صالون الرأي
مؤلف لكل مواطن
By amrأكتوبر 31, 2022, 17:12 م
955
فى الوقت الذي تعاني فيه صناعة النشر فى العالم كله من أزمة كبيرة بسبب الارتفاع الجنوني فى أسعار الورق، وفى الوقت الذي لا تحقق فيه معظم الكتب توزيعًا يذكر بسبب انصراف القراء خاصة من الشباب عن القراءة إلى مواقع التواصل الاجتماعي وقناة “اليوتيوب”، فإن هناك كمًا كبيرًا من الكتب التي يتم طبعها كل يوم، والإعلان عنها وعن حفلات توقيعها.
ويُحكى أن أشر خفيف الظل التقى صدفة على أحد مقاهي وسط البلد، كاتبًا من المعروفين بإنتاجهم الغزير، فقال له: “جرى إيه يا أستاذ.. أنت بتضيع وقتك فى الكلام.. ما تروح علشان تلحق بسرعة تخلص الكتاب بتاع النهاردة”!
والحقيقة أن كتب هذا المؤلف وكثيرين مثله، تنتمي إلى النوعية التي يمكن أن نطلق عليها الكتب الخفيفة ذات العناوين الجاذبة والمضامين المسلية، والتي تستهوي جمهور الشباب، وهذا النوع من الكتب معروف فى أمريكا والغرب، ويحقق أرقام مبيعات كبيرًا، مثله مثل نوعية كتب التجارب الشخصية والسير الذاتية للمشاهير وغير المشاهير.
ولا أحد يكره أن يتشجع الهواة ليؤلفوا كتبًا.. لكن يجب أن يكون لديهم الحد الأدنى من الموهبة، وألا يصبح دافعهم الوحيد للتأليف والتوليف هو أن”يلطعوا” أسماءهم الكريمة على مجموعة من الأوراق بين غلافين ثم يسمونها كتابًا! وسوق الكتب عامرة هذه الأيام بتلك النوعية، وكل من يملك خمسة أو ستة آلاف جنيه يدفعهم لصاحب دار نشر، ويصدر له كتابًا خلال أيام قليلة.
وكلما التقيت صديقًا الآن يسألنى عن صحتى ثم يعطينى نسخة من كتابه الجديد، وأذكر أن زميلاً قال مرة لواحد من “المؤلفاتية” إياهم والذين يصدرون كل شهر كتابًا: يا أخى أنا مش ملاحق عليك إهداءات.. إزاى انت ملاحق علينا كتابة”! فالموضوع أصبح أسهل من شكة الدبوس، وكل من أمسك ورقة وقلما يريد أن يصدر كتابًا، وطبعا هذا ليس عيبا ومن حقه، لكن هذا الزحام الشديد فى الكتاب أصبح يشبه كثيرا زحمة أهل المغنى، وكما أصبح لدينا مطرب ومطربة لكل مواطن، لدينا الآن مؤلف كتب لكل قارئ، والنتيجة هى ضياع المواهب الحقيقية وأصحاب الأفكار الجادة والمحاولات الجدية، وسط هذا الزحام والتزاحم على إصدار الكتب.
والأغرب والأعجب أن حركة إنتاج النشر فى رواج مستمر، فى حين أن حركة القراءة فى تراجع دائم، وهو لغز من ألغازنا كمصريين ليس لدىَّ تفسير له سوى أننا أكثر شعوب الأرض حبًا للتباهى والفشخرة، وإذا كنا زمان نشترى الكتب ونرصها فى المكتبة ولا نقرأها لمجرد أن نتباهى بأننا مثقفون ولدينا مكتبات ضخمة وأعداد هائلة من الكتب فى بيوتنا، فإننا نتباهى الآن بأننا من أصحاب الكتب ومن السادة المؤلفين.
وقل لى كم كتابًا ألفت.. أقل لك كم دفعت لتحصل على لقب كاتب!