هل تحققت العدالة الاجتماعية التي نادى بها الشعب خلال ثورتيه 25 يناير و30 يونيو؟ سؤال يطرحه الكثيرون، سؤال يحتاج إلى إجابة، خاصة في ظل فوضى المعلومات غير الدقيقة ومعارك الشائعات الضارية التي تحترفها جماعات تزييف الوعي وتغييب العقول.
وللإجابة عن السؤال السابق لابد أن نطرح مجموعة من الأسئلة الأخرى منها:
ـ هل المشروعات القومية التي تقيمها الدولة المصرية لها علاقة بتحقيق العدالة الاجتماعية التي طالب بها الشعب؟
ـ هل ما قامت به الدولة خلال السنوات الأربع الماضية سيكون له تأثير على تحقيق العدالة الاجتماعية؟
ـ هل برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي زاد من حجم معاناة الأسرة المصرية خاصة من محدودي الدخل يحقق العدالة الاجتماعية؟
ـ كيف يمكن لرفع الدعم عن المواد البترولية والطاقة أن يصب في مصلحة المواطن البسيط؟!
كل تلك الأسئلة وغيرها الكثير مما يدور فى أذهان المواطنين ويمتلئ الشارع بالحديث عنها يجب أن تجد لها إجابة كاشفة، توضحها الأرقام التى نؤمن جميعًا أن لغتها (لغة الأرقام) هى الأكثر دقة وواقعية، ودائمًا لا تكذب.
ولأن للمواطن الحق فى المعرفة.. كان لا بد لنا أن نفتح هذا الملف بالكامل ونناقش تفاصيله.. فبداية الإصلاح الحقيقى أن يكون هناك وعى مجتمعي وإيمانا بحجم ما يتم على الأرض من أعمال وذلك للحفاظ على ما تم إنجازه والعمل على تطويره من أجل غد أفضل.
جاءت المطالبة بالعدالة الاجتماعية كأحد المطالب الأساسية للثورة فى يناير 2011 واستطاعت ثورة يونيو أن تحقق ما لم يتم تحقيقه عقب ثورة 25 يناير، أو قبلها.. وحرصت الدولة المصرية على مدى السنوات الأربع الماضية على تحقيق مطالب الثورة.. لتصبح العدالة الاجتماعية واقعا ملموسا (عدالة يونيو) من خلال مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية والمشروعات القومية وتطوير البنية الأساسية والاهتمام بالإنسان (الصحة، التعليم،البحث العلمى، الخدمات، الأجور، المعاشات، برامج الرعاية الاجتماعية) كمرحلة أولى فى برنامج تحقيق «عدالة يونيو».
ولم يكن ليتحقق ذلك ما لم يتم إنشاء بنية أساسية قوية قادرة على استيعاب حركة تنمية واسعة فى كافة أنحاء الجمهورية وتوفير شبكة من الطرق تتصل بكافة الموانئ والمطارات وإنشاء عدد من المدارس والمستشفيات النموذجية والتوسع فى إنتاج الطاقة ومحطات مياه الشرب والصرف الصحى والمشروع القومى للإسكان الاجتماعى والقضاء على العشوائيات، ومشروع قناة السويس الجديدة والتوسع فى التنقيب عن البترول والغاز الطبيعى، والعمل على زيادة حجم القيمة المضافة للمنتج المصرى مما يحقق أعلى عائد اقتصادى، وإصلاح التشوه الذى أصاب منظومة الدعم حتى يصل إلى مستحقيه، ويرتفع معه حجم الدخل القومى، الذى يرتفع على أثره مستوى دخل الأسرة.
المشروعات القومية
الطرق: أنشأت الدولة خلال السنوات الأربع الماضية 4196 كم من الطرق ضمن المشروع القومى للطرق، بالإضافة إلى تطوير وصيانة عدد من الطرق وإنشاء أكثر من محور مرورى مثل الدائرى الإقليمى والدائرى الأوسطى، وطريق هضبة الجلالة للحد من الحوادث على طريق البحر الأحمر الساحلى، وعدد من الطرق الحرة مثل طريق بنها الحر وهو ما يترتب عليه تقليل زمن السفر والنقل والقضاء على الكثافات المرورية والتكدس، كما يقلل من حجم استهلاك الوقود.. فبعد أن كان الانتقال من بنها إلى القاهرة يحتاج إلى ساعتين ونصف الساعة فى معظم الأحيان، أصبحت المدة 20 دقيقة فقط مما يخفف العبء عن اقتصاديات مستخدمى الطريق، كما ساهمت شبكة الطرق فى إنشاء عدد من المدن الصناعية الجديدة مثل مدينة «دمياط للأثاث» والتى توفر 100 ألف فرصة عمل مؤقتة و30 ألف فرصة عمل دائمة لأبناء محافظة دمياط وبورسعيد والدقهلية.
