رئيس التحرير
الحوار الوطني ومستقبل مصر
By mkamalمايو 22, 2022, 17:52 م
959
خلال حفل إفطار الأسرة المصرية جاء إعلان الرئيس عن بدء الحوار الوطنى تحت مظلة رئاسة الجمهورية مكلفًا المؤتمر الوطنى للشباب بالإعداد للحوار وقامت الأكاديمية الوطنية للتدريب ببدء الترتيب للحوار فى الوقت الذى رحبت فيه القوى الوطنية بدعوة الرئيس وبدأت فى إعداد أوراق عمل تقدمها للحوار الوطني.
كانت المنهجية واضحة بعد أن وضع الرئيس ملامحها؛ وهى أن يشمل الحوار كل الأطياف السياسية والقضايا الوطنية للخروج برؤية ينطلق بها الوطن فى مواجهة التحديات.
وكان المحدد الواضح للحوار أن الاختلاف فى وجهات النظر لا يفسد للوطن قضية.
مجموعة من المحددات والمرتكزات والمحاور يجرى بحثها وفق أطروحات تقدمت بها العديد من القوى الوطنية مرتكزة على هدف واحد هو الحفاظ على الوطن.
بدأت الأحزاب السياسية والنقابات المهنية فى عقد مؤتمرات داخلية، فى سياق حالة من الحراك الحميد داخل المجتمع نحو هدف سام وهو الوصول إلى رؤية لمواجهة التحديات التى ضربت العالم مؤخرًا وتأثرت به الدولة المصرية.
أوراق عدة شملت كل القطاعات مما يوجب علينا أن نتوقف قليلاً قبل بدء الحوار الوطني، ويضع كل منا نفسه أمام مسئوليته الوطنية التى تستوجب عليه أن يدرك دقة المرحلة وأهمية البناء لأننا فى حاجة ماسة لاستكمال ما بدأناه.
(1)
فبنظرة متأنية ومدققة لبعض النقاط نجدنا أمام دولة استطاعت أن تبعث من جديد بقوة وإرادة شعبها، ورؤية قيادة وطنية وضعت استراتيجية دقيقة لإعادة بناء دولة مهلهلة كانت على شفا الانهيار المُهلِك الذى لا عودة بعده.
ودعونا نتوقف قليلاً عند بعض النقاط المهمة قبل الحديث عن محاور ومحددات الحوار، أهمها:
الدعوة للحوار التى أطلقها الرئيس جاءت بعد أن استطاعت مصر خلال الفترة الماضية أن تحقق ما كان عليها أن تحققه فى 50 عامًا وأكثر؛ محققة عدة قفزات ساهمت بشكل كبير فى قدرتها على امتصاص آثار الأزمة العالمية لجائحة كورونا وكذلك الآثار الأولية للحرب الروسية الأوكرانية.
فيعتبر الحوار الوطنى مرحلة مهمة فى عمر الوطن ويأتى اتساقًا مع رؤية الدولة المصرية التى وضعها الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتى جاءت وفق استراتيجية تم وضعها بدقة شديدة وفق اعتبارات الأوضاع التى كانت تمر بها البلاد ومحيطها الإقليمى والتحديات والمشكلات والتهديدات التى تواجهها.. فكانت تلك الاستراتيجية بمثابة خارطة طريق للدولة المصرية لعبور مرحلة من أصعب المراحل فى عمر الوطن.
وضعت خلالها مجموعة من الأولويات للحفاظ على الدولة وإعدادها للانطلاق نحو جمهورية جديدة، يكون الحوار هو إحدى سماتها والبناء والعمل المتواصل هو طريقها ومنهجها، والتوافق المجتمعى الدائم من أجل غدٍ أفضل ونموذج نقدمه للعالم، يستمع الجميع فيه إلى بعضهم البعض دون إقصاء أو تمييز، مع الأخذ فى الاعتبار أن من تلوثت أياديهم بالدماء ليس لهم مكان فى الحوار، والقانون هو صاحب الكلمة الفصل بشأنهم.
عملت الدولة المصرية خلال المرحلة الماضية على تثبيت أركانها، وإعادة بناء مؤسساتها، ومواجهة المشكلات بحلول جذرية، ورسم خارطة مستقبلية وبدأ العمل بها فى طريق بناء الجمهورية الجديدة.
وعقب ثمانى سنوات من العمل المتواصل استطاعت الدولة المصرية خلالها أن تعوض جزءًا كبيرًا مما فاتها وتعمل نحو مستقبل أفضل لها.
