لتخفيف عبء الأزمة.
وأعلنت دول أخرى أنها باتت غير قادرة على تحمل الأعباء الناتجة عن الأزمة الاقتصادية، ومنها ألمانيا فقد جاء إعلان وزير الاقتصاد والعمل المناخى الألمانى روبرت هابيك قائلا: «اقتصادنا يتعرض لضغوط شديدة ولن نستطيع استيعاب ارتفاع أسعار الطاقة، ويجب على المستهلكين التعامل مع الارتفاع المستمر لأسعار الطاقة، فلن نستطيع دعم تكاليف الطاقة الجديدة عن المواطنين، فواردات الطاقة الروسية أصبحت هشة منذ بداية الحرب فى أوكرانيا».
كما أقر مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى رفع الفائدة على الأموال الفيدرالية بنصف نقطة مئوية، لتصل إلى 1 %، وهى أكبر زيادة منذ عام 2000، فى محاولة للحفاظ على الدولار، وكبح جماح الأزمة (التضخم).
واتبع القرار الأمريكى قرارات مماثلة فى البنوك المركزية للعديد من البلدان التى تربط بين عملتها المحلية والدولار.
تلك الأزمة التى أثرت على سلاسل الإمداد وأيضا على توافر المنتجات الغذائية، مما جعل الأمم المتحدة تحذر من أزمة غذاء على مستوى العالم.
ومع الأزمة الاقتصادية العالمية يصبح المناخ مواتيا لنشر الشائعات ومحاولة النيل من استقرار الدول، وتبدأ عمليات تزييف ممنهجة للوعى وخلق حالة من عدم الثقة بين المواطن وحكومته.
وينطلق الأمر من أرقام تعلنها الحكومات ولكن سرعان ما تتحول تلك الأرقام المعلنة لإحدى أهم أدوات المعركة.. فتتحول ميزانيات الشركات والموازنات العامة للهيئات إلى نقطة انطلاق لعناصر التشكيك فى قدرات الدول على المواجهة.
يواكب هذا التحرك وبالتزامن معه تحرك مجموعات تجار الأزمات الذين غابت ضمائرهم واتسعت بطونهم وجيوبهم من أجل مزيد من الربح على حساب أى شيء (الأوطان، الشعوب) المهم فى النهاية هو كيف يستفيد من الأزمة.
ليستغل تجار الأزمات انشغال الحكومات بمحاولة تخفيف عبء تأثير الأزمة على المواطن، ويجنون هم مزيدا من الربح الحرام.
(3)
فى ظل الظروف الحالية التى يعانى منها الاقتصاد العالمى من حالة تضخم غير مسبوقة وارتفاع فى أسعار الطاقة والمنتجات الغذائية ومدخلات الصناعة، تصبح الدول فى حاجة ماسة إلى وعى شعوبها، لمشاركة الحكومات والتعاون معها لعبور الأزمة التى قد تعصف بدول وتحطم اقتصاديات وتغير خريطة العالم الاقتصادية.
ولأن قوى الشر دائما ما تجيد الصيد فى الماء العكر فإنها تستغل فترة الأزمات لخلق حالة من عدم الاستقرار.
ذلك النموذج الذى عايشناه عدة سنوات عقب أحداث يناير 2011، نموذج إفشال الدول والتشكيك فى قدرتها على عبور تلك الازمة، أو قدرتها على الصمود فى مواجهتها.
وخلال الفترة الأخيرة جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتقدم نموذجا من الحروب الهجين التى جمعت بين الحرب النمطية التقليدية والحرب غير التقليدية (النفسية) وقد كانت الرسائل الغربية لها تأثير فى إطالة أمد الحرب، فقد استخدم الغرب كافة أدواته الإعلامية فى مواجهة الآلة العسكرية الروسية.
ولأن صناع تلك المواقع هم جزء من أدوات الدول، الأمر الذى جعل الفيس بوك وتويتر واليوتيوب تحجب كافة الصور وفيديوهات جرائم الحرب والانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين بداعى أنها تخترق ضوابط مجتمع الفيس بوك واليوتيوب وتدعو للعنف.
ليتحول الجانى إلى ضحية والعكس.. إنها عملية تعليب عقول ممنهجة تحت دعوى مجتمعات افتراضية (مجتمع اليوتيوب، مجتمع الفيس بوك).
وخلال الأسابيع الماضية، استهدفت الدولة المصرية من قبل قوى الشر، بنشر العديد من الشائعات، ومحاولات التشكيك فى قدرة الدولة على عبور الأزمة الاقتصادية العالمية، رغم حفاظ مصر على تصنيفها الائتمانى وتحقيقها أعلى معدل نمو اقتصادى فى الربع الأول من العام المالى 2021/2022 وشهادة المؤسسات الاقتصادية الدولية على قدرة الاقتصاد المصرى على امتصاص آثار الأزمة الأوكرانية، كما استطاع امتصاص آثار جائحة كورونا.
لكن الأمر هنا يتطلب مزيدا من الثقة الشعبية فى أداء الحكومة وقدرتها على العبور بالدولة المصرية إلى بر الأمان وهو ما جعل الرئيس يطالب الحكومة بعقد مؤتمر صحفى عالمى تستعرض فيه تفاصيل خطتها لعبور الأزمة.
الأمر الثانى هو تشجيع المنتج المحلى على حساب المنتج الأجنبى لما له من أثر إيجابى على الاقتصاد المصرى وتقليل الضغط على الطلب على العملة الأجنبية وتوفير مزيد من فرص العمل.
كما يتطلب من الحكومة مزيدا من الرقابة لضبط الأسواق وتطبيق القانون على المخالفين والضرب بيد من حديد على يد تجار الأزمات، ليدرك المواطن أن الحكومة ليست غائبة عن المشهد لكنها ترى كافة تفاصيله وتعمل على مواجهة أى محاولة لاستغلال الأزمة.
كما أن المرحلة تتطلب وقف استيراد السلع الاستفزازية والتى قد يكون لها تأثير على النقد الأجنبي.
إن المرحلة المقبلة ستشهد موجة عاتية من الشائعات التى قد تطال العديد من القضايا والشخصيات، بهدف التشكيك فى قدرة الدولة المصرية على مواصلة البناء وخلق حالة من عدم الرضا لدى المواطن، وهو ما يستوجب التسلح بمزيد من تدقيق المعلومات.
إننا معرضون لموجة عاتية من عملية تغييب العقول بمزيد من الشائعات والمعلومات المضللة والأكاذيب المصنوعة باحترافية شديدة والتى تعد أقوى آلات المعركة، تمهيدا لسحق العظام وضرب استقرار الدول وخلق مزيد من البقاع الملتهبة فى منطقة الشرق الأوسط.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جاء تعليق الرئيس خلال احتفال عيد الفطر المبارك على مسلسل الاختيار تأكيدا على أننا نمتلك قوى ناعمة أكثر تأثيرا فى ظل وجود دراما توثيقية استطاعت أن توثق أحداث مرحلة مهمة فى تاريخ الدولة المصرية كانت إلى وقت قريب تحاول قوى الشر طمس حقائقها من خلال أكاذيب احترفت ترويجها… ليأتى «الاختيار 3» بمثابة توثيق كامل لخيانة الجماعة الإرهابية للوطن، وهو الأمر الذى أصاب قوى الشر بحالة من الجنون لتطلق مزيدا من الشائعات مستهدفة بها الدولة المصرية.. إلا أن مصر تعمل بمبدأ «الكلاب تعوى والقافلة تسير».