كذلك مدينة «الروبيكى للجلود» والتى أنشئت بالقرب من طريق السويس والدائرى الإقليمى لتصل منتجاتها إلى كافة موانئ الجمهورية (السويس، السخنة، دمياط، الإسكندرية) وتصدير منتجاتها إلى الخارج ويصل حجم فرص العمل التى توفرها مدينة الجلود 25 ألف فرصة عمل مباشرة ودائمة و120 ألف فرصة عمل غير مباشرة.
كل تلك المشروعات لولا توافر البنية الأساسية القوية ما كانت سترى النور، كما أنها ساهمت فى توفير فرص عمل ورفع مستوى معيشة العاملين بها.
بلغت تكلفة المشروع القومى للطرق 20 مليار جنيه عملت به أكثر من 20 شركة كبرى متخصصة فى مجال المقاولات وإنشاء وبناء ورصف الطرق وأكثر من 100 شركة تقدم الخدمات المعاونة، وفرت على مدى أربع سنوات أكثر من 3 ملايين فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة ساهمت فى زيادة دخل الأسرة للعاملين فى تلك المشروعات.
الإسكان: تم توفير 100 مليار جنيه من الدعم لتمويل مشروعات الإسكان الاجتماعى فقد أطلقت الدولة مشروعها القومى بإنشاء 1.8 مليون وحدة سكنية إسكان اجتماعى وقامت بزيادة حجم الدعم لها والذى كان 15 ألف جنيه للوحدة السكنية الواحدة ليرتفع إلى 25 ألف جنيه ثم 40 ألف جنيه قيمة الدعم للوحدة.
تحملت الدولة تكاليف الشقق الخاصة بسكان المناطق الخطرة والعشش، ونقلت السكان إلى مناطق تليق بالمصريين مثل مشروع الأسمرات وغيط العنب وغيرها.
كما طورت الدولة 46 منطقة تعانى العشوائيات بمحافظتى القاهرة والجيزة بالتعاون مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة و 78 قرية تعانى الفقر والعشوائية ونقص التنمية فى 26 محافظة بإجمالى تكلفة 20 مليار جنيه خلال 4 سنوات.
استطاعت الدولة توفير تلك المبالغ من خلال طرحها لعدد من الشقق والأراضى غير المدعمة والتى تحقق هامش ربح مثل إسكان مصر والأراضى المتميزة والأكثر تميزًا.
تمت زيادة حجم الدعم لتمويل تطوير المناطق العشوائية إلى 15 مليار جنيه فى الموازنة الجديدة للدولة.
كما أن التركيز على قطاع المقاولات كان له هدف مهم وهو توفير أكبر عدد من فرص العمل والتى بلغت 6 ملايين فرصة عمل، خاصة أن ذلك من القطاعات كثيفة العمالة، بالإضافة لكونه أحد القطاعات المهمة المساهمة فى بناء البنية الأساسية للدولة.
استطاعت الدولة أن توفر السكن الآمن لمواطنى العشوائيات بالمجان والإسكان الاجتماعى لمحدودى الدخل بدعم وصل إلى 40 ألف جنيه للوحدة السكنية، وإقامة بنية تحتية من شبكات مياه شرب وصرف صحى وطرق من خلال عائدات بيع الوحدات السكنية المميزة والأكثر تميزا وأيضًا قطع الأراضى وهذا أحد أوجه العدالة الاجتماعية.
قناة السويس الجديدة: شاركت فى عملية حفر قناة السويس الجديدة أكثر من 80 شركة مصرية خلال عام وفرت أكثر من 150 ألف فرصة عمل مباشرة وأكثر من 200 ألف فرصة عمل غير مباشرة.
تكلف حفر قناة السويس الجديدة 20 مليار جنيه استطاعت الزيادة فى إيرادات قناة السويس خلال عام واحد فقط أن تغطى تكلفة الحفر.
زاد حجم وعدد السفن العابرة لقناة السويس والذى من المتوقع أن يضاعف دخل القناة إلى 10 مليارات جنيه سنويًا بحلول 2023، بل قد يسبق هذا التاريخ بعد أن زاد حجم دخل القناة 600 مليون دولار خلال العام المالى 2017 – 2018.