لتأتى مرحلة جديدة فى عمر الوطن «الحوار الوطني» لتعبّر عن شكل ومنهجية الجمهورية الجديدة عقب نجاح المرحلة الأولى.
ليكون الحوار الديمقراطى منهجًا، والاختلاف فى الرؤى لا يفسد للوطن قضية؛ فلا تتوقف عجلة البناء والتنمية، إنما يلفت الانتباه إلى مسارات جديدة ورؤى خارج الصندوق تساهم فى بناء الدولة.
وهنا لابد أن نشير إلى أن البعض قد يخرج علينا قائلاً: لكن حجم الدين العام قد زاد.
ويأتى الرد من جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى فى صندوق النقد الدولي، الذى وصف مستوى الدين الخارجى لمصر حاليًا بأنه غير مقلق، لأن الجزء الأساسى من الدين بالجنيه المصري.
ليس هذا فقط بل ذكر أن توقعات صندوق النقد أن تتراجع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى الإجمالى فى مصر إلى مستوى ما قبل جائحة كورونا بحلول عام 2025 أو 2026.
الأهم من ذلك أننا نذكر ارتفاع حجم الدين العام ولا نذكر حجم ما تحقق على أرض الواقع من إصلاحات فى كل القطاعات (البنية التحتية- الإسكان-التعليم-الطاقة – الصحة-الإصلاح الاقتصادى – الرى – التنمية الاجتماعية) لو تأخرت الدولة المصرية فى القيام بها خلال السنوات الثمانية الماضية لاستحال عليها تنفيذها خلال الفترة الحالية أو فى المستقبل.
فما حدث فى العالم خلال جائحة كورونا رفع حجم التضخم حول العالم، كما أن تحرير سعر الصرف أثر بشكل كبير على الأسعار مما ضاعف من حجم التكلفة.
فعلى سبيل المثال لو تأخر تنفيذ مشروع قناة السويس الجديدة، وتعميق المجرى الملاحى بقناة السويس، وإنشاء تفريعة شرق بورسعيد، لما استطاعت القناة أن تحقق الزيادة السنوية فى إيراداتها والتى بلغت 6.3 مليار دولار عام 2021، محققة أكبر قفزة فى تاريخها بزيادة سنوية مليار دولار، وذلك بفضل الرؤية المستقبلية التى وضعتها القيادة ودقة اتخاذ القرار، فرغم تأثر حركة الملاحة الدولية بالتضخم العالمى وجائحة كورونا على مدى أكثر من عامين، إلا أن خفض زمن عبور القناة جعلها أكثر جذبًا للملاحة الدولية وقد ظهر ذلك جليًا فى حادث جنوح السفينة «إيفرجرين».
وكيف تحول قطاع الطاقة من الندرة والعجز إلى الوفرة؟!
لقد استطاعت الدولة المصرية أن تحقق نجاحًا كبيرًا فى مواجهة أكبر أزمة لم تستطع الحكومات السابقة أن تواجهها بشكل شامل، وهى أزمة العشوائيات، وقدمت نموذجًا أشاد به العالم فى مواجهة تلك المشكلة.
ولم يكن نموذج حل أزمة العشوائيات هو النموذج الوحيد الذى لاقى إشادة عالمية، بل إن هناك مبادرات ومشروعات أخرى فى قطاعات مختلفة.
لتعرف مصر لأول مرة فى تاريخها طريق دخول مشروعاتها المختلفة موسوعة جينيس العالمية.
واستطاعت المشروعات الاستراتيجية أن تحمى الدولة من التأثر بالأزمة العالمية بالشكل الذى ضربت به العديد من دول العالم.
تلك النجاحات لم يكن لها لتتحقق إلا بإرادة سياسية ووعى شعب وقف خلف دولته مساندًا لها فى مواجهة التحديات وعلى رأسها مكافحة الإرهاب.
(2)
إذًا لابد أن ندرك أهمية ما تم من مشروعات خلال الفترة الماضية وضرورة مواصلة تلك المشروعات لمساهمتها بشكل كبير فى توفير فرص العمل وخفض نسبة البطالة، وكذلك خلق فرص استثمارية جديدة.
نعود هنا للحوار ومحدداته التى يجب اتخاذها حتى نخرج بنتائج إيجابية تصل بنا إلى نقاط التقاء وتوصيات يمكن تطبيقها على أرض الواقع لاستكمال الوطن لمسيرته ومواجهة أى تحديات سواء اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، من أجل مواصلة بناء الجمهورية الجديدة.
