متابعاتمصر
قانون متزن للأسرة
By mkamalمايو 22, 2022, 18:01 م
1049
ماجد بدران
الرئيس دعا إلى حوار مجتمعى من أجل الوصول إليه..
أساس العلاقة بين الرجل والمرأة فى الإسلام هو الزواج، حتى إن بعض الفقهاء اعتبره فرضًا ، والأكثر اعتبروه سٌنّة، قال تعالى «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» سورة الروم 21.
والزواج الذى له هذه المرتبة فى الإسلام هو عقد يفيد حل العشرة بين الرجل والمرأة وتعاونهما مدى الحياة، مصداقًا لقول الله تعالى «هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ» ويحدد عقد الزواج بمقتضى أحكام الشرع ما لديهما من حقوق وما عليهما من واجبات.
كما أن أهمية هذا العقد وعظم أثره يزداد لما يترتب عليه من أحكام النسب والميراث فهو من العقود المستمرة غير المقيدة بزمان، وليس المقصود منه مجرد الاستمتاع فقط، بل تكوين الأسرة ودوام العشرة بين الزوجين واشتراكهما وتعاونهما فى الحياة وتربية الأولاد.
عقد الزواج ليس عقد تمليك أو منفعة، بل هو أسمى من ذلك وأجل، ويحكم العلاقة بين الزوجين حتى يصيرا شخصًا واحدًا، يدافع كل منهما عن الآخر ويألم كل منهما بألم الآخر، وقد أرشد إلى ذلك قوله تعالى «هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ» فهو بحق عقد الحياة إن وفق الرجل والمرأة فيه وجدا الخير كله والسعادة الحقيقية طوال حياتهما.
والزواج هو أصل الأسرة حيث تتكون به، وتنمو وتتطور ومن أجل ذلك فإن الزواج يأخذ العناية اللائقة به، قال تعالى: «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ» النحل 72.
فالزواج الذى تقوم به الأسرة ويترتب عليه بقاء النوع الإنسانى واستمراره هو من أمر الله وإنعامه على عباده، كما أنعم عليهم بطيبات الرزق والتى تقوم عليها الحياة.
ويحرص التشريع الإسلامى على مبادئه فى إنشاء الأسرة وتكوينها بما يحقق الصلاح والخير لها، وما يحقق لها الاستقرار والأمن والعدالة فى توزيع الحقوق والواجبات بين كل من الزوج والزوجة مراعيًا فى ذلك كل ناحية من النواحى التى تتطلبها الفطرة ويقتضيها صلاح الأسرة فى كل زمان ومكان.
ولا يوجد قانون يؤثر فى المجتمع ويتفاعل معه أكثر من قانون الأحوال الشخصية، الذى يمثل أهمية خاصة لما يتضمنه من قواعد تنظم الشكل القانونى لتكوين الأسرة والعلاقات المختلفة بين أفرادها، وينعكس تأثيره على المجتمع بأسره.
فهو الذى يعالج أحوال الإنسان الشخصية كالزواج والطلاق والبنوة والنفقة والنسب والمسائل المتعلقة بالأهلية والولاية على المال والميراث والوصية، وكل ما يخص الأسرة من أحكام ومبادئ منظمة للعلاقات داخلها، وعلاقتها بالمتغيرات التى تحدث فى المجمتع ومدى مواكبتها لهذه المتغيرات.
وقد تعددت القوانين المنظمة للأسرة حيث ينفرد قانـــون الأحـــوال الشخصية بكثرة التعديلات، وذلك اعتبارًا من القانون
25 لسنة 1929، والقرار بقانون 44 لسنة 1979، والقانون 100 لسنة 1985، وأخيرًا القانون 1 لسنة 2000.
وأصبحت هذه القوانين مثارًا للجدل فيما يتعلق بدستوريتها، ووجود مشاكل تتعارض مع الواقع الاجتماعى، حيث تزداد مشكلات قوانين الأحوال الشخصية نتيجة ما يشهده المجتمع من تغيرات دائمًا ما تكون فى حاجة إلى مواكبتها فى الإطار القانونى، وأصبح هناك ضرورة لتعديل قانون الأحوال الشخصية ليتواكب مع مشكلات الحياة الآن، بعد أن تعرضت الأسرة المصرية للتفكك وأصبح هناك 9 ملايين طفل يعانون عواقب طلاق الأبوين.
