سياسةشئون دولية
هل يتكرر السيناريو الأوكراني في فنلندا والسويد ؟
By amrمايو 16, 2022, 18:09 م
1109
كتبت : روضة فؤاد
فنلندا والسويد –الدولتان اللتان تتبعان منذ أمد طويل سياسة عدم انحياز محايدة– تثار بشأنهما الآن تساؤلات حول إمكانية توسع الناتو شرقا وضم الدولتين إلى تحالفه العسكرى؟ وطبيعة رد الفعل الروسى على هذه التحركات؟ وهل ستكون التطمينات الأمريكية بتوفير الحماية للدولتين الواقعتين شمال أوروبا ضد أى تحرك من جانب روسيا كافية؟.
أسئلة عديدة تطرحها وسائل الإعلام العالمية الآن فى ظل الأخبار المتداولة عن نية الدولتين الإعلان عن قرارهما بشأن عضوية الناتو، حيث من المتوقع أن تتخذ كل من السويد وفنلندا قرارًا ما إذا كانتا ستقدمان طلبًا رسميًا للانضمام إلى حلف الأطلسى خلال الأيام المقبلة.
ولعل السؤال الأهم يتعلق بالأسباب التى دفعت الدولتين الاسكندنافيتين للتفكير فى الانضمام لحلف الناتو، خاصة أنهما ظلتا خارج حلف الأطلسى أثناء فترة الحرب الباردة التى استمرت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى انهيار الاتحاد السوفيتى عام 1990، لكن جاء تفجر الأزمة الأوكرانية ليدفع الدولتين لإعادة التفكير فى سياستهما الأمنية.
فنلندا التى نالت استقلالها من روسيا عام 1917 تتشارك حدودًا مع روسيا تبلغ 1300 كيلومتر، وكانت قادرة على الحفاظ على استقلالها من خلال علاقة توافقية مع موسكو، لكن الحرب فى أوكرانيا أدت إلى حدوث تغيير فى موقف فنلندا، حيث قالت رئيسة وزرائها، إن روسيا ليست الجارة التى تتخيلها، وشددت على دعمها لانضمام فنلندا إلى الناتو.
وأشارت عدة تقارير إلى أن الدافع الرئيسى لقلق فنلندا الدولة الجارة لروسيا، ليس فقط استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، بقدر ما هو التخوف من أن تكون أوكرانيا هى البداية الأوروبية لعودة الاتحاد السوفييتى بصورة جديدة، وأن أهداف روسيا من العملية العسكرية فى أوكرانيا تتخطاها، وسوف تتعدى إلى دول أوروبية أخرى، وخاصة دول الجوار وعلى رأسها فنلندا.
أما السويد فتعيش حالة من القلق المتصاعد منذ ما قبل اندلاع الحرب الأوكرانية، إذ عاد مصطلح «الروس قادمون» ليتصدر النقاشات السياسية فى البلاد، ويعود مصطلح «الروس قادمون» إلى وقت كانت فيه السويد إمبراطورية وقوة عظمى فى أوروبا، وسعت إلى غزو الأراضى الروسية وضمها إليها، لكن القيصر الروسى بطرس الأول انتصر على ملك السويد فى معركة «بولتافا» عام 1709م، فكانت تلك المعركة بداية النهاية لمملكة السويد التى كانت تشمل منطقة البلطيق، وتقع منطقة «بولتافا» حالياً فى أوكرانيا.
ومنذ ذلك الوقت أصبحت عبارة «الروس قادمون،» محفورة فى أذهان السويديين، إذ عندما عاد ملكهم كارل الأول مع القليل المتبقى من رجاله كانوا يصيحون بالعبارة تحذيراً لأهالى البلاد.
ومنذ بداية الأزمة الأوكرانية، عاد مصطلح
«الروس قادمون» ليصبح عنواناً رئيسياً فى الإعلام السويدى، ليس حالياً فقط، ولكن منذ ضمت روسيا إقليم شبه جزيرة القرم الأوكرانى.
ومع ذلك، يبدو الأمر معقدًا، حيث تخشى السويد وفنلندا التعرُض لما ستعتبره روسيا ضربة استباقية هدفها حماية الأمن القومى الروسى، وبطبيعة الحال لن يتدخل حلف الناتو بزعامة الولايات المتحدة فى تلك الحالة، لأن السويد وفنلندا ليستا عضوتين فى الحلف، وهو نفس وضع أوكرانيا.
هذا الأمر يعززه تصريحات المسئولين الروس، فحينما حاول الرئيس الأوكرانى فولاديمير زيلينسكى، إلقاء خطاب أمام البرلمان الفنلندى تعرضت مواقع حكومية لعمليات قرصنة إلكترونية، وهو تكتيك روسى شهير لتأديب مخالفيها، كما أعلن ديمترى بيسكوف المتحدث باسم الكرملين، أن هذه الخطوات لن تجلب الاستقرار إلى أوروبا، فيما حذرت ماريا زاخاروفا المتحدثة بِاسم وزارة الخارجية الروسية أن جاراتها سيواجهن عواقب عسكرية وسياسية إذا انضمت إلى الناتو، وجاء التصريح السياسى الأخطر على لسان ديمترى ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروس وحليف بوتين الأمين، حين أكد أنه حال انضمام فنلندا أو السويد إلى حلف الناتو، فإن روسيا ستنشر أسلحة نووية على حدودها مع دول البلطيق، وهو ما يعيد سيناريو الحرب النووية –الذى يسعى الجميع لتجنبه- إلى الواجهة مجددًا.
فى الوقت ذاته تواصل الولايات المتحدة تقديم التطمينات لتشجيع الدولتين على الانضمام للناتو، وأعلنت وزيرة الخارجية السويدية، آن كريستين ليندى، أن بلادها تلقت «ضمانات» من الولايات المتحدة بأنها ستحصل على دعم أثناء فترة تقديمها طلباً للانضمام لحلف شمال الأطلسى وفحص الدول الأعضاء الثلاثين بالحلف للطلب، وقالت ليندى للتلفزيون السويدى من واشنطن بعد اجتماعها مع وزير الخارجية الأمريكى بلينكن: «بالطبع لن أخوض فى أى تفاصيل، لكنى أشعر بأنى متأكدة جداً من أن لدينا الآن ضماناً أمريكياً»، لكن الوزيرة السويدية استدركت قائلة: «مع ذلك، إنها ليست ضمانات أمنية ملموسة، هذه
لا يمكنك الحصول عليها إلا إذا كنت عضواً كامل العضوية فى حلف شمال الأطلسى». وأحجمت ليندى عن كشف الضمانات التى حصلت عليها من بلينكن.
ومن جهته، قال البيت الأبيض إن الولايات المتحدة واثقة من قدرتها على معالجة أى مخاوف أمنية قد تكون لدى السويد وفنلندا بشأن الفترة الزمنية الفاصلة بين طلب عضوية حلف شمال الأطلسى والانضمام الرسمى إلى الحلف.
وعلى الرغم من هذه التطمينات، يظل السؤال متعلقاً بالكيفية التى قد تتدخل بها واشنطن لتوفير الحماية الكاملة للدولتين المرعوبتين من سيناريوهات الجار الروسى غير المعلنة.