هنا نضع مجموعة من المحددات منها:
أن يشمل كل التيارات السياسية والفكرية والاجتماعية عدا من تلوثت أياديهم بالدماء.
أن يشمل الحوار كل القطاعات والفئات من خلال ممثلين لهم (نقابات، أحزاب، هيئات، جمعيات أهلية، مؤسسات علمية ومراكز بحثية).
أن يكون الحوار دوريًا ولا يقتصر على عقده لمرة واحدة.
جاء الحوار من رحم قوة الدولة ورسوخها وثباتها وسط محيط يموج بالاضطرابات لذا يجب أن يكون ذلك محددًا ومرتكزًا رئيسيًا له.
حالة عدم الاستقرار فى المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط وتأثرها بالأوضاع العالمية، فى ظل تخوفات أوروبية ودولية من موجة جديدة قد تضرب المنطقة من الإرهاب.
الأزمة الاقتصادية العالمية والتى تتطلب مواجهة ومشاركة مجتمعية فى دعم الدول فى اتخاذ قراراتها لمواجهة الأزمة وعبور تلك المرحلة.
الحفاظ على الأمن القومى واجب لا يمكن الحياد عنه أو التفريط فيه.
ما حققته الدولة خلال الفترة الماضية يجب أن يكون مرتكزًا لمواصلة البناء للحفاظ على قوة الدولة.
ما كانت عليه الدولة قبل عام 2014 من مشكلات فى البنية التحتية والاقتصاد والأوضاع السياسية والاجتماعية والصحية وحقوق الإنسان والحريات، وهو ما شكّل تحديًا كبيرًا أمام الدولة خلال السنوات السابقة استطاعت مواجهته واجتيازه.
وفق تلك المحددات ينبغى علينا أن نحدد محاور الحوار الذى يتسع لعرض كل الرؤى التى تستهدف بناء الوطن ولا تسعى للمزايدة عليه.
وهنا أتوقف مع مشهدين أثارا انتباهى الأسبوع الماضي، الأول أحد النواب السابقين فى البرلمان والذى خرج على قناة BBC البريطانية على مدى 52 دقيقة يتحدث عن الحوار الوطنى وأهمية أن يكون حوارًا ديمقراطيًا وهو يمارس ديكتاتورية فكرية فى الرأي، رافضًا أن يشارك معه فى الحوار أى من العناصر المؤيدة للدولة أو حتى ممثلى الحكومة، وكأنه يريد أن يكون الحوار بينه وبين نفسه فقط ثم يخرج بالتوصيات ويقرها هو.
المشهد الثانى هو محاولة بعض الشخصيات من النخب الحديث عن أن الحوار الوطنى جاء من رحم عدم قدرة الدولة على مواجهة الأزمة الحالية؛ وهو ما ليس بصحيح.
لقد تناسى هؤلاء تمامًا ما عرضه رئيس الوزراء وعدد من الوزراء لخطة الحكومة فى مواجهة الأزمة العالمية خلال المؤتمر الصحفى العالمي، وما ستقوم به الحكومة من إجراءات وحزم رعاية اجتماعية لتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية على المواطن.
لقد غفل هؤلاء عن أن الدولة التى استطاعت خلال ثمانى سنوات أن تتحول من شبه دولة إلى دولة تستعيد مكانتها وبقوة وتفرض إرادتها، لا يمكن لها أن تترك ملفاتها المختلفة عرضة للتأثر بعوارض دولية، خاصة أن استراتيجية الدولة المصرية بنيت على مجموعة من المرتكزات والمحددات التى كان على رأسها محيطها المضطرب.
فخ المستريح
بعد القبض على أكثر من مستريح استطاعوا الحصول على مليارات الجنيهات من المواطنين ممن يبحثون عن الربح السريع بعيدًا عن المسار القانونى (البنوك) أو الاستثمار.
يجب علينا دراسة المشكلة بعمق خاصة أن من سقط ضحية هؤلاء تنوعت مستوياتهم الفكرية، فلم يحصل هؤلاء على أموال البسطاء ومحدودى الفكر فقط، بل إن جزءًا كبيرًا ممن سقطوا فى فخ هؤلاء النصابين لديهم قدر كبير من الثقافة والوعي.
إن ما حدث يستوجب دراسة تلك الحالة من كل جوانبها.