وأصبح تعديل القانون أو إصدار قانون جديد يمثل أهمية كبرى لاستقرار الأسرة المصرية من خلال الحفاظ على حقوق الزوج والزوجة والأبناء بما يضمن استقرار المجتمع.
وانطلاقًا من مسئولية الأزهر الشريف فى مواجهة التحديات التى يتعرض لها المجتمع وتهدد سلامته، أصدر الإمام الأكبر د. أحمد الطيب قرارًا فى أكتوبر 2017 بتشكيل لجنة لإعداد مقترح مشروع قانون لتعديل بعض أحكام القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية وحرص مشروع القانون على وضع حلول نهائية لمشاكل الأسرة والمعاناة الناجمة لدى البعض حيال القانون بوضعه الحالى، وإيجاد بدائل تشريعية تقضى على تلك المشاكل، ويلبى احتياجات المجتمع من بناء أسرة قوية قادرة على تربية نشء يستطيع مواجهة التحديات ولديه القدرة على العطاء.
وكانت مشاكل النفقة والحضانة والطلاق من أبرز التحديات التى واجهت عمل اللجنة، خاصة أن هناك الكثير من الشكاوى داخل محاكم الأسرة من قطاع كبير من السيدات بأن القانون الحالى لا يعطى للمرأة حقوقها فيما يتعلق بالنفقة والحضانة، فبعض الأزواج ليس لديهم رواتب ثابتة ويمارسون أعمالاً حرة، الأمر الذى يتعذر معه تقييم الدخل الحقيقى للزوج، وبالتالى لا تحصل المرأة على النفقة المناسبة.
كما سجلت مسألة الطلاق مرتبة كبرى فى مقدمى المشاكل التى تنجم عن القانون الحالى، خصوصًا الحالات التى يرفض فيها الزوج توثيق طلاقه، رغم قيامه بتطليق زوجته شفويًا، وبالتالى تصبح الزوجة فى حكم الشرع مطلقة وفى نظر القانون غير مطلقة، وليس بوسعها أن تطالب بحقوقها كمطلقة، كما تحتل قضية زواج القاصرات مكانها فى قائمة التحديات، وأيضًا مشاكل الحضانة خاصة فى الحالات التى تتزوج فيها المطلقة بزوج آخر.
وكانت إزالة هموم المواطنين وحل مشكلاتهم من القانون الحالى المعيار الأهم فى عمل اللجنة، حيث سعت لحصول جميع الأطراف على حقوقهم وفى مقدمتهم المرأة والطفل بما يتماشى مع الشرع الحنيف ومستجدات الواقع والحفاظ على كيان الأسرة بشكل عام.
وفى منتصف أكتوبر 2019 أعلن الأزهر الانتهاء من مشروع القانون على أن يتم تسليمه للحكومة لتسليمه إلى البرلمان.
وقد تعرض مشروع قانون الأزهر لبعض الانتقادات من جمعيات المرأة يتعلق أغلبها
بـ «سن حضانة الأطفال بعد انفصال الزوجين، وحق الرؤية، ونفقة الزوجة بعد الطلاق».
وكان المجلس القومى للمرأة قد وضع مشروعًا لقانون الأحوال الشخصية للأسرة وقام المجلس بإنشاء مرصد تشريعى لتلقي الاقتراحات، ووصل للمجلس بالفعل 140 اقتراحًا تم مراجعتها، كما عقد أكثر من 70 لقاءً مع الجهات المعنية للاستماع لمقترحاتهم ودرس عددًا من القوانين العربية للاستفادة من الخبرات الإيجابية.
وقد أكدت د. مايا مرسى أن قانون الأحوال الشخصية أهم قانون للمرأة المصرية، وأضافت أن المرأة لا تستحق أن تهان فى المحاكم خلف نفقة أولادها، وحرمانها من النفقة أحد أشكال العنف ضدها، مؤكدة أنه لو لم تأخذ المرأة حقها فى عهد القيادة السياسية الحالية الذى يدعم المرأة فلن تأخذه أبدًا، فالعصر الحالى فرصة ذهبية لن تعوض لتحصل المرأة على حقوقها.
