https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

صناعة التعليم والاستثمار فى العقول

1871

«بر عنخ» أو بيت الحياة أول مدرسة فى تاريخ الإنسانية كانت مصرية فلم تكن فكرة التعليم جديدة على المصريين ونحن من الأوائل فى اختراع الكتابة وارتبط التعليم منذ نشأته بدور العبادة فكان ملحق بالمعابد الفرعونية، وبدخول المسيحية مصر سنة 60م ألحقت المدارس بالكنائس,وعند الفتح الإسلامى ظهرت المدارس الملحقة بالمساجد,ثم توالى بعد ذلك إنشاء المدارس خلال الدولة الأيوبية والطولونية والإخشيدية والمملوكية التى ازدهرت خلالها حركة إنشاء المدارس,ومع بدايات مصر الجديدة بدأت ملامح جديدة على ممارسات التعليم ونقل خبرات التعليم من الغرب الحديث والاستفادة ليس فقط من نقل المناهج عبر حركات الترجمة وبل إنشاء منظومة تعليمية تضمن صيرورة الأهداف فكانت مدارس الألسن والطب والمهندسخانة والتمريض والعسكرية المتنوعة، وكان الانفتاح على العالم الحديث يتمثل فى البعثات العلمية فكانت أول بعثة لأوروبا أرسلها محمد على لإيطاليا، ثم البعثة الكُبرى لفرنسا، وتلتها بعثة ثالثة لفرنسا وإنجلترا ضمت 108 طلاب، وبعثة رابعة إلى إنجلترا، وآخر البعثات إلى فرنسا والنمسا وإنجلترا وسُميت ببعثة الأنجال حيث ضمت 112 طالبًا كان منهم بعض من أبناء وأحفاد محمد على .
وفى1836 تأسس مجلس شورى المدارس ويتبع ديوان الجهادية، وانفصل باسم ديوان المدارس فى 1837 وأصدر لائحة التعليم الابتدائى التى حددت الدراسة بثلاث سنوات من سن الثانية عشرة إلى الخامسة عشرة، لينظم الحراك التعليمى، إلى أن أُهمل التعليم فى عهد عباس الأول ثم سعيد الذى أغلق المدارس وضيق الخناق على التعليم حتى أصبح ديوان المدارس لا يشرف إلا على مدرستين «المهندس خانة والطب»، حتى أُلغى فى1854، ثم عادت الدولة المصرية على مسار التعليم فى عهد إسماعيل الذى أنشأ مجلس المعارف للمشورة فى أمور التعليم 1868 وتولى على مبارك نظارة المعارف وخطط لإتاحة التعليم لكل من يرغب دون تمييز كما وضع أول تخطيط علمى لمشروع التعليم القومى وسُمى بلائحة رجب!!
عارض الاحتلال البريطانى إنشاء جامعة مصرية فتشكلت لجنة من الوطنيين لافتتاح جامعة أهلية1908 بحضور الخديوى عباس الثانى، ولم يكن للجامعة مقر دائم فكانت المحاضرات تُلقى فى قاعات متفرقة حتى اتخذت لها مكانًا فى سراى نستور جناكليس، ثم انتقلت إلى سراى محمد صدقى بشارع الفلكى وصدر 1925 مرسوم بقانون إنشاء الجامعة المصرية، وفى1928 بدأت الجامعة فى إنشاء مقار دائمة لها فى موقعها الحالى، وفى1940 تم تغيير اسمها إلى جامعة فؤاد الأول، ثم أنشئت جامعة فاروق الأول بالإسكندرية 1942 وتضم كليات الآداب والحقوق والطب والعلوم والهندسة والزراعة والتجارة وفى1950 أنشئت جامعة إبراهيم باشا الكبير بالعباسية، وعقب ثورة يوليو فى 1953 صدر مرسوم بتعديل أسماء الجامعات إلى جامعتى القاهرة والإسكندرية وفى1954 تغير اسم جامعة إبراهيم باشا إلى جامعة هليوبوليس ثم إلى عين شمس.
أثمرت تلك النهضة التعليمية أدباء وشعراء ومهندسين ومسرحيين وإذاعيين وفنانين ونقاد وصحفيين وأطباء وضباطًا وعلماء ورياضيين شكلوا وجدانًا مصريًا نقيًا وحصنوا الوعى الوطنى حتى صاغوا هوية ثقافية ناضلت ضد الاستعمار والدنس وانتصرت سريعًا بعد كبوات الهزيمة وشيدت مصر الحديثة السد العالى والقناطر والمدن والطرق ومصانع الحديد والصلب والألومنيوم والغزل والنسيج والزيوت والسكر والمصانع الحربية والشركات الهندسية المتنوعة التى شاركت فى بناء إفريقيا والشرق الأوسط، التى على آثارها نعيش اليوم ونترحم على زمانهم الجميل.