ساهم حفر القناة الجديدة فى تقليل وقت العبور إلى النصف مما زاد من عوامل جذب الملاحة العالمية لها وهو ما أثر إيجابيًا على إقامة عدد من المناطق الصناعية العالمية فى شرق بورسعيد ودمياط وباقى مدن محور قناة السويس كأحد أهم المناطق الاقتصادية الواعدة فى منطقة الشرق الأوسط.
تم إنشاء 4 أنفاق للعبور أسفل القناة يتم افتتاحها أكتوبر المقبل بإذن الله، تنقل سيناء إلى عصر التنمية الحقيقية، حيث ستتم زراعة 400 ألف فدان بوسط سيناء وإنشاء مدينة صناعية ومدينة «سلام» بشمال سيناء، كما تمت إقامة مطار بوسط سيناء لنقل المنتجات بالإضافة إلى تسهيل انتقال المنتجات للسوق المحلى من خلال شبكة الطرق القومية.
كل تلك المشروعات وفرت فرص عمل فى مختلف القطاعات مما ساهم فى تراجع حجم البطالة من 12% إلى 10.6% بحسب آخر إحصاء للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، إضافة إلى مشروعات الاستزراع السمكى والتى استهدفت تقليل الفجوة فى كميات البروتين الحيوانى من خلال توفير الأسماك بأقل الأسعار.
الرعاية الصحية:
فيروس C: تم علاج أكثر من 2 مليون مصاب بفيروس الكبد C بتكلفة 4 مليارات جنيه، ويجرى حاليًا فحص أكثر من 12 مليون شخص وهو ما جعل مصر فى مقدمة الدول التى استطاعت أن تسيطر على المرض وتحقق أعلى نسبة علاج له، مما جعل منظمة الصحة العالمية تضع التجربة المصرية فى علاج فيروس C من أهم التجارب العالمية التى يجب الاقتداء بها.
ويعد علاج فيروس C أحد أوجه العدالة الاجتماعية التى حققتها ثورة يونيو وهى الرعاية الصحية ويجرى استكمالها من خلال منظومة القضاء على قوائم الانتظار والجراحات العاجلة كأحد الطرق المعاونة لتوفير الرعاية الصحية للمواطن المصرى بشكل لائق فى ظل تطبيق مشروع التأمين الصحى الشامل.
ـ لقد جاء برنامج الرئيس الذى أطلقه فى خطابه أمام البرلمان عقب أداء اليمين الدستورية بداية شهر يونيو الماضى ليوضح خطة الدولة فى تنفيذ العدالة الاجتماعية خلال السنوات الأربع القادمة والتى حددها بسنوات بناء الإنسان وتصدر برنامج حكومة د. مصطفى مدبولى.
كما جاء قرار رفع الدعم الجزئى عن المحروقات ضمن حزمة قرارات الإصلاح الاقتصادى من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية حيث تم توجيه ناتج ذلك إلى التعليم والبحث العلمى والصحة والتموين وزيادة الرواتب والمعاشات وبرامج الحماية الاجتماعية والتى جاءت كالتالى:
زيادة ميزانية التعليم للعام المالى 2018/2019 بزيادة قدرها 13.6مليار جنيه لتصل إلى 120 مليار جنيه، كما تم العمل على إنشاء 200 ألف فصل خلال السنوات الأربع القادمة بواقع 50 ألف فصل سنويًا لتقليل حجم الكثافة داخل الفصول وكذا مدارس الفترتين التى تم تخفيض عددها بنسبة 90% بعد إنشاء أكثر من 30 ألف فصل دراسى.
زيادة دعم المعاشات والمزايا الاجتماعية بنسبة 101.4 مليار جنيه، وكذا زيادة الدعم السلعى ليصل إلى 194.3 مليار جنيه ودعم برامج الرعاية مثل تكافل وكرامة وغيرها ليصل إلى 20 مليار جنيه، وزيادة دعم التعليم العالى ليصل إلى 100 مليار جنيه، بالإضافة إلى الإبقاء على دعم الطاقة للفئات الأولى بالرعاية ومحدودى الدخل والطبقة المتوسطة وفق الشرائح المعمول بها.
تفاصيل كثيرة ترد على تساؤلات البعض.. تعرضت إلى جزء منها فى السطور الماضية، ويعرضها الزملاء فى الملف الذى يحمل عنوان «للعدالة وجوه كثيرة» فى هذا العدد والذى يلقى الضوء على خطة تحقيق العدالة الاجتماعية التى تحرص الدولة عليها خلال الفترة المقبلة، وتوجيه الدعم إلى مستحقيه بشكل صحيح وهو ما يعد بمثابة تصحيح لمسار منظومة الدعم المشوهة والتى كان يستفيد منها فى السابق غير المستحقين.