وفى فبراير 2021 أحالت الحكومة لمجلس النواب مقترحًا متكاملاً لقانون الأحوال الشخصية، ونشرت وسائل الإعلام مسودة القانون، ما أثار عاصفة من الانتقادات بسبب انتقاصه لحقوق المرأة، وانتقده عديد من المنظمات النسوية والتى عللت انتقادها بكونه لم يحسم أى مشكلة إجرائية عانت منها المرأة لسنوات طويلة، ونتيجة لهذا الجدل المجتمعى تم سحب مشروع القانون ووعد الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن القانون الجديد سيكون متوازنًا.
وفى إبريل الماضى تقدمت النائبة نشوى الديب وأكثر من عشرة أعضاء بمجلس النواب بمشروع قانون لتعديل قانون الأحوال الشخصية.
اشتمل مشروع القانون على جزأين، الأول وهو الموضوعى وتضمن 124 مادة، فيما تضمن الجزء الثانى الإجراءات التى تقع فى 5 أبواب بواقع 102 مادة قانونية، وينظم الجزء الموضوعى تعريفات محددة لحالات الزواج والطلاق والخلع ورؤية الأبناء.
ويتعلق الباب الأول بحقوق الخطبة والزواج وتوثيق عقود الزواج، ويشتمل الباب الثانى على الآثار المترتبة على الزواج وتشمل النفقة ونفقة الزوجة والعدة.
كما تضمن مشروع القانون، حقوق المطلقة فى التعويض وفقًا لعدة أمور، ونفقة الأبناء والأقارب، وكذلك أجر الحضانة وأجر مسكن الحضانة، ويتعامل مشروع القانون مع حالات العجز فى دفع النفقة.
وخصص المشروع الباب الثالث بأكمله لحالات النسب، استنادًا لعشرات القضايا المكدسة فى محاكم الأسرة بشأن إثبات النسب.
ويتضمن المشروع حالات التطليق لأسباب التفريق للعيب والتطليق بحكم قضائى أو الطلاق بالخلع أو الطلاق للضرر، وينظم المشروع حالات الرؤية والاصطحاب، وتعد حقًا من حقوق الطفل ويعاقب الممتنع عن تنفيذ ذلك.
ظلت القيادة السياسية تتابع عن كثب هذا الموضوع المهم وتتابع كل المحاولات التى تمت لتعديل قانون الأحوال الشخصية، حتى جاء التدخل الرئاسى من خلال مداخلة لبرنامج «صالة التحرير»، حيث أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي على أهمية مناقشة قضايا الأسرة والانفصال الموجودة فى المجتمع بكل أمانة وحيادية ودون مزايدة للوصول إلى حلول لتلك المشكلة.
وقال الرئيس إن هذه القضية من أخطر القضايا التى تواجه مجتمعنا وتؤثر جدًا على تماسكه ومستقبله، مشيرًا إلى أن حالات الانفصال فى الأسر زادت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة.
ودعا الرئيس السيسي الحكومة والبرلمان والأزهر الشريف والكنيسة المصرية وكافة مؤسسات المجتمع للتكاتف لإعداد قانون متزن لمشاكل الأحوال الشخصية.
وأضاف: (هنحاسب جميعًا أمام الله وهذا الموضوع فى رقبتنا كلنا علشان خاطر ولادنا وشكل وتماسك المجتمع المصرى فى الفترة القادمة).
وأكد الرئيس السيسي أننا نحتاج إلى إجراء حوار مجتمعى الأيام القادمة بهدوء وصورة متوازنة وموضوعية بمشاركة مجموعة من القضاة فى مجال الأحوال الشخصية وقضايا الأسرة سواء على منصة القضاء أو خارجها باعتبارهم لديهم التوازن الموضوعى للقضية وليست لديهم مصلحة شخصية.
وشدد الرئيس على ضرورة أن لدى هذه المجموعة الخبرة الكبيرة فى هذا المجال ولديهم رؤية تعكس الواقع الذى عاشوه خلال عملهم بالقضاء وإجراءات التقاضى.