وما زال المعلم المصرى يذكره الآباء فى الخليج والمغرب العربيين ومازالت برامجه التعليمية عالقة بأذهان الفلسطينيين الذين عانوا من طمس الاحتلال البريطانى لمعالمهم التاريخية وفرض تدريس التاريخ اليهودى على أطفال فلسطين حتى قدمت مصر مناهج القومية العربية، ومازال الآباء فى اليمن السعيد (قديما!) يتذكرون المعلم المصرى، ولقد أظهرت العديد من التقييمات الدولية تقدم هذه الدول فى جودة التعليم على مستوى العالم كالإمارات الـ 10 عالمياً والبحرين 33 والسعودية 54 كما حصلت فنلندا الأولى عالميًا 2015 ليس لسبب إلا اعتمادها التعليم هدف لتأكيد الهوية للمواطنين، وحصلت سويسرا 2017 على المركز الأول.
أتذكر ما قاله سيمون رودريجز: (يجب أن يدرس الفتيان والفتيات معا فى المدرسة، أولا: بهذه الطريقة يتعلم الرجال منذ طفولتهم أن يحترموا النساء، ثانيا: يجب أن تصبح النساء صاحبات مهن لكى لا يجعلن من الزواج وسيلة لتأمين الغذاء، إن ذلك الذى لا يعرف شيئا يمكن أن يخدعه أى شخص).
وأتوقف عند هاردى مسئول السياسة التعليمية فى المستعمرات الفَرنسية: (إن القوة تبنى الإمبراطوريات، ولكنها ليست هى التي تضمن لها الاستمرار والدوام،إن الرؤوس تنحنى أمام المدافع، فى حين تظل القلوب تغذى نار الحقد والرغبة فى الانتقام، يجب إخضاع النفوس بعد أن تم إخضاع الأبدان)، وهو الذى أشار بالتعليم الاستعمارى إلى أهداف بعيدة المدى لليهود المغاربة ليكونوا قادرين على إعمار «الأرض الموعودة»، فيقول: «ومَن يدرى، فإذا كان بعضهم متأكدًا من أنه سيجد نفسه يوما يعيش فى طمأنينة الأرض الموعودة – فلسطين – فما عليهم إلا أن يُقبِلوا منذ الآن على المدارس الفلاحية».
من هنا لنا أمران، الأول: مع انتشار الجامعات والمعاهد والمدارس (الإنترناشينال) والفرنسية والكندية والألمانية والبريطانية والروسية والأمريكية فى مصر(بالمناسبة منذ القرن17) وسعيها الدؤوب فى تحديث التعليم فى مصر ولا غبار إن كان الأمر طوباوى ومثالى (وهو من المؤكد غير ذلك كما يُشير هاردى) وممارسات البرامج التعليمية العالمية ودروس الوطنية غير الموجودة وتحية العلم المتغافل عنها والأدهى دراسة تاريخ العالم الحديث وجولات الصراع بما يشير إلى تشويه التاريخ الحديث للمصريين! وتدفع الأسرة المصرية عشرات الآلاف من أجل التعليم الدولى الذى يبث سرطان الاغتراب وفقدان الهوية، والأمر الثانى هل سيهتم عام التعليم 2019 بالمصريين فى المهجر(بشكل أو بآخر) حتى يتم تحصين الوعى لديهم بالحقائق وتحصين انتمائهم لمصر من الادعاءات والأكاذيب الموضوعة عمدًا.
ومن منطلق الدستور الذى اختص التعليم بست مواد من المادة 19 حتى المادة 25، حيث كفلت المادة 19 حق التعليم لكل مواطن وأن هدفه بناء الشخصية المصرية والحفاظ على الهوية الوطنية وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار والتزام الدولة بتوفيره وفقًا لمعايير الجودة العالمية، وأن التعليم إلزامى حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها وتكفل الدولة مجانيته وتلتزم بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومى الإجمالى له تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية،وتشرف الدولة عليه لضمان الالتزام بالسياسات التعليمية لها، واختصت المادة 20 بالتعليم الفنى والتقنى والتدريب المهنى وتطويره والتوسع في أنحائه بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل وأكدت المادة 22 على أن كفالة ورعاية الدولة لحقوق وتنمية كفاءة المعلمين وأعضاء هيئات التدريس واهتمت المادة 24 باللغة العربية والتربية الدينية والتاريخ الوطنى كمواد أساسية فى التعليم، وأكدت المادة 25 على التزام الدولة بالقضاء على الأمية التى وصلت كما يشير إحصاء 2017 إلى 28.8 مليون مواطن غير ملتحقين بالتعليم ومتسربين ومنهم عدد الأميين 18.4 مليون نسمة، مصر الجديدة تستحق 2019عاما للتعليم بحق كما ينبغى أن يُعيد للمصريين صدارتهم الحضارية إقليميًا(عربيًا وإفريقيًا) تتلازم فيه صناعة التعليم واستثمار العقول مع كونه رسالة هوية ووجود.