وأشار الرئيس السيسي إلى وجود محاولات كثيرة تمت لتحقيق شكل من أشكال التقاضى الذى يساعد فى تقليل حجم النزاع والخصومة فى هذا الملف المهم.
وتابع الرئيس: اللى يهمنا نجتهد فى هذا الموضوع حتى لو اخطأنا مش عايزين نخرب ونضيع المجتمع ولازم يكون فيه عقد ملزم بين الزوجين والجميع يلتزم به ضمن إجراءات إصلاح مشكلة الأحوال الشخصية وعدم استنزاف وقت القضاء، وأن يكون هناك التزام بالعقد الموقع بين الزوجين.. العقد والقانون لازم يكون الحاكم والمنظم لمشاكل الأسرة.
وقال الرئيس السيسي إن المرأة المصرية مظلومة ولست متحيزًا لها ونحاول تحقيق التوازن فى هذا الملف، لافتًا إلى أنه لن يقبل بصدور قانون غير متوازن وهدفنا تقليل الضرر والخراب.
وأضاف السيسي: أنا مسئول أمام الله عن كل بيت مصرى.. وأتابع هذه المشكلة منذ سنوات طويلة، حيث كان شقيقى يعمل مستشارًا فى محاكم الأسرة.. معقول فى دولة أهلها مش قادرين يحسموا القضية وبأمانة وحيادية وتجرد وعدم المزايدة.
وتابع الرئيس السيسي: فى كلام أنا قلته ضمن إجراءات إصلاح الأحوال الشخصية.. قلت ما تدخلوش القضاء كثير فى إجراءات متعلقة بالنفقة والرؤية وغيرها، لكن هنتفق قبل ما نتجوز، والعقد ده مش هيبقى مخالف للشرع، طالما تم توقيع الاتفاق عليه.
وأضاف الرئيس: الخلاف فى البداية يوفر اختلافات كثيرة فى المستقبل يتحملها الأبناء.. الحاجة الثانية الدولة مسئولة وأنا بحاول يكون فى توازن، لأن إحنا نستهدف الضرر والأذى والخراب، لكن مش بنستهدف الود والمحبة بين الأسر.
وأكد الرئيس السيسي أن الشباب المقبل على الزواج إذا كان يعيش فى أسرة غير مستقرة بسبب الانفصال سيكون هذا سببا لعزوفه عن الزواج وتكوين الأسرة، مضيفًا: وهيبقى عند الشباب مشكلة فى خوض التجربة وأنا خايف يحصل عزوف من الشباب والبنات عن الزواج خلال الفترة المقبلة بسبب زيادة حالات الانفصال.
لا شك إن محور بناء الإنسان يبدأ من استقرار الأسرة، فالأسرة الهادئة المستقرة قادرة على تنشئة إنسان ينفع نفسه ومجتمعه، وأن تحقيق أى تنمية لن يتم بعيدًا عن الإنسان لأن الاستثمار فى البشر هو ما يصنع الحضارة، فكم من دول ليس لديها ثروات طبيعية، لكنها فى مقدمة الدول لأنها اهتمت ببناء الإنسان على أساس تربوى وأخلاقى.. إن مصر فى أمس الحاجة إلى بناء إنسان اجتماعيًا وأخلاقيا، واللبنة الأولى فى هذا البناء قانون عادل للأسرة المصرية يحفظ استقرارها وتوازنها ويضمن حقوق كل فرد فيها.
فالقانون هو أعلى درجات الضبط الاجتماعى دقة وتنظيمًا، وأكثرها موضوعية وينطوى على العدالة التى لا تفرق بين أبناء المجتمع.
الآن لا يستطيع أحد أن يعيد خطى الحياة إلى الوراء أو يوقف تقدمها.. لكن فقط يمكن تعديل المسار بما يوافق المرأة والرجل معا وعلاقتهما الأزلية.. ومن أجل تعديل هذا المسار وحرصا عليه كانت دعوة الرئيس للحكومة والبرلمان والأزهر والكنيسة والقضاء والمجتمع لإعداد قانون متزن للأسرة المصرية.